29 أبريل 2022

بعضٌ مما ترحلُ إليه عيونُنا في القدس

بعضٌ مما ترحلُ إليه عيونُنا في القدس

أكتبُ هذه الكلمات للذين لم يزوروا القدس بعد، ولم يترّبوا في أحيائها، ولم تربطهم في أزقتها حكايا وذكرياتٌ في طفولتهم أو كبرهم، الذين أحبوا القدس دون أسباب، الذين لم يطيقوا الوصول إليها فصبروا وصابروا حتى وصلوا. سأصحَبُهم في جولةٍ قصيرةٍ داخل هذه المدينة التي عاشت فيهم قبل أن يعيشوا فيها، أكتبها كدليلٍ شاهدٍ على ماضي وحاضر المدينة في شهرها الأغرّ؛ شهر رمضان، أجمل مواسمها العامرة بالأبناء والأحباب.

أبدأ جولتنا هذه من باب العمود، وهو باب المدينة الرئيس في جهتها الشماليّة، منه يدخل أغلبُ الناس إلى البلدة القديمة، وهو شريانُ المدينة الكبير، ارتبط اسمُه بعمودٍ شيّدَه هيرودوس الرومانيّ منذ أكثر من ألفي عام. ويُسَمّى كذلك باب دمشق، فمنه كانت تنطلق القوافل التجاريّة إليها، ودخلت عليه تسمية باب نابلس في القرن الأخير لأنَّ شبكة مواصلات نابلس كانت تنطلق منه أيضاً. وأطلق عليه المقدسيون في سنواتهم الأخيرة باب الشُّهداء، لكثرة الشهداء الذين سالت دماؤهم الزكيّة على درجاتِه.

عندما تصل هذا البابَ الشاهق في ارتفاعه، العريق في تفاصيله الزخرفيّة، وتنظر إليه من ساحتِه المفضية إليه، ارفعْ رأسَك قليلاً لترى نقش السلطان العثمانيّ سليمان القانونيّ وتأريخ بناء الباب. قد يُوقِفك الأغرابُ إذا لمحوا أنّ هيئتك ليست على الوجه الذي يعجبهم، فقد نصبوا ما يشبه الكوخ الحديديّ غرب الباب، كنشازٍ ودخيلٍ معماريّ كحالهم بالضبط!

واجهة باب العامود الشمالية.

ستُلاحظ لاحقاً أنَّ مداخل الأبواب الكبرى التي تُدخلك إلى المدينة مُصمَّمةٌ بطريقةٍ لا تريك محاسن المدينة مباشرةً، ولعلّ هذا تقليد عسكريّ لإعاقة دخول الغُزاة بخيولهم وعرباتهم، وعدم فتح أنظارهم على هذه المدينة الفاتنة. ولعلي مجتهداً أقول إنَّ الدخول إلى المدينة يحتاج لشهقةٍ عميقة، لكسر جدران الدهشة التي بنيتَها قبل زيارتك، ثم لكي تخلع نعلك فأنت أجدر بأن تمشيَ حافياً هنا، فلعلك تحظى بلمسة قدم وليّ أو نبيّ!

بعدها يا قارئ الكلام، تدخل إلى إيوان السوق وتستقبلك المحلاتُ عن يمنةٍ ويسرة. وإذا أقامَ المؤذنُ للصلاة وكنت تودّ الجماعةَ فدونك مسجد الشيخ لؤلؤ على يسارك، مسجدٌ مملوكيّ يرتاده التجار. وإن كُنت محظوظاً يومها وكانت سلطات بلدية الاحتلال قد غضّت أبصارها عن البلدة، فستجد الفلاحات من قرى القدس وضواحيها يعرضن الجُبن والزعتر والمريمية وما يتيسر لهنّ من رزق في كل موسم. ولكلّ واحدة منهنّ قصة ستعرف بعضها بعد التدقيق في تجاعيد وجهها العابر للحواجز كلّ صباحٍ في رحلةٍ شاقّة نحو هذا الباب، أو في تطاريز ثوبها الفلسطينيّ الأشمّ، كل لوحة من لوحات هذا الثوب تُشير إلى مدينة أو ريف، أو من شالها الأبيض المدلّى. وإذا كنت ذا عقلٍ بعد كل هذا المشهد وكانت لك مَلَكة المماكسة فحاول لعلّك تُفلح. (هامش: المماكسة: المُفاصلة على الثمن).

