16 مارس 2023

المضائق المائيّة تتسع لـ "إسرائيل"!

المضائق المائيّة تتسع لـ "إسرائيل"!

في بحر العرب، 10 شباط/ فبراير 2023، طائرة مسيّرة تستهدف ثلاث سفن، واحدة إماراتيّة واثنتين إسرائيليّة. في خليج عُمان، تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وأثناء انشغال الجميع بتجهيزات كأس العالم في قطر، استهدفت مسيّرة من طراز "شاهد-136" ناقلةَ النفط "باسيفيك زيركون" المملوكة لملياردير إسرائيلي. في البحر الأحمر، نيسان/ إبريل 2021، لغم يستهدف السفينة الإيرانيّة "سافيز".

لا يكشف لنا هذا النوع من الهجمات عن حدّة الصراع الإيرانيّ - الإسرائيليّ في المنطقة فحسب، بل أيضاً عن انتقاله مؤخراً وبحدّة إلى مناطق في البحر الأحمر وبحر العرب ومضيقي باب المندب وهُرمز على حدٍّ سواء.

يحاول المقال فهم طبيعة المصالح الإسرائيليّة في هذه المناطق والتي يسعى لتعزيز نفوذه فيها، ويستعرض آليات التعاون بين دولة الاحتلال والإمارات الواقعة جغرافيّاً على بحر العرب، والتي تملك تواجداً كبيراً في البحر الأحمر وباب المندب.

بين مضيقين

يقعُ مضيق باب المندب بين خليج عدن والبحر الأحمر، وتمرُّ السفن من خلاله للوصول عبر قناة السويس إلى البحر المتوسط فأوروبا، ويصل عرضه إلى 32 كم، وتحيط به أربع دول وهي: اليمن شرقاً، والصومال وجيبوتي جنوباً، وإريتريا غرباً، وتقع في مجراه جزيرةُ بريم اليمنية وإلى جنوبه في خليج عدن جزيرة سقطرى اليمنية. 

تنبع أهميّة المضيق من موقعه المتوسط بين الشرق والغرب، إذ يعتبر طريقاً تجاريّاً رئيسيّاً في العالم، ففي عام 2018 مثلاً عبرته أكثر من 21 ألف قطعة بحريّة؛ أي ما يُشكّل 7% من حركة الملاحة البحريّة العالميّة. أمّا بالنسبة لـ "إسرائيل"، فإنّ أهميته تكمن في كونه الممرّ المائيّ الوحيد الذي يربطها مع خطوط التجارة في آسيا وأفريقيا، إذ تمرُّ 12% من صادراتها ووارداتها عبر المضيق؛ أي ما تقدّر قيمته بـ 15 مليار دولار سنويّاً.

بهذا، فإنّ منطقة المضيق تشهد تنافساً واسعاً بين القوى الدوليّة والإقليميّة للحصول على موقعٍ استراتيجيّ فيه، وتحقيق مصالح اقتصاديّة وسياسيّة وعسكريّة. ولذلك تحتشد في منطقة القرن الأفريقي القواعد العسكريّة، فمثلاً؛ في جيبوتي وحدها تسعُ قواعد عسكريّة لستِ دولٍ مختلفة، وفي الصومال خمسُ قواعد، اثنتان منها للإمارات وواحدة لتركيا، وفي إريتريا قاعدتان، واحدة إسرائيلية وأخرى إماراتية.

أما مضيق هرمز الواصل بين خليج عُمان والخليج العربيّ، فيقع بين إيران وعُمان، ويعتبر من أهم الممرات البحريّة التي يُنقل من خلالها النفط في العالم، وهو الممر المائيّ الوحيد لدول العراق والكويت وقطر والبحرين، وممر بحريّ رئيسي لإيران والسعودية والإمارات وعُمان، ففي عام 2020 مرّ من خلاله 18 مليون برميل نفط يومياً.

اقرؤوا المزيد: معركة عضّ الأصابع: إيران في مذكرات بومبيو

يُشكّل المضيق وسيلةَ تهديدٍ لخصوم إيران وخصوصاً "إسرائيل"، إذ تمارس إيران سيطرتها على المضيق ما يُهدّد المصالح الإسرائيليّة مع الإمارات والبحرين؛ من ذلك استهداف إيران لناقلة نفط تابعة للشركة الإسرائيلية "زودياك ماريتايم" عام 2021.

