27 ديسمبر 2023

هذا مفتاح المستشفى، فما بال وزارة الصحة لا تشغّله؟

هذا مفتاح المستشفى، فما بال وزارة الصحة لا تشغّله؟

في الثاني والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أُصيب الشاب أمير مجد من بلدة عزون، شرق قلقيلية، برصاص جيش الاحتلال خلال مواجهاتٍ شهدتها البلدة. احتجزت قوات الاحتلال سيارةَ الإسعاف ومنعتها من الوصول إلى أمير، فنُقل بسيارةٍ مدنيّة إلى مستشفى عزون، الذي يعمل حالياً كمركزٍ للطوارىء. 

بعد حوالي ثلث ساعة، وصلت سيارة الإسعاف ونقلته إلى مستشفى درويش نزال الحكوميّ في مدينة قلقيلية (يبعد حوالي 12 كلم عن عزون). لكن الجيش المتواجد على مداخل عزون احتجز سيارةَ الإسعاف نحو 20 دقيقة أخرى، وكانت حينها حالة أمير مستقرة إلى حدٍّ ما ويتحدث مع الطاقم الطبيّ، قبل أن تبدأ صحته بالتدهور شيئاً فشيئاً، فيما يتفقده الجنود بين الحين والآخر. يقول أحد الأهالي ممن شهد الحدث: "لما شاف الجندي دمه متصفي ووجهه أصفر، سمح للإسعاف تمرق". وهكذا، بعد نحو ساعة من إصابته، وصل أمير إلى المستشفى وقد فارق الحياة.

بعد ذلك بأيام، وتحديداً مساء التاسع من كانون الأول/ ديسمبر الجاري، لحق الفتى محمود أبو هنية (17 عاماً) بأمير، وأعلن عن استشهاده في مركز الطوارئ بعد تعذّر نقله إلى قلقيلية وغياب الأدوات والكادر الطبيّ الملائم لإسعافه وإجراء عملية جراحية له، كان يحتاجها للتعامل مع إصابته.

أعادت هذه الأحداث إلى الواجهة قصةَ مستشفى عزون ومستشفيات أخرى كمستشفى سلواد وأم حسن وحوارة، بُنيت في بعض قرى الضفّة خلال العقدين الأخيرين، بتبرعات ومبادرات من الأهالي والجمعيات الخيرية، لكنّها لم تُجهّز بالمعدّات اللازمة، ولم تُشغَّل كمستشفياتٍ فعّالة من قبل وزارة الصحّة الفلسطينيّة، وبقيت مجرد "مراكز طبيّة" تقدّم بعض الإسعافات، لا ترقى لمستوى التعامل المطلوب مع الإصابات الحرجة والمتوسطة التي تقع إثر المواجهات مع جيش الاحتلال.

المستشفى موجود، والناس تتوفى على الحاجز!

ظهرت الحاجةُ لبناء مستشفى في قرية عزّون خلال انتفاضة الأقصى، إثر سياسة التقطيع والعزل التي انتهجها جيش الاحتلال بحق القرية وغيرها من قرى الضفة، والتي أعاقت بدورها حركة الطواقم الطبيّة. في العام 2004 مثلاً، أقلت سيارة إسعاف سيدةً في حالة الولادة من قريتها عزون، لكن دورية لجيش الاحتلال احتجزتها على مدخل القرية وعرقلت وصولها إلى المستشفى حتى توفت. 

على إثر هذه الجريمة، تبرعت عائلتان من عزّون بقطعة ارضِ لبناء مستشفى فوقها يخدم منطقة ريف قلقيلية الشرقي، الذي يضم عدداً من القرى يسكنها اليوم حوالي 50 ألف فلسطينيّ.

استكمل بناء المستشفى عام 2011، وقد شغّلته بتسعيرة رمزيّة لجانُ الرعاية الصحيّة كمستشفى طوارىء، يحوي عياداتٍ خارجيّة، لكن خلافاتٍ تشغيلية بين بلدية عزون ووزارة الصحة ولجان الرعاية أدّت إلى توقف خدماته بعد فترة وجيزة1اتحاد لجان الرعاية الصحية: مؤسسة أهلية أسّستها شخصيات اعتبارية ومهنية كاستجابة للاحتياجات الصحية للشعب الفلسطيني، وللمساهمة في تقديم خدمات صحية ذات جودة عالية للفئات الفقيرة المهمشة بشكل خاص والشعب الفلسطيني بشكل عام..

أهالي عزون يغلون طرقات ويشعلون الإطارات احتجاجات على عدم تشغيل المستشفي في بلدتهم. (المصدر: مواقع التواصل الاجتماعي)

بعد انتشار فيروس "كورونا" عام 2020، استخدمت وزارة الصحّة الفلسطينيّة المستشفى كمكانٍ لعزل المصابين، فطُرح موضوع تشغيل المستشفى مرة أخرى، وقد وعدت في حينه وزيرة الصحّة مي كيلة بإبقاء المستشفى مفتوحاً وتشغيله على أكمل وجه بعد انتهاء الجائحة، وهو ما لم يحدث.

