24 مارس 2025

معادلة الأقصى التي كُسِرت.. لا صلاة تحت الحراب

معادلة الأقصى التي كُسِرت.. لا صلاة تحت الحراب

في صلاة العشاء يوم الثالث من رمضان الماضي 1445 هـ، الموافق 11 آذار/ مارس 2024، نشر الاحتلال دوريات شرطته المدججة بالسلاح فوق رؤوس المصلين في أثناء إقامة الصلوات بالمسجد الأقصى، وفرضها حالةً دائمة تقوم بدوريات روتينية ومنتظمة، كما كان الحال في المسجد الأقصى عند احتلاله عام 1967. 

راكم الاحتلال تدريجياً خلال السنين الماضية على فرض وجود جيشه وشرطته في باحات المسجد الأقصى، وفوق رؤوس المصلين، الذي بدأ يتصاعد منذ عام 1982 وافتتاحه مركزاً لشرطته في الخلوة الجنبلاطية بصحن الصخرة، ثم تسييره دوريات جنوده التي ترافق المقتحمين وتفرض اقتحامهم للأقصى مدججة بالسلاح منذ 21 آب/ أغسطس 2003، وأخرى تطرد المصلين والمعتكفين في الأقصى بقوة السلاح كما حصل طيلة شهر أيار/ مايو 2021، وليس آخرها صباح 15 نيسان/ أبريل 2022 الذي شهد العدوان الأشرس والأشد عنفاً على الأقصى منذ احتلاله.

هكذا، يسلب الاحتلال يومياً المسجد الأقصى والسلطة عليه، ويفكك المعادلة التي كانت قد تصدت بها المرجعيات الإسلامية: "لا صلاة تحت الحراب". فكيف يغير وجود شرطة الاحتلال من واقع المسجد الأقصى؟ وما المحاولات الأولى لاستعادة السلطة على المسجد الأقصى؟ كيف راكمنا عليها ثم فقدناها؟ وهل استعادة الصلاة والوقوف في وجه الحراب ما زالت ممكنة؟ 

السيرة الأولى: لن نُصلّي تحت الحراب 

انطلقت الحرب يوم الإثنين الموافق 5 حزيران/ يونيو 1967، وبعد يومين كانت قوات الاحتلال تقتحم المسجد الأقصى ويصيح جنودها وضباطها عبر أجهزة الاتصال: "جبل الهيكل في أيدينا". كانت تلك اللحظات إيذاناً بعهدٍ حالك الظلام في المسجد الأقصى ما زال يخيم عليه حتى اليوم.

مكث المسجد الأقصى أياماً تحت هيمنة جنود الاحتلال، نفخوا البوق فيه وفي ساحة البراق إيذاناً ببدء عهد الهيمنة الإسرائيلية عليهما، برعاية حاخام جيش الاحتلال شلومو جورين الذي يعد أحد المؤسسين الروحيين لتيار الصهيونية الدينية - الذي بات سموتريتش وبن غفير أبرز قادته السياسيين اليوم - قبل أن تبدأ القيادة السياسية الصهيونية رسم سياساتها الجديدة بضم القدس والهيمنة عليها.

اقرؤوا المزيد: هل نعرف حقّاً ما هو المسجد الأقصى؟

على الطرف المقابل، كان رئيس محكمة الاستئناف الشرعية الشيخ عبد الحميد السائح رحمه الله، الرجل الأزهري وأعلى مرجعية شرعية في المدينة يقضي ثلاثة أيام عمل في عمّان من الإثنين إلى الأربعاء، ثم يعود إلى القدس ليكمل بقية أيام عمله فيها ويحضر أو يخطب صلاة الجمعة فيها، وقد بدأت الحرب بينما كان يباشر عمله في المحكمة في عمّان، فقرر فوراً الذهاب إلى القدس بصحبة زميله القاضي الشيخ حلمي المحتسب ولكنهما لم يتمكنا من بلوغها، وقابلهما حاجز للجيش الأردني قرب العيزرية إلى الشرق من القدس ونصحهم بالعودة لأن الطرق من بعده مقطوعة، فعاد الشيخان إلى أريحا ومكثا فيها أياماً، والتحقت عائلة الشيخ السائح به بعد إجبارهم على الخروج من بيتهم في القدس.