رويداً رويداً حتى يستقبلك في واجهة السوق محلُ "الهدمي" ذائع الصيت للفلافل، في رمضان تجد عنده القطايف. إذا جعلته أمامك ونظرت يميناً، هناك طريق يأخذك إلى حارة النصارى، وفي طريقك الممتد بين الأزقّة الضيقة تراودك نفسُك وراء رائحة الصفيحة الأرمنيّة لدى "مخبز جبر". 

فلاحات فلسطينيّات يعرضن المنتجات الزراعيّة للبيع على الدرجات المؤدية إلى سوق خان الزيت، وفي يمين الصورة أطراف محل الهدمي للفلافل. (عدسة: Jon G Fuller/Eye Ubiquitous).

أما إذا دخلت مباشرةً فستكون في سوق خان الزيت سوق المدينة الرئيس. كان هذا السوق يضّم معاصر للزيتون وبقي له هذا الاسم العريق، أما محلاته فمصفوفةٌ بشكلٍ رتيب، وفيها أبناء المدينة يبتاع المارة منهم المؤن والتحف والملابس. وتُجّاره على الرغم من سوء الحالة الاقتصاديّة مرابطون فيه يُسرجون هذه المدينة بالزيت لتبقى عامرةً بأهلها وقناديلها. والسوق أغلبه مسقوفٌ ليحمي الزوار والتجار من حرّ الصيف ومطر الشتاء، ويضاء بفتحات سماويّة صغيرة تُدخل الشَمسَ إلى السوق بعناية. قد تَعجَب لكثرة المارة وانتعاش المدينة في هذا الشهر بالذات، لأنّه موسمٌ ينتظره تُجّار المدينة بشوقٍ، فأسواقُ القدس قليلة الازدحام في بقية الأيام بسبب الحصار والتضييق.

في أول السوق محلاتُ المخللات والبنّ والصاغة والملابس، حتى تصل ثلثه الأول تلتفت يميناً فترى طريقاً يسمى عقبة البطيخ ويساراً عقبة التوت، والعقبة هي مطلع في الطريق أو مدرج يفضي إلى حيّ من أحياء المدينة. في وسط السوق مطاعم وفي منتصفه على اليسار فندق الهاشميّ، له إطلالة عجيبة تروي حكاية من حكايات مدينة القباب.

المشهد كما يظهر من الطابق العلوي لفندق الهاشمي، والواقع في وسط سوق خان الزيت، البلدة القديمة. (عدسة: آية أمين).

لا تُغمض عينيك وتحرمهما النظر إلى كل هذه المفاتن، عند ذلك المدخل يتربع هرمٌ من أهرامات القدس، هرم الزعتر البلدي الذي يمرّ منه المارة ذهاباً وإياباً يصورونه أكثر مما يشترون منه. ولعلّ هذا داء العصر، كثرة التصوير وقلّة التأمل، وحسبي أنّهم إذا ذاقوه فستعلق الصورة في رؤوسهم أكثر من جوالاتهم. بعدها ينتظرك محل العمد للحلاوة، لا تفوّت فرصة شراء إصبع للحلاوة يعطيك طاقةً لإكمال المسار.

ينتهي سوق خان الزيت المتنوع لِتستقبلك بعدها أربعةُ أسواقٍ مُتخصِّصة؛ سوق الدباغة إلى اليمين الأقصى، وسوق اللحامين يوازيه سوقُ العطارين، ويوازيهما أيضاً سوقُ الخواجات للأقمشة الذي طاله داء الهجر وأُغلِقت معظم محاله بسبب ميول الناس للملابس الحديثة الجاهزة. وهذه الأسواق الثلاثة الأخيرة من عمارة المماليك في المدينة. 

ومن المُميز في القدس وفي مدن الشام التاريخيّة تنظيمُ أسواقها واختصاصها، فأنت لست مجبوراً أن تشتمّ رائحة اللحوم والكرشات عند مدخل السوق، لذلك تجد ضالّتك حصراً في سوق اللحامين، أما سوق العطارين فلم يبق فيه الكثير من محلات العطارة لتغيّر أحوال المدينة. لكنّ رائحة التوابل تشدّك في هذا السوق الضيق إلى المؤقت والقيسي وهما محلّان للعطارة توارث أبناؤهما الكار أباً عن جد، وأصبحا من المحلات القليلة جداً للعطارة فيه.

