عادة ما ينشر السياسيون مذكراتهم بعد تقاعدهم عن العمل، لكن بنيامين نتنياهو خالف العادة. ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2022، نشر مذكراته تحت عنوان "بيبي: قصتي"، أثناء خوضه منافسة انتخابية شرسة لاستعادة مقعد رئيس الوزراء، ولذا جاءت مذكراته على صورة بيان دعائي للجهود التي بذلها لأجل "إسرائيل"، وتضمّنت انتقادات لخصومه السياسيين من اليسار ومنافسيه داخل اليمين الإسرائيلي، وتطرّقت لمساحات الخلاف بينه وبين السياسات الأميركية في الملفين الفلسطيني والإيراني.
وبالرغم من الدعاية فيها، لم تخل المذكرات من تفاصيل مفيدة تتناول جذور نشأة نتنياهو، وكيفية إدارته لصراعاته، وبعض كواليس العلاقات بينه وبين عدد من الرؤساء العرب.
استدعاء التاريخ العسكري
بدأ بيبي، وهو الاسم المختصر لبنيامين، كتابه بمقدمة عاطفية، عاد بها إلى عام 1972، حين شارك برفقة شقيقه الأكبر يوناتان (يوني) في العملية "سابينا" ضمن وحدة "سييرت متكال" الخاصة، لاستعادة الطائرة التي اختطفتها بطاقمها وركّابها منظمة "أيلول الأسود"، وذلك خلال توجهها من بلجيكا إلى "إسرائيل". كان إيهود باراك مُشرفاً على هذه العملية، التي أصيب خلالها نتنياهو برصاصة في ذراعه اليسرى.
من هذه الحادثة، دلف نتنياهو إلى واقعة مقتل شقيقه يوني عام 1976 خلال عمليّة "عنتيبي"، حيث خطف فلسطينيون من "الجبهة الشعبية" طائرة تحوي إسرائيليين وقادوها إلى مطار عنتيبي بأوغندا.
بعد هاتين القصتين، يصل نتنياهو إلى الرسالة التي أراد إيصالها للجمهور، التي لخصها بقوله: "عندما سُئلت في مقابلة تلفزيونية عام 2011 عن الشيء الذي أرغب أن يتذكرني الناس به، أجبت ببساطة: لقد ساعدت في تأمين حياة الدولة اليهودية ومستقبلها".
بداية العمل السياسي
في أوائل عام 1982، تلقى نتنياهو مكالمة هاتفية من موشيه أرينز السفير الإسرائيلي في واشنطن، وأحد أصدقاء والده، فعرض عليه العمل كنائب له في السفارة. وافق نتنياهو على العرض، وشغل المنصب لمدة عامين، مما دفعه للتنازل عن جنسيته الأميركية للمرة الثانية، إذ تخلى عنها للمرة الأولى عندما تطوّع في الجيش الإسرائيلي عام 1967، ثم حكمت المحكمة العليا الأميركية لاحقاً بعدم قانونية إلغاء الجنسية بسبب التجنيد في جيش أجنبي.
منذ عام 1984 وحتّى عام 1988، عُيّن نتنياهو مندوباً لـ "إسرائيل" في الأمم المتحدة. يذكر أن أولى الاجتماعات التي عقدها بعد توليه منصبه الجديد، كانت مع وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر، الذي قدّم له عدداً من النصائح. الملفت أن ذات الأمر فعله كيسنجر عام 2016 مع جاريد كوشنر، زوج ابنة ترامب وكبير مستشاريه.
اقرؤوا المزيد: ماذا تكشف مذكرات كوشنر عن اتفاقيات التطبيع؟
استثمر نتنياهو علاقاته ومنصبه الدبلوماسي لنشر مقالات رأي حول مكافحة الإرهاب في كبرى الصحف الأميركية، مثل: "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال" و"واشنطن بوست"، كما وطد علاقته برجل الأعمال اليهودي روبرت مردوخ مالك قناة "فوكس نيوز".
