29 أكتوبر 2023

نُصرت بالرعب: كيف أدارت المقاومة الحرب النفسيّة؟

<strong>نُصرت بالرعب: كيف أدارت المقاومة الحرب النفسيّة؟</strong>

بعد انقطاعٍ دام تسعة أيّام، خرج المُلثّم يوم أمس السبت (28.10) على الناس. جاء خطابه في وقت حسّاس بدأ فيه الهلع والقلق يتسلل إلى بعض القلوب، خاصّةً مع انتشار أخبار إسرائيلية المصدر عن بدء عمليات الاجتياح البريّ  وسط انقطاعٍ تامّ لشبكة الاتصالات والإنترنت عن القطاع. 

خرج أبو عبيدة بصوته الحازم وعينيه اللامعتين، وفي عشر دقائق فقط، ثبّت الناس وقوّاهم وغيّر من وضعيّتهم النفسيّة لاستكمال المواجهة. فإذا كانت منصّات التواصل الاجتماعي -التي يتعرّض لها الناس- ميداناً للتلاعب النفسي للاحتلال، فإنه وفي ميدان المعركة دمّر مجاهدٌ واحد 3 آليات عسكريّة ففرّ جنود "الجيش الذي لا يُقهر" منه، وذلك على خلاف ما صرّح به الجيش. ومن قلب الإحباط الذي بدأ البعض يشعر به إثر شدة القصف ومجازر الإبادة، بثّ مرّة أخرى في قلوبهم عزيمةً وأملاً، ورفع مجدداً السقف الذي حاولت طائرات الاحتلال تسويته بالأرض: "زمن انكسار الصهيونية قد بدأ"، والهدف هو "تبييض السجون"، كما صرّح. 

وما أن أنهى كلمته، حتّى نُشر مقطع مصوّر من "الإعلام العسكري" يظهر فيه استهداف مدرّعة "النمر"، وهي آلية لنقل الجند على متنها 14 جنديّاً، بصاروخ "كورنيت" شرق حيّ الشجاعيّة شرقي مدينة غزّة، فأجهزت الكلمة، ومن بعدها الفيديو، على فكرة الاجتياح البرّي. 

بالتوازي مع الجهد العسكريّ الأمني الضخم للقسّام خلال معركة "طوفان الأقصى"، لا يقلّ الجهدُ الإعلاميّ إذهالاً، بل ولا يقلّ أهميّة عنه. لقد أحسنوا إدارة المعركة إعلاميّاً، وذلك على شقّين: الأوّل؛ التواصل مع الناس وتثبيتهم في المعركة، إذ رفع الفعلُ الجهادي عندهم من درجة الغيب إلى درجة التفصيل في الحقيقة، وحرص على صيانة النصر في أذهانهم، والثاني؛ بثّ رسائل للعدو ضمن الحرب النفسيّة، عبر التوعّد له إن أقدم على الاجتياح البريّ، والمداومة على ضرب أسافين بين الحكومة الإسرائيلية وجمهورها وترسيخ صورة لن ينساها الإسرائيليّ.

ورأيت الناس يدخلون..

في البداية، كان الإتقان الذي وُفّقت إليه المقاومة في عمليّتها العسكريّة كفيلاً بإنجاز نصف الطريق في تثبيت الناس على المستوى النفسي. لقد شعروا بالاطمئنان وبأنّهم في أيدٍ أمينة، يقولون: المقاومة تعرف ما تصنع، وبالتأكيد لديها أوراق إضافية. وممّا عزز من هذا الشعور، هو القوّة التي ظهرت بها المقاومة، والوهن الذي ظهر به الاحتلال، والأهم أن كلّ ذلك مدعومٌ بالصوت والصورة.

لم يُترك الناس لوحدهم، إذ تواصلت المقاومة معهم منذ اللحظات الأولى، عبر قناتي "كتائب الشهيد عز الدين القسّام" و"أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب القسام" على "تلغرام"، وعبر تصريحات قادتها السياسيين في الخارج أمثال إسماعيل هنيّة وخالد مشعل وصالح العاروري. 