صورة تظهر سيارة عسكرية إسرائيلية متجهة نحو قبة الصخرة في المسجد الأقصى عند احتلاله عام 1967.

وفي صباح يوم الخميس 15 حزيران/ يونيو 1967، جاء مبعوثون إسرائيليون من القيادة العسكرية للضفة الغربية التي كانت قد أنشئت حديثاً واتخذت مركزها في القدس، إلى فندق قصر هشام في أريحا حيث كان الشيخ السائح وعائلته، وحضر مع البعثة مدير أوقاف القدس الشيخ حسن طهبوب رحمه الله، والإعلامي نور الدين عبد القادر الدريني (أبو جرير) من الناصرة - الذي كان يقدم برامج دينية في القسم العربي بـ "راديو إسرائيل" - ليتولى الترجمة والحديث مع الشيخ، وأبلغوه أن الحاكم العسكري الإسرائيلي يطلب لقاءه، فأصر على أن تعود عائلته معه إلى القدس، وهذا ما كان، ليخرج بعدها للاجتماع.

وكانت قوات الاحتلال سيطرت على فندق الإمبسادور في حي الشيخ جراح قبل ذلك بأيام، وحولت طوابقه الخمسة إلى مقر للحاكم العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية، وكان أول حاكم عسكري إسرائيلي للضفة الغربية، الجنرال المتقاعد حاييم هيرتزوج، الذي سيصبح لاحقاً وزيراً للحرب ثم رئيساً لـ "إسرائيل"، وابنه إسحاق هيرتزوج هو الرئيس الإسرائيلي الحالي إبان معركة طوفان الأقصى.

قبل الاجتماع بالحاكم العسكري هيرتزوج، أصر الشيخ السائح على أن يحضر معه أكبر عدد من مشايخ القدس وقضاتها، فحضر معه للاجتماع الشيخ حلمي المحتسب القاضي في محكمة الاستئناف، والشيخ سعد الدين العلمي مفتي القدس في حينه، والشيخ سعيد صبري قاضي المحكمة الشرعية – والد الشيخ عكرمة صبري مفتي القدس السابق ورئيس الهيئة الإسلامية العليا الحالي في القدس - والشيخ حسن طهبوب مدير أوقاف القدس في حينه.

وبعد حديث طويل، طلب الحاكم العسكري حاييم هرتزوج إعادة صلاة الجمعة إلى المسجد الأقصى المبارك، وهي حاجة ملحّة أدركتها قيادة الاحتلال في حينه بما كانت تحمله من براغماتية استعمارية، إذ إن الهيمنة الإسرائيلية على القدس تحتاج بالضرورة إلى اعتراف دولي بها، أو بالحد الأدنى إلى تقليل معارضتها بالسعي إلى إعادة انتظام الصلاة في المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وإظهار أن "إسرائيل" باتت "ترعى" الحرية الدينية لأتباع الرسالات الثلاث في المدينة.

الشيخ عبد الحميد السائح.

أجاب الشيخ عبد الحميد السائح أنه "لا تجوز الصلاة عندنا تحت الحراب، ولن أدعو الناس إلى الصلاة ما دامت جنودكم في أرض الحرم"، وأنهى الحديث بالإصرار على هذا الموقف وغادر الاجتماع، فأرسلوا إليه لاحقاً وأبلغوه بسحب جنود الاحتلال من المسجد الأقصى بكامل مساحته وتمركز جنودهم على أبوابه. وهنا أمر السائح بالدعوة إلى الصلاة في يوم الجمعة التالي؛ وكانت الجمعة الموافقة 16 حزيران/ يونيو 1967، أول صلاة جامعة في الأقصى بعد احتلاله، وهو ما يذكره جيداً عدد ممن عاصروا احتلال المسجد.