في نهاية فترة خدمته في الأمم المتحدة، قرّر نتنياهو العودة إلى "إسرائيل" لخوض غمار الحياة السياسية، حيث عرض عليه عدد من أعضاء حزب "الليكود" الترشح لانتخابات الكنيست عام 1988.
يوضح نتنياهو أن حزب الليكود كان ينقسم آنذاك إلى أربع معسكرات متصارعة على قيادة الحزب: معسكر شامير – أرينز، ومعسكر ديفيد ليفي، ومعسكر شارون، ومعسكر موشيه كاتساف. ويوضح أنه كان ضمن معسكر شامير – أرينز، لكنه حرص على الانفتاح على بقية المعسكرات تطبيقا لقاعدة "كن لطيفاً مع الجميع". وبالفعل فاز بعضوية الكنيست، ثم مع تعيين أرينز وزيراً للخارجية، اصطحب نتنياهو للعمل كنائب له.
يشير نتنياهو إلى أن الإعلام الذي يسيطر عليه اليسار استقبل انخراطه في السياسة بشكل سلبي، إذ وصفه بأنه ليس إسرائيلياً حقيقياً، وبأنه مواطن أميركي لأنه عاش فيها 18 عاماً من سنوات عمره البالغة 38 عاماً آنذاك. بل وصفته صحيفة فرعية تابعة لـ "هآرتس" بأنه عميل لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية. ولذا بدأت معركة تكسير عظام بينه وبين اليسار، وبينه وبين الإعلام، لازالت فصولها تجري حتى الآن.
"السلام مقابل السلام"
مع خسارة حزب الليكود انتخابات عام 1992 في هزيمة مدوية، أصيب قادة الحزب آنذاك باكتئاب وفق نتنياهو، فأعلن موشيه أرينز وشامير استقالتهما من الكنيست، وعدم رغبتهما في الاستمرار بقيادة الحزب، وهي فرصة انتهزها نتنياهو للإعلان عن ترشحه لرئاسة الليكود، ففاز في انتخابات الحزب الداخلية ليصبح زعيماً للمعارضة وهو بعمر 44 عاماً.
عارض نتنياهو اتفاق أوسلو الموقّع عام 1993، ورأى أنه جلب قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى جوار المراكز السكانية الإسرائيلية الرئيسية، وأنه تسبب بمقتل أكثر من ألف إسرائيلي خلال الانتفاضة الثانية.
يجاهر نتنياهو برفضه لنهج "الأرض مقابل السلام"، بحجة أن الأراضي التي أخلاها الاحتلال في غزة وجنوب لبنان، سيطرت عليها جهات تدعو لتدمير "إسرائيل". ولذا يطرح نهجاً يقوم على "السلام مقابل السلام"، وهو ما يتضمن وفق كلامه "اشتراط اعتراف فلسطيني علني وملزم بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، وعدم العودة إلى حدود عام 1967، منح الفلسطينيين حكماً شكلياً دون السماح لهم باستيراد أسلحة أو إنشاء جيش أو إغلاق المجال الجوي أو عقد معاهدات مع دول معادية لإسرائيل، واحتفاظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية جواً وبراً على كامل المنطقة الواقعة غرب نهر الأردن، بما في ذلك المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية".
يرى نتنياهو أن اتفاقية السلام مع مصر عام 1979، تركت سيناء كمنطقة فصل بين البلدين منزوعة السلاح. ويرى أن اتفاق السلام مع الأردن عام 1995 تضمن تنازلات متواضعة، وأضفى الطابع الرسمي على سلام قائم بالفعل منذ عقود بين "إسرائيل" والمملكة الهاشمية، فضلاً عن وجود 4 مليون عربي في الجانب الشرقي من نهر الأردن، مما يمنع عمليّاً ضمه لـ "إسرائيل"، لكنه يقول: "سيبقى ارتباطنا التاريخي بالضفة الشرقية للأردن في قلوبنا إلى الأبد".