كَرّر أهالي عزون والمجالس المحليّة والقرويّة المحيطة مطالباتهم، واعتصموا بعد جنازة الشهيد أمير في أواخر العام الحالي، مطالبين بفتح المستشفى. استجابت وزارة الصحّة بشكلٍ جزئي، إذ شغّلت المستشفى كمركز طوارئ متواضع يعمل في ساعات الصباح فقط، وهو ما لا يُلبي احتياجات المنطقة سيما في الظروف الحالية، إذ تكثر الاقتحامات والمواجهات الليلية.

وبعد الاحتجاجات التي اعقبت استشهاد أمير، وافقت وزارة الصحة على زيادة الكادر الطبي في مركز الطوارئ وإبقائه مفتوحاً على مدار الساعة، وهو ما طُبق مؤخراً. لكن توالي المواجهات والإغلاقات ما زال يتطلب وجود مستشفى قادر على التعامل مع مختلف أنواع الإصابات.

القصة تتكرر في سلواد

تتشابه قصة مستشفى عزّون مع مستشفى سلواد شرق رام الله، والذي بدأت عملية بنائه قبيل قدوم السلطة، مطلع التسعينيات، بهدف خدمة البلدة وما يحيطها من قرى، يسكنها حوالي 45 ألف فلسطينيّ. يضطر هؤلاء للسفر مسافة ليست بالقصيرة حتى يصلوا إلى مستشفيات مدينة رام الله، وهي المسافة التي قد تعترضها حواجز الاحتلال ودورياته بحسب الأوضاع الأمنية. 

انتهى بناء المستشفى مع بداية انتفاضة الأقصى عام 2000، وتسلّمته السلطة الفلسطينية من الأهالي قبل حوالي عشرة أعوام، إلا أنّ وزارة الصحّة ماطلت في تشغيله وإرفاده بالكوادر والمعدات اللازمة. يقول رئيس بلدية سلواد نمر حامد، إنّ ذلك كان "بحجة عدم استيفائه معايير تشغيل المستشفيات من حيث عدد السكان الذين يخدمهم المستشفى وبعد المنطقة عن مركز المدينة، وغير ذلك". 

بعد 30 عاماً على بناء مستشفى سلواد، حولت وزارة الصحة المبنى الضخم إلى مجرد عيادة صحية لتقضي على حلم أهالي البلدة. (المصدر: متراس)

بعد مرور كل تلك السنوات، افتتحت الوزارة المبنى وشغلته كمركز صحيّ يعمل جزئياً، يداوم فيه طبيب عام وآخر نسائية وتوليد مرة واحدة في الأسبوع. وأمام ضغط الأهالي وعدت الوزارة بتطوير المركز إلى مركز طوارىء يعمل على مدار الساعة، وأن يحصل ذلك مع بداية شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري، لكن ذلك لم يحدث حتى اللحظة.

يقول رئيس البلدية رائد حمّاد، إنّ التبريرات المقدمة من وزارة الصحة لهذا التأخر هي أنّ "الإجراءات اللازمة لتدريب الطاقم الطبيّ والإداريّ لم تكتمل"، ثم يعلّق: "مشغولين بتدريب طواقم طبيّة في مناطق أخرى".

وتعتبر سلواد من البؤر الساخنة عموماً في الضفّة، إذ تندلع فيها بين الحين والآخر مواجهات مع جيش الاحتلال، خاصّةً عند اقتحام الأخير للبلدة وتنفيذه عمليات اعتقال. وفي أحيانٍ كثيرة ينصب جيش الاحتلال حاجزاً على أحد مداخلها الرئيسة معطّلاً الوصول من وإلى رام الله.

اقرؤوا المزيد: "من صفحات العزّ": كيف روت خليّة سلواد تجربتها؟

في مجدل بني فاضل ملايين تنتظر من يُشغلها!

ولا يختلف الحال في مستشفى أم حسن الذي بدأ بناؤه قبل 7 سنوات في قرية مجدل بني فاضل جنوب نابلس، فالمستشفى مُجهّز بكل المعدات اللازمة لاستقبال المرضى منذ عام 2022، لكن أبوابه مغلقة في وجه الأهالي.

جاءت فكرة بناء المستشفى من السيدة المعروفة بـ"أم حسن"، وهي من قرية مجدل بني فاضل، عاشت وعملت لعشرات السنين في أميركا اللاتينية. تقول أم حسن إنّها بادرت للتبرع لبناء هذا المستشفى بسبب الحواجز التي تقطع القرية وما جاورها عن مركز مدينة نابلس، وهو ما يعيق نقل المصابين والأطفال المرضى. 

مستشفى أم حسن في قرية مجدل بني فاصل جنوب نابلس. (المصدر: الانترنت)

ويمتد المستشفى على مساحة 2500 متر مربع، تقع تحديداً في منطقة بين قرى قصرة وعقربا ومجدل بني فاضل، وهو من خمسة طوابق، ويضمّ وحدة لغسيل الكلى فيها 22 سريراً، ومختبرات، وغرف عمليات مجهّزة بالكامل، وثلاث غرف للطوارئ. تقول أم حسن إنّها دفعت حتى الآن 25 مليون دولار لصالح بناء وتجهيز المستشفى.