استمرت محاولة الاحتلال وضع المسجد الأقصى تحت سلطته لأسابيع لاحقة، رد عليها الشيخ عبد الحميد السائح بتأسيس "الهيئة الإسلامية العليا" مع عدد من القضاة والمفتين والشخصيات لتتولى المسؤولية الإسلامية المستقلة عن المسجد الأقصى والأوقاف والمحاكم الشرعية وسائر المساجد، وقد خشي الاحتلال من تحولها إلى تجربة متجددة للمجلس الإسلامي الأعلى الذي سبق أن تحول إلى عنوان للثورة والمقاومة وقاده المفتي الحاج أمين الحسيني، فانتهت الأحداث بتراجعها عن قرارها وضع الأقصى تحت وزارة الأديان الإسرائيلية، وتكريس السلطة الإسلامية المطلقة على المسجد الأقصى وشؤونه حتى في ظل الاحتلال، فعوقب الشيخ السائح على ذلك بالإبعاد في 25 أيلول/ سبتمبر 1967، ليلتقط الأردن هذه الفرصة فوراً ويعينه وزيراً للأوقاف في حكومة بهجت التلهوني المشكّلة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 1967، وهي الخطوة التي مهّدت الطريق لاستعادة الصلة المباشرة بين الحكومة الأردنية وأوقاف القدس التي كانت الهيئة الإسلامية العليا قد أصبحت مظلتها، في حين بات رئيسها المبعد هو وزير الأوقاف في الحكومة الأردنية.

ورغم أن حياة الشيخ سائح رحمه الله كانت حافلة ما بين تقلد المناصب في الحكومة الأردنية ورئاسة المجلس الوطني الفلسطيني بعدها لنحو تسع سنوات، فإن الشيخ حين نشر مذكراته اختار لها عنوان "فلسطين: لا صلاة تحت الحراب"، إذ كان ينظر إلى دوره في حماية هوية المسجد الأقصى الإسلامية بعد الاحتلال، باعتباره أهم محطات حياته. 

صلاة تحت الهراوة 

لم يكن الاحتلال مرتاحاً لهذه المعادلة التي تكرست بُعيد الاحتلال، خصوصاً بعد فشله في محاولة وضع المسجد الأقصى تحت إشراف وزارة الأديان الإسرائيلية تطبيقاً لقرار ضم القدس الصادر في 27 حزيران/ يونيو 1967، وعجزه عن ذلك أمام الهيئة الإسلامية العليا وما حظيت به من إجماع وتأييد شعبي ورسمي كان ينذر بانفجار مواجهة مبكرة على هوية المسجد الأقصى، واضطراره للتراجع عن إجراءات وضع المسجد الأقصى تحت سلطة وزارة الأديان وإعادتها في 28 تموز/ يوليو 1967 إلى سلطة الحاكم العسكري معترفين بأنه مسجد محتل بما يتنافى مع قرار الضم الذي أخذوه قبل شهرٍ واحد فقط، ومعترفين أيضاً أن الهيئة الإسلامية العليا هي الجهة المختصة بإدارته، الأمر الذي مهّد الطريق لعودة الأوقاف الأردنية بعد تولي رئيسها منصب وزير الأوقاف في الحكومة الأردنية.

قوات الاحتلال تعتدي على المصلين خلال محاولتهم الوصول إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة الأولى من شهر رمضان، في 7 آذار/ مارس 2025. (تصوير: سعيد قاق/نور فوتو)

توالت محاولات الاحتلال لتغيير الواقع وفرض حضوره الأمني في المسجد الأقصى بدءاً من الاستيلاء على سطح المدرسة التنكزية، ثم هدم الخانقاة الفخرية الملاصقة لباب المغاربة في 1969، ثم بفرض مركز لشرطة الاحتلال في الخلوة الجنبلاطية في صحن الصخرة في عام 1982 والتي كانت قبل ذلك مركزاً لرئيس حراس المسجد الأقصى المبارك التابعين للأوقاف الإسلامية، وهو أول وجود دائم لشرطة الاحتلال داخل المسجد الأقصى المبارك، والذي افتتحه بعد مجزرة الأقصى الأولى في 11 نيسان/ أبريل 1982، عندما فتح الجندي الإسرائيلي ألن جودمان النار على المصلين داخل قبة الصخرة المشرفة، فقتل اثنين وجرح 44 من المصلين. وقد ادعى الاحتلال أن فتح مركز لشرطته في المسجد الأقصى هدفه "حماية المصلين". 

وبذلك، حول الاحتلال الخلوة الجنبلاطية في صحن الصخرة إلى مركزٍ دائم لشرطته؛ لكن المرابطين لم يسلّموا بهذا الوجود فأحرقوا مركز الشرطة مرتين حتى الآن، الأولى في العشر الأواخر من رمضان وتحديداً في 25 تموز/ يوليو 2014 خلال حرب غزة، والثانية في أثناء أحداث هبة باب الرحمة في 12 آذار/ مارس 2019.

