19 أكتوبر 2021

العمار في خِرَب فلسطين

العمار في خِرَب فلسطين

قيل "الخِربَة" أي: موضِعُ الخراب.1مُعجم لسان العرب، الجزء الخامس، الصفحة 37، حرف الخاء، السطر الأول. يستخدمها الفلسطينيّون لوصف كلّ مكانٍ فيه تجمّع لمبانٍ قديمة مُهدّمة ومهجورة. وتعجّ فلسطين بالخِرَب، وتُعتبر أكثر بقاع الأرض حظّاً في عدد القُرى القديمة المهجورة نسبةً لمساحتها الجغرافيّة. ثمّ فإنّ القرية قد تحيط بها خربة واحدة مثل قرية عَجّة جنوب جنين، أو تحيط بها أكثر من خربة، مثل قرية عقربا جنوب شرق نابلس، وفيها خمس خرب، ومثل قرية بيت أُمر شمال غرب الخليل، وفيها 13 خربة.2 كتاب "بلادنا فلسطين" لمصطفى الدبّاغ، صفحات مُختلفة من الكتاب في الكلام عن كل قرية وعدد الخرب حولها.

في محيط معظم القرى الفلسطينيّة خرب أثريّة، أكثَرُها مُهملة وشبه منسية. غير أنّنا سنتلمّس من حجارتها المهدّمة حياةً كانت عامرةً فيها، تتنوّع باختلاف البناء أو باختلاف الأرض التي بُنيت عليها الخربة. سنرى البيوت العتيقة، وشواهد قبور أصحابها، وقد نجدُ آثارَ حجارَة الفُسيفساء الملوّنة مُبعثَرَة تُزيّن الأرض، والكثير من قطع الفخّار الطّيني القديم، والحجارة الضخمة المُعدّة لعصر الزّيتون كحجر البَد، وآثار ممرّات صخريّة أرضيّة لمعاصر زيت الزَيتون ونبيذ العنب.3كتاب "بلادنا فلسطين"، 161.

حياةٌ فوقها حياة 

والخِربة ليست هي نفسها البلدة القديمة التي تتوسّطُ معظم القرى الفلسطينيّة، بل هي أقدم من ذلك بكثير؛ هي قريةٌ هَجرَها أهلها قديماً وأصبحت خَراباً تَكادُ لا تراها إلّا إذا اقتربت منها ومشيتَ بين أنقاضها. إن ذهبنا إلى قرية بيرزيت شمال رام الله مثلاً، سنجدُ بلدتها القديمة معروفة بين القاطنين والزائرين، ولن نجد إلّا قليلاً ممّن يعلم بوجود أربع خرب حول القرية. أكبر خِربها خربة بيرزيت البيزنطيّة، التي تقع على تلّةٍ غرب البلدة، وهي اليوم مُغطّاة بأطنانٍ من التراب والصخور المهدمة.4المصدر السابق، 320. 

تبدأ الكثير من قرى فلسطين المأهولة والمُهجّرة باسم "خِربَة"، مثل: قرية "خربة قيس" شمال رام الله، وقرية "خربة اللّوز" المُهجّرة غرب القدس، وذلك لأنّها قرى قامت فوق أو بجانب قرى أقدم منها مُهدّمة ومهجورة، فسميّت القرية باسم الخربة الّتي قامت عليها. وهذا الفعل من السُّكنَة فوق أنقاض الأوّلين قَد يبدو غريباً لكنّه ليس كذلك، فالفلسطينيّون يُفضّلونَ استيطانَ البقاع المستوطنَة من قبلهم، لأنّ اختيارها ممن كانَ قَبلهم لم يكُن عبثاً بل كان حتماً يعودُ عليهم بالنّفع، وبالتالي فإنّ السكن فوق مكانٍ سُكن فيه سابقاً استمرارٌ للمنفعة. من هذه المنافع أن تكون بالقرب من مصدر مياه، أو أن تَقَعَ على طريقٍ تجاري، أو أن تعتليَ تلّة مُشرفة يمكنُ منها مُراقبة المُحيط وتحسّس الخطر.5 كتاب: The Tale of the Tell: Archaeological Studies - لعالم الآثار الأميركي Paul W. Lapp، صفحة 1.