نسيتُ أن أقول لك.. في غمرة المرور بهذه الأسواق قد تسمع صوتاً يناديك: "أوعى يا حج" .. "أوعي يا بنت"، هذا صوت الشاب الذي يقود عربة النقل الفريدة في طرق البلدة القديمة، ولعل هذه مهنة عمرها أكثر من ألفي عام! لعلّها أقدم المهن في القدس، فلا أعتقد أن الرومان واليونان والمسلمين وغيرهم استعانوا بطريقةٍ أفضل منها، وكأن بناة المدينة أرادوا أن يبتكروا مهنةً متوارثةً دائمة تجعل للمدينة رونقاً خاصاً. كبيراً كنت أم صغيراً غفيراً أم وزيراً، لا تملك إلا أن تصطف كغيرك لصق أبواب المحلات عند مرور صاحب العربة الذي يعلو صوته كلّما اقترب منك كي لا تُعيقه.

الشارع المُفضي من سوق خان الزيت باتجاه سوق الدباغة وكنيسة القيامة. يظهر في يمين الصورة مبنى الكنيسة الروسيّة، وإلى اليسار كنيسة الفادي. (عدسة: آية أمين).

نعود إلى الدباغة، سوقٌ واسع بعض الشيء، يأخذك غرباً إلى كنيسة القيامة أو جنوباً إلى سوق أفتيموس ذي النافورة البهيّة. رائحة جلود الخليل المدبوغة والسجاد الفارسيّ تفوح قرب مبنى روسيّ مبني بحجارة ورديّة، تدخله لترى تفاصيل البناء بعد أن تدفع للراهبة على الباب خمسة شواكل، الروس في الكنائس مستورون على غير الوجه الذي يعرفه عنهم الناس، فلا تكاد تفرّق راهبةً أرثوذكسيّةً عن سيدةٍ مُسلمة ترتدي الحجاب. في المبنى غرفةٌ للقيصر الذي هرب بعد الثورة البلشفيّة وأقام نفرٌ من عائلته في هذا المبنى. ويقول مؤرخو النصارى إنَّ حدود كنيسة القيامة كانت تصل إلى حيث تقف، بالضبط عند هذا المبنى. 

تمشي رويداً، على يسارك برجُ كنيسة الفادي اللوثريّة للبروتستانت، من المعلوم أنَّ البروتستانت عندما أنشأوا مذهبهم لم تسمح لهم الطوائف المسيحيّة الأُخرى بحصةٍ داخل كنيسة القيامة، فابتنى لهم امبراطور ألمانيا هذه الكنيسة فوق كنيسةٍ بيزنطيّةٍ قديمةٍ تجاور المارستان الصلاحي. خذ نفساً عميقاً وادخلها لتصعد برجَهَا الشاهق ذا المئة درجة أو يزيد، متعبٌ بعض الشيء، لكن الإطلالة على القدس منه آية من آيات الجمال، اصعد وستقرأ سطورَ المدينة وشواهدها من أعلاه.

سياح ينتظرون أمام مدخل كنيسة الفادي اللوثرية، وعلى طرف الصورة الأيمن مدخل سوق الدباغة، 2014. (عدسة: Frédéric Soltan/Corbis).

أما الكنيسة الأهمّ في القدس، كنيسة القيامة، فيُمكنك أن تدخلها من طريق سوق الدباغة، وكذلك من غيره، وذلك عبر درجاتٍ تجدها على يمينك في الربع الأخير من سوق خان الزيت، حينها تمرُّ من خان الأقباط ويراك القسّ المصريّ على باب كنيستهم الذي تعرف لهجته من مكالماته الدائمة مع أقاربه المصريين عبر جواله. في كنيسة الأقباط مغارةٌ كبيرةٌ فيها بركة رطبة، إذا أردت أن تترنم وتسمع صداك توجه إليها واخفضْ رأسك عند النزول فالدرج هناك قطعةٌ من المشقة. مروراً من خان الأقباط إلى خان الأحباش المتردي بسبب الإهمال، يستقبلك الناسك الأسمر بثوبه الرقيق وجسده النحيل الذي يُشعل كلّ برهة شمعةً متواضعةً يستضيء بها.

