23 يناير 2023

السفير الأميركي الذي صُنع في "إسرائيل"

السفير الأميركي الذي صُنع في "إسرائيل"

سفيرٌ غير عاديّ، إذ لم يكن يملك عند تعيينه سفيرَ واشنطن لدى "إسرائيل" بين عامي 2017 - 2021، أيّة خلفية دبلوماسيّة أو حتّى تجربة سياسيّة سابقة. إنما هو شخص عقائدي، خدمت سياستُه المصالحَ الإسرائيليّة أكثر ممّا خدمت المصالح الأميركيّة. جمعته بدونالد ترمب صداقةٌ منذ أن عَمِلَ محامياً عنده، ثمّ مع وصول ترمب لمنصب الرئاسة أصبح أحد أضلاعه الأساسيّة إلى جانب جاريد كوشنر وجيسون جرينبلات1كوشنر هو مطوّر العقارات وزوج ابنة ترامب الذي تولى منصب كبير مستشاري الرئيس، وجرينبلات المحامي الذي تولى منصب مبعوث ترامب للشرق الأوسط.؛ إنّه ديفيد فريدمان. 

يشترك الثلاثة في أنهم يهود متدينون مؤمنون بالصهيونية، وقد صاغوا معاً خطّة السلام المشهورة باسم "صفقة القرن". كما نشر كلٌّ منهم خلال عام 2022 مذكرات رووا فيها تفاصيل عديدة من كواليس السياسة الأميركية. في هذا المقال، أستعرضُ مذكرات فريدمان المنشورة بعنوان: "المطرقة الثقيلة: كيف جلب الانفصال عن الماضي السلام إلى الشرق الأوسط"، وهو عنوانٌ مقتبس من حادثة حقيقية. في 30 حزيران/ يونيو 2019، أمسك فريدمان بمطرقة ثقيلة وضرب بها جداراً رمزياً خلال افتتاح نفقٍ استيطانيّ جديد في سلوان في القدس (يزعم أنه طريق قديم للحج اليهودي)؛ مشهدٌ علّقت عليه "نيويورك تايمز" بأنه يُظهر فريدمان كما لو أنه يحطم منازل الفلسطينيين. (وبالفعل، فإنّ هذا النفق حُفِر أسفل منازل الفلسطينيين في سلوان). 

اقرؤوا المزيد: ماذا تكشف مذكّرات كوشنر عن اتفاقيات التطبيع؟

وقد ظلّ الضرب بمطرقةٍ ثقيلة يُمثّل النهج الذي اتبعه فريدمان لتحطيم العقبات التي تعرقل مسيره في دعم مصالح "إسرائيل"، ما دفع بأحد كبار موظفي وزارة الخارجية الأميركية للاتصال به والقول: "السيد السفير، لا تكن يهودياً جداً، أنت تمثل الولايات المتحدة الأميركية، قلّل من اليهودية في عملك".

في البدء كان التبرّع

وُلد ديفيد فريدمان في نيويورك عام 1959 لأسرةٍ أميركية كان الأبُّ فيها حاخاماً، فنشأ في أجواء دينية. فاز وهو في الثانية عشرة من عمره بالمركز الأول على مستوى المدينة في مسابقة عن الكتاب المقدس، وزار عام 1971 "إسرائيل" للمرة الأولى. وقد تشكّل وعيه على مشهد والده خلال حرب أكتوبر عام 1973، وهو يُغلق الكنيس على نحو 3 آلاف مصلٍ طالباً منهم جمع تبرّعات بقيمة 250 ألف دولار لصالح "إسرائيل" حتّى يسمح لهم بالمغادرة. 

خلال عمل فريدمان بالمحاماة لم يملك متسعاً من الوقت للانخراط في العمل السياسي، لكنّه حرص على التبرع بالمال لجمعياتٍ إسرائيلية شملت بنوك طعام ومستشفيات للرعاية الصحية ومؤسسات تعليمية استيطانية في الضفّة الغربية. وفي ظلّ دعمه هذا، شغل فريدمان منصب رئيس مركز الأصدقاء الأميركيين لمدارس "اليشيفا" الدينية الإسرائيلية. كما أبدى اعتراضه على اتفاقات أوسلو بذريعة أنها قد تُعطي الفلسطينيين حقَّ تأسيس دولةٍ مستقلة، وهو ما يرفضه بشكلٍ مُطلق.

