25 يونيو 2023

المملكة والمستعمرة: الطريق إلى التطبيع الكامل

المملكة والمستعمرة: الطريق إلى التطبيع الكامل

في 17 نيسان/ أبريل الماضي، صرّح رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في لقاءٍ مع السيناتور الأميركي ليندسي غراهام: "إسرائيل تريد التطبيع والسلام مع السعودية، سيكون ذلك قفزةً هائلةً لإنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي"، بينما قال وزير خارجيته إيلي كوهين بعدها بثلاثة أيام إنّه "يعمل على زيارة السعودية"، ليعود كوهين بعدها بشهر واحد ليؤكد على أن التطبيع مع السعودية "مسألة وقت".

كثرت الأقاويل في الفترة الماضية حول اتفاق تطبيع مرتقب بين المملكة العربية السعودية ودولة الاحتلال. يأتي ذلك في ظلّ نشاطٍ دبلوماسيّ سعوديّ كبير في المنطقة، إذ أعادت السعودية علاقاتها المقطوعة مع قطر قبل عامين، ومع بداية العام الحالي أعادت علاقاتها مع إيران وسوريا، كما فتحت الباب للصينيين والروس في المنطقة، ناهيك عن حربها على اليمن وتدخلاتها في لبنان والسودان.

في ظل التطور التصاعدي للسياسة السعودية في المنطقة، تُطرح الأسئلة حول إمكانية تطبيع السعودية للعلاقات مع "إسرائيل"؛ كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ وما الدوافع وراءه؟ وما هي طبيعة العلاقة بين السعودية والاحتلال؟ وما أثر ذلك علينا؟ هذا ما يحاول المقال الإجابة عنه.

علاقات تنتظر التطبيع الكامل

يرجع تاريخ التعاون بين السعودية ودولة الاحتلال إلى أوائل الستينيات، تحديداً في حرب اليمن، عندما نسق جهاز الموساد مع الاستخبارات السعودية لإيصال السلاح والمعدات للملكيين، الذين دعمتهم السعوديّة و"إسرائيل"، في مقابل الجمهوريين الذين دعمتهم مصر. كذلك، تعاونت السعوديّة مع "إسرائيل" عام 1981 في مهمة مشتركة لإنقاذ سفينة صواريخ إسرائيلية جنحت نحو أراضي المملكة.

أما حديثاً، فلقد تعزّز التعاون الأمنيّ بين الطرفين بشكلٍ أكثر وضوحاً. فمثلاً؛ عام 2014 مارست السعودية ضغطاً على السودان إبان الحرب على قطاع غزّة، وذلك لمنع عملية تهريب للأسلحة لفصائل المقاومة هناك.

اقرؤوا المزيد: السعودية و"حماس".. دبلوماسية لا تُثمر شيئاً!

لطالما أكّد الاسرائيليون على وجود علاقات مع المملكة، كان أحدها تأكيد غادي أيزنكوت، رئيس أركان جيش الاحتلال السابق، لموقع إيلاف السعودي في أول مقابلة لإسرائيلي مع وسيلة إعلام سعودية عام 2017، أنّ المملكة لم تكن يوماً عدواً لـ "إسرائيل" وأنّهم يتشاركون المعلومات حول المحور الإيراني في المنطقة.

شهد عام 2018 تطوّراً ملحوظاً في العلاقات مع الاحتلال، إذ زار محمد بن سلمان الولايات المتحدة، واهتم خلال جولته هناك بزيارة اللوبيات والجمعيات الصهيونية أهمّها مجموعة "الايباك".1هي لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، تعتبر من أهم جماعات الضغط الإسرائيلية في الولايات المتحدة. كما فتحت السعودية في ذلك العام لأول مرة مجالها الجويّ أمام رحلةٍ تجاريّةٍ إسرائيلية، في الوقت الذي أكد فيه بن سلمان على "حق اليهود أن يعيشوا في أرضهم بسلام".

عام 2022، فتحت السعوديّة مجالها الجوّي أمام الطائرات الإسرائيليّة للتحليق، ومنذ بداية هذا العام ونحن نسمع عن النية لـتسيير رحلات مباشرة من "إسرائيل" إلى السعوديّة لنقل الحجّاج إلى بيت الله الحرام، غير أن ذلك لم يحدث.

ما المانع؟

تضع السعوديّة شروطاً أمام الولايات المتحدة و"إسرائيل" للمضي قُدماً في اتفاق التطبيع، يُرجّح أنّها السبب في عرقلة إعلان التطبيع. إذ تعدّدت التقارير والتسريبات حول مطالب السعوديّة في السماح لها بإطلاق برنامجها النوويّ السلمي، بالإضافة إلى رفع القيود عن صفقات السلاح مع الولايات المتحدة، والحصول على ضماناتٍ أمنيّة وفتح الأسواق التجاريّة مع "إسرائيل"، وأضافت وسائل إعلام إسرائيلية مطلباً سعودياً آخر وهو تشكيل حلفٍ دفاعيٍّ في المنطقة. 