كنيسةُ القيامة مجمعٌ معماريّ مُعقّد، فيها مراحل من البناء البيزنطيّ والرومانيّ والصليبيّ. فور دخولك لها من بابها الخشبيّ العريق، يستقبلك على اليسار واحدٌ من اثنين، إما من عائلة نسيبة أو من عائلة جودة، وهما عائلتان مسلمتان توارثتا أمانة مفتاح أهمّ كنيسة في الديانة المسيحية منذ العهد الصلاحيّ على أقلّ تقدير. عائلة جودة أمناء المفتاح، وعائلة نسيبة تُوكل إليهم مهمة فتح الباب كلّ صباح، وهذا عُرف قد لا تجده في أي مدينة متعددة الديانات في عالمنا غير القدس. جرّب النزول ذات مرة بعد صلاة الفجر وتعرّف على تقاليد طرق الباب وفتحه ودخول النساك والرهبان ببخورهم.

أحد أفراد عائلة جودة يحمل مفتاح كنيسة القيامة بجوار بابها، مارس 2020. (عدسة: Artur Widak/NurPhoto ).

في مقابلك بالضبط وأنت واقفٌ أمام الكنيسة جامع عمر، انزل واسترح قليلاً في إيوانه العامر، وهو مسجدٌ أيوبيّ ابتناه الأفضل ابن صلاح الدين الأيوبيّ تيمناً بقصة الخليفة العادل عمر بن الخطاب عندما صلّى خارج القيامة يوم فتح القدس.

للقدس عالمان، تتحسّس أولهما كسائحٍ أجنبيّ جائع يحاول أن يتلمس في إحدى خطواته آثار الملكة هيلانة أو الإمبراطور وليلهم أو ذاكرة المؤرخ فلافيوس وينهل من الحجارة الظاهرة ما يمكنه أخذه، وهذا تأخذه من القدس دون أن تُعطيك إياه.

أما ثانيهما فهو عين القصيد الذي تأخذك فيه القدسُ وحدَك فتصطفيكَ وتُعطيك ما لا تعطيه غيرك بعد أن تعيش فيك لتعيش فيها وتريك كل خطوات الأسلاف، خبيثيهم وطيّبيهم، أمرائهم وعامّتهم، حتى حكايا الشوق التي كُتبت على جدران أديرتها أو قواوير الورد العتيقة التي زينت شُرفاتها، أو نقوشات الشواهد التي زخرفت قبورها.. فتعيش فيها ومنها ولها، سائراً في كنف أسواقها أو مسجّىً على الأكتاف في طرقاتها أو مدفوناً حذو سورها القديم بجانب وليّ.

ولهذا الغنى الذي في القدس، أُذكّرك أنّ معالم ومشاهد أخرى غير التي ذكرت قد تتراءى إليك في هذا المسار، فالقدس حبلى بالمعالم، وفي كلّ مسيرةٍ تخطوها في نفس الطريق تتكشف إليك أكثر، فإن ما أذكره هنا توصيفٌ لأغلب المشاهد، وما هذا إلا غيضٌ من فيض.

عناصر من شرطة الاحتلال يعترضون المارة في وسط طريق السلسلة، وفي وسط الصورة آثار سبيلٍ عثمانيّ، سبتمبر 2021. (عدسة: Emmanuel Dunand/AFP).

والآن نكمل طريقنا، عد إلى تقاطع سوق العطارين وأكمل طريقك نحوه إلى ملتقى أسواق متجاورة، سوق البازار عند التقاطع وسويقة علون على يمينك تأخذك إلى باب الخليل، وسوق الباشورة أمامك وسوق حارة الشرف على اليسار قليلاً الذي يُفضي بك إلى حارة اليهود، أو توجه لليسار أكثر نحو طريق باب السلسلة، ولهذا الطريق المنحدر اسم قديم، فقد سمّاه المؤرخون قبل الاحتلال الصليبيّ طريق داود، لاعتقاد أن سيدنا داود عليه السلام كان ينزل من محرابه عند باب الخليل إلى أرض المسجد الأقصى عبر هذا الطريق.

طريق باب السلسلة يروي حكاية التناقضات والمعاناة، فبعض طوابقه العليا تستوطن عائلات يهودية يفصل بينك وبينها شبك حديدي ليحول بين قاذوراتهم والزجاج الذي كانوا يرمونه على المارة وأصحاب الحوانيت. 

