عام 2010 نشرت جمعية "واعد للأسرى والمحررين" كتاب "المجد"، الذي ألفه الشهيد يحيى السنوار خلال سنين اعتقاله في سجون الاحتلال، مستعرضاً فيه تجربة جهاز المجد1منظمة الجهاد والدعوة "مجد"، جهاز أمني تأسس عام 1986، تولى قيادته الشهيد يحيى السنوار، بإشراف الشهيد الشيخ أحمد ياسين، مهمته مكافحة عملاء الاحتلال، وكشف عمليات التجسس على المقاومة والمجتمع الفلسطيني، ومكافحة وسائل جهاز مخابرات الاحتلال "الشاباك" وتجنيده العملاء. من ناحية، ومقدماً من ناحية أخرى قراءة للظروف التي عاشها الشعب الفلسطيني خلال الثمانينيات والتسعينيات، أي الفترة التي تشكل فيها جهاز المجد.
وقد ختم السنوار "أبو إبراهيم"، كتابه برزمة خلاصات شملت تصوراته لكثير من القضايا - والتي يبدو أنه كتبها في بداية انتفاضة الأقصى - وتعكس هذه الخلاصات رؤى سياسية، وأيديولوجية، وفكرية أيضاً. وتحمل معها تقديراً عاماً للظروف التي عاشها المجتمع الفلسطيني قبيل الانتفاضة. وتؤكد أيضاً أهمية "الأمن" في معادلة كفاح الشعب الفلسطيني، وضرورة تركيز الفلسطينيين عليه وتنبههم إليه.
قراءة هذه "الخلاصات" التي تنشر لأول مرة على موقع متراس، تقودنا إلى مجموعة من الاستنتاجات الأساسية عن فكر الشهيد يحيى السنوار، والتي يقع في صلبها الاهتمام الدقيق بمسارات الكفاح كافة، بدءاً من إلقاء الحجارة، التي يعتبرها السلاح الأساس، وصولاً إلى الكفاح المسلح، إضافة إلى تركيزه على أهمية النقد والمحاسبة للقادة، وثقته الكبرى بالشعب الفلسطيني واستعداداته للتضحية والبذل، ودعوته المستمرة إلى الاستعداد لحرب طويلة الأمد، وعدم التعامل مع الخلافات والتقسيمات في مجتمع العدو على محمل الجد.
اقرؤوا المزيد: يحيا السنوار: عن وقوف الألف في وجه الموت
في الوقت ذاته، يقدم الشهيد أبو إبراهيم تقديراً عاماً لظرف المجتمع الفلسطيني بعد عمليات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 في أميركا، ما يعكس فهماً عميقاً للظرف الإقليمي والدولي، ومواكبة دقيقة لكثير من المعلومات والأخبار من داخل زنزانته، وذلك خلافاً للسردية التي جرى حشدها أخيراً عن أهلية الأسرى المحررين للحديث العام وقيادة مجتمعاتهم.
وتحمل هذه الخلاصات المهمة نقطة جوهرية تتمثل في موقع "الشعوب العربية والإسلامية" في خطاب أبو إبراهيم ورؤيته، والتي اعتبرها "قوة الإسناد الأساسية للمقاومة التي إن لم تتقدم للقيام بها فإن مستقبل المقاومة الفلسطينية في خطر كبير"، مما يعكس طبيعة التكوين الإسلامي والأممي في شخصيته، على خلاف ما جرى ترويجه بشأن توجهاته وأفكاره.
فيما يلي خلاصات الشهيد يحيى السنوار في كتابه "المجد"، ننشرها لأول مرة لأهميتها، ولما تحمله من توجهات وآراء، خاصة أن بعضها يحمل طابعاً تأسيسياً أكثر من كونه تحليلاً آنياً للظرف. ونُشير إلى أن المقال لم يخضع لأي تدخل تحريري، ويُنشر بنسخته الأصيلة كما وصلنا.
