9 مايو 2024

التحليق فوق الحدود: عن تهريب السلاح إلى الضفّة

<strong>التحليق فوق الحدود: عن تهريب السلاح إلى الضفّة</strong>

في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، أعلنت سلطات الاحتلال عن إفشالها ما وصفته بأكبر عمليات تهريب الأسلحة منذ نشأتها، وذلك عبر وادي عربة في الحدود الشرقيّة الجنوبيّة الفاصلة بين فلسطين والأردن. بحسب النشر الإسرائيليّ، فقد اعتقل عدد من المنخرطين في عملية التهريب وبحوزتهم 137 قطعة سلاح، بينها مسدسات مصنوعة في أذربيجان، وبنادق من نوع "جلوك"،  والكثير من الخراطيش. ادعى الاحتلال أنّه حصل على معلومات استخباراتيّة حول خطّة التهريب، وبناءً عليها أطلق عملية أمنيّة لإفشالها، بل إنّه أعطاها اسماً؛ "جوهرة العربة"، ربما - في محاولة للتدليل على سيطرته الأمنيّة وضبطه للحدود.  

هذه واحدة من مئات عمليات تهريب الأسلحة التي ازدادت وتيرتها في الأعوام الأخيرة عبر الحدود الشرقية لفلسطين. في هذا المقال نُلخّص بعض المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع.

جيش الاحتلال يستعرض السلاح بعد افشاله عملية تهريب الأسلحة من الحدود الأردنية في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2023.

المخفي أعظم

تشير المعطيات المنشورة في الإعلام الإسرائيلي إلى زيادة لافتة في تهريب الأسلحة والمعدّات القتالية عبر الحدود الأردنيّة، فقد ضُبطت في العام 2020؛ 143 قطعة سلاح خلال محاولة تهريبها من الأردن، بينما ارتفع العدد عام 2022 إلى أكثر من 500 قطعة موّزعة على 25 عملية تهريب، وفي العام 2023 ضُبطت أكثر من 415 قطعة موّزعة على أكثر من 16 عملية تهريب. 

ذلك عن "المضبوط"، أما الذي يُفلح المهرّبون في تهريبه فيبدو أنّه يصل أيضاً إلى المئات، ويتوّزع في أنحاء الضفة الغربية بالذات، وبعضه أيضاً يصل إلى الأراضي المحتلة عام 1948. بحسب أحد ضباط شرطة الاحتلال فقد قُدّمت خلال عام 2023 أكثر من 120 لائحة اتهام ضدّ معتقلين مرتبطين بعمليات تهريب الأسلحة، ويقول إنّ ذلك "يعني أنّ ما يُضبط من أسلحة مهربة هو قطرة في بحر، وغيض من فيض، مما يعني أن الفلسطينيين جمعوا الكثير من الأسلحة…".

وتُوصَف الأسلحة المهرّبة بأنها خفيفة، مثل المسدسات والبنادق الهجوميّة، لكن بعض عمليات التهريب شملت، أسلحةً متقدمةً بما في ذلك الصواريخ المضادّة للدبابات والقذائف الصاروخية، والعبوات الناسفة.

الاحتلال يدعي إفشال عملية تهريب لأسلحة ثقيلة تضمنت الصواريخ المضادّة للدبابات والقذائف الصاروخية، والعبوات الناسفة، في 25 آذار/مارس 2024.

وللأردن أطول خط حدوديّ مع فلسطين بواقع 360 كيلومتراً، وتتركز نقاط التهريب في مناطق الأغوار بالذات، على مسافة 240 كيلومتراً من الحدود، وعادةً ما يستخدم المهربون فتحات في السياج الحدوديّ في مناطق ضعيفة الحراسة وضعيفة من حيث أدوات الرقابة التكنولوجية. عدا عن أن طول هذه المسافة بالإضافة إلى تقليص الكتائب القتاليّة البريّة في جيش الاحتلال، يعني أن هناك نقاط ميتة غير مغطاة بشكلٍ كافٍ بالدوريات وأدوات المراقبة. 