تعرّف فريدمان على ترمب عام 2004 خلال عمله كمحامٍ، إذ تولى قضايا تتعلق بنزاعات شركات ترمب في مجال العقارات. كما عمل أيضاً كمحامٍ لصالح جاريد كوشنر ووالده، وخاض نقاشاتٍ دينية مع إيفانكا خلال مرحلة تحولها للديانة اليهودية من أجل الزواج بكوشنر، ووقّع على عقد زواجهما حين إتمامه. وعندما أعلن ترمب عزمه الترشح للرئاسة عام 2016، عرض عليه فريدمان أن يصبح مستشارَهُ للشؤون الإسرائيلية رفقة المحامي جرينبلات، وهو ما وافق عليه ترمب.

بدأ فريدمان أولى معاركه السياسية ضمن حملة ترمب الرئاسية بالهجوم على منظمة "جي ستريت" (J Street)، التي تُمثّل اليسار اليهودي في أميركا، بسبب انتقادها لترمب ولبعض السياسات الإسرائيلية، ودعمها الاتفاق النووي مع إيران، إذ وصفها بأنها أسوأ من يهود (kapos) الذين سلّموا غيرهم من اليهود إلى معسكرات الموت النازيّة. ثمّ لاحقاً، أشرف رفقة جرينبلات على إضافة بندٍ في برنامج الحزب الجمهوري يتعلق بسياساتِه تجاه "إسرائيل"، يتضمن الاعتراف بالقدس عاصمةً لـ "إسرائيل". وقبل يومين من الانتخابات، أصدرا بياناً بست عشرة نقطة يوضّح موقف حملة ترمب تجاه "إسرائيل"؛ من ذلك الإقرار بحقّ اليهود في أرض فلسطين منذ 3500 سنة، وإدانة حركة مقاطعة البضائع الإسرائيلية (BDS)، والتنديد باليونسكو والاتفاق النووي الإيراني، وانتقاد قيادة السلطة الفلسطينية، والوعد بنقل السفارة الأميركية إلى القدس. 

اقرؤوا المزيد: فلسطينيّو "J Street".. صفعة للنضال الفلسطينيّ في أميركا

صبيحة فوز ترمب بالانتخابات، زاره فريدمان في برجه الشهير، وطلب منه أن يُعيّنه سفيراً في "إسرائيل"، فيما دعم كوشنر طلبَ فريدمان، فأعلن ترامب في 15 كانون الأول/ ديسمبر رسمياً، وقبل توليه فعلياً منصب الرئاسة، ترشيح فريدمان لمنصب السفير الأميركي في تل أبيب. وكانت هذه بحسب فريدمان، المرة الأولى التي لا يتمتع فيها سفير أميركي لدى "إسرائيل" بخبرةٍ دبلوماسية أو حكوميةٍ سابقة.

واشنطن، متضامنة مع القضية الفلسطينيّة تهتف خلال جلسة في لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ، والمنعقدة  لأجل الإقرار في تعيين ديفيد فريدمان، سفيراً للولايات المتحدة لدى دولة الاحتلال. شباط 2017. (Getty Images).

أثار خبرُ تعيين فريدمان سفيراً غضبَ خبراء السياسة الخارجية الأميركية، وقادت صحيفة "نيويورك تايمز" حملةً ضدّه مطالِبةً بسحب ترشيحه، ونشرت مقال رأي لسفيرٍ أميركي سابق في "إسرائيل" شرح فيه سبب عدم ملائمة فريدمان لهذا المنصب الحساس. في المقابل، دعم قادةُ المجتمع الإنجيلي ترشيح فريدمان واعتبروه مبعوثاً للعناية الإلهية، ونشرت منظمة "المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل" بقيادة القس جون هاجي إعلاناً على صفحة كاملة في صحيفة "واشنطن بوست" يقول: "اعتمدوا تعيين ديفيد فريدمان!". وبالفعل وافقت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب على اعتماد فريدمان لمنصب السفير بأغلبية 12 صوتاً مقابل 9 أصوات، ثم صَوّت مجلس الشيوخ على تأكيد ترشيحه.

رقم ترمب الخاصّ!

