14 ديسمبر 2018

رحلةُ الـ33 عاماً

سيرةٌ عسكريّة لبدايات "حماس"

سيرةٌ عسكريّة لبدايات "حماس"

كانت الانتفاضة الأولى منذ انطلاقها في 8 ديسمبر/ كانون الأوّل 1987 حدثاً جوهرياً في تاريخ الصراع مع العدوّ الإسرائيلي. إذ كانت إيذاناً بتاريخٍ جديدٍ، انتقلتْ فيه كفةُ المواجهة إلى داخل حدود فلسطين، كما أنها شهدت بروز الإسلاميين كأهمّ فواعل المشهد السياسيّ الفلسطينيّ.

كان قرار المواجهة المسلّحة قراراً إشكالياً لدى التيار الإسلاميّ، ولم يكن قرارُ حملِ السلاح وجَعلِهِ منهجيةً أساسيةً واستراتيجيةً في الكفاح ضدّ العدو قراراً سهلاً وسريعاً، بل قرارٌ مرّ بتحولاتٍ وعقباتٍ خارجيّة وتنظيميّة، أبقت التيار الإسلاميّ بعيداً عن هذا التوجّه قرابة ثلاثة عقود من الزمن.

حينما قرّر الشيخُ حملَ السلاح

"إنّ هدف هذا التنظيم هو القضاء على دولة إسرائيل"
المحكمة العسكرية الإسرائيلية، أثناء محاكمة الشيخ أحمد ياسين عام 1984

بدأت التوجهات العسكريّة لجماعة "الإخوان المسلمين" بشكلٍ فعليٍّ عام 1983، بعد قيام الشيخ أحمد ياسين بتكليف عبد الرحمن تمراز، وابراهيم المقادمة، وأحمد الملح، ومحمد شهاب، بتشكيل خلايا عسكريّة، ثُمّ أُضيف إليهم لاحقاً صلاح شحادة1"حماس النشأة والجذور"، محمد شمعة، في "كتائب الشهيد عز الدين القسام رؤية بحثية"، حاتم أبو زايدة، 2011..

كان هدفُ هذه الخلايا مقاومةَ الاحتلال والانخراطَ في الحالة الكفاحيّة ضدّه. لكن، لأسبابٍ تَتَعلّقُ بكثرة خطوط الاتصال وقلّة الخبرة الأمنيّة، كُشف أمرُ هذه الخلايا، واعتُقِلَ أحمد ياسين وكلُّ من له صلةٌ بها، وذلك في الفترة بين أبريل/ نيسان ويوليو/ تموز عام 1984.

في الوقت نفسه جرى الاتفاق على تأسيس جهازٍ أمنيٍّ للحركة تحت اسم "جهاز أمن الدعوة"، بغرض حماية الصف التنظيمي من الاختراق، وحماية قادة الجماعة، وجمع معلومات عن العملاء بشكلٍ عامّ. كُلِّفَ عبد الرحمن تمراز بتأسيس الجهاز ومتابعته، ثمّ توّلى متابعتَه لاحقاً شخصٌ يُدعى جابر جرى انتدابُه من المكتب التنفيذي لـ"جماعة الإخوان المسلمين" عام 1985، إثر اعتقال عبد الرحمن تمراز2"جهود حركة المقاومة الإسلامية حماس في الانتفاضة الفلسطينية"، رجب البابا، رسالة ماجستير..

ورغم حداثة تجربة الجهاز الأمنيّة نظراً لكون معظم مؤسسيه وعناصره لا يمتلكون أية خلفيةٍ أمنيّة سابقة، إلّا أنّه كان البنية الأولى لقيادات العمل العسكريّ لاحقاً، وسيكون المدرسةَ التي بلوّرت الكثيرَ من مفاهيم العمل الأمنيّ والعسكريّ لدى الجيل الأول من القيادات العسكريّة.

بحلول عام 1986، شُكِّل جهاز الأمن "منظمة الجهاد والدعوة" التي عُرِفَت بعد ذلك بـ"مجد"؛ وهي نخبةُ أمنية مكلّفة بردع العملاء والرصد والاستطلاع. وضمن هذا جرى تقسيمُ القطاع إلى منطقةٍ شماليّةٍ يقودها روحي مشتهى، ومنطقةٍ جنوبيّةٍ يقودها يحيى السنوار. وضمّ جهاز الأمن الكثير من الشخصيات التي ستلعب أدواراً عسكريّةً رئيسةً لاحقاً؛ مثل صلاح شحادة، وعماد عقل، ومحمد الشراتحة، ووليد عقل، ومحمد الضيف، ومحمود المبحوح.