المنفذ أم الرشراش 

منذ تأسيسها، تولي دولة الاحتلال اهتماماً مركزيّاً بأمنها البحريّ، وبعد أن احتلت أمّ الرشراش، أقصى جنوب فلسطين، عام 1949، بنت فيها ميناء "إيلات" لتكون لها منفذاً نحو البحر الأحمر. لاحقاً، باتت "إسرائيل" تولي أهميةً مضاعفةً لأمر المضائق والممرّات البحريّة في المنطقة، تحديداً بعد حرب أكتوبر عام 1973، عندما أغلق العربُ مضيقَ باب المندب في وجه الملاحة الإسرائيليّة، إذ انتبهت أنّ بإمكان العرب حصارها بحريّاً في أي معركة قادمة، وقطع الإمدادات النفطيّة وخطوط التجارة عنها، ما يكبدها خسائر كبيرة. 

لدى دولة الاحتلال عدة أسباب للاهتمام بمسألة المضائق والممرّات البحريّة في المنطقة، فلقد عبّر المسؤولون الإسرائيليون كثيراً عن تخوّفهم من هجماتٍ إيرانيّة تستهدف سفنهم، وحذّروا من إغلاق مضيق باب المندب، إضافةً لسعي "إسرائيل" للتوسع في المنطقة والضغط على مراكز السيطرة الإيرانيّة في مضيقي هرمز وباب المندب، كما ترغب بكسب موقعٍ استراتيجيٍّ في مجال المراقبة والتجسس في المنطقة، وضمان أمنها المائيّ.

اقرؤوا المزيد: عمّ تبحث "إسرائيل" في إفريقيا؟

بالتالي، عملت "إسرائيل" على تقوية علاقاتها بدول شرق أفريقيا مثل إثيوبيا وإريتريا، وحيّدت مصر عن الصراع باتفاقية كامب ديفيد. غير أن ذلك لم يكن كافياً لضمان الأمن المائيّ في منطقة تعجّ بالمتنافسين الإقليميّين مثل تركيا وإيران والسعودية، والدوليّين مثل فرنسا وبريطانيا وأميركا، وحتى الصين تبعاً للأهمية الجيواستراتيجية لهذه المنطقة.

الإمارات تختصر الطريق

في هذه الأجواء التنافسية، شكّلت اتفاقية التطبيع مع الإمارات منفذاً مهماً لـ "إسرائيل" لتأمين موقعٍ استراتيجي في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن. أولى ثمرات ذلك أن وقّعت شركة موانئ "دبي العالمية"1تأسست DP world أو شركة موانئ دبي العالمية في عام 2005، وهي إحدى شركات دبي العالمية التابعة لحكومة إمارة دبي، وتقدم خدمات في مجال المواصلات البحرية وتشغيل وادارة الموانئ، حيث تمتلك الشركة أكثر من 82 محطة بحرية في العالم موزعة على 40 دولة تتحكم من خلالها بـ 10% من حركة الحاويات عالمياً، وتعتبر اليوم من أكبر الشركات العاملة في هذا المجال في العالم. عام 2020 ثلاث مذكرات تفاهم مع شركة "دوفر تاور" الإسرائيلية، تضمن إحداها الحديث عن إنشاء خطٍّ ملاحيّ مباشرٍ بين ميناء "إيلات" وميناء جبل علي على ساحل الخليج العربيّ، الأمر الذي إن تم يمنح "إسرائيل" تواجداً أكبر في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن.2شملت الاتفاقيات بين الشركتين مشروع تطوير ميناء حيفا، إلا أن الشركة الإماراتية لاحقاً انسحبت من المناقصة دون توضيح الأسباب. 

قد يعني ذلك استفادة "إسرائيل" -وهي ضليعة في ذلك- من هذا النوع من الاتفاقيّات. فالشركة الإماراتيّة تسيطر على موانئ مهمة في بحر العرب وخليج عمان والبحر الأحمر وخليج عدن، وتمتلك عقود إيجار طويلة الأمد في ميناء "عصب" الإريتري، وميناء "بربرة" في جمهورية أرض الصومال وميناء "بوصاصو" في بلاد البنط الصومالية الواقعين جنوب مضيق باب المندب، بالإضافة إلى ميناء "دوراليه" في جيبوتي. لذا قد يترتّب على ذلك، إمكانيّة تواجد "إسرائيل" في هذه المناطق لتأمين خطوط تجارتها وتحقيق مكاسب استراتيجيّة، ما يعني حصولها على موقعٍ متقدّمٍ في صراعها مع عدوها الإيرانيّ من خلال قربها من الحدود البحريّة له.3إسماعيل تلجي، التطبيع الإسرائيلي - الإماراتي وتعاونهما الاستراتيجي في مجالي الملاحة البحرية والطيران، مركز الجزيرة للدراسات، 2020. 

