6 سبتمبر 2023

لماذا تأتي كهرباء غزة 4 ساعات في اليوم؟ 

لماذا تأتي كهرباء غزة 4 ساعات في اليوم؟ 

مع كلّ  موجة حرّ  تصيب البلاد، تعود أزمة الكهرباء في قطاع غزة إلى الواجهة. كان آخرها في تمّوز/ يوليو، حين ضجّ سكّان القطاع على قرار شركة توزيع الكهرباء بتقليص ساعات وصول التيار الكهربائي لأقل من 6 ساعات يومياً. 

ما زاد الطين بلّة، أنّ هذا التقليص جاء بعد أشهر قليلة من إلزام شركة توزيع الكهرباء عشرات آلاف الأسر بتركيب ما يعرف بـ "العدادات الذكية". بموجب ذلك، ستصل تكلفة الكهرباء في الأوقات التي من المفترض أن تكون مقطوعة فيها إلى 1.5 شيكل لكل كيلو واط، وهو سعر يفوق تكلفة بيع الكهرباء في الوضع الطبيعي بثلاثة أضعاف (سعر كيلو واط من الكهرباء 0.5 شيكل)، كما يتحمّل الناس تكلفة شراء العداد الذكي بمبلغ يتراوح بين 600-800 شيكل.

ما تراه اليوم يعود إلى العام 2006، حينما تولت حركة "حماس" مقاليد الحكم في القطاع بعد فوزها في انتخابات المجلس التشريعي في كانون الثاني/ يناير من ذات العام. على إثرها، وكجزء من سياسة العقاب الجماعي على سكان القطاع الذي ساند خيار المقاومة، فرضت "إسرائيل" حصاراً خانقاً أضرّ بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي.

خطر الموت!

بعد مرور ستة أشهر على تشكيل حماس لحكومتها في غزة، وتحديداً بعد عملية الوهم المتبدد التي نتج عنها أسر المقاومة في غزة للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، شن سلاح الجو الإسرائيلي سلسلة من الغارات الجوية استهدفت محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة بستة صواريخ، أدت لتعطل مولداتها وخروجها عن الخدمة، ليدخل القطاع منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا في دوامة لم تنته من انقطاعات للتيار الكهربائي.

طيران الاحتلال يقصف للمرة الثانية في شهر تموز 2014، محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة، ويلحق أضراراً كبيرة بها. (تصوير: أشرف عميرة\ وكالة الأناضول)

ساد الظلام أحياء غزة في السنوات الأولى من الحصار (2006-2009)،1ينظر لهذه الحقبة على أنها الأكثر سوداوية في فترة الحصار الإسرائيلي على القطاع، إذ رافقها جولتان من التصعيد الإسرائيلي؛ أوّلها صيف عام 2006 وثانيها "حرب الفرقان" شتاء العام 2008-2009. إذ انهارت البنى التحتية وأصيبت القطاعات الحيوية الأساسية في جهاز الصحة والتعليم والبلديات بالشلل، وتوقفت المصانع والورش عن العمل، بعد أن اقتصرت ساعات وصول التيار الكهربائي على 2-4 ساعات يومياً. 

اقرؤوا المزيد: التهمنا الحصار.. فاجعة مخيم جباليا

أما الساعات الكثيرة من انقطاع الكهرباء، فكان الناس يستعيضون عنها بالشموع والوسائل البدائية غير الآمنة، إذ تسبّبت هذه الاستعمالات باندلاع الحرائق والكثير من حالات الاختناق، فمنذ 2008 وحتّى 2018 تجاوز عدد من لقوا مصرعهم إثر ذلك الـ 32 شخصاً.

أوراق للابتزاز أو من أين يأتي التيّار؟

يعتمد قطاع غزة، البالغ مساحته 365 كم، على مصدرين رئيسيين لتوليد الكهرباء: الأول؛ محطة توليد الكهرباء التي تقع وسط القطاع، وتبلغ قدرتها التشغيلية بمولداتها الأربعة 120 ميغا واط، ولكن جراء التهالك المستمر للمحطة نتيجة القصف الإسرائيلي المتكرّر ورفض الاحتلال إدخال معدات الصيانة اللازمة لها، أصبحت تعمل بنحو نصف طاقتها التشغيلية عند 60-65 ميغا واط.

أما المصدر الثاني؛ الجانب الإسرائيلي، والذي يمد القطاع بنحو 117 ميغا واط عبر 10 خطوط نقل كهربائية. يضاف لذلك مصادر ثانوية للطاقة المتجددة المعروفة بالخلايا الشمسية، وهي توفر في أحسن الأحوال نحو 20 ميغا واط، ليكون إجمالي الموارد المتاحة من الكهرباء حوالي 220 ميغا واط.