أما فيما يخص السلام مع سوريا، يوضح نتنياهو بعداً جغرافياً للصراع: "ليس لمرتفعات الجولان عمق استراتيجي، إذ يبلغ متوسط عرضها 12 كيلومتراً. ونظراً لارتفاع الجولان 300 متر فوق بحيرة طبريا، فإذا تخلت إسرائيل عنها، يمكن للجيش السوري أن يسير إلى الجليل ليهدد خزان المياه الرئيسي لإسرائيل، ويكون في وضع يسمح له بغزو الجزء الشمالي من إسرائيل دون أي عائق طوبوغرافي يقف في طريقه. وبالتالي يجب أن تحتفظ إسرائيل بالأرض المرتفعة في الجولان في أي صفقة مستقبلية. فمنها يمكن أن نصل بسهولة إلى دمشق على بعد عشرين كيلومتراً فقط".
اقرؤوا المزيد: الجولان السوري في مواجهة مراوح "إسرائيل"
الفوز برئاسة الوزراء
يكشف نتنياهو أنه قبل انتخابات الكنيست عام 1996 ببضعة أشهر، وبعد تنصيب بيريز كرئيس وزراء بديل بعد اغتيال رابين، أرسل له الملك حسين رسالة يسأله فيها: "هل ستلتقي ولي العهد الأمير الحسن سراً في لندن؟". رحب نتنياهو بالمقترح، وحين عقد اللقاء معه، فوجئ بأنّ الحسن لم يحاول إخفاء قلقه من احتمال انتصار بيريز: "لقد كان هو والعديد من المسؤولين الأردنيين الذين التقيت بهم على مر السنين قلقين من أن قيام دولة فلسطينية يمكن أن يقضي على النظام الهاشمي وسيطرته على الأردن".
فاز نتنياهو في انتخابات عام 1996 على بيريز، وفي فترة ولايته الأولى، عمل على خفض عدد الوزراء من 30 وزيراً إلى 18، لكنه تعلم من ذلك درساً: "اتضح أن هذا القرار كان أحمق. ففي البرلمان الإسرائيلي الصغير المكون من 120 عضواً فقط، يمكن لعضو أو عضوين ساخطين من أعضاء الكنيست في كثير من الأحيان إسقاط الحكومة. لقد تعلمت أن الحد من عدد الوزراء حتى لو كان متسقاً مع رسالتي عن خفض النفقات، كان موقفاً لا يمكن الدفاع عنه، ولا يمكن أن تحافظ عليه الحكومات المستقبلية، بما في ذلك حكومتي. هناك حاجة لمنح مقاعد وزارية لأكبر عدد ممكن من أعضاء الكنيست من أجل ضمان استقرار الائتلاف في النظام السياسي الإسرائيلي".
الملك حسين لأول مرّة ومحاولة اغتيال مشعل
دعا الملك حسين نتنياهو إلى لقاء سري في منزله خارج لندن، وسافر نتنياهو على متن طائرة استأجرها الموساد، وخلال اللقاء قال للملك: "إنني اعتبر بقاء المملكة الهاشمية مصلحة إسرائيلية حيوية، وإذا لزم الأمر، سنتدخل عسكرياً لمنع سقوطها".
يوضح نتنياهو أن 70% من سكان الأردن هم من الفلسطينيين، وأعرب عن مخاوفه بأنه في حال حدوث تغيير سياسي، فإن الأردن بحدوده الطويلة مع "إسرائيل"، سيصبح قاعدة لإقامة دولة فلسطينية معادية، يمكن استخدامها كقاعدة انطلاق لشن حرب شاملة لتدمير "إسرائيل".