خربة بيرزيت - تصوير عبدالله معطان.

إنّ تعاقب أقوامٍ للسكن فوق من سبقوهم لتَشارك المنفعة الجغرافيّة للمكان، لا يبقي على خربة إلا وقد صارت تلاً. فإذا كانت الخربة تدلّ على قومٍ هجروا قريتهم، فإنّ التل يدلُّ على أجيال من أقوام مختلفة عاشوا في المكان ذاته، وبنوا قراهم الواحدة فوق الأخرى، حتّى تعاقبت وصنعت شكلاً طبيعيّاً يُشبه التلّة.6كتاب "الموارد الثقافيّة في فلسطين الآثار"، المجلس الاقتصادي للتنمية والإعمار (بكدار)، وهو سجل فلسطيني للمواقع الاثريّة صدر في القدس سنة 2002، ص25. وفي هذا مؤشر إلى تفوق التل على الخربة، فموقعه الجغرافيّ الاستراتيجيّ هو ما دفع الأقوام إلى أن تتوالى عليه. 

اقرؤوا المزيد: في السهول والجبال.. جولة لمعرفة نباتات فلسطين.

لا تظهر آثار التلال على السطح كما هو الحال مع الخِرَب، فما يُدلّل على وجود تَل أثريٍّ بالعادة هو بُقايا قطع الفخّار البنيْة المتناثرة على الأرض بين التراب والصخور7المرجع السابق، 43.؛ عندَ الحَفر قليلاً الى الأسفل بينها، سنجد آثارَ الأقوام الذين عاشوا هنا من الأحدث (الأعلى) إلى الأقدم (الأدنى)، كأَن يبدأ التّل بـآثار رومانيّة قريبة من السطح، ثمّ بعدها بقليل إلى الأسفل طبقةٌ فيها بيوتٌ من العصر الكنعاني، وتحتها العصور الأقدم من النحاسيّة والحجريّة، وهكذا. 

يكثُر هذا النمط في بلادنا فلسطين، بينما تفتقر بقاع العالم له. إذ قُدّرت أعداد التّلال مع الخرب بـ 5000 تَل وخربَة في غربي نهر الأردن وشرقه، معظمها غير مستكشفٍ حتّى الآن.8 كتاب: The Tale of the، صفحة 1. فيما الضفّة الغربيّة لوحدها، تحتوي على أكثر من 1700 خربة وتل، يقع أغلبها في المناطق المصنّفة "ج"؛ أي أنّها تخضع لسيطرة أمنية وإداريّة إسرائيليّة.9 كتاب "الموارد الثقافيّة في فلسطين، 16.

اقرؤوا المزيد: مناطق "ج".. خسائر مركّبة للفلسطينيين.

وكما هي الخربة، فإنّ بعض المناطق والقرى الفلسطينيّة سُميّت بالتل مثل: تل بَلاطة الأثري في نابلس، وتل رميدة في الخليل، وقرية تل الصافي شمال غرب الخليل وهي قرية مُهجّرَة تقولُ الحفريّات الأثريّة بأنّ التل الذي تقع عليه مسكونٌ منذ الألفية الرابعة قبل الميلاد،10كتاب Archaeology: The Science of the Human Past لعالم الآثار الأميركي: Mark Sutton، صفحة 81. وتل مجدّو جنوب حيفا الذي يعود إلى 7000 سنة قبل الميلاد، لأقوام عاشوا قبل الكنعانيين، ثم استوطنه الكنعانيونَ من بعدهم، وتل السلطان في أريحا الذي اكتُشفت فيه مدينة من أقدم مدن العالم تَعود للألفية العاشرة قبل الميلاد.

لماذا الكثير من الخرب في فلسطين؟

قد يعود هذا لمناخها المثالي للعيش البشري، فقد تعاقب الإنسان على هذه الأرض جيلاً بعد جيل إلى ما بعد العصر الحجري؛ عصر الإنسان البدائي المشهور باستخدام الحجارة وتسخيرها لخدمته، كالعصر النّحاسي عند بداية استخدام الإنسان للنّحاس، وبعدها البرونزي (عصر الكنعانيين) ثمّ الحديدي. ثمّ أحاطت بفلسطين حضاراتٌ مهمّة؛ من رومانيّة وبيزنطيّة وإسلاميّة وفارسيّة ومصريّة وكنعانيّة فينيقيّة، ما جَعَلَ هذه الأرض مَتحَفاً تاريخيّاً لكل تلك الحضارات.