إلى النص:
الخلاصات
قادة وزعماء "إسرائيل" حتى الحمائم منهم، والأكثر استعداداً للتجاوب مع الحقوق الفلسطينية حسب ما يصور لوسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية، ليسوا مستعدين لتجاوز الخطوط الحمراء التي يعتقدون أن تجاوزها يعني المساس بمقومات وجود "إسرائيل" وبقائها، ومن تلك الخطوط قضية القدس، قضية اللاجئين، شكل وصلاحيات وقوة الدولة الفلسطينية التي قد يتم الاتفاق عليها.
قضية القدس عنصر يمس العقيدة اليهودية، يمسها بصورة حساسة كما يريد الفلسطينيون، كما أن نقل السيادة على المسجد الأقصى إلى الفلسطينيين يعني هدم أسس ومبررات قيام دولة "إسرائيل" الدينية والتاريخية، وسيفجر اقتتالاً داخلياً في "إسرائيل"، لذا لا يتصور أحد أن أي مفاوضات في ظل معادلات القوى القائمة يمكن أن تحل هذه القضية بصورة ترضي حتى غالبية من يؤيدون خيار المفاوضات والسلام، ولا يمكن أن ترضي إلا حفنة قليلة جداً، ممن هم مستعدون لبيع كل شيء مقابل مصالحهم الشخصية. وقضية اللاجئين حسب رأي الغالبية العظمى من الإسرائيليين قضية في غاية الخطورة الاستراتيجية على "إسرائيل"، فعودة ما يزيد على مليون فلسطيني من المهجرين إلى حدود دولة "إسرائيل" إضافة إلى أكثر من مليون آخرين داخل حدود الخط الأخضر ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية بحكم وجودهم داخل "إسرائيل"، يعني أن الأغلبية اليهودية للدولة معرضة للخطر من خلال النمو السكاني العربي، الأمر الذي يهدد بزوال الطابع اليهودي للدولة، وقيام دولة فلسطينية غير محدودة القوة والصلاحيات خاصة في مجال التسلح، ما يعين على تشكيل خطر استراتيجي على مبدأ وجود "إسرائيل" واستمرارها.
لذلك، فالغالبية العظمى من الزعامات السياسية في "إسرائيل"، غير مستعدين لكسر هذه الخطوط الثلاثة، ولا حتى اليساريون منهم أمثال يوسي سريد، والمرونة التي قد يبديها هؤلاء تكون من خلال محاولة تذويب هذه العقد بحلول شكلية يُخدع بها الفلسطينيون، وعدم حلها الحل الحقيقي، الأمر الذي قد يقبله المرنون الفلسطينيون وحتى الأكثر مرونة ممن هم غير مستعدين للتنازل عن الخطوط الدنيا جداً على المستوى الفلسطيني.
من يعرف هذه الحقائق يدرك جيداً مبررات هذه المعركة الدرامية والحرب الشرسة التي تدور رحاها على أرض فلسطين، والتي تتجاوز اليوم كل حد معقول إذ إن الوحشية الإسرائيلية قد تتزايد بصورة صارخة وغير منطقية، والمصطلحات التي سادت المنطقة خلال العقود الثلاثة السابقة بدأت تتغير بصورة مذهلة، فسياسة الاغتيالات مثلاً تصبح على مستوى حكام "إسرائيل" أمراً شرعياً وعادياً وبصورة تنعكس على ردود الفعل العالمية وحتى العربية، وهذا يأتي بالمقابل لقدرات العمل الفدائي التي تتعاظم وتصبح أكثر استراتيجية، وما استخدام طائرات F16 الحربية القتالية وقصف المناطق الفلسطينية بها إلا تعبير عن تغيير تلك المصطلحات والمعايير.
اقرؤوا المزيد: سيرةٌ عسكريّة لبدايات "حماس"
الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن المختلفة تعربد ضد شعب شبه أعزل، إلا من إيمانه وبعض الأسلحة الخفيفة، واستعداد فلذات أكباد أمهاتهم أن يفجروا أنفسهم في وسط تجمعات العدو السكنية والعسكرية والطائرات تزمجر هادرة في السماء، والمروحيات تطلق صواريخها صباح مساء، والجرافات تهدم البيوت والمزارع وتخرب وتدمر، والشعب الفلسطيني وحيداً يقف في وجه تلك الآلية العمياء الطاحنة غير مستعد أن يتنازل عن حقوقه، والأمة العربية والإسلامية بأعدادها وقضها وقضيضها وجيوشها وثرواتها لا تحرك ساكناً، اللهم إلا النزر اليسير.