اقرؤوا المزيد: تقسيم الأقصى.. ماذا فعلنا حتى الآن؟

تعزز حضور شرطة الاحتلال في المسجد الأقصى مع فتح باب الاقتحام عملياً في 21 آب/ أغسطس 2003، وتحويل مهمة شرطة الاحتلال لتصبح حماية المستوطنين المقتحمين للمسجد بعد أن كانت توجيهاتهم تقضي بمنع دخول اليهود إلى المسجد إلا بأمر خاص من وزارة الأمن الداخلي الإسرائيلية، ما أدى لاحقاً إلى تشكيل "قوة شرطة جبل المعبد" التي أصبح قوامها يزيد على كتيبة كاملة، بعد أن كانت مهمة الانتشار في محيط المسجد جزءاً من مهام شرطة الاحتلال في البلدة القديمة عموماً، وصولاً إلى 2018 عندما بدأت شرطة الاحتلال تعتبر نفسها "إدارة جبل الهيكل"، وتعلق يافطات ترحيبية بالمقتحمين في موسم الأعياد اليهودية الطويل المتزامن مع شهري أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر من كل عام.

مواجهات عنيفة في باحات المسجد الأقصى بين المصلين وقوات الاحتلال في أيار/ مايو 2021، أطلقت خلالها قوات الاحتلال الرصاص المعدني المغلف بالمطاط والغاز المسيل للدموع على المصلين. (مصدر الصورة: وكالة الصحافة الفرنسية)

شهد شهر تموز/ يوليو 2018 محاولة تمدد جديدة لشرطة الاحتلال بوضع موقع لقوات "حرس الحدود" التابعة لها فوق سطح مصلى باب الرحمة إيذاناً باقتطاعه بعد نحو 15 عاماً من إغلاقه، مما شكل مقدمة من مقدمات هبة باب الرحمة في شباط/ فبراير 2019، وهي النقطة التي أزالها المرابطون ورموها من فوق السور الشرقي نحو مقبرة باب الرحمة في شهر رمضان وتحديداً في 23 نيسان/ أبريل 2022.

وبعد معركة سيف القدس 2021 وإفشال محاولة اقتحام المستوطنين في 28 من رمضان الموافق 11 أيار/ مايو من العام ذاته، أخذت شرطة الاحتلال تتمركز بأعداد كبيرة أمام باب المغاربة من الداخل، وتمنع الاقتراب منه لتكون جاهزة لأي هجوم للانقضاض على المصلين، ما تجدد بشكل أكبر في عدوانها الأشد في تاريخ المسجد على المصلين صبيحة الجمعة الأولى من رمضان في 15 نيسان/ أبريل 2022 ثم في عدوانها على المعتكفين في الأقصى في 4 نيسان/ أبريل 2023 الذي أطلق معركة عابرة للحدود سبقت معركة طوفان الأقصى بأشهر قليلة.

اقرؤوا المزيد: السؤال الذي يتكرر: "ليش الأقصى فاضي"؟

في كل أشكال العدوان أعلاه، كان وجود شرطة الاحتلال يتخذ الشكل المؤقت أو إيجاد موطئ قدمٍ داخل المسجد بما يعزز هيمنتها عليه ويكسر عبر الزمن معادلة "لا صلاة تحت الحراب"، لكن التطور الأهم والأخطر في هذا السياق جاء في يوم الأربعاء الثالث من رمضان 1445 هـ الموافق 13 آذار/ مارس 2024 حين بدأ الاحتلال نشر دوريات راجلة مدججة بالسلاح بالتزامن مع أذان العشاء وإقامة الصلاة، ليحول ذلك لاحقاً إلى ممارسة روتينية متكررة في معظم أيام السنة، ويعمل على تكريسها في رمضان الحالي من عام 1446هـ الموافق للعام 2025، مع توزيعها على أكثر من ثماني نقاط في صلوات الجمعة والتراويح، بحيث باتت تلك الدوريات المدججة بالسلاح تجول فوق رؤوس المصلين في ركوعهم وسجودهم، ما يناقض تماماً معادلة "لا صلاة تحت الحراب" ويقوضها.