في حين تصل الأحمال في الأيام العادية لنحو 400-450 ميغا واط، وفي حين ترتفع في أوقات الذروة لنحو 600-650 ميغا واط، يتجاوز الاستهلاك المحلي في الأيام العادية ضعف القدرة التشغيلية وضعفي الاستهلاك المحلي في أوقات الذروة، تحديداً في فصلي الشتاء والصيف.

أدى هذا الوضع لأن تعمل شركة توزيع الكهرباء على توزيع الأحمال بين مناطق القطاع عبر جدول توزيع يكون في الأيام العادية 8 ساعات وصل ومثلها ساعات قطع، ولكن في أوقات الذروة وازدياد الأحمال في فصلي الصيف والشتاء لا تتجاوز ساعات الوصل عن 4-6 ساعات، وساعات القطع تصل ما بين 12-14 ساعة.

قلص هذا الوضع من قدرة محطة توليد الكهرباء على التعامل في أوقات الطوارئ، فعلى سبيل المثال؛ في أوقات التصعيد الإسرائيلي أو فترة الأعياد اليهودية التي تغلق فيها دولة الاحتلال معابر القطاع، يدخل القطاع مرحلة الطوارئ، إذ أن السولار المتوفر في صهاريج محطة التوليد ينفذ بعد 7 أيام فقط من إغلاق المعابر.

اقرأوا المزيد: غزّة.. مدينة المولدات التجارية

لم يخلُ الأمر من تعقيد إضافيّ متعلّق بوجود حكومتين، واحدة في رام الله والأخرى في غزّة. تدير حكومة رام الله ما يعرف بسلطة الطاقة، وهي المسؤولة عن تشغيل محطة توليد الكهرباء في غزة، في حين تدير حكومة غزة شركة توزيع الكهرباء عبر لجنة العمل الحكومي التابعة لها.

والمبدأ المعمول به في هذه المعادلة، هو أن شركة توزيع الكهرباء تشتري الطاقة من محطة التوليد لتبيعها للسكّان، ثم ترسل محطة التوليد الإيرادات لخزينة السلطة في رام الله عبر سلطة الطاقة. إلا أن السلطة لم تتردد في كثير من الأحيان بابتزاز حماس سياسيّاً من خلال هذا الملف، عبر تعطيل محطة التوليد عن العمل في أكثر من مرة بحجة عدم توفر إيراد كافي لشراء الوقود.

أوروبا تدخل على الخط 

على ضوء كارثة الكهرباء هذه، بدأت تدخّلات إقليمية ودولية تظهر على شكل دعم وتمويل. تقدّم الاتحاد الأوروبي عام 2009 بمشروع صيانة جزئية لمحطة الكهرباء لتعود إلى العمل بنصف طاقتها التشغيلية، كما قام بشراء الوقود اللازم لتشغيلها بدفع ما قيمته 50 مليون شيكل شهرياً (13 مليون دولار)، وهذه تشتري 8800 متر مكعب من الجانب الإسرائيلي قادرة على إنتاج 60-65 ميغا واط. 

استمر الأوروبيين في تمويل هذا المشروع حتى العام 2014، عندما فرضت السلطة في رام الله ضريبة "البلو"2هي إحدى أنواع الضرائب التي تجبيها السلطة عن كل لتر من المحروقات يدخل الأراضي الفلسطينية، وتصل قيمتها لنحو 100% من سعر التكلفة. على الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء في غزة، فتراجعت قيمة المشتريات من السولار الممولة أوروبياً للنصف عند 4500 متر مكعب، ما أثّر سلباً على القدرة التشغيلية للمحطة.

في عام 2009 أيضاً، وتحديداً بعد انتهاء "حرب الفرقان"، أمدت مصر غزة بـ 17 ميغا واط وصلت عام 2012 إلى 22 ميغا واط، على أن تشتري حكومة رام الله هذه الكميات من الكهرباء وتحول قيمتها لمصر. سرعان ما توقف هذا المشروع عام 2017، بعد أن امتنعت حكومة رامي الحمد لله عن دفع الفواتير للجانب المصري كجزء من العقوبات التي فرضتها على قطاع غزة آنذاك، والتي شملت أيضاً اقتطاع جزء من رواتب الموظفين.

عقوبات ومنح

أدت عقوبات السلطة (منها توقف السلطة عن دفع مستحقات كهرباء غزة) التي فرضتها على قطاع غزة في النصف الأول من العام 2017 إلى ضغط شعبي دفع بحركة حماس لتفعيل أدوات الضغط الشعبي، عبر الدعوة لما يعرف بـ"مسيرات "العودة وكسر الحصار" في مارس/ آذار من العام 2018، وذلك لتشكيل صدام مباشر مع دولة الاحتلال تدفعه للتخفيف من آثار الحصار. 