وفي ظل الواقع والمعطيات العالمية حتى قبل 11 أيلول/ سبتمبر 2001، وإن كان الواقع قد أصبح أكثر تعقيداً بعد هذا التاريخ ولو مؤقتاً، فإن الواقع العالمي آنياً ليس في صالح المقاومة إن لم يكن عملياً في غير صالحها، وعليه فإن على المقاومة أن تتكيف وتهيئ نفسها لحرب طويلة الأمد، وألا ترفع سقف طموحاتها وطلباتها عالياً في الفترة الحالية، وبالصبر والمثابرة والقدرة على التواصل، فإنها بعون الله قادرة على تحقيق أسمى ما تريد إن شاء الله تعالى.
القوة العالمية الكبرى، لم تكن يوماً ولن تكون في جانبنا ومع حقوقنا، بل الأرجح أنها كانت، وهي الآن، وستظل إلى عدة سنوات أخرى ضدنا، فما التضييق والخنق الخيالي الذي تمارسه والذي خطته تجاه الحل مع "إسرائيل" وبشكل لم يكن مقبولاً على قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني، ومن الأمتين العربية والإسلامية؟ وعلى المقاومة ألا تراهن على أي مواقف إيجابية من هذه القوة في المرحلة الحالية، فلا يُتوقع أن يجري تغيير في موقف هذه القوة إلا إذا تكررت حوادث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، والتي يدرك الجميع أنها جاءت نتيجة قناعات منفذيها بالدور السلبي لهذه القوى تجاه المقاومة وقضايا الأمة، والتي لا شك انها ستتكرر بصورة أو بأخرى إذا ما استمر الدور السلبي، الأمر الذي سيدفع مواطني هذه الدول إلى تفضيل مصالحهم وأمتهم هم على مصالح "إسرائيل" وأمنها، ما سيستغرق سنوات ليست قليلة، ولا أعتقد أنها ستقل عن عقد من الزمن.
المنظمات والجمعيات والمؤسسات الدولية، محكومة في غالب الأمر بمعادلات موازين القوى، وهي غير مستقلة في عملها وغير مفصولة عن الواقع ومحكومة بتلك المعادلات والقواعد، وليس ميزان الحق والعدل هو الذي يحركها رغم أنه الشعار المعلن رسمياً، وإنما مصالح القوى الكبرى ومعادلات التوازن والمصالح، والموقف الحالي فيه بعض النقاط الإيجابية، ولكنها أقل بكثير من أن تحقق لشعبنا الحد الأدنى من حقوقه، وما رفض الاقتراحات والمشاريع الداعية لإرسال قوات حماية إلى المناطق الفلسطينية إلا خير دليل على ذلك الفتات القليل لصالح الشعب الفلسطيني والمقاومة لدى بعض المؤسسات والجمعيات والهيئات التابعة لها، خاصة في مجال حقوق الإنسان مثل جمعية الصليب الأحمر الدولية أو أمنستي، وجمعيات حقوق الإنسان الأخرى، وموقف هذه المنظمات قد يصبح أكثر إيجابية إذا ما طرأ تغيير إيجابي على مواقف القوى العاملة كما سبق ذكره.
الحكومات والأنظمة العربية (على اختلاف وتفاوت استعداداتها ودورها) أبعد بكثير من أن تلبي طموحات وآمال الشعب الفلسطيني أو أن تحقق أحلامه، لم يعد معقولاً اليوم أن تقوم الدول العربية فتعلن الحرب على "إسرائيل" لتحقيق الحد الأدنى من الحلم العربي والفلسطيني، وإن أعلنت الحرب فإن "إسرائيل" هي التي ستعلنها على إحدى الجهات من خلال محاولاتها الهرب إلى الأمام من ضغط المقاومة الفلسطينية، وستظل على الأغلب بقية الدول العربية في موقف المتفرج، وإن ثارت النخوة العربية الأصلية في البعض، فسيدينون الهجوم الإسرائيلي وسيطالبون الأمم المتحدة والدول العظمى بالتدخل لوقف العدوان.