استقرّ البشر وعاشوا في فلسطين على مرّ التاريخ، فتلك الأدوات الحجريّة مثلاً، التي وجدها علماء آثار إسرائيليّون في "كَهف قاسم" بالقرب من كفر قاسم في أراضي عام 1948، تدلّ على استيطان البشر للمَكان منذ أكثر من 200-400 ألف سنة.11 راجع هذا البحث العلمي، صفحة 176. بل ثمّة أدلّة على من هُم أقدم من هؤلاء؛ ممن عاشوا قبل التّاريخ، أي قبل اختراع الكتابة منذ 5000 سنة قبل الميلاد، إضافة إلى من سكن أرض فلسطين منذ ما يَزيد على مليون سَنَة قبل التّاريخ، وقد وُجدت أقدم أحفورة في العالم لبشر بشكلنا الحالي خارج إفريقيا في فلسطين. وفلسطين شاهدة على أنواع بشر آخرين غيرَنَا عاشوا واستقرّوا فيها منذ القدم، كما تقول الآثار التي وجدت على تل العبيديّة جنوب طبريّا، والتي تعود لمليون ونصف سنة قبل زماننا لنوع بشر أقدم منّا.

اقرؤوا المزيد: طبريا.. مواسم البحرة والمطبخ البحري. 

يختلف الزمان الذي تعود إليه الخرب من واحدة إلى أخرى، فقد تجدُ خربةً تعود للعصور الرومانيّة والبيزنطيّة؛ أي من 100 قبل الميلاد إلى 600 بعد الميلاد، وهذه أكثر الخرب عدداً في فلسطين. وقد تكون بجانبها خربَة كنعانيّة تعود للعصر البرونزي؛ أي حوالي 3000 سنة قبل الميلاد، وخرب الكنعانيّين هي الأقل عدداً الآن بسبب بعدها الزمنيّ، ممّا جعلها أكثر عُرضَة للتدمير بالعوامل الطبيعيّة، وبسبب خصومها الذين دمّروا مدنها لإزالة هويتها الكنعانيّة كما يعتقد بعض الباحثين في الآثار والتاريخ.12 كتاب "المعتقدات الكنعانيّة"، للبروفيسور في علم وتاريخ الأديان والحضارات القديمة خزعل الماجدي، صفحة 34. يقول الماجدي: "وما يهمني هو أن الغزو العبري كان مشابها للغزو الفلستي في آثاره المدمرة للمدن الكنعانية وإزالة هويتها الكنعانية الأصلية". وقَد كانت فلسطين في العصر البرونزي المتأخر (حوالي 1200-1550 قبل الميلاد) عامرة بالمدن الكنعانية من أمثال: تل وقاص، بيسان، تل المتسلم (مجدو حالياً)، تل تعنك، كيسان، تل السلطان/أريحا، وتل بيت ميرسم. أما آثار العصر العثماني فغالباً ما تكون وسط القرى، ولا تسمّى خِرَباً لقربها الزمني، فبعضها لا يزال مستوطناً إلى الآن ولا زالت أبنيته قائمة وعامرة.

 بيت من خربَة جَريوت شمال غرب بيتونا - تصوير عماد حسين.

أما أسماء الخرب فقد تكون هي نفس أسمائها القديمة عندما كانت مدناً عامرَة، فالفلسطينيون تناقلوا أسماءها جيلاً بعد جيل، أو قد تكون سُميّت باسمٍ لوصفِ حالها عند ضياع اسمها الأصلي، ومثال ذلك خربة "كَرم الخَرَاب" الّتي سمّاها أهلُ قرية كفرصور، جنوب مدينة طولكرم، بهذا الاسم لوَصف حالها، فهي كومة خراب في كرم يعتلي تلّةً شرق القرية. وهي، بخلاف ما يراه الكثيرون في القرية، في نظر الباحثين كومة عمارٍ وحياة، إذ بدراستها يمكننا معرفة حال تلك الأقوام وعلومهم وأعمالهم الفنيّة وفلسفاتهم وما يدينون به. كرمُ الخراب هذا مليءٌ بالآثار والمنحوتات الصَخريّة ومعاصر وممرّات للزّيت والعنب المَعصور، وبيوتٌ مطمورَة تحت التّراب، وأبيار عتيقة، وطلّة جميلة غربية على البحر المتوسّط.