تجهيز الضفّة ليومٍ موعود 

بحسب المعلومات المتوافرة، فإنّ عمليات التهريب هذه، أو جزءاً كبيراً منها، مرتبط بجهود قوى المقاومة في المنطقة، كحركات "حماس" والجهاد الإسلامي وحزب الله، التي تسعى إلى إغراق الضفّة الغربيّة بالأسلحة أملاً باستخدامها في عمليات مقاومة الاحتلال. وقد سبق أن اتهمت سلطات الاحتلال الشهيد صالح العاروري، الذي اغتالته في لبنان في كانون الثاني/ يناير الماضي، بالمسؤولية عن إذكاء نار المقاومة في الضفّة بوسائل عدة، منها تهريب الأسلحة. وقد أشارت تصريحات علنيّة من قادة إيرانيين إلى جهود بلادهم في تسليح الضفّة بهدف تعزيز عمليات المقاومة فيها. 

وفي نيسان/ أبريل الماضي، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركيّة تقريراً عن النشاط الإيرانيّ في تهريب الأسلحة إلى الضفّة، واعتمدت فيه على مقابلات أجرتها مع مسؤولين إيرانيين أمنيين وحكوميين، وآخرين أميركيين. بحسب التقرير، فإنّ عمليات التهريب بدأت تتكثف قبل عامين، أي في العام 2022، وأنّها اعتمدت بشكل أساس على خطوط التهريب القديمة والتي تشكّلت لتهريب بضائع مختلفة، وأنّ عدداً من قادة "الحرس الثوري" و"فيلق القدس" الذين اغتالتهم "إسرائيل" مؤخراً مسؤولون عن عمليات التهريب تلك. في المقابل، فقد أشارت صحيفة "الأخبار" اللبنانية في حزيران/ يونيو 2023 إلى أنّ أجهزة الأمن الأردنية اعتقلت 4 مواطنين بتهمة تهريب أسلحة إلى الضفّة الغربيّة عبر حدودها لصالح حركة "حماس"، مما شكّل تأكيداً على مضيّ الحركة في تفعيل هذا المسار. 

الطريق إلى البلاد المستحيلة

وتمر هذه الأسلحة، بحسب تقرير نيويورك تايمز، في الغالب بواحد من مسارين، من إيران عبر العراق إلى سوريا ومن ثم إلى الأردن وأخيراً إلى الضفة، وأحياناً مباشرة من العراق إلى الأردن دون المرور بسوريا. أو عبر سوريا إلى لبنان ومنها إلى مناطق الجليل الأعلى في فلسطين، ومن ثمّ من هناك إلى الضفّة. 

القبة الحديدية التي تنشرها قوات الاحتلال في مناطق من الحدود الفلسطينية الأردنية المحتلة، كما تظهر بالقرب من مدينة العقبة الأردنية، في 13 حزيران/ يونيو 2017. (تصوير: مناحم كاهانا/ وكالة الصحافة الفرنسية)

لكن المسار الثاني أصبح أكثر خطورةً منذ بدء الحرب على غزّة، والتصعيد مع حزب الله في الشمال، بسبب التواجد العسكري الإسرائيلي المكثف على الحدود الشمالية. كما أشار الإعلام الإسرائيلي على ألسنة ضبّاط أمنيين وعسكريين للاحتلال، إلى أنّ بعض عمليات التهريب تعتمد على إرسال مسيّرات تجتاز الحدود الأردنية وتكون محمّلة بأسلحة يتم إلقاؤها في بعض مناطق الضفة الغربية. 

وبحسب المعلومات، فإنّ عمليات التهريب تستفيد من البدو الفلسطينيين والأردنيين بالذات، إضافةً إلى تجار السلاح المخضرمين، ممن يحفظون هذه الحدود عن ظهر قلب، ولديهم دراية واسعة بتهريب الأسلحة وأشياء أخرى مثل المخدرات والأموال، ويتقاضون مبالغ ماليةً باهظةً مقابل تقديم هذه الخدمات. كما تستفيد هذه العمليات من عصابات الجريمة. ويشارك في هذه العمليات في بعض الأحيان بعض من شباب المقاومة، الذين يبحثون عن وسيلة لمواجهة الاحتلال، ويواجهون سنوات طويلة في السجن في حال اعتُقلوا.

