10 مارس 2021

التهديد بالشطب: هكذا تبرّأت أحزاب الكنيست من المقاومة

التهديد بالشطب: هكذا تبرّأت أحزاب الكنيست من المقاومة

لأوّل مرّة منذ 15 عاماً، تسمح لجنة الانتخابات المركزيّة الإسرائيليّة لجميع الأحزاب الفلسطينيّة داخل الأراضي المحتلّة عام 1948 بالمشاركة في انتخابات الـ"كنيست" دون محاولةٍ لمنعهم من الترشّح على خلفيّة نشاطات أو تصريحات ذات طابع وطنيّ فلسطينيّ. على مدار سنوات طويلة، استخدمت الأحزاب الصهيونيّة أداة "شطب القوائم والمرشحين" لمحاولة منعهم من المشاركة بناء على ادعاءات مختلفة، وكان على الأحزاب الفلسطينية المثول أمام لجنة الانتخابات والمحكمة الإسرائيليّة العُليا لإثبات جدارتها بالترشّح عبر نفي تلك الادعاءات.(1). 

بالمحصّلة، وعلى مدار تاريخها، لم تمنع "إسرائيل" بشكلٍ جارفٍ مشاركة الفلسطينيّين في الانتخابات، لكنّها استخدمت أداة "الشطب" هذه كامتحانٍ يُهدّد الأحزابَ الفلسطينيّة العازمة على الترشّح، هو تهديد تصعّد تدريجيّاً في انتخاباتٍ تلو الأخرى. عدّلت "إسرائيل" قوانينها في كلّ مرحلة اجتازت الأحزابُ فيها "الامتحان"، وطالبت الأحزابَ الفلسطينيّة بمزيدٍ من الخضوع والتنازلات عن المواقف الوطنيّة. كما تغيّرت تركيبة القضاة في المحكمة العليا لتصبح أشدّ تطرّفاً، وترفع سقف الولاء الإسرائيليّ الذي تطلبه من هذه الأحزاب. 

في مقابل هذا التصعيد الإسرائيليّ المستمر على مدار عقود، يظهر بوضوح التدهور والتراجع في الخطاب والفعل السياسيّ الفلسطينيّ، انصياعاً للتهديد الإسرائيليّ بالشطب من أجل استمرار المشاركة في انتخابات الـ"كنيست". فعليّاً تحوّلت القيادة السياسيّة لفلسطينيي الداخل بشكلٍ تدريجيّ من قيادة تتواصل وتتضامن بفخر مع المشاريع المقاوِمة لـ"إسرائيل" في فلسطين والعالم العربيّ إلى قيادةٍ تتنصّلُ من المقاومة، وتُعلن رفضها للمقاومة المسلّحة، وتتنصّل حتّى من الرموز التاريخيّة للمقاومة، بل تعتبر التعرض للاعتقال صنفاً من أصناف الجريمة التي تتطلّب "إعادة تأهيل"، وتخضع للمبدأ الإسرائيليّ بأن الدول العربيّة "بلد عدوٍ" تُمنع زيارته.

أعضاء القائمة المشتركة يرفعون لافتات لتشجيع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨ على التصويت في انتخابات الكنيست ٢٠١٥.(AFP).

تُقدّم هذه السطور قراءةً في مواقف الأحزاب الفلسطينيّة والتي كُتِبت ردّاً على دعاوى إسرائيلية طالبت بشطب ترشيحها للكنيست، وذلك بالتركيز على ما يتعلق من تلك المواقف بسؤال المقاومة وشرعيتها. يعرض هذا المقال، باقتباساتٍ حرفيّة من شهادات وقّعتها قياداتُ هذه الأحزاب، مستوى التدهور الخطير الذي طرأ على مواقفها السياسيّة.

"زيارة العدو" والانتفاضة الثانية: أحزابنا والمقاومة المسلّحة

في العام 2002، عدّل البرلمان الإسرائيليّ ما يُعرف باسم البند "7 (أ)" من "قانون أساس: الكنيست"، وأضيف إليه بندٌ يمنع ترشّح أيّ قائمةٍ أو مرشّح يتضمّن عمله السياسي "دعماً للكفاح المسلّح لدولة عدو أو منظّمة إرهابيّة ضدّ دولة إسرائيل". في العام 2003، قُدّمت طلباتٌ لشطب قائمة "التجمّع الوطني الديمقراطيّ"، وطلبات أخرى لشطب ترشيح كلّ من عزمي بشارة وأحمد الطيبي. 