على مستوى العمل العسكريّ، توقّف العمل على بناء القوّة العسكريّة والاستعداد لها على إثر الضربة التي تلقتها جماعة "الإخوان المسلمين" بعد كشف الخلايا العسكريّة عام 1984. جعل ذلك بعض عناصر الجماعة يقررون الانسحاب وتشكيل إطارٍ عسكريٍّ للمواجهة العسكريّة، مثل عدنان الغول الذي كوّن مجموعةً عسكريّةً عُرِفت باسم "المقاومة الاسلامية".

لاحقاً، توّحدت هذه المجموعة مع مجموعة الجهاد الإسلامي بقيادة مصباح الصوري، وسامي الشيخ خليل، وعماد الدين الصفطاوي، ومحمد الجمل، وقامت بتنفيذ العديد من العمليات العسكريّة، أهمها تصفية روني طال قائد الشرطة العسكرية في غزة، وضابط الشاباك فيكتور أرجوان Victor Arzouan.

"المجاهدون الفلسطينيون"

عقب خروجه من السجن عام 1985 على إثر صفقة التبادل التي قامت بها الجبهة الشعبية - القيادة العامة مع دولة الاحتلال، سعى أحمد ياسين مرةً أخرى لتفعيل العمل الجهاديّ، وذلك في الفترة ما بين عامي 1986 و1987. لأجل ذلك، كلّف ياسين كلاً من صلاح شحادة بإنشاء خلايا عسكريّة شمال قطاع غزة، وعبد العزيز الرنتيسي جنوب قطاع غزة، وسُمّيَ هذا الجهاز لاحقاً بـ"المجاهدون الفلسطينيون"3"جهود حركة المقاومة الإسلامية حماس في الانتفاضة الفلسطينية"، رجب البابا، رسالة ماجستير.. إلا أن اعتقال الرنتيسي المبكّر جعل الأمر يؤول في نهاية المطاف إلى صلاح شحادة لترتيب العمل العسكريّ ومتابعة الخلايا في قطاع غزة.

كانت تجربتا "جهاز أمن الدعوة" و"مجد" رافداً قويّاً أساسياً لبنية "المجاهدون الفلسطينيون". وفيما بعد، أصبح جهاز "المجاهدون الفلسطينيون" الرافدَ الأهمَّ في المسيرة العسكرية للإسلاميين، إذ ضمّ نخبةً من الكوادر العسكريّة التي ستقود العمل العسكري بشكل واضح مطلع التسعينيات. وقد نجح هذا الجهاز في تنفيذ بعض العمليات النوعيّة التي سترسخ التوّجه العسكريّ في مسيرة الجماعة ككلٍّ في بداية الانتفاضة الأولى.

الانتفاضة.. هكذا غيّر أطفال الحجارة التاريخ

عقب اندلاع الانتفاضة الأولى كان صلاح شحادة قد أسّس بعضَ الخلايا العسكريّة ضمن تنظيم "المجاهدون الفلسطينيون"، فكانت خلية في الشمال بقيادة صبحي اليازجي، وخلية في الوسطى بقيادة وليد عقل، بالإضافة إلى "الخلية 101" بقيادة محمد الشراتحة. لكن بعد اعتقال صلاح شحادة جرى تكليف حسن عبد الهادي بعد خروجه من السجن مباشرة بمتابعة الخلايا العسكرية، فأعاد الاتصال بـ"الخلية 101"، والتي ستنفذ أهم عمليات الفترة الأولى في الانتفاضة: خطف الجندي آفي سسبورتس في أبريل/ نيسان 1989، والجندي إيلان سعدون في مايو/ أيار من نفس العام4"القادم إلى خطفك.. مذكرات محمد الشراتحة، إعداد وتقديم: رائد العامودي، 2011..

على إثر العمليتين قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتوجيه ضرباتٍ بليغة الضرر للبنى التنظيمية لحماس يوم 14 يونيو/ حزيران 1989، ممّا أدّى إلى تفكّك جهازي "مجد" و"المجاهدون الفلسطينيون"، وهو ما دفع بعضاً من قادة الخارج مثل موسى أبو مرزوق إلى التوّجه إلى غزة، وإعادة بناء التنظيم وذلك في اجتماع عُقِدَ في المدينة في سبتمبر/ أيلول 1989، وقد نجحت الحركة في إعادة بناء أجهزتها الحركية في الضفة وغزة حتى نهاية عام 1990، دون تفعيل أو بناء أي قوة عسكريّة.