اقرؤوا المزيد: كيف تعاملت المقاومة مع العملاء في غزة؟
أعتقد أن المقاومة الفلسطينية يجب ألا تعول كثيراً على الحكومات والأنظمة العربية خلال العقد الحالي أو على الأقل خلال النصف الأول منه، ويمكن الرضا بالواقع الحالي بما فيه من نقاط إيجابية محدودة مع محاولة تنمية ذلك ما أمكن، ويمكن المراهنة على بعض الاستعدادات هنا وهناك، للحصول على الدعم المالي للشعب الفلسطيني ليواصل الحياة كي يتمكن من مواصلة المقاومة، وتحقيق بعض الدعم السياسي من خلال الثبات على إقرار شرعية المقاومة وعدم دفعها بصفة الإرهاب، وتحقيق بعض القرارات الدولية لصالح المقاومة مهما كانت بسيطة، الأمر الأهم والأخطر الذي يجب أن تطمح له المقاومة الفلسطينية من هذه الأنظمة، هو أن تغض هذه الأنظمة الطرف عن أنواع أخرى من الدعم تقدمها الشعوب أو أطراف أخرى، أو تأتي للمقاومة من خلال أراضيها وإن كان هناك على المقاومة أو من يدعمها أن يحرصوا على عدم المساس بأمن هذه الأنظمة بأي صورة أو بأي من مصالحها، وحصر تلك الأنواع من الدعم على خدمة المقاومة ضد الاحتلال.
الشعوب العربية والإسلامية، وحركاتها ومنظماتها وقواها وجمعياتها المختلفة ودورها كبير جداً، وهي قوة الإسناد الأساسية للمقاومة التي إن لم تتقدم للقيام بها فإن مستقبل المقاومة الفلسطينية في خطر كبير، ومن الضروري كذلك أن يتم هذا الإسناد والدعم بصورة لا تهدد مصالح الحكام والأنظمة ولا تتعارض معها ما أمكن، دور الشعوب وحركاتها هي بالأساس تشكل طوق الحماية والنجاة للمقاومة، حالة الارتباط والتعاطف والتكافل مع الشعب الفلسطيني ومقاومته وتعبيرات الغليان لدى هذه الشعوب هي حبل النجاة الأساسي للمقاومة، ثورة الشعوب ومنظماتها وقواها على ابتكار صور للتغيير عن هذه المشاعر، بصورة لا تتعارض مع الأنظمة بصورة صارخة، تجعل هذه الأنظمة والقوى الكبرى في ضغطها على هذه الأنظمة عاجزة عن أن تؤذي المقاومة أو أن تقطع عنها وعن الشعب الهواء، والشعوب قادرة على دعم المقاومة والشعب الفلسطيني بصورة متعددة الأشكال، مالياً، واعلامياً (وهنا لا بد من تأكيد دور الإعلاميين العرب الأحرار في ضرورة الشعور بخطورة دورهم في إسناد المقاومة والذي لا يقل عن أي صورة خطيرة من صور المقاومة العملية في الميدان)، والخبرات الأمنية والعسكرية والإدارية، وإن أمكن بالرجال.
الشعب الفلسطيني أثبت أنه لا تنقصه العقيدة ولا القناعة بحقه وقداسة أهدافه، ولا الروح القتالية العالية ولا استعدادات التضحية والبذل والفداء ولا الاستعداد للتحمل والمعاناة والصبر والمثابرة، وقد أثبت ذلك علمياً وفي الميدان، ولا زال في كل يوم يعطي الدلائل والإثباتات، ولكن بالمقابل فإن الشعب العربي الفلسطيني في أمس الحاجة إلى جملة من الأمور الحساسة والمهمة:
- ألا يتخلى عن سلاحه الأخطر، والذي يستطيع العودة إليه كلما ضاقت عليه الأمور، والذي من خلاله يمكنه حسم كثير من جوانب الصراع وهو سلاح الحجارة.