آكلو تاريخهم

تتعرّض الكثير من المواقع الأثريّة للتهديدات المستمرة، في جلّها تهديدات بشريّة إن كانت من أهل البلاد أنفسهم أو كانت من سلطات ومستوطني الاحتلال. بالنسبة لأهل البلاد، فالكثير من الخرب الأثريّة راحت ضحيةَ توسعة الطرقات والبناء العشوائي بلا قوانين تحمي آثار الأرض والأسلاف، إذ تنتشر الأفكار التي تركّز على أنّ التطور يعني الجديد ونبذ القديم، وهذه الأفكار موجودة عند بعـض متَّخذي القرار والمخططين. مثالُ ذلك ما حدث في خربة قوفين الواقعة في بلدة بيت أمر جنوب الضفة الغربية، فالخربة اختفت بفعل الزحف السكاني إليها والبناء عليها، كذلك تدمير مقبرة رومانية كبيرة عند بناء مدرسة جمال عبد الناصر في نابلس.13 بحث ماجستير؛ عوامل تهديد المواقع الأثرية في الضفّة الغربيّة (الجدار العازل دراسة تحليلية)، جامعة النجاح الوطنيّة، 55.

اقرؤوا المزيد: سبسطية: محاولةٌ أخرى لاستيطان آثارنا. 

أمّا أهم ما يُهدّد الآثار فهو سرقتها من قبل جماعات مُتخصصة في السطو على الخرب والتلال الأثرية، فلقد أظهرت دراسة أجريت عام 1999 على أكثر من 2800 موقع أثري في الضفة الغربيّة، أنّ 67% منها مدمّر جزئيّاً بسبب أعمال السرقة، وأنّ ما يقارب الـ4% منها مدمر بشكلٍ كلي.14كتاب "الموارد الثقافيّة في فلسطين، ص44. إذ يقضي اللصوص الليالي حول القرى يحفرون ويُدمّرون بحثاً عمّا يَسُّرُّهم لبيعه في السوق السوداء للآثار، حيث سماسرة محليّون يتفاوضون على شراء القطع النادرة والثمينة، ثم يبيعونها إلى تجار الآثار الإسرائيليين بأسعار مضاعفة حسب نوعيتها وأهميّتها. أمّا الآثار العبريّة والّتي تخدم الروّاية التوراتيّة هيَ الأعلى سعراً، فيما الإسلاميّة هي الأدنى. تُشير بعض الأرقام إلى أنّ 120 ألف قطعة أثريّة تُنهب سنويّاً من فلسطين، وأنّ 58% منها تُباع خارج البلاد، ومصدر كثير من المقتنيات الموجودة بمتحف الآثار الإسرائيلية في مدينة القدس التنقيبات غير الشرعية للمواقع الأثرية.15عوامل تهديد المواقع الأثرية، ص 50.

فخّار قديم على سطح الارض يعود لآلاف السنين، ومغارة مفتوحة بعد محاولة سرقة، (خربة كرم الخراب شرق قرية كفرصور جنوب طولكرم) - تصوير عماد حسين.

يأخذنا ذلك إلى سارق التاريخ الأكبر؛ "إسرائيل". 

