8 ديسمبر 2018

مشروع "إدانة حماس" المُسقَط

وقوفٌ عند 3 أسئلة

وقوفٌ عند 3 أسئلة

طُرح مشروع القرار الأميركي للتصويت الخميس الماضي (6 ديسمبر/ كانون الأول 2018) في "الجمعية العامة للأمم المتحدة". مشروعُ قرارٍ كان يحاول إدانةَ إطلاق حركة "حماس" للصواريخ من قطاع غزة، ويدعوها والفاعلين الآخرين كحركة "الجهاد الإسلامي" لوقف "الاستفزاز" المتمثل في الطائرات الورقية والبالونات الحارقة.

عقب التصويت، انتشر تحليلٌ على شبكات التواصل الاجتماعي يرى أن كارثةً كبيرةً حصلت. إذ صوّتت 87 دولة لصالح مشروع القرار، الذي فشل لاحقاً لعدم تحقيقه أغلبية الثُلثين، مقابل 58 دولة صوّتت ضدّه، وامتناع 32 عن التصويت -صحّح مندوب أفغانستان الامتناع إلى ضد-. استطردت التحليلات في الحديث عن تراجع "الدبلوماسية" الفلسطينية وإدانة رموزها. وانتشر تحليلٌ آخر قارن ما حصل بالتصويت الذي تمّ عام 1975 على القرار رقم 3379، الذي اعتبر الصهيونيّة شكلاً من أشكال العنصرية، بأغلبية 72 صوتاً مقابل 35 حينها وامتناع 32 دولةً عن التصويت.

يُمكن أن تُتفهّم الأسباب الداعية لمثل هذا التحليل، من باب أنّها تبتغي إظهار المفارقة والتغيّر الذي شهدته القضية الفلسطينية منذ السبعينيات حتى الآن. كما أنها ترغب في إدانة تقصير السلطة الفلسطينية و"منظمة التحرير"، وهزالة أدائهما السياسي لاستقطاب الدعم لقضية فلسطين، رغم أنهما وقفتا ضدّ القرار. إضافة إلى الرغبة المعتادة في إدانة الانقسام، باعتباره يجب أن يُلام على كل ما يحصل في فلسطين، أو لأي فلسطيني في أي مكان.

في المقابل، يجب التنويه إلى أنّ الاقتصار على مثل هذه التحليلات، إنّما هو نابعٌ من الرغبة في الراحة بالارتكان إلى التحليل الأسهل، وقبول التسطيح الرقميّ لتلبية رغباتٍ أو لتعزيزِ نمط تفكيرٍ سائدٍ، أكثر مما هو تحليل موضوعي يقرأ مدلولات الحدث.

ولتوضيح هذا الزعم، لا بدّ من التوقف عند ثلاث قضايا:

أولاً؛ لماذا لجأت الولايات المتحدة ودولة الاحتلال إلى "الجمعية العامة للأمم المتحدة"؟

لم تعتد الولايات المتحدة أو دولة الاحتلال اللجوء إلى "الجمعية العامة" كمكانٍ لحسم الخلاف مع المقاومة الفلسطينية. بل إنّ هذه المحاولة تشكّل سابقةً تاريخيةً فريدةً من نوعها، فلماذا حصلت؟

لا يمكن إغفال أن هذه الخطوة جاءت عقب "حرب الأيام الثلاثة" التي أفشلت فيها المقاومة عمليةً أمنيةً إسرائيليةً نوعيّة، وبادرت بعدها بإطلاق 400 صاروخ في ثلاثة أيام قبل العودة إلى التهدئة. بلغةٍ أخرى جاء الذهاب إلى "الجمعية العامة" تعبيراً عن عجز الحسم الميداني.

لماذا لم تذهب الولايات المتحدة إلى "مجلس الأمن"؟ إذ لطالما كان "مجلس الأمن" ملعبها المفضّل لتشويه الحقّ الفلسطيني منذ القرار 242 عام 1967 وحتى الآن. فلماذا لم تذهب إلى هناك؟

نظرةٌ فاحصةٌ إلى لوحة التصويت تظهر أن الصين وروسيا صوّتتا ضدّ القرار، بلغةٍ أخرى لو ذهب مشروع القرار هذا إلى "مجلس الأمن" لاصطفت اثنتان من القوى الخمس دائمة العضوية ضدّه، ولنُقِض بالفيتو. حينها ستظهر المقاومة الفلسطينية مغطاةً بمحورٍ دوليّ كامل، وستخرج الولايات المتحدة بنتيجةٍ عكسية تماماً.