- أن يصور ويزيد من دوره في عملية المراقبة والمحاسبة على من يتصدر ويتقدم للقيادة والتزعم، وأن يعرف أن له كامل الحق في معرفة مجريات الأمور وتفاصيلها، وأن يكون هو الحكم الأول والأخير في القضايا المهمة والحساسة والمصيرية، ولا بد من أن يطور الآليات التي تمكنه من ذلك وأن يفرضها على الجميع.
- وتبرز بصورة خاصة أهمية دوره في عدم السماح بالاقتتال والتناحر الداخلي أو بتجاوز الثوابت الوطنية.
- وأن يأخذ دوراً أبرز في توجيه المقاومة وإثراء أساليب عملها ووسائلها، بالاقتراح والابتكار والتطوير، وهنا لا بد من تأكيد ضرورة أن ينغرس في ذهن كل فرد أن يفكر وبصورة دائمة وخاصة في مجال عمله وتخصصه، وكيف يمكن تسخيره لصالح المقاومة، على الكيميائي أن يفكر كيف يسخر الكيمياء لصالح المقاومة، على الفيزيائي أن يفكر كذلك، على الطبيب والمهندس المعماري والميكانيكي والمدني، والجيولوجي، على خبير الكمبيوتر، خبير الإنترنت، السائق، الحداد، النجار، عامل البناء، وحتى العاملة في رياض الأطفال، فقد يقوم أحد الأطفال بحركة ما بصورة فطرية تلزم المقاومة، ولا بد أن يجد الشعب الفلسطيني الآليات والوسائل لتنظيم ذلك واستغلاله بصورة ناجعة.
- ولأن موضوعنا هنا يخص على وجه التحديد الجانب الأمني، فلا بد أن يصبح شعبنا أكثر استعداداً للعمل ضد ظواهر الخلل والاختراق الأمني، خاصة ضد ظاهرة العملاء.
- يجب أن يصبح كل مواطن مخبراً، وأن يشعر بمسؤولية خاصة للبحث والمراقبة، ونقل ما يتوفر من معلومات عن مشبوهين أو عملاء إلى الجهات المختصة بالمقاومة.
- أن يطور استعدادية لعلاج هذه الظواهر، خاصة حينما يصبح الأمر يمس الأقارب والأهل والأحبة، وأن يبادر كلٌ بمعالجة ما يخصه قبل أن يضطر إلى الاستئصال أو أن تفوح الرائحة الكريهة من داخل إطاره الاجتماعي، والتي استيأس منها هو بالدرجة الأولى، حيث إن الدور العائلي مهم جداً في هذا الأمر، فقدرة العائلة والأهل على اكتشاف أي خلل داخلها (أي لدى أحد أفرادها) أكبر بكثير من غيرها، وعليها أن تعجل بالمعالجة بنفسها ومن البداية قبل أن يستشري بسببها ويسبب لها المشكلات والآلام التي قد تمتد لأجيال، وتدمر العائلة اجتماعياً.
- أما المقاومة فدورها كبير وسنفصله لاحقاً إن شاء الله إذ إن هذه الخلاصة قد خصصت لها بالذات، والمواطن الفلسطيني دوره كبير ومهم، وهو لم تنقصه يوماً الاستعدادية، ففارس عودة الذي واجه الدبابة الإسرائيلية بالحجر، وأثبت أنه مستعد لدفع الثمن لصموده على درب المقاومة، والأم التي تزغرد حين يزف إليها خبر استشهاد ابنها أو ابنتها أو زوجها والدموع تغمر عينيها، ومئات الاستشهاديين وآلاف الشهداء وعشرات آلاف السجناء خير دليل على ذلك، ولكن المواطن الفلسطيني في حاجة إلى مزيد من الوعي والإدراك والثقافة والعلم، ويجب أن يتمثل دوره في عملية الرقابة على من يدير الأمور، وحرصه على التضحية والبذل وعشقه للشهادة، ويجب ألا يكون أمامه حائلٌ من أن يفهم ما يجري بالضبط وإلى أين يأخذه، وما الثمن الذي سيجنيه شعبنا من وراء بذله وتضحيته واستشهاده.