ورغم علاقة نتنياهو الجيدة بالملك حسين، إلا أنه يؤكد موافقته على مقترح الموساد باغتيال خالد مشعل في الأردن رداً على هجمات لحركة "حماس" عام 1997، والتي أسفرت عن مقتل عشرين إسرائيلياً. وبعد فشل العملية، والاضطرار لإجراء صفقة مقايضة للإفراج عن منفذي محاولة الاغتيال مقابل إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين، خرج نتنياهو بخلاصة مفادها: "على الرغم من أن مشعل كان هدفاً مناسباً، وعلى الرغم من أن الموساد أوصى بالأردن كمكان، كان يجب أن ألغي هذه العملية في بلد صديق. كان يجب أن أدرك منذ البداية أن الأردن كان موقعاً غير مناسب. من الأفضل أن تكون حكيماً في تجنب المزالق بدلاً من أن تكون ذكياً في التخلص منها".
ضربة شارون، ونتنياهو: "إما أنقذ الاقتصاد أو أشنق نفسي سياسيّاً"
خسر نتنياهو انتخابات الكنيست عام 1999 أمام إيهود باراك، واستقال من قيادة حزب الليكود ومن الكنيست. وسرعان ما انتُخب شارون رئيساً لليكود وزعيماً للمعارضة. لكن مع انهيار تحالف باراك، أُجريت انتخابات مبكرة عام 2001 فاز بها الليكود بقيادة شارون. ثم مع الفوز بانتخابات أخرى عام 2003، رشّحه شارون لمنصب وزير المالية، وهو ما أغضب نتنياهو: "رغم أني سلمت لشارون السلطة على طبق من فضة، ففي المقابل حصلت منه على جحود وقح... لم يرغب أحد في الاقتراب من وزارة المالية لأن إسرائيل كانت تعيش آنذاك 2003 أعمق أزمة مالية منذ عقود. إن التعيين في وزارة المالية كان بمثابة ضربة سياسية بارعة من شارون، فإذا نجحت في المنصب فسوف أنقذ حكومته وأسمح له بالحصول على الفضل، وإذا فشلت فسيتخلص من المنافس الرئيسي له على القيادة المستقبلية للبلاد، فالمعادلة هي: إما أنقذ الاقتصاد أو أشنق نفسي سياسياً... كذلك أدرك شارون أني سأكون منغمساً في إصلاح الاقتصاد ولن أشترك في حيل سياسية ضده. لكن كانت هذه فرصة لتطبيق برنامجي الاقتصادي المتعلق بتبني سياسات سوق حرة، والتخلص من السياسات شبه الاشتراكية التي تتبناها الحكومة".
استفاض نتنياهو في شرح السياسات الرأسمالية التي تبناها كوزير للمالية، كما تطرق إلى نهجه في التعامل مع معارضي مشاريعه. ففي ظل رفض النقابات للإجراءات التي يقوم بها، وتهديدها بتنظيم إضراب عام طويل، اقترح عليه أحد مساعديه تمرير عدة إصلاحات في وقت واحد بدلاً من التعرّض لضغوط مع كل إصلاح تشريعي. ومع فشله للتوصل لاتفاق مع النقابات، مرّر حزمة القوانين عبر الكنيست بدعم من شارون، وانتهت الإضرابات خلال 3 أسابيع، وهو غالباً نفس النهج الذي ينفذه نتنياهو حالياً لتمرير حزمة التعديلات التشريعية الخاصة بالسلطات القضائية في ظل رفض المعارضة لها.
"كانت هزيمة ساحقة"
اختلف نتنياهو مع شارون حول خطته للانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة، وزعم أنه قال له: "نعرف ما تقدمه إسرائيل، لكن على ماذا تحصل إسرائيل؟… بمجرد أن تؤسس مبدأ الانسحاب للهروب من الإرهاب، فإن الإرهاب سوف يلاحقك". وطلب من شارون إجراء استفتاء داخل الليكود على الانسحاب، وأسفرت النتائج عن رفض الانسحاب بنسبة 60.5%، لكن شارون قال إن نتائج الاستفتاء لا تلزم الحكومة، وهو ما تسبب بحدوث تمرد ضده داخل الحزب.