في اليوم الأوّل للمعركة وحده، نشرت قناة القسّام 45 منشوراً، كما طلّ الضيف في الساعات الأولى خاطباً بالناس من المحيط إلى الخليج ومن طنجة إلى جاكرتا: "قررنا أن نضع حداً لكل ذلك بعون الله، ليفهم العدو أنه قد انتهى الوقت الذي يُعربد فيه دون محاسب، فإننا نعلن بدء عملية طوفان الأقصى..". فيما بشّر أبو عبيدة الناس منذ الساعات الأولى بمنشورٍ كتابيّ: "نبشّر أسرانا وأبناء شعبنا أن في قبضة كتائب القسام عشرات الأسرى من الضباط والجنود وقد تم تأمينهم في أماكن آمنة".

فلسطينيون يستولون على مركبة عسكرية لجيش الاحتلال وينقلونها إلى قطاع غزة خلال الاشتباكات المستمرة في مستوطنات غلاف غزة، في 7 أكتوبر 2023. (تصوير مصطفى حسونة / وكالة الأناضول)

توافد الناس على "تلغرام"، ليستمعوا ويروا ما يُحدّثهم به الناطق باسمهم، فيرفع آمالهم ويشدّ من عزمهم ويقوّي نفوسهم. وصلت قناة الكتائب إلى نحو 700 ألف مشترك، وقناة أبو عبيدة لأكثر من 600 ألف مشترك، وتجاوزت المشاهدات على إحدى كلماته المصوّرة الـ 2 مليون مشاهدة. وعلى هذا التطبيق أصلاً، وصلت أوّل صور وفيديوهات اقتحام قوّات النخبة القسّامية، ومن بعدهم سكّان قطاع غزّة، لمستوطنات "غلاف غزّة". 

ولأن التواصل بين المقاومة وجمهورها مزعجٌ للاحتلال، ولما لـ"أبو عبيدة" من رمزيّة وحضور عند الناس، فإنّه حاول أن يقضي عليها عبر التباهي بكشف اسمه وصورته. إضافة إلى أنّ جنوده في الضفّة الغربية والقدس يصبّون جام غضبهم على من يجدوا في هاتفه تطبيق "تلغرام"، وبالأخص من يتابع فيها القنوات الإخبارية ويحتفظ بفيديوهات وصور "الإعلام العسكري"، وربما لهذا أيضاً، حُظرت قناتي القسام وأبو عبيدة على مستخدمي نظامي "أندرويد" و"ios" على "تلغرام".

نشر أبو عبيدة على قناته حتّى الآن 18 منشوراً، وخرج منها على الناس بـ 8 خطابات  موزّعة كالآتي: مرّتان في اليوم الثاني للمعركة (تسجيل صوتي)، مرّتان في اليوم الثالث (تسجيل وفيديو)؛ وكأنّه يُصبّح الناس ويُمسّيهم، مرّة في اليوم السادس (فيديو)، مرّة في اليوم العاشر (فيديو)، مرّة في اليوم الثالث عشر (تسجيل)، ومرّة في اليوم الثاني والعشرين (فيديو).

خلال هذه الكلمات والمنشورات جميعها، كان كلام الناطق العسكري إما موجّهاً لشعبه وأمته، وإما موجّهاً للاحتلال، وإما رسائل سياسيّة تبدو موجّهة للوسطاء. لكن جميع ما صدر عنه يُمكن وضعه في إطار جهود الحرب النفسيّة؛ دعماً وتواصلاً مع الناس وتثبيتاً لهم، أو وعيداً وضرب أسافين بين الاحتلال ومجتمعه. 

مُعالج الأمّة النفسي

أما بالنسبة للناس. فإنّ تواصل الملثّم مع الناس بين الحين والآخر، واستمرار القسّام بتزويدهم بالمشاهد المصوّرة للاقتحام والضربات وخلاف ذلك، يُحقق هدفاً نفسيّاً عالياً. إذ يعني التواصل هذا؛ وضع الناس في صورة الأحداث والتطوّرات، وطمأنتهم بأن المقاومة بخير، وجعل المقاومة هي المصدر الأوّل للمعلومات، وتزويدهم بخطاب سياسيّ ودينيّ جامع، بل وبتفسيرٍ للقصف العشوائي الذي يقوم به الاحتلال مع سكّان القطاع بأن سببه هزيمته، وتحشيدهم للالتفاف حول المقاومة.