أو من وراء جدر

في ظلّ تصاعد عمليات التهريب، لجأ الاحتلال إلى ثلاث طرقٍ سعياً منه لإحباطها والقضاء عليها. أولى هذه الطرق، الإعلان مجدداً عن نيته بناء جدار حدودي على طول الحدود مع الأردن، وهو مشروع إسرائيلي أمنيّ متعثر منذ عشرات السنوات بسبب خلافات داخلية حول مصدر تمويل تكلفته الفائقة، ومن غير الواضح إذا كان سيخرج هذا المشروع إلى حيز التنفيذ في الوقت القريب. وجاءت الإشارة إلى ذلك نهاية تموز/ يوليو 2023، بعد نشر الاحتلال خبراً غير مفصّلٍ عن إحباطه "عملية تهريب كمية كبيرة من الأسلحة" عبر الحدود. 

قوات من جيش الاحتلال تتمركز عند الحدود الفلسطينية الأردنية المحتلة ، بالقرب من وادي عربة.

ثانياً، فإنّه، ورغم ما قد يظهر من توترات سياسية بين الحين والآخر، إلا أنّ الاحتلال يرتبط بعلاقة متينة وتنسيق عالٍ مع المستويات الأمنيّة والعسكريّة الأردنيّة، وهو ما ظهر واضحاً مؤخراً في تصدي سلاح الجوّ الأردنيّ للمسيّرات الإيرانية التي هاجمت دولة الاحتلال في نيسان/ أبريل الماضي. كما سبق للأردن أن عبرت عن حاجتها للمساعدة من أميركا في مواجهة تزايد "النفوذ الإيرانيّ" على أراضيها، خاصّة عند الحدود مع سوريا. وهو ما يعني تبادل المعلومات ذات الصلة، وزيادة الإجراءات الأمنية على طرفي الحدود، ونشر المزيد من كاميرات المراقبة والمجسّات والمناطيد الكفيلة بكشف أي عمليات تهريب، وإحباطها قبيل نجاحها، واجتيازها الحدود.

أما الإجراء الأمني الثالث الذي قد يعمد إليه الاحتلال في حال سجلت طفرة في كمية ونوعية السلاح المهرّب، فإنّه يحاكي ما يحصل ضمن استراتيجيته المطبّقة منذ عقد من الزمن، والمسماة "المعركة بين الحروب"، عن طريق قصف شحنات الأسلحة داخل الأراضي السورية، كما فعل من قبل، أو ربما داخل الأراضي الأردنيّة، بعد التنسيق والتوافق بين الطرفين.

السلام الوهمي

مع الإشارة إلى أنّ التخوفات الإسرائيلية من الحدود الأردنية لا تقتصر على تسخيرها لتهريب الوسائل القتالية، بل هناك قلق أيضاً من انطلاق عمليات مقاومة من خلال الحدود، كما حصل في عملية الجندي المصريّ محمد صلاح على الحدود المصريّة مع فلسطين في حزيران/ يونيو 2023، التي أسفرت عن مقتل اثنين من جنود الاحتلال. وقد سُجلت خلال معركة الطوفان، وتحديداً في نيسان/ أبريل 2024، عملية إطلاق نار على دورية إسرائيلية عند جسر الشيخ حسين، يُشتبه أنّ منفذها جنديٌ أردنيّ.

ومن المفارقة، أن الأغوار مليئة بمشاريع الاستيطان والقواعد العسكرية الإسرائيليّة، التي بُنيت وتوسعت هناك بهدف تشكيل جبهة أماميّة لحماية "إسرائيل" من الجهة الشرقيّة، فإذ بها تجد نفسها بعد كل هذه السنوات ما زالت أمام تهديدات مستجدة.

الخلاصة أن هذه الدولة التي وقعت اتفاقي سلام مع جارتيها الشرقية في الأردن والجنوبية مع مصر، تمعن في محاصرة نفسها بنفسها، تحقيقاً لمقولة "دولة الجدران"، وهي تخشى أن تؤتى من هذه الحدود العربية، سواء بتهريب السلاح، أو بتنفيذ العمليات.



14 مايو 2021
هَلْ اقترَبْنا؟

فلسطين تنتفض، أرادوا تقطيعها والاستفراد بكل جغرافيا وحدها، وها هي تتصل مجدداً 27 ألف كيلو متر و8 أمتار، تستعيد وحدتَها…