في ملف عزمي بشارة وحزبه "التجمّع"، استندت الأحزاب الصهيونيّة على خطابين لبشارة لإثبات دعمه للمقاومة المسلّحة في فلسطين ولبنان؛ الأوّل في القرداحة السوريّة عام 2001 بمشاركة خالد مشعل وحسن نصر الله، وخطاب آخر أُلقي في أم الفحم في يوليو/تموز 2000. في ردّه أمام المحكمة، تمسّك بشارة من جهةٍ بالتأكيد على "حقّ الشعوب تحت الاحتلال بالمقاومة"، ولكنّه من جهةٍ أخرى أكّد على نأي فلسطينيي الداخل وقيادتهم السياسيّة عن سؤال المقاومة. في شهادته يقول بشارة إنّه "كنائب في برلمان الدولة المحتلّة ليس بمقدوره وليس من صلاحيّته أن يحدّد لهذه الشعوب المحتلّة سبل مقاومة الاحتلال." وهو تصريح يعكس موقفاً خطيراً بالنسبة لموقع فلسطينيي الداخل بين "الدولة المحتلّة" و"الشعوب تحت الاحتلال".

اقرؤوا: "التجمع".. المرحلة انتهت".

أما أحمد الطيبي فقد قُدّمت ضدّه دلائل معظمها متعلق بدعمه للانتفاضة الثانية وعلاقته مع ياسر عرفات. في ردّه على طلبات الشطب أكدّ الطيبي بأنه لم يدعم يوماً الكفاح المسلح، بل أكثر من ذلك، ادّعى الطيبي بأنه كان أول من عارض عسكرةَ الانتفاضة الثانية واستخدام السلاح، وأنه يؤيّد "الانتفاضة الشعبيّة" فقط قائلاً: "ما معنى معارضة عسكرة الانتفاضة؟ ما معنى انتفاضة شعبية؟ مظاهرات، ربما عصيان مدني أيضاً، عدم دفع الضرائب، مظاهرات لأجل السلام. قلت بأن استخدام السلاح ليس خطأ فحسب، بل أيضاً مرفوض قطعيّاً. وأنا أُفضّل سيارة إسعاف مقابل الدبابة، لا كلاشينكوف مقابل الدبابة. ما معنى ذلك؟ هل هناك ما هو أوضح من هذه الأقوال؟".

فعلاً، ليس هناك أوضح من هذه الأقوال التي جاءت في ذروة الانتفاضة الثانيّة، وذروة المعارك التي خاضتها المقاومةُ الفلسطينيّة أمام جيشٍ ارتكب عشرات المجازر الوحشيّة.  أبطلت المحكمة العليا قرارَ لجنة الانتخابات المركزيّة لغياب أدلة كافية تتيح الشطب، وسمحت لحزب التجمّع ولعزمي بشارة ولأحمد الطيبي بخوض الانتخابات.

في العام 2006، وبعد زياراتٍ عديدة لقيادات حزب التجمّع لسوريا المعرّفة إسرائيلياً كـ"دولة عدو"، زار وفدٌ من قيادة الحزب العاصمة اللبنانيّة بيروت وذلك بعد انتهاء حرب تمّوز، تجوّلوا خلالها في الضاحية الجنوبيّة التي قصفتها "إسرائيل" ودمّرتها. بهدف شطب القوائم الفلسطينيّة على أساس مثل هذه الزيارات، أقرّ الكنيست تعديلاً على "قانون أساس: الكنيست" مرّةً أخرى عام 2008. وفق ذلك التعديل، يُمكن شطب أيّ مرشّح للكنيست إذا كان قد زار دولةً مُعرّفةً كـ"دولة عدو" في السنوات السبعة السابقة لترشّحه للكنيست، إذ اعتُبرت الزيارةُ وفقاً لهذا التعديل دليلاً واضحاً على دعم الكفاح المسلّح، وبالتالي مبرراً للشطب.

أسامة السعدي، أيمن عودة، أحمد الطيبي، ومنصور عباس، أعضاء القائمة المشتركة (في حينه) يصلون إلى مقر الرئيس الإسرائيلي لتقديم توصيتهم ببني غانتس، بعد انتخابات سبتمبر 2019. (ِAPA).
أسامة السعدي، أيمن عودة، أحمد الطيبي، ومنصور عباس، أعضاء القائمة المشتركة (في حينه) يصلون إلى مقر الرئيس الإسرائيلي لتقديم توصيتهم ببني غانتس، بعد انتخابات سبتمبر 2019. (ِAPA).