الآثار بوصفها نقمة؟

كانت ولا زالت فلسطين محطّة للّتنقيب عن الآثار للبعثات الأجنبيّة وعُلماء الغَرب، للأهميّة التاريخيّة لها كمكان مليء بالآثار والمدن القديمَة، ثمّ لسرقة هذا التاريخ في سبيل تقديم رواية استعماريّة بديلة عنه. قد نؤرخ لهذا الاهتمام منذ مُنتصف القرن التّاسع عَشَر مع بعثَة "صندوق استكشاف فلسطين" عام 1876، بإشراف كل من البريطانيّين كوندار وكيتشنر. استكشفت البعثة المناطق الأثريّة في فلسطين، ورسمت الخرائط التي شكّلت الأساس الذي اعتمدت عليه المُسوحات اللاحقَة،16كتاب "الموارد الثقافيّة في فلسطين، 15. وقد تم آنذاك سرقة الكثير من الآثار الفلسطينيّة وأخذها إلى مَتاحف العالم، كما في المتحف البريطاني، حيث خُصّص فيه قسم للآثار الفلسطينيّة المأخوذة ممّا وَجدوه في الخرب والتّلال والقُبور الأثريّة.17 هذه المُلاحظة من الكاتب خلال زيارته لمتحف بريطانيا. ومن ثمّ أكملت سُلطة الآثار الإسرائيليّة تنقيباتها على الأرض، ولا زالت في كل يوم تكتشف الكَثير تحت التّراب من آثار، وتعرضه في متاحفها.

كذلك، تسرق المستوطنات الأرض وما عليها من مبانٍ وآثار حين تُبنى، فتنتشر وتتوسّع على حساب الحجر والشجر والبشر والخرب. فمثلاً؛ تسعى بلديّة القدس لتوسعة مستوطنة "موديعين" على حساب خربة أثريّة يُقدّر عُمرها بـ 2000 سنة تُدعى "النبيّ زكريّا"، ترجع إلى عَهد الخلافتين العباسية والفاطمية في فلسطين. أيضاً ما يحدُث في قرية بيتا قرب نابلس، حيث يُحاول المستوطنون احتلال جبل العرمة الأثري الذي تتربع على قمته خربة تحمل الاسم ذاته؛ غارقة في القدم وتعود للعصر البرونزي (الكنعاني). والأمثلة على أكل المستوطنات للخرب كثيرة.

ولقد كان للجدار الأمنيّ الفاصل أثر كبير في دمار وتَهديد الكثير من المواقع الأثريّة، إن كان بجَرفها للبناء فوقَهَا، أو بضَم آثار وخرب وتلال كثيرة وراءَه يصل عددها إلى حوالي 466 خربة وتل من مجمل المواقع في الضفة الغربية، منها 37 خربة تعرّضت لتأثير مُباشر من الجدار.18عوامل تهديد المواقع الأثرية، 95. خربة رحال مثال على ذلك، فهي خربة أثرية رومانية تَقَعُ غرب قريَة دير الغصون شَمال طولكرم، على مسـاحة تصل إلـى 8 دونمات، مرّ الجدار منها ودمّرها بشكل كامل بعد أن قام الاحتلال بعمل حفريّات سَريعَة وسرقة محتوياتها.19 المرجع السابق، 111. تُهدّد "إسرائيل" الخرب والتلال عند توسعة الطّرقات أيضاً، مثل ما يَحدُث في "تَل الأساور" المهدّد بالضّياع تحتَ أسفلت الشْارع المقرّر توسعته؛ وهو تَل تَقوم عليه خربَة كنعانيّة قَديمة قَد تكون أكبَر مَدينة قَديمة في جنوب بلاد الشّام

تكثُر في الخرب الرموز التي تركتها الأمم السابقة، والتي لم يستفد منها إلا لصوص الآثار في تحديد المقابر والمساكن الحجرية والمغر، لنهبها. تلاشى كثير من هذه الرموز المحفورة في الصخر، إلا أنّ المُتبقّي منها خلّف وراءه أسئلة مُهمّة عن الرّسالة التي حملتها تلك الرموز؛ هل عبّرت مثلاً عن آراء مُفكرين أو مُعتقدات؟ أم هل أرادت جَماعات دينيّة أو فكريّة مُضطهدة أن تُعبّر عن نفسها بهذه الطريقة خشية البطش؟ ربما سَتبقى هذه الأسئلة من دون إجابَات، بيد أنّ ما هو مَعروف لدينا هو أنّ الخرَب والتّلال الأثريّة التي تُميّز أرض فلسطين ستُعطينا فَهماً أكثَر عن تاريخ الأُمم والإنسان إن حوفظ عليها ودُرست بشكل علمي وسَليم. وقتها فقط، ستعود إلى كونها نعمةً لنا بدلاً من أن تكون نقمةً علينا.