لا تبدو السعودية متعجّلةً في إنجاز اتفاق التطبيع مع "إسرائيل"، خصوصاً في ظل إدارة جو بايدن. في الوقت نفسه، لا تزال الإدارة الأميركية في اتصالٍ دائمٍ وحثيث مع السعودية و"إسرائيل" لدفع عملية التطبيع إلى الأمام، من ذلك زيارة مستشار الأمن القومي جاك سوليفان للسعودية ولقائه محمد بن سلمان، إذ ناقشا إمكانية التطبيع في الفترة الحالية. ويبحث الأميركيون عن اتفاق قد يصوّره بايدن كانتصار لإدارته، ويستخدمه في الانتخابات الأميركيّة القادمة عام 2024.

JEDDAH, SAUDI ARABIA - JULY 15: (----EDITORIAL USE ONLY â MANDATORY CREDIT - "ROYAL COURT OF SAUDI ARABIA / HANDOUT" - NO MARKETING NO ADVERTISING CAMPAIGNS - DISTRIBUTED AS A SERVICE TO CLIENTS----) US President Joe Biden (L) being welcomed by Saudi Arabian Crown Prince Mohammed bin Salman (R) at Alsalam Royal Palace in Jeddah, Saudi Arabia on July 15, 2022. (Photo by Royal Court of Saudi Arabia / Handout/Anadolu Agency via Getty Images)
ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يستقبل الرئيس الأميركي جو بايدن، في القصر الملكي في جدة، السعودية، تموز 2022. (وكالة الأناضول).

"لولا السعوديّة"!

تضاربت التقارير حول طلب السعودية إيجاد حلٍّ للقضية الفلسطينية على أساس مبادرة السلام العربيّة من عدمه كشرطٍ للتطبيع، ومنذ إطلاق المبادرة عام 2002 أكّدت السعودية أنها لن تُطبّع مع "إسرائيل" إلا في حالة إقامة دولة فلسطينية على حدود 67 وعاصمتها "القدس الشرقية"، فيما يبدو أنّ السعودية مستعدة للتخلي عن المبادرة مقابل الموافقة على المطالب السابقة.

يعني ذلك توجيه ضربة (knockout) للسلطة الفلسطينية، إذ تكون خسرت آخر داعمٍ عربيّ قويٍّ لمشروعها، وسقوط الالتزامات العربيّة الرسمية تجاه القضية الفلسطينيّة، كما يقوّض اتفاق التطبيع المحتمل الضغط السياسيّ على "إسرائيل"، ويفتح لها أبواب التعاون في كل المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة وغيرها.

المشكلة الأكبر التي تواجه القضيةَ الفلسطينيّة في حال تطبيع السعودية علاقاتها مع "إسرائيل"، أن المملكة تحظى بوزنٍ كبيرٍ سياسيّاً وإيديولوجيّاً عند العرب والمسلمين، لما لها من مكانةٍ دينيّةٍ باعتبارها مهد الإسلام وقبلة الصلاة وصاحبة الزخم الديني الأكبر. وفي حال أقدمت السعوديّة على تطبيع العلاقات، فإن ذلك سيعني اختراقاً حقيقياً في قلب الأمة الإسلاميّة، ما يشقّ الطريق لكل الدول التي ما زالت لم تطبع مع "إسرائيل".

اقرؤوا المزيد: موسم التطبيع العربيّ.. أرخص وطنيّة ممكنة!

ولقد ظهر أثر السعوديّة على الدول الأخرى، في إشارة رئيس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي بقوله: "أستطيع القول إنه لم تكن رؤية اتفاقيات إبراهيم لتولد لولا السعودية"، أي أن السعودية أعطت الضوء الأخضر لدول التطبيع: الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، أو بعضها على الأقل. 

متى؟ وكيف؟

في ضوء العوامل المختلفة التي تؤثر على عملية التطبيع بين السعودية و"إسرائيل"، من الواضح أن الطريق نحو تطبيع العلاقات الرسمية ليست معبّدة. وعلى الرغم من ذلك، هناك عدة أسباب للاعتقاد باحتمالية تحقيق اتفاق التطبيع في نهاية المطاف، إذ تمثل "إسرائيل" بالنسبة للسعودية نموذجاً في التقدّم الاقتصاديّ والتكنولوجيّ، لا سيما وأن المملكة تواصل العمل على "رؤية 2030". 

اقرؤوا المزيد: "نيوم".. مشروع سعوديّ على مقاس "إسرائيل"

كذلك، يُظهِر التعاون الأمنيّ والاستخباراتيّ المستمر مع "إسرائيل" مدى الاهتمام المشترك بمعالجة التحديات الإقليمية لكل منهما، على رأسها المحور الإيراني، والتي يمكن أن تشكّل أساساً لعلاقات أعمق. تحديداً، وأن المشهد الجيوسياسي المتغير في الشرق الأوسط والدور الأميركي النشط في المنطقة، يهيّئان لظروف مواتية للتطبيع في الأيام القادمة بالنسبة للسعودية.

في النهاية، مسألة التطبيع بين السعودية و"إسرائيل" ليست مسألة هل وإذا، إنما مسألة متى وكيف.