أدلى فريدمان قسم اليمين لمنصب السفير في 29 آذار/ مارس 2017، واضعاً يده على التوراة ومرتدياً القلنسوة اليهودية "الكيباه"، ثمّ سافر إلى تل أبيب لِتسلّم منصبه سريعاً، وإجراء الترتيبات اللازمة لزيارة ترمب لـ "إسرائيل" في 21 أيّار/ مايو. وقبل سفره خاض فريدمان جدالاً مع الطاقم القانوني لوزارة الخارجية الأميركية حول اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل" بموجب قانون يعود لعام 1995، فبينما أراد فريدمان تطبيقه، اعتبر طاقم الوزارة أنّ هذا القانون يقيّد دورَ الرئيس ووزارة الخارجية في صنع السياسة الخارجية. حتّى أنّ فريدمان اتصل بوزير الخارجية ليشتكي له من عرقلة وزارته لسياسة الرئيس حسب زعمه، لكنّ الوزير رفض الرد عليه قائلاً لمساعديه: "إنه ليس سفيري"!

بمجرد وصول فريدمان رفقة زوجته إلى "إسرائيل"، أصرّ على الذهاب مباشرةً من المطار إلى حائط البراق غربيّ المسجد الأقصى، للصلاة من أجل أميركا و"إسرائيل". وقبل ثلاثة أيّام من وصول ترمب، دعاه رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو لحضور حفل بمناسبة الذكرى الخمسين للاستيلاء على القدس عام 1967. وهو ما أدّى إلى أزمةٍ بين فريدمان ووزارة الخارجية الأميركية، فهو يتحرّك من منطلقاتٍ دينيّة عقائديّة بينما تتحرّك الوزارة بنهجٍ براغماتي بشكلٍ عام.

السفير الأميركي لدى دولة الاحتلال، ديفيد فريدمان، يحمل على كتفيه شالات الصلاة اليهودية المعروفة باسم "تاليت" وبيديه سعف أربع نباتات خلال صلاة أمام حائط البراق المسلوب، بمناسبة عيد العرش اليهودي. تشرين الأول 2020. (وكالة الصحافة الفرنسية).

يقول فريدمان: "قبل حوالي ساعتين من بداية الحفل رنّ هاتفي. وجدتُ أحد كبار موظفي تيلرسون يقول: السفير فريدمان، أتصلُ بك من وزارة الخارجية، ننصحك بعدم حضور الحفل الذي تخطط للذهاب إليه. 

فقلت: لماذا لا أذهب؟ 

فقال: يوم القدس مثير للجدل، ولم يحضره أي سفير أميركي في إسرائيل طوال خمسين عاماً.

أجبته: لا أعتقد أنه مثير للجدل. 

قال: يشعر الفلسطينيون بشكل مختلف. إذا حضرت فقد تتسبب في جدل ربما يشوّه زيارة الرئيس القادمة.

فوجدتها فرصةً جيدة لأُظهر لهم أنني لستُ تحت سيطرتهم. قلت: بما أنك قلق جداً بشأن رحلة الرئيس، اتصل بهذا الرقم وأخبر الرجل على الطرف الآخر أنك تعتقد حقاً أنه لا يجب أن أذهب إلى الحفل. أنا متأكد من أنه سيكون مهتماً حقاً بما ستقول، وإذا اتصل بي في غضون الساعتين التاليتين وأخبرني ألا أذهب، فلن أذهب. وإلا سأذهب.

سألني: من هو صاحب هذا الرقم؟

قلت: إنه رقم الرئيس ترمب الخاص. أتمنى لك يوماً عظيماً.

لم يتصل بي الموظف مرةً أخرى. وحضرت حفل يوم القدس".

تعامل فريدمان مع مطالب وزارة الخارجية بتلك الطريقة الغريبة، واعتبر أنه بمثابة سفير لترمب دون الرجوع إلى وزارة الخارجية في أنشطته.

فيديو محمود عبّاس

قبيل وصول ترمب لتل أبيب، تسرّب إلى أذن فريدمان عبر جرينبلات أنّ وزارة الخارجية الأميركية وبعض الأشخاص يقولون لترمب إنّ نتنياهو هو الذي يعرقل عملية السلام ولا بدّ من الضغط عليه. فطلب فريدمان من نتنياهو أن يعدّ مقطع فيديو قصير يضمّ خطاباتٍ لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يدعم خلالها المقاومة، ثمّ يعرضه على ترمب عند زيارته. 