ورغم عدم وجود متابعة تنظيمية واسعة للعمل العسكري، إلا أن البنى القاعدية للجماعة كانت تتوّجه ذاتيّاً نحو العمل العسكريّ استجابةً لبيانات الحركة وتوجيهاتها العامة عبر نوعين من الأفعال. كان النوع الأول عمليات الطعن الفرديّة التي قام بها عناصر الحركة، والتي أوقعت معظمَ القتلى خلال تلك الفترة، فخلال عام 1990 وهو العام الذي لم يشهد تشكيل أيّ بنى عسكريّة بشكلٍ رسميّ، كان 7 من أصل 8 قتلى إسرائيليين بسبب عمليات الطعن. أما النوع الثاني فكان تشكيل خلايا عسكريّة بشكلٍ ذاتيٍّ وتنفيذِ عملياتٍ محدودة مثل إطلاق النار وحرق الأحراش والبيارات، فيما عُرِفَ بـ"حرب الحرائق"، كما فعلت خلية حسن المقادمة في المنطقة الوسطى.

ومنذ بداية الانتفاضة الأولى وحتى نهاية 1990 كانت حصيلة هذه العمليات التي نفذتها خلايا حماس العسكرية ما يقارب 22 قتيلاً، ما لا يقل عن 15 قتيلاً منهم بسبب عمليات الطعن، وذلك من مجموع عدد القتلى الإسرائيليين عموماً والذي بلغ 79 قتيلاً5"كتائب الشهيد عز الدين القسام رؤية بحثية"، حاتم أبو زايدة، الجزء الأول، 2011..

في نهاية عام 1990 توّلد ضغطٌ تنظيميّ تجاه إعادة استئناف العمل العسكريّ بشكل رسميّ ودعمه من جديد. ساعد على ذلك أولاً وجود دفع من قيادات في التنظيم مثل صلاح شحادة للعمل العسكري الذي حاول توجيه العمل من سجنه، وثانياً وجود دعم ماليٍّ ومحاولة إسناد خارجيّ من بعض الشخصيات الإسلامية، عبر تدريب الكوادر العسكرية مثل دور الشيخ عبد الله عزام، وميسرة أبو حمدية الذي كان كادراً في الكتيبة الطلابيّة ثم التحق بحركة "حماس"، والثالث المبادرة الذاتية من شباب الحركة سواء الذين خرجوا من السجن مبكراً مثل ياسر النمروطي ومجدي حماد ومحمد الضيف، أو من بقي خارجه مثل وليد عقل الذي أسسّ خليةً عسكريّةً في الوسطى، ورمضان اليازوري الذي كان مسؤولاً عن خليةٍ عسكريّة في رفح.

وبجهود من الشخصيات الخمسة السابقة وخصوصاً النمروطي وحماد تشكّلت في قطاع غزة أربعُ خلايا عسكريّة. الأولى هي خلية الشهداء في شمال غزة ومدينة غزة يقودها مجدي حماد، والثانية في مخيم الشاطئ يقودها محمود شاهين، والثالثة في المنطقة الوسطى يقودها وليد عقل، والرابعة في رفح بقيادة رمضان اليازوري6"كتائب الشهيد عز الدين القسام رؤية بحثية"، حاتم أبو زايدة، الجزء الأول، 2011..

لكن هذه الخلايا لم تكن خاضعةً لقيادةٍ مركزيّةٍ، أو على الأقل لم تكن ضمن تشكيلٍ عسكريٍّ واضحٍ. مع ذلك، في بداية عام 1992 استطاع ياسر النمروطي قيادة الخلايا العسكرية، وزيادة عددها إلى ثماني خلايا عسكرية ضمن بناء هرميّ بسيطٍ7أنظر مقال ياسر النمروطي، مجلة "الميدان"، العدد الثالث.. وبعد استشهاد النمروطي في يوليو/ تموز 1992، توّلى جميل وادي القيادة خلفاً له، وفي ذلك العام نفّذَت خلية وليد عقل عملية قتل ورون شوشان في المنطقة الوسطى في شهر يناير/ كانون الثاني، وجرى الإعلان عن العملية باسم "كتائب الشهيد عز الدين القسام". كانت تلك المرة الأولى التي يُعلن فيها عن اسم الجهاز العسكري الجديد لحركة "حماس" بعد تفكك "المجاهدون الفلسطينيون".