اقرؤوا المزيد: المقاولات في غزّة.. بين الحصار الإسرائيلي وعقوبات السلطة

برز الدور القطري آنذاك كوسيط للتهدئة على إثر مسيرات العودة، إذ خصّصت قطر مبلغ 60 مليون دولار، بواقع 10 ملايين دولار شهرياً، لشراء الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء، وذلك كتعويض عن قيمة ما كانت تدفعه السلطة للجانبين المصري والإسرائيلي.

مطلع آب/ أغسطس 2023، أعلنت قطر عن تمويل إضافي لشراء الوقود لتشغيل مولد رابع، بواقع 13.3 مليون دولار شهرياً بدلاً من 10 مليون دولار كانت في السابق، ما مكّن محطة التوليد من إنتاج 90-95 ميغا واط بدلاً من 60-65 ميغا واط من المولدات الثلاثة التي كانت تعمل سابقاً، فانعكس ذلك إيجابياً على جدول توزيع الكهرباء بـ 8 ساعات وصل ومثلها قطع.

مصفف شعر يعمل في صالونه في مخيم الشاطئ في 11 يوليو 2017، متقيداً بالساعات القليلة التي يحصل فيها سكان غزة على الكهرباء. (تصوير: محمود حمص\ AFP)

إدارة للأزمة لا حلّها

لقد تُركت حماس وحيدة في إدارة قطاع غزّة، وبالتالي في التعامل مع ملف الكهرباء المستعصي على الحلّ. أزمة يجب ألا يغيب عن أذهاننا لحظة أن مسبّبها هو الاحتلال، كجزء من إدارته للحصار وتشكيل ضغط على المقاومة، عبر تحميلها عبء الحالة المعيشيّة للسكّان. 

لم يقتصر الدور الإسرائيلي في هذه الأزمة على قصف محطة توليد الكهرباء فقط، بل شمل أيضاً خفض سقف المطالب التي تقدمت بها حماس لإنهاء هذه الأزمة جذرياً، فبدلاً من ذلك دفعت "إسرائيل" إلى الاكتفاء بالحلول المؤقتة حتّى تستمر أزمة الكهرباء في تشكيل ضغط مستمر على المقاومة في غزة.

اقرؤوا المزيد: غزّة: حصار على الافتراضيّ أيضاً…

وعند النظر للدور الذي ساهمت به قطر ومصر والاتحاد الأوروبي في التخفيف من أزمة الكهرباء، نجد أنها جاءت ضمن نطاق إدارة الأزمة التي تريدها "إسرائيل"؛ وهي إبقاء الأزمة دون إنهائها جذرياً، إذ ترفض بشكل مطلق إحداث نقلة نوعية أو استراتيجية في هذا الملف، مثلَ إدخال محطة جديدة ذات كفاءة انتاجية عالية لتوليد الكهرباء، بدلاً من المحطة المهترئة في غزة التي لا يزيد إنتاجها عن 100 ميغا واط.

من ضمن الاقتراحات التي عطلتها "إسرائيل": مشروع شراء الطاقة منه عبر الخط 161 الذي كان يغذي سابقاً المستوطنات الإسرائيلية قبل انسحابها من غزة عام 2005، إضافة لتعطيل مشروع "السفينة التركية العائمة" لتوليد الكهرباء، الذي أعلن عنه وزير الطاقة التركي عام 2014، وتعطيلها لـ "مشروع الربط الإقليمي" (الخط الثماني) مع مصر، من خلال شبكة كهربائية تربط بين ليبيا ومصر والأردن وسوريا ولبنان وتركيا والعراق، وانضمت إليها فلسطين عام 2008، فكان من المتوقع أن توفر طاقة للقطاع تقدّر بـ 150 ميغا واط مبدئياً، مما يغطي جزءاً كبيراً من العجز الموجود.

بالرغم من ذلك، تبقى حكومة غزة بوصفها المسؤولة عن أوضاع الناس في القطاع، تتحمّل جزءاً من المسؤولية في أزمة الكهرباء، إذ عجزت عن خلق حلول وابتكار أدوات فعّالة لمواجهة الحصار تحديداً في ملف الكهرباء، والتي من شأنها أن تعزّز من صمود الناس. كما أنها عجزت عن التواصل مع الناس وإشراكهم في إدارة الأزمة، ويظهر ذلك في غياب الوضوح مع جمهورها وحاضنتها الشعبية ومصارحتهم بوضعهم في صورة الموقف وسير المفاوضات فيما يخص قضاياهم الاقتصادية والاجتماعية. 



14 مايو 2021
هَلْ اقترَبْنا؟

فلسطين تنتفض، أرادوا تقطيعها والاستفراد بكل جغرافيا وحدها، وها هي تتصل مجدداً 27 ألف كيلو متر و8 أمتار، تستعيد وحدتَها…