25 مارس 2024

مطبخ الشمال: الخبيزة أو السلق؟

مطبخ الشمال: الخبيزة أو السلق؟

كلُّ يومٍ بيومه، هكذا أصبح نمطُ العيش داخل أسوار شمال غزّة المحاصر، فكلُّ صباحٍ نُولد من جديدٍ إنْ نجونا من آلة القتل والدمار التي لا تتوقف.

ثمّ نبدأ معركةً جديدةً عنوانها البقاء، إذ لم تعد الحياة سهلةً رغم بساطتها، أقصد بساطتها في وضوح نمطها اليوميّ المتكرر الخالي من كل تعقيدات الحياة المدنية، فهمومنا هي ذات هموم الإنسان القديم الذي يبحث عن أمنه الغذائيّ، ولكن بهدفٍ مختلف، فنحن نبحث عمّا يُحيينا لنصمدَ أمام كلّ مخططات الإخضاع أو التهجير.

من هنا تبدأ رحلتي بمهام نتبادلها بين بعضنا البعض، صعوبتها تعتمد على مدى صعوبة الحصول عليها، بدءاً بالماء الصالح للشرب وانتهاءً بالطعام الذي إن وُجِد طهيناهُ بشقّ الأنفس على نار الحطب في ظلِّ انعدام أبسط المقومات وهي غاز الطهي.

لم أكن لأتخيل في أسوأ الظروف أنّنا وفي هذا الزمن العصري سنقف طوابير الانتظار ما بين الحصول على المياه الصالحة للشرب أو المياه التي تصلح للاستخدام الآدمي للطهارة والغسيل، ونقلها في الجالونات إلى الطوابق العليا مع توقف المصاعد الكهربائية في ظلّ انقطاع الكهرباء.

أما عن التسوق فحدث ولا حرج، فصعوبته لا تكمن  بالمسافات التي نقطعُها مشياً في ظلِّ انعدام الوقود الذي استُنفِذ على مدى الحصار، ولا بوعورة أشباه الشوارع والمعالم بعد أن دُمِّرت البنية التحتيّة، إنّما تكمن الصعوبة في البحث عن شيءٍ يؤكل في ظلّ لا شيء، لتعود بأحد الخيارين؛ عشبة الخبيزة أو عشبة السلق، اللتين تُمثّلان الآن الوجبة الرئيسية لمعظم سكان الشمال المحاصر.

فلم يكن يخطر ببالنا في زمن الحضارة أنّنا سنبحث عن الأساسيات فلا نجدها بسبب الحصار المطبق لـ6 أشهر لم يدخل فيها إلى غزّة إلا الفتات من المساعدات، ليصبح كيلو الطحين في فترة من الفترات إن وُجد يتجاوز سعره الـ30 دولاراً بعد أن كان لا يتجاوز سعره نصف دولار، حتى وصل بنا الحال إلى استبداله بعلف الحيوانات وبأسعارٍ تتجاوز المنطق لِشحّها كذلك. كما أنّ بروتين الفقراء (العدس) يتجاوز سعره أسعارَ اللحم الطازج في العالم ليصل إلى 25 دولاراً للكيلو الواحد، وذلك لندرة وجوده، كما نبحث في أزقة السوق عن كيلو رز واحد فلا نجده، أو علبة حليب تائهة فلا نجدها.

حتى البيض تربّع على عرش الأطباق النادرة صعبة المنال، إذ وصل سعر البيضة الواحدة إن وُجِدت، إن وُجِدت، أكثر من دولارين، لسببين؛ الأول تدمير جُلّ مزارع الدجاج، والثاني انعدام الأعلاف بعد استخدامها كبديلٍ للقمح والطحين.

أما الفواكه فلم نرها منذ انطلاق صافرة الحرب الهمجيّة، وكذلك الخضار الطازجة فنادراً ما نراها، من كان يتصوّر أن كيلو البصل أو البندورة أو الخيار سيتجاوز حاجز الـ30 دولاراً لِوصوله مُهرّباً من مزارع الجنوب بكمياتٍ لا تكفي لعدة عوائل في ظلِّ مجتمعٍ مكوّن من 700 ألف مواطن مُحاصر في الشمال. من كان ليظنّ أنّنا سنسعَدُ عندما نجِدُ بعض المعلّبات التي يخرجونها من تحت أنقاض المحلات المُدمّرة فنشتريها بلا ترددٍ بأسعار تفوق الخيال رغم انتهاء تاريخ صلاحيتها.

تخيلوا معي أنّ الذي يُواجِهُ هذه الصعاب وهذه الصدمات وهذه الظروف هو المواطن الذي كان يقضي يومَه بطولِه مكافحاً في عمله ليعيشَ على الكفاف في الحياة الطبيعيّة، وهو ذات المواطن الذي يواجه شظف الحياة والحصار والأسعار وهو بلا عمل.

صعوبة الحياة لم تقتصر على محدودي الدخل بل طالت كل طبقات المجتمع، بدءاً بالتجار الذين دُمِّرت متاجرهم ومخازنهم إلى مُلّاك المصانع الذين دمّر الاحتلال مصانعهم، وانتهاءً بالعامل البسيط الذي يجلس الآن بلا عمل في ظل حربٍ أكلت الأخضر واليابس.

في الحقيقة، لم تعد حياتُنا سهلة، ولا في متناول الخيال البشريّ المعاصر لِيُصدقها أو يستوعب مفرداتها، لكنها حقيقة واقعة نعيشها لحظةً بلحظة، وما يدفعنا للصبر على مثل هكذا معاناة هو يقيننا أنّنا ندفعُ ثمنَ صمودنا على أرضنا، فمن لم يدفعه الدمار والدماء للنزوح والهجرة، قد يدفعه الجوعُ للخنوع والخضوع.



8 مارس 2023
السؤال الذي يتكرر: "ليش الأقصى فاضي"؟

"وين الناس، ليش الأقصى فاضي؟"، سؤال يتردد كثيراً خصوصاً خلال اقتحامات المستوطنين المركزيّة للمسجد، وأيضاً عند توثيق الاعتداءات المتكررة مثل…