على إثر هذا التعديل، رضخت القياداتُ السياسيّة الفلسطينيّة للقمع الإسرائيليّ، وخضعت للإملاء الإسرائيليّ الذي يقطع علاقتنا بأوطاننا العربيّة، في مقابل ومن أجل التمسك بالبقاء في الكنيست. منذ 2008 وحتّى اليوم، لم يخرج أي قياديّ من الأحزاب الفلسطينيّة إلى أي دولةٍ عربيّة تعتبرها إسرائيل "عدوّاً".

 مرحلة حنين زعبي: من محاصرة الفعل إلى محاصرة التعبير

في العامين 2012 و-2015، قُدّمت طلباتٌ جديدة للشطب ضدّ حنين زعبي، النائبة السابقة عن حزب التجمّع، وذلك على خلفيّة مشاركتها في أسطول الحريّة لكسر حصار غزّة عام 2010، وعلى خلفيّة رفضها إطلاق نعت "إرهابيين" على المقاومين الفلسطينيّين الذين خطفوا ثلاثة مستوطنين في العام 2014. 

في هذه المرحلة، صعّدت "إسرائيل" موقفها، وبدلاً من الاكتفاء بطلب الشطب بسبب دعمٍ واضحٍ ومباشرٍ للمقاومة ولقاء قياداتها، بات الشطب يتأسس كذلك على رفض القيادة الفلسطينيّة تبنّي القاموس السياسيّ الإسرائيليّ، وبالتالي السعي لعقاب حنين زعبي لمجرّد أنّها قالت إنّ المقاومين الفلسطينيين "ليسوا إرهابيّين"!

شهدت هذه المرحلة، بالنسبة لحزب التجمّع على الأقل، تراجعاً جديداً. في الردّ الذي قدّمه مركز عدالة عام 2015 باسم حنين زعبي للجنة الانتخابات وللمحكمة العليا جاء أنّ زعبي وحزبها يدعمان "المقاومة والنضال الشعبيّين ضدّ الاحتلال"، ويعارضان المسّ بالمدنيين، دون التطرّق بتاتاً للموقف من المقاومة المسلّحة. ركّز الرّد على دور الحزب في تشجيع العمل السياسيّ "الشرعيّ" في إطار المواطنة الإسرائيليّة، باعتباره النهج الذي ينقله الحزبُ لشبابه وجمهوره ضمن مشروع "دولة المواطنين". مرّةً أخرى، رفضت المحكمة العليا قرار الشطب الذي أقرّته لجنةُ الانتخابات، وسُمِحَ بترشح زعبي للانتخابات.

إثر قرار المحكمة، ولأن طلب الشطب اعتمد في أجزاء مركزية منه على تصريحاتٍ لزعبي لا على أفعال عينيّة مثل السفر إلى "دولة عدو" أو لقاء قيادات في المقاومة، عدّلت الكنيست القانون من جديد في العام 2017، لتُشدد الخناق على دعم فلسطينيي الداخل للمقاومة. في هذا التعديل أُضيف بندٌ يتيح شطب مرشح بسبب تصريحاته السياسيّة فقط، وهو ما عكس حالة حصارٍ تام للخطاب السياسي الفلسطينيّ في الداخل.

من محاصرة التعبير... إلى محاصرة التاريخ!

في الدورات الانتخابيّة الثلاثة الأخيرة (مارس 2019، سبتمبر 2019، مارس 2020) قُدّمت طلبات عديدة لشطب "القائمة المشتركة"، ومن ثم قائمة "الجبهة والعربيّة للتغيير" وقائمة "التجمّع والموحّدة".1في مارس 2019 شكّلت الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة مع الحركة العربيّة للتغير قائمة واحدة، فيما شكلت الحركة الإسلامية الجنوبية وحزب التجمع قائمة انتخابية واحدة. في سبتمبر 2019 ومارس 2020 توّحدت الأحزاب الأربعة قائمة انتخابية واحدة. كما قُدمت طلباتٌ لشطب المرشح الإسرائيليّ عن "الجبهة" عوفر كسيف، ومرشّحة "التجمّع" هبة يزبك.

جاءت طلباتُ الشطب هذه بعد رفع نسبة الحسم للبرلمان الإسرائيلي، ومن ثم إقامة "القائمة المشتركة" التي جمعت الأحزاب الفلسطينيّة (في ديسمبر 2015). تلاشت في هذه المرحلة الفروقات السياسيّة بين الأحزاب المختلفة، لصالح خطاب "التأثير والاندماج" في المؤسسة الإسرائيليّة الذي قاده أيمن عودة. ضمن هذه الخطاب، دعمت القائمة المشتركة في انتخابات 2020 بيني غانتس لرئاسة الحكومة، وهو الجنرال الذي افتتح حملته الانتخابيّة الأولى بالافتخار بأنّه من "أعاد غزّة للعصر الحجريّ".