تسيطر قوات "المقاومة الوطنيّة" و"المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ" في اليمن المدعومتين من الإمارات على مضيق باب المندب وميناء عدن وميناء "المخا" وجزيرة "سقطرى"، والأخيرة تتخذها الإماراتُ معسكراً لقواتها، وقد كشفت تقارير عن وجود تعاونٍ استخباراتي بين الإمارات و"إسرائيل" فيها.4للمزيد انظر؛ عبد الله المخلافي ورضوان الخطابي، خريطة السيطرة العسكرية في اليمن، أبعاد للدراسات الاستراتيجية، 2022. كما تبني الإمارات قاعدةً عسكريّة في جزيرة "بريم" الواقعة وسط باب المندب، ما يُمكّنها وحليفتها "إسرائيل" من مراقبة كل خطوط النقل التي تمرّ عبر المضيق، وتحقيق تفوقٍ استراتيجيّ، وتشكيل تهديدٍ حقيقيّ للمصالح الإيرانيّة في المنطقة. ولعلّ المناورات العسكرية المشتركة بين أميركا و"إسرائيل" والإمارات والبحرين في البحر الأحمر عام 2021، كانت رسالة تهديد للفاعلين في المنطقة.

اقرؤوا المزيد: ورشة البحرين: من التطبيع مع "إسرائيل" إلى التحالف معها

وما يزيد من احتماليّة مثل هذه التقديرات، أنّ دولة الاحتلال والإمارات جزء من (I2U2)، وهي مجموعة للتعاون الاقتصادي تأسست عام 2022، تضمّ الولايات المتحدة و"إسرائيل" والهند والإمارات. وقد أكدّ يائير لابيد، رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه، في إحدى اجتماعات المجموعة، على وجوب التعاون بين الأطراف الأربعة في المجال الأمنيّ. وتهتم المجموعة بمواضيع من قبيل أمن الطاقة والنقل، التي تشكّل أهميّةً استراتيجيّةً لـ "إسرائيل"، تحديداً في موضوع أمن المضائق التي تمرّ عبرها السفن المحمّلة بالنفط والغاز والسلع، بالتالي فإنّ هذا التعاون قد يزيد من فرصة "إسرائيل" في تأمين صادراتها ووارداتها عبر البحر.

الرئيس الأميركي جو بايدن (إلى اليسار) ورئيس الوزراء في حكومة الاحتلال آنذاك، يائير لابيد، يشاركان في اجتماع افتراضي مع قادة مجموعة I2U2، التي تضم أميركا و"إسرائيل" والهند والإمارات، وذلك خلال اجتماعهما في فندق في القدس، تموز 2022. (وكالة الصحافة الفرنسية).
الرئيس الأميركي جو بايدن (إلى اليسار) ورئيس الوزراء في حكومة الاحتلال آنذاك، يائير لابيد، يشاركان في اجتماع افتراضي مع قادة مجموعة I2U2، التي تضم أميركا و"إسرائيل" والهند والإمارات، وذلك خلال اجتماعهما في فندق في القدس، تموز 2022. (وكالة الصحافة الفرنسية).

لا يعني ما سبق أنَّ "إسرائيل" تسيطرُ بشكلٍ كاملٍ على المّمرات والمضائق البحريّة في المنطقة، إنّما يُـبـيـن مدى تصاعد الحضور الإسرائيليّ فيها، وخطورة التحالف الإماراتيّ الإسرائيليّ الناشىء، الذي يزيد فرص هيمنة "إسرائيل" على حساب لاعبين آخرين، وهو ما قد يشجّع دولاً عربيّة أخرى لعقد اتفاقيّات تطبيعٍ مع الكيان.

هكذا مكّنت الإمارات من قطع "إسرائيل" أشواط في التفوّق الإستراتيجي في صراعها الإقليمي على حساب خصومها، في مضيقي باب المندب وهرمز. لذا يبدو أنّ عملية التطبيع بين الطرفين لا تقف عند حد العلاقات الدبلوماسيّة أو الاقتصاديّة، إنما ترتقي لمستوى التحالف.