برزت خلال هذه الفترة ظاهرةُ "المطاردين" في قطاع غزة بشكلٍ كبيرٍ وذلك في ظلّ ضعف الإمكانيات الماديّة واللوجستيّة. إذ لم يكن من السهل تزويد كل المطاردين بالسّلاح اللازم، فضلاً عن توفير بيوتٍ آمنةٍ لهم، بالإضافة لطبيعة القطاع الجغرافيّة غير المناسبة لهذا النوع من المطاردة، مما جعل نخب المطاردين تفكّر بالتوّجه إلى الضفة الغربية، وذلك لانتشار الأهداف الإسرائيلية بشكلٍ واسعٍ، والقدرة على التخفي وإمكانية الحصول على السلاح.

على إثر تلك الرؤية، توّجهت دفعاتٌ من المُطاردين إلى مدن الضفة بعد فتح خطوط تنسيق مع مطاردي الضفة8عام 1992، فُتحت العديد من خطوط الاتصال والتنسيق بين خلايا غزة وخلايا الضفة، عن طريق زياد الحسنات، الذي فتح خط اتصال مع إحدى خلايا جنوب الضفة بقيادة محمد أبو طير.، وسيكون لهم دورٌ كبيرٌ في إسناد العمل العسكريّ في الضفة والدفع به. أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو الشهيد عماد عقل، الذي كان أول مطارد يتوجه هناك، وبشير حماد ومحمد الضيف وصلاح جاد الله -المسؤول عن عملية اختطاف الجندي نحشون فاكسمان-.

أما في الضفة الغربيّة، فقد كانت هناك شخصيات شابة تحاول تفعيل العمل العسكري بشكل منظم، على الرغم من الفشل في التجارب السابقة، فقد حاولت بعض الخلايا تكوين أنفسها بدون متابعة تنظيمية مثل "خلية قفين" في طولكرم و"خلية رام الله" بقيادة ضياء سمور و"مجموعة البراق" بقيادة ناجي سنقرط وجواد الجعبري9"كتائب الشهيد عز الدين القسام رؤية بحثية"، حاتم أبو زايدة، الجزء الأول، 2011..

لكن في أواخر عام 1991 بدأت القيادات التنظيمية تحاول تفعيل العمل العسكري بشكل أكثر تأسيساً، ففي جنوب الضفة اجتمع كل من صالح العاروري وإبراهيم حامد وعادل عوض الله وقرروا البدء في تشكيل خلايا عسكرية. أما في شمال الضفة فقد بدأ زاهر جبارين يتجه نحو العمل العسكريّ بجانب يحيى عياش وعدنان مرعي وعلي عاصي10"حكاية الدم من شرايين القسام.. شهادة للعصر والتاريخ"، زاهر علي جبارين، 2012.، وهو ما عُرِفَ لاحقاً بالقيادة الرباعيّة في الشمال. ترّسخ هذا التوّجه على إثر انتقال مطاردي قطاع غزة إلى الضفة الغربيّة، كما جرى في الضفة الغربية الاتفاق على تثبيت مسمى "كتائب القسام"، وذلك بعد بعض الخلافات حول التسمية.

آذار/ مايو 1992:كتائب القسام - مجموعتي جباليا والشيخ رضوان

وفي نهاية عام 1992 كانت الخلايا العسكريّة في الضفة وغزة قد أثبتت نفسها، ونجحت في تنفيذ العديد من العمليات الجريئة والنوعية مثل عملية اختطاف الجندي نسيم توليدانو، والتي سيجري على إثرها إبعاد 450 عضواً من "حماس" و"الجهاد" إلى مرج الزهور. بالإضافة إلى عمليات أخرى مثل عملية الشجاعية التي أدّت إلى مقتل 3 جنود إسرائيليين، وتصفية ضابط الشاباك حاييم نعماني على يد ماهر سرور. وكذلك عملية "مفرق بورين"، فضلاً عن تصدر قيادات عسكرية للانتفاضة مثل عماد عقل وجميل وادي وزاهر جبارين ومحمد رشدي ومحمد الضيف.

بحلول نهاية العام وبداية عام 1993 كانت هناك ما لا يقلّ عن عشر خلايا عسكرية في الضفة الغربية، تقودها مجموعة من القيادات مثل زاهر جبارين في شمال الضفة، وعبد الرحمن العاروري في رام الله، وخالد الزير في بيت لحم، ومحمد عزيز رشدي وأمجد خلف في الخليل، وخلية لمحمد الضيف الذي كان متواجداً في الضفة الغربية آنذاك. أما على مستوى قطاع غزة، فقد كانت هناك ست خلايا عسكرية يقودها عماد عقل وعماد نصار وجميل وادي وسعد العرابيد وحسين أبو اللبن11"كتائب الشهيد عز الدين القسام رؤية بحثية"، حاتم أبو زايدة، الجزء الأول، 2011..