اقرؤوا المزيد: "القائمة المشتركة.. صراع بين نهجيْن نحو الأسرلة".

وبالعودة إلى طلبات الشطب، وفيما يخصّ سؤال دعم المقاومة تحديداً، برز ملفُ هبة يزبك. تمحور ذلك الملف أولاً حول منشورات "فيسبوك" قديمة تشير فيها يزبك إلى الدور النضاليّ لسمير القنطار ودلال المغربي، وثانياً حول زيارتها للأسرى المحرّرين. ونرى في الرّد الذي قدّمته يزبك من خلال مركز عدالة تراجعاً غير مسبوق عن أي خطاب وطنيّ نعرفه حول المقاومة والأسرى.

في الردّ اعتذرت يزبك عن نشرها منشوراتٍ حول القنطار والمغربي، وأكّدت أن تلك المنشورات لم تحمل أيّ تأييدٍ لأفعالهما. الأسوأ من ذلك أنها استعانت بمقال رأيٍ لأكاديميّ إسرائيلي يقارن بين الشخصيات الفلسطينيّة المقاومة وبين شخصيّات صهيونيّة مجرمة، ويدّعي أنّ تماهي يزبك مع القنطار والمغربي رغم "جرائمهما" هو أمرٌ طبيعيّ في تاريخ الشعوب ولا يعني بالضرورة التماهي مع أفعالهم، فالإسرائيليون تماهوا مع شخصيّات صهيونيّة ارتكبت مجازر فظيعة بحقّ الفلسطينيين.

 كيف تحوّل أسرى الحريّة إلى سجناء جنائيين؟

لم ينتهِ الأمرُ هنا، فقد ربطت يزبك في سياق دفاعها عن نفسها أمام المحكمة الإسرائيليّة بين المقاومة الفلسطينيّة والعنف الجنائيّ، وقالت إنّها تُناضل باستمرار ضدّ كافة أشكال العنف والجريمة داخل المجتمع الفلسطينيّ، وبالتالي فإنها أخطأت حين شاركت المنشور بخصوص دلال المغربي، لأنه لا ينسجم مع مشروعها السياسيّ الذي هو في أساسه مشروع مواجه للعنف والقوة والقمع. كما أكدت يزبك في معرض ردّها على المستشار القضائي للحكومة بأنّها ترفض العنف ضدّ المدنيين والجنود الإسرائيليين على حدٍّ سواء. 

هل يُمكن اعتبار هذا الخلط بين الجريمة الجنائيّة والمقاومة الفلسطينيّة مجرّد غلطة غير مقصودة؟ لا يبدو ذلك. فقد نظرت المحكمة في طلب شطب قائمة "التجمّع" و"الموحدة" (عام 2019) على أساس أسر النائب السابق باسل غطّاس، والذي اعتُقل بسبب تهريب هواتف نقّالة للأسرى الفلسطينيين في السجون. في ردّه على هذا الادعاء تساءل رئيس قائمة التجمّع في حينه، مطانس شحادة: لماذا تُقدّم طلبات الشطب لحزبه على هذا الأساس، ولا تُقدّم طلبات لشطب الأحزاب الصهيونيّة التي أُدينت قياداتها بالنصب والاحتيال والرشاوى؟.

اجتماع بين أعضاء "القائمة المشتركة" وممثلي السلطات المحلية مع رئيس حكومة الاحتلال في مكتبه عام 2015. إحدى نتائج هذا الاجتماع تخصيص 150 مليون شيكل لإقامة مراكز شرطة في البلدات العربيّة "لتعزيز الأمن الشخصي".

ليس هذا فحسب، فقد قال رئيس القائمة المشتركة، أيمن عودة، والنائبة هبة يزبك، في معرض ردّهما على الاتهامات بخصوص زيارات أعضاء الكنيست للأسرى المحرّرين، بأنّ هذه الزيارات تأتي في أعقاب قرار للجنة المتابعة يقضي بزيارة الأسرى عند تحرّرهم "لإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع والعمل السياسيّ القانونيّ"!