في النهاية استقال نتنياهو من الحكومة، فيما انشق شارون عن الليكود، وشكل حزبه الخاص "كاديما"، ثم سرعان ما أصيب شارون في 4 كانون الثاني/ يناير 2006 بسكتة دماغية، ودخل في غيبوبة بقي فيها حتى وفاته بعد ثماني سنوات. حُلّ الكنيست، وجرت انتخابات جديدة حصل فيها كاديما بقيادة يهود أولمرت على 42 مقعداً، فيما تدهور وضع الليكود حتى قال نتنياهو: "لقد كانت هزيمة ساحقة، وهي الأسوأ في مسيرتي المهنية".
اقرؤوا المزيد: هل انتهت "الديمقراطية الإسرائيلية"؟
بعد الحرب ضد "حزب الله" في لبنان في صيف عام 2006، انخفضت شعبية أولمرت، وظهرت قضايا جنائية ضده، وعجزت خليفته تسيبي ليفني عن تشكيل حكومة جديدة، وتمكن نتنياهو من تشكيل تحالف مع "حزب العمل" أعاده لمنصب رئيس الوزراء عام 2009 بعد انقطاع دام عشر سنوات.
الحذر من تسونامي
في ظل تبني نتنياهو لرؤية السلام سالفة الذكر، دخل في صدام مع أوباما وإدارته التي رأت أن جوهر الصراع في الشرق الأوسط هو: غياب دولة فلسطينية ووجود المستوطنات. وقدم نتنياهو في كتابه حجة مفادها أن: "الإدارات الأميركية تغذت لعقود على نظرية التنازلات الإقليمية. وترى أن الانسحاب من الأراضي المحتلة يمكن أن يؤدي إلى السلام... بينما هذا النهج لم يفترض احتمال حدوث تغيير سياسي في الدول العربية، مما يجعل وضع إسرائيل أكثر خطورة. وهو ما حدث عندما سيطر الإسلاميون على أجزاء من سوريا أثناء الحرب، وفي مصر مع وصول الإخوان المسلمين للحكم بعد ثورة يناير".
فيما يخص الربيع العربي، يكشف نتنياهو أنه حذّر واشنطن من أن رحيل مبارك قد يؤدي إلى أسلمة مصر، كما اعتبر أن فوز محمد مرسي بالرئاسة كان تطوراً كارثياً لـ "إسرائيل"، ورأى أن الإسلاميين في حقبة الثورات اجتاحوا كتسونامي معظم دول العالم العربي.
غارة الخرطوم واغتيال الجعبري
يكشف نتنياهو أن الطيران الإسرائيلي هاجم مطار الخرطوم منتصف ليلة 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2012 لتدمير أربعين حاوية مليئة بالأسلحة والمتفجرات، أرسلتها طهران للسودان لنقلها إلى حماس عبر وادي النيل إلى سيناء ثم عبر الأنفاق إلى غزة. ويضيف أنه أرسل للبشير بعد الهجوم رسالة موجزة من خلال قنوات سرية، قال له فيها: "أنت التالي"، وهو ما ساهم حسب ادعائه في إغلاق طريق التهريب من السودان.
كذلك أوضح نتنياهو أن تصفية قائد القسام أحمد الجعبري عام 2012 سعت لإيصال رسالة إلى قادة حماس مفادها: "عاجلاً أم آجلاً ستنال منكم إسرائيل". وقال إن حكومته وافقت على وقف إطلاق النار مبكراً خلال جولة القتال التي أعقبت الاغتيال، بسبب تضاؤل مخزون صواريخ القبة الحديدية آنذاك.
كذلك تطرق نتنياهو إلى مجريات حرب 2014، وأشار إلى رفض أوباما دعم أي عمل بري في غزة، كما تحدث عن تنسيقه مع السيسي قائلاً: "كان هدفنا المشترك هو تحقيق وقف غير مشروط للقتال. كان آخر ما يريده السيسي هو نجاح حماس في غزة... لدهشتي، حثني وزير الخارجية كيري على قبول قطر وتركيا كوسطاء بدلاً من المصريين. وقد اتفقت أنا والسيسي على إبقاء الأمريكيين خارج دائرة المفاوضات".