احتوت خطابات أبو عبيدة على كثيرٍ من ذلك مما أكسبها مصداقيةً عالية وجعلها عاملاً مهماً في رفع معنويات الناس. ومثال ذلك، نزع الرهبة من الاجتياح البرّي الذي يلوّح به المحتلّ، وهو ما تكرّر في خطابات كثيرة تطفح بالقوة والثقة: "التلويح بالدخول البري أمر مثير للسخرية، كيف لهذا الجيش أن يجرؤ على مواجهة يتمناها تسعة أعشار جيش القسام وأركانه؟!"، يقول المُلثّم.  

ومن ثمّ، فإنّ الخروج المستمرّ للملثّم، ومبادرته في الإعلان عن مجريات المعركة وتوجيهه رسائل تتعلق بها، كالإعلان عن تهجير سكّان عسقلان، أعطى شعوراً إضافيّاً من الثقة عند الناس بأنّ المقاومة تملك أوراقاً إضافيّة للمناورة وما زالت تتحكّم في المعركة، وأنها لم تترك الناس وحدهم تحت القصف وأنّهم أولى أولويّاتها. 

أدارت المقاومة المسألة النفسيّة بعبقريّة، إذ قدّمت للناس نوعين من الخطاب المُطمئن، وهما متوازيان ومُكمّلان لبعضهما البعض. الأوّل؛ متعلّق بتفصيل الهجوم في السابع من تشرين الأول وكيفيّة تنفيذه والإعداد له، لدرجة أن المقاومة درست الأرض والطقس وتأثيرهما على ميدان المعركة وتوقيتها. ومن يحسب مثل هذه الحسابات القبلية، لا بدّ وأنه حسب التبعات البعدية، وبالتالي مُستعدّ لها. والآخر؛ متعلّق بالإيمان والإمداد الرباني، لجلّ التوفيق والبركة التي لفّت العمليّة والثُلّة المؤمنة، وهو بالمناسبة خطابٌ عقلانيّ جداً ودليله ما جرى في الميدان واقعاً. هكذا، فإن خفت الاعتقاد بالأوّل، سنده الاعتقاد بالثاني، والعكس كذلك. 

الحفاظ على الصورتين

أما بالنسبة للاحتلال. تمارس المقاومة حرباً نفسيّة على جنود ومجتمع الاحتلال بأن تتوعده بالموت، وتدق الأسافين بين أقطابه، وهذا موجود في العديد من الخطابات والمنشورات والبوسترات، مثل: "هذا ما ينتظركم عند دخولكم غزة"، "اسألوا جولاني عن بأس رجالنا". وها هو أبو عبيدة يوجّه كلامه مباشرةً للمجتمع الإسرائيلي: "وإن الأولى أن تتم محاسبة هذه القيادة السياسية والعسكرية على هذا الفشل والغباء المركب، بدلاً من الاستعراض بالقتل والتدمير العشوائي والإجرامي".

وتستمر المقاومة في ضرب الأسافين بين الحكومة الإسرائيلية ومجتمعها، ومن ذلك مثلاً نشر تحديثات عن عدد قتلاهم من الأسرى في غزّة بسبب القصف الإسرائيلي عليها، ومنها أيضاً ذكر اسم أسير رسّام كان يعيش في تل أبيب قُتل نتيجة القصف، لضرب ما تعنيه هذه المستوطنة في مخيال الإسرائيليين من عاصمة وقوة، ولتأليب المجتمع الإسرائيلي على حكومة نتنياهو. 

كما خرج أبو عبيدة في بعض خطاباته ليُعلن عن الإفراج عن عدد من الأسرى الإسرائيليين، أو ليُعلن عن أوضاعهم و مما شكّل رصيداً إيجابيّاً صبّ في صالح الحركة على حساب حكومة الاحتلال، التي ظهرت بمظهر من يُهمل أسراها، بل إنّ من خرج أشار إلى المعاملة الحسنة التي تلقاها من عناصر القسام خلال الأسر. 

ولم تكن هذه الحرب النفسية عشوائية في الاختيار والتوقيت، إذ نشر القسّام مقطعاً مصوّراً لإحدى الأسيرات بينما يقدم لها عناصر القسام الرعاية الصحيّة، مع تصريح لها بحسن المعاملة التي تلقّتها مطالبة أهلها أن يضغطوا للإفراج عنها. وقد اختارها القسّام دوناً عن غيرها لأنه عائلتها كانت من أوائل عائلات الأسرى الذين تحركوا إعلامياً وميدانياً ليضغطوا باتجاه الإفراج عنها.