أول السوق من الغرب، وإلى يسارك طريقٌ يُفضي إلى خان السلطان، إذ كان متعارفاً منذ القدم أن يحطّ التجار حمولتهم عند باب المدينة، ويدفعون ضريبة دخولهم وتُحمل لهم البضاعة على عربات القدس القديمة إلى هذا الخان الذي يلتقي فيه تجار العالم الإسلامي يبتاعون ويتبادلون ما لديهم من سلع، وبعدها يقلّهم المضيف إلى حمام الشفاء في سوق الأمير تنكز. فلا يُعقل أن يصلوا هذه المدينة ويدخلوا مسجدها والعرق يتصبب منهم بعد طول الترحال.

الطريق مليء بالحوانيت والمدارس والترب، متنوع بين محلات العطارة والمشروبات الطبيعيّة والمطاعم والتحف وفيه مطحنةٌ للسمسم وحلاقون قدامى وحوانيت لملابس الصلاة كونه يفضي إلى المسجد الأقصى. وفيه المدرسة الطشطمرية إحدى مدارس المماليك والتي يشغلها مقر الهيئة الإسلامية العليا، أول هيئة إسلامية تشكلت بعد احتلال القدس عام 1967 للحفاظ على مقدسات المدينة.

مدخل المكتبة الخالدية في طريق باب السلسلة. مصدر الصورة: المورقع الرسمي للمكتبة على شبكة الإنترنت.

وفيه المكتبة الخالدية التي أسّسها الشيخان راغب الخالدي وطاهر الجزائري قبل 120عاماً، وتضمُّ مخطوطاتٍ عديدة وكتباً نفسيّةً يمكنك أن تحظى بجولة ماتعة فيها. تحوي أكثر من 1200 مخطوط نفيس وأكثر من 500 مُصنّف من أمهات الكتب في اللغة والفقه والحديث والعلوم. وفي إيوان المكتبة تربةٌ لبركة خان أحد أمراء الخوارزمية الذين قدموا إلى القدس قبل ألف عامٍ. 

يُمكنك وأنت تنزل أن تمتّع نظرك بالمشربيات الخشبية التي تعلو بعض المباني والمُطّلة على السوق من بيوته، وهذه المشربيات طراز بديع يعطي نوعاً من التبريد لمن يجلس فيها، ويمكّن نساء البيوت الماكثات من التلصّص والتطفل على كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ في السوق ويعلمهنّ بهوية طارق الباب إذ يرونه ولا يراهن. 

نزولاً أكثر سترى المدارس المملوكيّة البهيّة كالمدرسة الطازية والكيلانيّة والتُرَب التي سكنتها عائلات مقدسية أحبت جوار المسجد. كما ستلاحظ سبيلاً عثمانيّاً كان معدّاً ليشرب منه المارة والتجار، يقف عنده الآن أفراد من الشرطة قد يفتشونك وأنت في منتصف الطريق.

مدخل المدرسة التنكزية، مملوكيّة العمارة، وقد سيطر عليها الاحتلال عام 1967، وهي الآن مقراً لشرطته. عدسة: آية أمين.

قبل وصولك باب السلسلة، وهو أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك، يستوقفك أيضاً نفر من الشرطة المتمترسين وراء حواجز حديديّة بجانب المدرسة التنكزية، إحدى أكبر مدارس الأقصى التي سلبها الاحتلال وحولها مركزاً للشرطة. هذا المدخل الحزين ينقصه تنظيف ماديُّ ومعنويّ. 

هنا، ستطأ أقدامك المسجد الأقصى، هنا تزاحم قدماك خطى الغريب، توقف هنيهة، أنت الآن في مشهد من مشاهد الجلال والجمال، هنا يرتاح الصالحون، وهنا يلوذ الباكي ويجلس المرابط،  تدخله بنفس مطمئنّة وقلب متلهّف. أتركك هنا لتحلّق وحدك في حالة من حالات العاشق الذي نال الوصل، والتائه إلى وجد ضالته، والسائل الذي وجد إجابته، ونكمل حديثناً في مسار آخر.



26 أكتوبر 2022
13 ضفيرة هاربة من السجن

كنتُ قد شارفتُ على عامي الواحد والعشرين، وأنا في السنة الدراسية الأخيرة من برنامج البكالوريوس في التصوير الفوتوغرافي من الأكاديمية…

16 مايو 2018
يافا تصنع مدفعين

تختصر حكاية مقاومة مدينة يافا في حرب 1947- 1949، حكاية المقاومة الفلسطينية في مرحلة الحرب الأولى (ديسمبر/ كانون الأول 1947…