ورغم كل هذه التجهيزات إلا أنّ وزارة الصحّة الفلسطينية لم تبدأ بتشغيله بعد، رغم مرور عام على إتمام بنائه. تقول أم حسن إنّ الوزارة تتذرع بعدم قدرتها على توفير الكادر الذي يحتاجه المستشفى. وتضيف قائلة إنّ عدداً من المستثمرين عرضوا عليها تشغيله كمستشفى خاصّ، لكنها رفضت "أنا عملته لوجه الله والوطن، هاي تجارتي مع الله".

يطالبون بمستشفى، فيحصلون على مركز طوارئ!

ولا يختلف الحال في مستشفى حوارة أو مستشفى كلية ابن سينا في بلدة حوارة جنوب نابلس، والتي زاد الاحتلال خنقها بإغلاق حاجري زعترة وحوارة بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر. أقيم المستشفى قبل نحو 20 عاماً بتكلفة وصلت في حينه إلى 5 ملايين دينار أردني. ومن المفترض أن يخدم منطقة جنوب نابلس التي يسكنها قرابة 157 ألف فلسطيني موزعين على 25 بلدةً وتجمعاً.

اقرؤوا المزيد: بين شرقية وغربية.. كيف حُبست حوّارة؟

ورغم اتفاق الأهالي مع وزارة الصحّة عام 2009 باستعمال مبنى المستشفى ككلية تمريض مقابل تجهيز قسم ولادة آمنة ومركز طوارئ متكامل يضمُّ عياداتٍ خارجيّة، وقسم أشعة ومختبرات حديثه، إلا أنّ ذلك لم يحصل، ولم يُفتتح المستشفى إلا كمركز طوارىء متواضع.

لا تُلبي مراكز الطوارئ تلك احتياجات المناطق المقامة فيها، إذ إنّ قلّة تجهيزاتها ومحدودية الكادر الطبيّ فيها تحول دون تأديتها وظيفتها الجزئية حتى، ولم تمنع خسارة الأرواح، كما حدث في مركز حوارة في 2 حزيران/يونيو 2023، عندما توفيت الطفلة غرام عرفات من بلدة عينابوس لعدم اكتمال معدات الطوارئ.

مستشفى كلية ابن سينا في بلدة حوارة جنوب نابلس. (المصدر: الانترنت)

ووفق رنا أبو هنية مسؤولة العلاقات العامة في بلدية حوارة، فإنّ المركز يعاني من الإهمال ولا يشهد إقبالاً من الناس لعدم كفاية التجهيزات والكادر المختص، ما يدفع الأطباء إلى تحويل المرضى إلى مستشفيات مدينة نابلس، "صار المواطن يختصر ويروح على نابلس مباشرة"، تقول أبو هنية. 

وفي محاولة للحصول على ردّ من وزارة الصحّة الفلسطينية للسؤال عن أسباب عدم افتتاح هذه المستشفيات، توجهنا لدائرة العلاقات العامة بالاتصال الهاتفي والرسائل، لكن لم نتلق ردّاً حتى اللحظة. 

مستشفيات ميدانية، أين؟ في مراكز المدن!

تبرز أهميّة المستشفيات الريفيّة في الضفّة الغربيّة في ظلّ سياسة الحصار والتضييق المفروضة من قبل جيش الاحتلال، واستباحة الأراضي والطرقات بالأخص في مناطق (ج) لصالح تعزيز دولة المستوطنين. أما الفلسطينيين فقد عزلهم الاحتلال في جزر متفرقة ونائية عن مراكز المدن، وأفلت عليهم جماعات المستوطنين، يحرقون محاصيلهم وممتلكاتهم ويقتلونهم بالعصي والرصاص. وهكذا أصبح الناس في مواجهة مباشرة مع جنود ومستوطني الاحتلال، دون ما يكفي من مقومات الصمود والمقاومة. 

في الوقت ذاته، بدأت التحضيرات لإقامة عدد من المستشفيات الميدانية في بعض مدن الضفة، ومنها ذلك الذي أعلن في مدينة نابلس. وهو إعلان أثار الكثير من التساؤلات والنقد، إذ يُقام مستشفى ميدانيّ أردني في وسط مدينة نابلس، المدينة التي تحوي 6 مستشفيات، في حين تُترك القرى البعيدة بدون أي تجهيزات تناسب وتيرة الاعتداءات التي تقع عليها، وهو ما يفتح السؤال عن نوعية الصمود الذي تطالب السلطة الفلسطينية به الناسَ، وعن مشاركتها الفعلية في تدعيم هذا الصمود.



9 يونيو 2020
رمضان شلح.. القيادة في ظروف صعبة

 عام 1995، أصبح القياديّ رمضان شلح رحمه الله أميناً عامّاً لحركة "الجهاد الإسلاميّ"، خلفاً للشهيد فتحي الشقاقي، والذي اغتيل في…