تزامن مع ذلك، نشر الإعلام العسكري للقسّام فيديوهاتٍ توثّق الرفق في تعامل عناصره مع الأسرى، تحديداً من النساء والأطفال. وهو ما جاء كرد على الشائعات التي روّجت لها الدعاية الإسرائيلية في محاولة تشبيه القسّام بـ"داعش"، تمهيداً وتبريراً لارتكاب "إسرائيل" المجازر.

في المقابل، كان القسّام ينشر مقاطع مصوّرة على شكل دفعات لقوات النخبة لديه وهي تقتحم الجدار الأمني المزوّد بأحدث تقنيات المراقبة والاستشعار، وتشتبك في قلب القواعد العسكرية مع أقوى الوحدات والنخب، فتُدمّر أسطورة "الميركافا"، وتردي الجنود قتلى على الأرض، وتأسر آخرين، حتّى إن منهم من كان مُختبئاً يتحاشى المواجهة. هكذا، فإنّ كل العناصر التي كان يستثمر فيها العدو في إبراز قوته وصورته، حطمها القسام مرتين: مرّة عندما حطمها على أرض الواقع، ومرّة عندما وثّقها ونشرها بالصوت والصورة. 

هكذا نجح القسّام في هذا الصدد بالحفاظ على الصورتين: صورة القويّ الصنديد في أرض المعركة، وصورة رقيق القلب الرؤوف في سياق غير القتال.

نُصرت بالرعب

لم تقع صدمة اقتحام مستوطنات "غلاف غزّة" على المستوطنين هناك فحسب، بل تجاوزتها إلى مجتمع المستوطنين ككل، وبالطبع حكومته. وذلك عائدٌ إلى التكلفة العالية؛ قتل نحو 1400 إسرائيلي، وأسر نحو 250، وجرح أكثر من 5 آلاف، والإجهاز على أبرز الفرق العسكريّة "فرقة غزّة" و"وحدة 8200". ومما زاد الطين بلة أن ذلك موثق بالصوت والصوة، فكانت الصدمة أشد.

أما عن صدمة الحكومة الإسرائيلية فقد تأخرت استجابتها للمعركة كثيراً، وما زالت مرتبكة إلى الآن، وتأجلت اجتماعاتها أكثر من مرة وتأخر خروج قادتها للتصريحات والردّ على أسئلة الصحافيين، بينما خرج الضيف خاطباً في أهله منذ الصباح الباكر لليوم الأوّل للمعركة. 

وأما عن صدمة المجتمع الإسرائيلي، فكانت المقاطع المصوّرة التي انتشرت في مجموعات "تلغرام" في السابع من تشرين الأول مصدرهم الأوّل للمعلومات والأخبار، بينما كانت قنواتهم الإعلامية مغلقة في عطلة يوم السبت، ومسؤولوهم لا يملكون ما يكفي من المعلومات حول ما يجري. وفي هذا السياق، شاعت مقاطع فيديو لإسرائيليين يلجأون لتفسير الهزيمة بنظريّات المؤامرة (قال بعضهم إن خيانة وقعت من داخل الجيش)، فيما يبدو دخولهم في حالة إنكار.

وعلى خلاف العادة، لم تنتشر خلال معركة "طوفان الأقصى" أرقام إسرائيليّة، تُشير إلى عدد الإصابات بالهلع. هذه المرّة، كان الأمر عامّاً جداً على المجتمع الإسرائيلي لدرجة لم يعد فيها إحصاء الحالات النفسيّة المتضرّرة مُمكناً. أخصّائية اجتماعيّة إسرائيليّة تعمل لدى مؤسسة "رعاية ضحايا المحرقة"، تُشير إلى أنّ الحرب الحالية أثارت "مستويات جديدة من التوتر والقلق"، لدرجة أنّ "بعضهم لا يريد حتّى الذهاب إلى ملجأ لتجنّب القنابل؛ إنهم مكتئبون للغاية".