تمثل  هذه الردود تحولاً خطيراً جداً على مستوى الخطاب الوطنيّ الفلسطينيّ المُتعلق بالمقاومة والأسرى، إذ تحول النضالَ الفلسطينيَّ ضدّ العنف والقمع والإجرام الإسرائيليّ إلى "عنفٍ جنائيّ". كما أنّها تنزع قضية الأسرى من سياقها السياسيّ إذ تُحمّل ضمنياً المناضلين مسؤولية ملاحقتهم وأسرهم عند خروجهم عن حدود ما يتيحه القانون الإسرائيلي، وتحول الالتفاف الشعبيّ حول الأسرى والأسرى المُحرّرين إلى "جهدٍ إصلاحيّ لإعادة تأهيلهم" كما يُعاد تأهيل المجرمين. في ظلّ كلّ هذا، يبدو هجوم القائمة المشتركة مؤخراً على منصور عباس صاحب التصريحات المعيبة التي اعتبر فيها الأسرى مخربين مثيراً للدهشة.

التمسّك بالكنيست: هكذا نخضع

تسعى "إسرائيل" باستمرار لضرب العمل السياسي الفلسطيني في أراضي الـ1948 وقطع أي علاقة مع مشروع وطنيّ فلسطينيّ له امتداد في الضفّة الغربيّة وغزّة واللجوء والوطن العربي، وتعزيز ما يُسمّى "خصوصية الداخل". لا تأبه "إسرائيل" لتواصلٍ فلسطينيّ لا يحمل موقفاً سياسيّاً مقاوماً، وهي لم تحظر التواصل بل أعادت تشكيله وتجريده من أيّ معنى تحرّري عبر سياسات القمع والاحتواء المُحكَمة. عبر السنوات حوّلت "إسرائيل"مشروعاً سياسيّاً لقيادة فلسطيني الداخل إلى مشروعٍ مدنيّ خدماتيّ محكومٍ بهوس الرقابة الذاتيّة والحاجة لقبول المستعمِر. في هذا الإطار يزداد تدريجيّاً قمعُ "إسرائيل" وتقليصُ الهامش المتاح، ويزداد معه تراجع هذه القيادة عن مُسلّماتٍ في النضال الوطنيّ الفلسطينيّ، فها هي تستميت في تحسين صورتها أمام الإسرائيليين وتُهدر موارد هائلة على المستوى الإعلاميّ والقانونيّ للنجاة ضمن الإجماع السياسيّ الصهيونيّ.

لا تعمل منظوماتُ القمع وحدها، فنحن نساهم في تطوّرها وتعديلها المستمر على أدواتها، حين تكون خياراتُنا محصورةً في نضالات ترتكز على القانون الذي صرنا نسمّيه "نضالاً قانونيّاً". هذا الحصار الذي نعيشه ليس صنيعة "إسرائيل" وحدها، بل هو أيضاً ثمن قبولنا وتفاعلنا مع إملاءاتها، وقياسها المستمر لردّة فعلنا على القمع وانكفائنا المستمر لدرجةٍ لم نَعُد معها نشكّل أيّ تهديدٍ على مشروعها، حتّى امتنع الليكود مؤخراً عن التصويت على شطب أيّ من القوائم الفلسطينية المرشحة للانتخابات المقبلة (مارس 2021).


(1): بحسب البند 7 أ من قانون أساس الكنيست "تُمنع مشاركة قوائم أو ترشح أفراد في انتخابات الكنيست، في حال كان في أهداف أو أفعال القائمة، أو أفعال المرشح، يشمل التصريحات: 1. نفي لوجود دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية؛ 2. تحريض على العنصرية؛ 3. دعم للكفاح المسلح، لدولة عدو أو منظمة إرهابية ضد دولة إسرائيل". بعد أن تُقدّم مختلف الأحزاب قوائمها الرسميّة للانتخابات، تُتاح إمكانية تقديم طلبات الشطب (منع الترشح) للجنة الانتخابات المركزيّة. على القوائم والمرشحين الذي تُقدّم ضدّهم طلبات شطب المثول أمام اللجنة المكونة من مندوبين عن الأحزاب الممثلة في الكنيست الأخيرة وعلى رأسها قاضٍ في المحكمة العليا. بعد نقاش الطلبات تصوت اللجنة على شطب القوائم أو المرشحين، وفي حال قررت اللجنة شطب قائمة تستطيع الأخيرة تقديم استئناف أمام المحكمة العليا. أما في حال شطب مرشح، فإن القرار لا يعتبر نهائياً إلا بعد البت فيه وإقراره من قبل المحكمة العليا.



4 نوفمبر 2022
ما أضيق الكنيست.. ما أرحب الشارع

انتهت الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية (الكنيست)، وعاد بنيامين نتنياهو قائد معسكر "اليمين" إلى الحكم بواقع 64 مقعداً لمعسكره مقابل 51 مقعداً…