الاستعادة الممكنة

إن غابت الوقائع التاريخية فإن الوعي بهذه المعادلة لم يغِب، فإدراك هذه المعادلة كان مفتاح هبة باب الأسباط في مواجهة البوابات الإلكترونية في 2017، ورسالة الفعل الشعبي كانت حينها: إن كانت الصلاة مشروطة ببوابات الاحتلال وهيمنة شرطة الاحتلال فسنقيمها على أبواب الأقصى حتى تزال هذه البوابات. ولم تنحن الرقاب للبوابات حتى أزيلت بالفعل، لتتجدد معادلة "لا صلاة تحت الحراب"، وليتجدد تطبيق فتوى الشيخ السائح عملياً بيد أبناء القدس وفلسطين بعد 50 عاماً من إصدارها.

على مدى عقود التغول لكسر المعادلة لم تغِب بالمقابل محاولات صدّها، سواء بإحراق مركز شرطة الاحتلال في صحن الصخرة مرتين، أو بهبة باب الرحمة لفتح المصلى المستهدف بالتقسيم في 2019، أو بإزالة نقطة شرطة الاحتلال المستحدثة فوقه عام 2022، أو بالاشتباك مع شرطة الاحتلال في محاولات عدوانها المتتالية.

قوات الاحتلال تطلق قنابل الغاز لتفريق فلسطينيين بعد اندلاع مواجهات داخل المسجد الأقصى في 27 تموز/ يوليو 2017. (تصوير: أحمد غرابلي/ وكالة فرانس برس)
قوات الاحتلال تطلق قنابل الغاز لتفريق فلسطينيين بعد اندلاع مواجهات داخل المسجد الأقصى في 27 تموز/ يوليو 2017. (تصوير: أحمد غرابلي/ وكالة فرانس برس)

اليوم، وقد استغل الاحتلال حالة الطوارئ التي أعلنها تحت سيف حرب الإبادة، وما شملته من اعتقال من دون عرض على المحكمة أو على المدعي العام، وصلاحيات الاعتقال الإداري غير المحدودة، والاستفراد بالأسرى في ظروف وحشية؛ فإن فرض دوريات الاحتلال في المسجد الأقصى خلال الصلاة، عدوان يحاول فرض معادلة جديدة مفادها أن الاحتلال من يحكم المسجد كما يشاء وبلا أي مرجعية تحكم سلوكه، ما يعني محاولته خلال حرب الإبادة اليوم، فرض ما عجز عن فرضه إبان احتلال المسجد في 1967.

اقرؤوا المزيد: عندما دخل المقدسيون من باب حُطّة..

ما يجب إدراكه هنا أن ما فشل الاحتلال في فرضه وهو خارج من أكبر انتصار عسكري في تاريخه عام 1967، فإن موازين القوى لا يمكن أن تسمح له بفرضه وهو خارج من أكبر فشل عسكري في تاريخه، حتى وإن رد على ذلك الفشل بأكبر حملة إجرامية في تاريخه، فما دامت حملة الإبادة والإجرام لم تمنع عجزه عن كسر المقاومة بالقوة وعن استعادة أسراه بالقوة وعن التهجير بالقوة، فإن هذا يعني أنها أعجز من أن تسمح له بحسم مصير الأقصى بالقوة وهو الذي من أجله انطلقت المعركة.

إن الواجب اليوم استعادة معادلة "لا صلاة تحت الحراب" باستدامة الصلاة والوقوف في وجه الحراب، والحفاظ على المعادلة في صدارة وعينا بالأقصى وبوجودنا فيه على مستوى القدس وفلسطين، وعلى مستوى الأمة الإسلامية بنخبها وعلمائها ثم بأبنائها، فمحاولة كسر هذه المعادلة ليست إلا زَبَداً مؤقتاً يناقض موازين القوى الإجمالية للصراع، وإن أتيحت فسحة مؤقتة لفرضها الآن، ولا بد أن نعمل اليوم بوعي وتصميم وإدراك على تحويل استعادتها إلى هدف جامع يصل إلى كل مدينة وقرية ومخيم، إلى كل حي وكل زقاق، إلى كل قلب يؤمن بقداسة الأقصى وبركته وكل عقل يتطلع إلى يوم تحريره، فاستعادة المعادلة ممكنة حتى تأتي لحظة التحرير، فتبقى الصلاة وتنكسر الحراب.