- قد يبدو للوهلة الأولى أننا أوغلنا مبعدين عن موضوعنا الأساس، ولكن القارئ لم ينسَ ويجب ألا ينسى أن موضوعنا الأساس هو حربنا في فلسطين، وجهاً لوجه مع جهاز المخابرات الإسرائيلية العامة "الشاباك"، إذ إن الحرب تدور في فلسطين وهي مركز وبؤرة الاهتمام، وهذه الدراسة تركز الجهد على الشاباك باعتباره رأس حربة الاحتلال في حربه ضد المقاومة الفلسطينية، والحديث عن أساليب مواجهة عمل ووسائل وأساليب الشاباك هو الأمر الأسهل، وهو عنصر مهم من جملة من العناصر المهمة والضرورية، هذا العنصر وحده (أي مواجهة أساليب الشاباك) لن يكون مجديًا في الحرب، كما أن أياً من العناصر الأخرى وحده لن يكون مجديًا، ومن الأهمية التأكيد أن إهمال هذا العنصر بالذات يعني حدوث خلل كبير في عمل المقاومة والذي يعني بالضرورة أن المقاومة ستتكلف أضعاف أضعاف ما هو مطلوب منها لتحقيق أهدافها.
- الحرب التي تجري اليوم في فلسطين أشبه باثنين يعض كل منهما طرف إصبع الآخر (مع فارق التشبيه) والغلبة لمن سيصبر ليصرخ خصمه أولاً، القصد هنا هو أن الطرفين يتألمان ويعانيان، الشعب الفلسطيني ومقاومته يعانون ويتألمون و"إسرائيل" وأجهزتها وجيشها تعاني وتتألم، والغلبة لمن يصبر أكثر من ناحية، ومن ناحية أخرى لمن يتمكن من إيقاع أكبر ألم بخصمه (في ظل قواعد اللعبة الجارية) مما سيضطره للصراخ أو لا معلناً الاستسلام.
- مركب أكثر خطورة هو قدرة هذا الطرف أو ذاك على إضاعة الجزء الأكبر من جهاز الآخر في محاولته لإيقاع الألم به، وهنا يأتي دور الشاباك في تقليص الألم والمعاناة عن إسرائيل وقواتها وشعبها.
- الوزير الإسرائيلي بنيامين إليعازر2إشارته إلى وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي بنيامين إليعازر، والذي كان وزيرًا للجيش بين الفترة 2001-2002، تحدد بدقة طبيعة كتابة الخلاصات. صرح أكثر من مرة عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية أن ما ينجح من أعمال المقاومة هو 15% فقط مما يجري التخطيط له، والإعداد في الشروع لتنفيذه، بينما 85% يتم إحباطه أو فشله.
- رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون صرح كذلك في حديث له مع التلفزيون الإسرائيلي للقناة الثانية العبرية أن 20% فقط ينجح بينما 80% من أعمال المقاومة يتم إحباطه وإفشاله، الترجمة العملية لذلك أنه لو لزم ألف شهيد من الفلسطينيين لإجبار "إسرائيل" على الصراخ أولاً أو التنازل، فإنه وفقاً للأرقام الأفضل للمقاومة، عليها أن تدفع خمسة أضعاف هذا الرقم بالحد الأدنى ما دامت المعادلة مستمرة بهذه النسبة.
- إحباط 85% من الجهد الذي تبذله المقاومة أو حتى 80%، فالشاباك وحده يقوم على الأقل بـ 50% منه من خلال استخدام أساليبه التي سبق شرحها وتفصيلها، بينما يقع الجزء الآخر من ذلك الفشل والإحباط على عاتق المقاومة بصورة مباشرة (وللتأكيد والتوضيح فإن الـ 50% الأولى تقع مسؤوليتها كذلك على المقاومة بصورة غير مباشرة) ومن هنا تأتي أهمية اعتراض تلك الأسباب التي تُحدث ذلك الفشل والإحباط المباشر واتباع الآليات والوسائل الكفيلة بتلافي ذلك، وسنخصص بعد ذلك المساحة الأوسع للاقتراحات التي نعتقد أنها تخفض (50%) من الإحباط والإفشال الذي يقوم به الشاباك من خلال أساليب عمله ووسائله المختلفة.