المقابلة بالسرّ ومقترح تبادل الأراضي
يؤكد نتنياهو أنه عرض على واشنطن مقترحاً بإرجاع السياج الحدودي في سيناء إلى داخل الأراضي المحتلة بمقدار كيلومتر أو اثنين، على طول مائتي كيلومتر، وهو من شأنه أن يوفر لمصر 200 إلى 400 كيلومتر مربع، مقابل أن تمنح مصر مساحة معادلة لغزة. كما اقترح إجراء تبادل مماثل على طول مائتي كيلومتر مع الأردن على طول وادي عربة، مقابل أن يزود الأردن الفلسطينيين بمساحة معادلة من الأراضي شرق الأردن، وذلك مقابل احتفاظ "إسرائيل" بالتجمعات اليهودية والمواقع التوراتية في الضفة الغربية والقدس.
يقول نتنياهو: "في فبراير 2016، التقيت سراً بالعاهل الأردني الملك عبد الله والرئيس المصري السيسي والوزير كيري في العقبة. وعلى الرغم من أن الاجتماع كان ممتعاً، إلا أن الملك عبد الله والسيسي لم يوافقا على المقترح. وقد لاحظت أنه كلما قابلت السيسي سراً في شرم الشيخ أو الملك عبد الله في عمان، يكون الحديث أكثر انفتاحاً وصراحة. لكن في وجود العم الأميركي، يتبنون المواقف العربية التقليدية التي لا تترك مجالاً للإبداع. لم يكن أي من الزعيمين يريد أن ينكشف أمام شعبه".
الطريق إلى "اتفاقيات إبراهام"
يتحدث نتنياهو عن حرصه على تحقيق 4 أهداف مع إدارة ترامب التي تتمتع بدعم إنجيلي قوي، وهي: إقناع واشنطن بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وتشجيعها على الاعتراف بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل"، والاعتراف بسيادة "إسرائيل" على مرتفعات الجولان، وتحقيق اتفاقيات سلام مع المزيد من الدول العربية وفق نهج "السلام مقابل السلام"؛ وهو ما تحقق خلال أربع سنوات من حكم ترامب.
كشف نتنياهو خلال مذكراته عن العلاقات الإسرائيلية السرية مع بعض دول الخليج، وأوضح أن توني بلير رعى بصفته مستشاراً خاصاً لقاءات لمبعوث نتنياهو إيتسيك مولشو مع ممثلين لقادة دول الخليج، بمن فيهم محمد بن زايد، وذلك بين عامي 2016-2018. كما التقى نتنياهو سراً عدة مرات مع بعض قادة الخليج، إحداها على ظهر يخت في البحر الأحمر. وقد أعربوا له خلال اللقاءات عن قلقهم من ضعف الاستعداد الأميركي لمواجهة إيران.
كذلك يكشف نتنياهو أنه التقى خلال مؤتمر "باريس للمناخ" عام 2015، مبعوثاً من البحرين في اجتماع رتبه الرئيس هولاند في قصر الإليزيه. ويخلص إلى أن تلك اللقاءات قادت إلى "اتفاقيات إبراهام" عام 2020 بعلم وتشجيع من السعودية.
اقرؤوا المزيد: معركة عضّ الأصابع: إيران في مذكرات بومبيو
في خاتمة المذكرات، يقول نتنياهو: "من خلال تجاوز الفلسطينيين، تمكنا من تحقيق أربعة اختراقات دبلوماسية وتوقيع أربع اتفاقيات سلام تاريخية دون التنازل عن أراضي… كان سلاماً قائماً على المصالح الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية المتبادلة التي استفادت منها جميع الأطراف". وهو ادعاء يبرز حجم الخطيئة التي ارتكبتها الدول المطبعة، وتبدده المقاومة المتصاعدة في الأراضي المحتلة، والتي أثبتت أنه لا يمكن تجاوز القضية الفلسطينية، وأن التطبيع الهش أخرج ما كان يجري تحت الطاولة إلى أعلاها، لكنه لم يتمكن من توفير الأمن للاحتلال.