جاء عام 1993 حاملاً معه ذروة العمل العسكري للخلايا العسكرية، إذ استطاعت الخلايا في الضفة وغزة خوض حرب عصابات مصغرة ضدّ الأهداف الإسرائيلية، كما جرت فيه أول عملية استشهادية نفذها ساهر تمام في أبريل/ نيسان.

وقد أوقعت الخلايا العسكرية التابعة لـ"حماس" أكثر من 56 قتيلاً من مجموع القتلى الإسرائيليين الذين قُتِلوا خلال ذلك العام والبالغ عددهم 61 قتيلاً، وذلك مقارنةً بـ19 قتيلاً في عام 1992. كما نجحت الخلايا العسكرية بتنفيذ 57 عملية خلال عام 1993 مقابل 22 عملية في عام 1992.

يعود ذلك بالأساس للتطور الذي حصل في البنى العسكرية سواءً على مستوى الخبرة أو التدريب أو التمويل والإمداد. فقد تطورت التكتيكات العسكرية حسب ظروف الميدان بشكلٍ واضحٍ، وبرزت أساليب نوعيّة في العمل مثل عمليات التجاوز، والقتل من مسافة الصفر، وتحسن مستوى الكمائن العسكرية، مما ضاعف المقدرة على إيقاع عدد أكبر من القتلى خلال العمليات. وجرى أحياناً استدراجُ ضباط الشاباك وقتلهم مثل حاييم نحماني ونوعم كوهين، كما جرى التركيز على السلاح الناريّ وتهميش العبوات البدائيّة، والتي كان العمل بها هو سمة العمل العسكري قبل عام 1990، بالإضافة إلى كون معظم قتلى العمليات كانوا من الجنود والمستوطنين داخل الأراضي المحتلة عام 1967.

رغم أن عام 1993 شهد فقدان الكثير من القيادات العسكرية المؤثرة مثل عماد عقل، وعلي عاصي، وخليل رشدي، وإبراهيم سلامة، وجميل وادي، واعتقال كل من سلامة مرعي وزاهر جبارين، إلا أن ذلك لم يؤثر في بُنية العمل وتوجهاته، وهذا يعود للخبرة المتراكمة للخلايا فضلاً عن العزيمة الفولاذية التي تمتع بها بعض قادة العمل العسكري.

خلال تلك الفترة، استطاع عماد عقل ترتيب العمل العسكريّ في قطاع غزة بعد الضربات المتلاحقة التي تعرض لها في وسط العام الذي شهد استشهاد معظم قادة العمل، مثل جميل وادي، وزكريا الشوربجي، وإبراهيم عاشور، وتصفية خلية حسين أبو اللبن على الحدود المصرية، فأسّس خلايا جديدةً، بعضها سيلعب دوراً محورياً لاحقاً مثل خلية عوض سلمي -وهو من سينفذ أول عملية ثأر للقائد عماد لاحقاً12"مذكرات الشهيد عوض سلمي"، عوض سلمي.- وخلية باسم عيسى، هذا الدور سيدفع عماد عقل حياته ثمناً له بعد تأجيله لسفره إلى الضفة.

كما استطاع يحيى عياش وعلي عاصي ترتيب العمل العسكري بعد اعتقال زاهر جبارين والضربات التي تعرض لها التنظيم في شمال وجنوب الضفة، كما أن فقدان الكثير من القيادات والكفاءات العسكرية قابله تصدّرُ شخصيات محورية سيكون لها إسهامها الاستراتيجي في العمل العسكري، مثل يحيى عياش، وصلاح جاد الله، وعوض سلمي، وسعد العرابيد، بالإضافة إلى محمد الضيف الذي سيتولى قيادة العمل العسكريّ في أواخر عام 1993، وسيتولى ترتيب العمل العسكري في قطاع غزة بعد استشهاد عماد عقل.

منذ عام 1992 تغيرت "حماس" -التطور التنظيمي لـ"جماعة الإخوان المسلمين"- تماماً، فقد ترسخ العمل العسكري كاستراتيجية أساسية ورئيسية في مسيرتها لاحقاً، كما أن "كتائب القسام" التي انطلقت رسمياً في نفس العام ستلعب الدور الأبرز في الأداء القتالي منذ ذلك الحين وحتى الآن، عبر قافلة ممتدة من القيادات العسكرية، وسجل كبير من العمليات العسكريّة.