لم يكن وراء ذهاب الولايات المتحدة إلى "الجمعية العامة"عجزٌ واحدٌ إذن، بل عجزان مركّبان: عجزٌ إسرائيلي عن الحسم الميدانيّ، وعجزٌ أميركيّ عن تمرير القرار في "مجلس الأمن". هنا يُمسي التسطيح الرقمي عبئاً، إذ يمنعنا من رؤية هذه النتائج المهمة وغير المسبوقة في تراجع القدرتين الإسرائيلية والأميركية معاً، بل إن هذا التصويت يُعدّ شاهداً على مرحلةٍ جديدةٍ من هذا التراجع، خصوصاً مع الفشل في الحصول على القرار، الذي بات معه الفشل مكعّباً.

ثانياً؛ كم دولة كانت تتعامل سياسياً مع "حماس" قبل مشروع القرار؟

ندرك جميعاً أن الولايات المتحدة اختارت الاقتصار على "حماس" في القرار، لتسهيل عزل وتجريم المقاومة الفلسطينية، واختصارها في حركةٍ إسلاميةٍ تشكّل العمود الفقري لهذه المقاومة، وترتبط فكرياً بتيارٍ تُخاض ضدّه حرب دولية لتجريمه واجتثاثه: تيار "الإخوان المسلمين".

في ظل هذه البيئة، لو حاولنا إحصاء الدول التي تتعامل سياسياً مع "حماس"، أو حتى مع شقيقها "الجهاد الإسلامي"، فإننا بالكاد نتمكن من بلوغ رقم 20، وربما لا نصل إليه.

في التصويت وقفت ضدّ القرار 58 دولة؛ في الواقع أحرج مشروعُ القرار دولاً كثيرةً لا تتعامل مع "حماس"، بل إن بعضها مستعدٌ للمساهمة في خنقها عملياً. لكن، حين وضعت هذه الدول أمام محكّ التعبير العلني عن العداء للمقاومة، اضطرّت للتصويت ضد القرار، وظهرت المقاومة الفلسطينية كأنها مغطاةٌ بمحورٍ دولي من 58 دولة، وهذا ما يجب استثماره والبناء عليه سياسياً.

ثالثاً؛ سؤال التوقيت

لقد جاء التصويت عقب "حرب الأيام الثلاثة" التي رمت فيها المقاومة 400 صاروخٍ على المدن الصهيونية في فلسطين المحتلة، وبعد ضربتين عسكريتين للجيش الصهيوني خلالها. وحين يأتي هذا التصويت بعدها، ويفشل في التحول إلى قرار، فهذا يعني منع إدانة هذه الأفعال المقاوِمة؛ أي أنّ 58 دولة لم تسمح بوضع ضرب الصواريخ على المستوطنات في خانة الأعمال المُدانة، ولعلّ هذا ما يفسّر رغبة المندوب السعودي في الأمم المتحدة على أن ينُصّ في كلمته على خلاف ذلك.

في الخلاصة، كشف هذا التصويت إقراراً صهيونياً بالعجز عن الحسم الميداني، وإقراراً أميركياً بالعجز عن إدانة المقاومة في "مجلس الأمن"، وأثبت عجزها عن ذلك في "الجمعية العامة" أيضاً، وأظهر المقاومة الفلسطينية في صورة المغطاة بمحورٍ دولي من 58 دولة، رغم أنها في الحقيقة أقلّ من ذلك بكثير، ومنع تجريم ضرب الصواريخ على المدن الصهيونية في فلسطين المحتلة بتصويت دولٍ من بينها دولتان دائمتا العضوية في "مجلس الأمن"، لكن التسطيح الرقمي يصرّ على أن يحجب عنّا كل ذلك، فهل نستمرّ في الانقياد إليه؟