ولمجابهة هذه الحرب النفسية التي وضعتهم بها مشاهد "الإعلام العسكري"، يكثّف الاحتلال دعاياتٍ تحاول دعم المستوطنين نفسياً. مثالُ ذلك، دعاية لشركة الاتصالات الإسرائيلية "بيزك"، لرجلٍ تأتيه رسالة من صديقه يسأله عمّا إذا رأى مقطع فيديو ما، فيغضب عليه ويخبره بأنه لم يره ولا يريد رؤيته، ويعطيه درساً بأنه لا يجب أن يُرى كل فيديو حتّى لا تؤثر هذه المشاهد وتسيطر على يومهم. وفي دعاية أخرى لمؤسسة مختصة بالتعامل مع مصابي الصدمة النفسية على خلفية قومية (أمنية)، ترفع شعاراً للمستوطنين: "حتّى القلب يحتاج إلى قبّة حديدية"، مع رقم هاتف للدعم النفسي. 

هذا ما يحرسه "الإعلام العسكري"

تُعطي المقاومة اليوم الإعلام والتواصل مع الناس والحرب النفسية الجارية على ميدانه مع الاحتلال، أهمية قصوى. إنّها بموازاة التحضير للمعركة عسكريّاً، حضّرت لها بشكل مماثلٍ إعلاميّاً. كان التصوير بتقنيّات عالية، من كاميرات مثبّتة على المجاهدين، ومن كاميرات طائرة تصوّر من أعلى، ومن زوايا مختلفة، يجري إنتاجها بسرعة، وتنشر بالأوقات المناسبة تدريجياً بما يضمن تغذية مستمرة لروح المقاومة عند الناس.

حرصت المقاومة على تصدير صورةٍ مُتكاملة، تُعطي انطباعاً بأن هذا جيشٌ  مُمأسس متكامل الأركان، فترى لباساً عسكريّاً يوقع في النفس الهيبة، وترى جوقة عسكريّة تنقل أصداء المعركة نشيداً، وترى عناصر تتلو القرآن وتحفظه فتعلم أن بموازاة التربية البدنية ثمّة تربية إيمانيّة، وترى حتّى دهّاناً يحضر في المشهد، يدهن الصاروخ ثمّ يأتي من يُخطّط عليه اسمه ونوعه، بمنح مُنتجات المقاومة تسميات تناسب سياق صناعتها التاريخي، فتُصاب بالذهول. 

وإضافة لذلك، فإنّهم حرصوا على إصدار تطبيق للهاتف "إعلام القسام"، ليضمنوا استمرار التواصل مع الناس إذا ما جرى حظرهم على "التلغرام".

لقد قدّمت القسّام لنا شخصيتين من خلال كُنياتهم، القياديّ أبو خالد الضيف والناطق أبو عبيدة، ولا يدفع ذلك إلا بمزيدٍ من القرب منهم. لا نعرف وجوههم، ولكن نحفظ أصواتهم وتواقيعهم عن ظهر قلب: والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وإنه لجهاد نصرٌ أو استشهاد. 

إنّهما امتدادٌ لإرث المقاومة وتحرير الأسرى. ظهر الضيف مُلثّماً في مقطع مصور عام 1994، مُعلناً أسر الجندي الإسرائيلي نحشون فاكسمان، وهو يلوّح بهويّته. فيما ظهر أبو عبيدة مُلثّماً في مقطع مصوّر عام 2006، مُعلناً أسر الجنديّ جلعاد شاليط1بحسب الباحث بلال شلش، فإنّ ظهور أبو عبيدة الأول -وفقاً للقسّام- يعود إلى 2 تشرين الأوّل/ أكتوبر من عام 2004، في مؤتمر صحفي عقد في مسجد النور شمالي قطاع غزة..

كنّا على جسد المقاتل نرى لحظة سداده أو استشهاده، وكنّا معهم في اجتياز "الجدار الذكيّ"، على الدرّاجات الناريّة وفي الطرقات والمواقع العسكريّة. لقد مكّنونا من رؤية سيناريو التحرير واقعاً. وعلى الدوام، كان أبو عبيدة، الناطق عن الأمة، يُطلعنا على التفاصيل باستمرار، ويُدير معركةً صراطها النفس؛ أسفل منها النار، وإلى الأمام في آخرها الجنّة. أيُّ الإرادات تُكسر أولاً، وأيُّ الصور تَثبُت في النهاية؛ هذه هي المعركة، وهذا ما يحرسه "الإعلام العسكريّ".