وبالفعل سأل فريدمان ترمب خلال اجتماعه مع نتنياهو: "هل شاهدت الشريط، فقال ترمب أي شريط؟ قلت: إنه بناء على اقتراحي أعد نتنياهو فيديو مجمّع مدته دقيقتان من خطب عباس، تستحق المشاهدة. قال: لنرى ذلك". وخلال الشريط قال عباس سننتصر على "إسرائيل" وسننتقم لدماء الشهداء، فقال ترمب: "واو، هل هذا هو نفس الشخص الذي التقيت به في واشنطن الشهر الماضي؟ لقد بدا  كأنه رجل لطيف ومسالم". وحين اجتمع ترمب مع عباس سأله: هل أنت صانع سلام كما زعمت في واشنطن أم إرهابي مثلما يظهر في شريط الفيديو؟

أثار هذا الموقف غضب وزير الخارجية تيلرسون ومستشار الأمن القومي ماكماستر، بالأخص لعدم اطلاعهما على الفيديو قبل عرضه على ترمب، فقال لهما فريدمان: "أنا أعمل لدى الرئيس، ولا أحد غيره. وحريص على إطلاعه بشكل جيد على الأوضاع كي يصحّح السياسة الأميركية تجاه إسرائيل". 

الابن البار

في تشرين الأوّل/ أكتوبر عام 2017، انسحبت إدارة ترمب من اليونسكو عقب نفي الأخيرة وجود أي صلة يهودية بالحرم الإبراهيمي في الخليل، كما أعلن ترمب اعتزامه الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. وجد فريدمان ذلك فرصةً للدفع باتجاه الاعتراف بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل"، وأقنع ترمب بأن هذا القرار سيعزّز شعبيته. كما وقف فريدمان في وجّه وزير الخارجية تيلرسون الذي تساءل: "لماذا نصبّ البنزين على النار؟"، فأجاب فريدمان: "ستكون أميركا أقوى وأكثر أماناً لأنه سيقودها رئيس يفي بوعده ويقف مع حلفائه، وهذا وحده سيكون له صدى في جميع أنحاء السياسة الخارجية الأميركية، وستصل دلالاته إلى إيران وكوريا الشمالية وأي مكان آخر تتعرّض فيه أميركا للتحدي". وبالفعل في 6 كانون الأوّل/ ديسمبر 2017، اعترف ترمب بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل".

حاول تيلرسون عرقلة نقل السفارة إلى القدس، إذ طلب إجراء دراسة تشمل التقييمات البيئية والأمنية والوظيفية والجمالية للمواقع البديلة المحتملة للسفارة، وخلص إلى أن تنفيذ قرار النقل يحتاج إلى عشر سنوات على الأقل بتكلفة مليار دولار. لكن فريدمان عرض على ترمب نقل السفارة إلى منشأة أميركية بتكلفة 150 ألف دولار، فوافق ترمب على الفور. وقرّر تخصيص نصف مليون دولار لمستلزمات النقل على أن يتم تنفيذه بناء على توصية فريدمان في 14 أيّار/ مايو 2018، أي في الذكرى السبعين لتأسيس دولة "إسرائيل". 

اقرؤوا المزيد: السفارة الأميركية.. نقلٌ على "عجل"

تحسّنت علاقة فريدمان مع وزارة الخارجية عندما أصبح مايك بومبيو وزيراً، إذ تلاقت التوجهات الصهيونية لفريدمان مع التوجهات الإنجيلية لبومبيو. وساهم فريدمان مع كوشنر في كتابة خطة مقترحة للسلام تعطي لبعض الدول العربية غطاءً دبلوماسياً وسياسياً للتطبيع مع "إسرائيل"، وتمنح تل أبيب أيضاً مكاسب جوهرية من قبيل الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية الشاملة على الأراضي الفلسطينية، وضم المستوطنات، ونزع سلاح حركة "حماس"، وتتجاهل عودة اللاجئين، وأخيراً توظيف الرفض الفلسطيني لمثل تلك الخطة عبر الزعم بأنهم يرفضون السلام.

واشنطن، الرئيس الأميركي ترمب يوقع على أمر الاعتراف بهضبة الجولان كـ"أراضٍ إسرائيلية"، وذلك بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ومستشار ترمب كوشنر، وسفيره إلى "إسرائيل" فريدمان، ووزير خارجية أميركا بومبيو، ونائب الرئيس مايك بنس. آذار 2019. (Getty Images)

في آذار/ مارس 2019، أثار نتنياهو ورون ديرمر سفير "إسرائيل" في واشنطن، قضية مرتفعات الجولان. كان التوقيت مهماً لنتنياهو لأنه على وشك إجراء انتخابات، وسيسافر إلى واشنطن لحضور مؤتمر منظمة إيباك. أراد نتنياهو أن يتحدث في إيباك، ثم أن يحضر حفل الاعتراف بالجولان في البيت الأبيض، ثم يعود إلى القدس كبطل مظفّر قبل أسبوعين فقط من الانتخابات. فنسق فريدمان مع بومبيو وكوشنر لمفاتحة ترمب في ذلك بحجة أن هذا هو الوقت المناسب للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، قبل شهرين من إعلان خطّة السلام، وقال له إنّ المتضرر الوحيد من القرار هو بشار الأسد الذي يقتل شعبه، فوافق ترمب ونشر خلال دقائق تغريدة يعترف فيها بضم "إسرائيل" للجولان.

كذلك دفع فريدمان وزيرَ الخارجية لإصدار قرارٍ يخالف الموقف الأميركي السابق من بناء المستوطنات في الضفة، فأعلن بومبيو في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 أن الإدارة الأميركية ترى أنّ إنشاء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا يتعارض مع القانون الدولي. 

كما حثّ فريدمان حكومة نتنياهو على رفض السماح لعضوتي الكونجرس إلهان عمر ورشيدة طليب بزيارة فلسطين، بحجة أنهما تدعوان لفرض عقوبات على "إسرائيل" و"تعاديان السامية". وهو ما دفع بعضو الكونجرس تيد ليو للكتابة عن فريدمان على تويتر: "أنت أميركي. يجب أن يكون ولاؤك لأميركا وليس لقوة أجنبية. يجب أن تدافع عن حق الأميركيين في السفر إلى دول أخرى. إذا كنت لا تفهم ذلك، فأنت بحاجة إلى الاستقالة".

"صُنع في إسرائيل"

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية نهاية عام 2020، خشي فريدمان من هزيمة ترمب فقرّر أن يبذل قصارى جهده لإنهاء عدد من القضايا العالقة، فدفع وزارة الخارجية الأميركية للاعتراف بأن المواطنين الأميركيين المولودين في القدس ولدوا في "إسرائيل"، واستخراج جوازات سفر تتضمن "إسرائيل" كدولة ميلاد، إذ كانت الخارجية ترفض ذلك سابقاً بحجة أن القدس مكانٌ مُتنازع عليه. 

من أمام حائط البراق، رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يشعل شعلة عيد الحانوكاه اليهودي، برفقة الحاخام المسؤول عن الصلوات أمام الحائط المسلوب، والسفير الأميركي فريدمان. كانون الأول 2019. (وكالة الصحافة الفرنسية).

إضافةً لذلك، نجح فريدمان في تمرير قرار أميركي يسمح بوضع علامة (صُنع في "إسرائيل") بدلاً من (صُنع في الضفة الغربية) على منتجات المستوطنات، وذلك بحجة أن الوضع القديم متحيّز ويُسهّل المقاطعة وسحب الاستثمارات من "إسرائيل". وأخيراً، دفع فريدمان لجنة الحفاظ على التراث الأميركي في الخارج للاعتراف بمدينة "داوود القدس" كموقع تراثي أميركي.

ونظراً لجهود فريدمان في خدمة دولة الاحتلال، دعاه نتنياهو لحضور اجتماع لمجلس الوزراء الإسرائيلي في 17 كانون الثاني/ يناير 2021، أي قبل ثلاثة أيام من مغادرته منصبه. قال نتنياهو خلال الاجتماع: "إنّي قابلت على مرّ السنين العديد من السفراء من العديد من البلدان، بما في ذلك من الولايات المتحدة، لكن يمكنني القول إنه لم يكن هناك سفيرٌ أفضل من ديفيد فريدمان في إقامة علاقات وثيقة بين إسرائيل والولايات المتحدة في تصحيح المظالم الدبلوماسية التي نشأت على مر السنين في الدبلوماسية العالمية تجاه إسرائيل، وفي ترسيخ مكانة القدس كعاصمة لإسرائيل، والعديد من الأشياء الأخرى التي لم يتم إعلان بعضها بعد". 

إنّها كلمة تكشف وتُكثّف حقيقة أنّ فريدمان كان رجل اليمين الإسرائيلي داخل الإدارة الأميركية أكثر من كونه سفيراً لواشنطن في "إسرائيل".