19 يونيو 2020

موظفو غزّة.. أول ضحايا الأزمة الماليّة في الأونروا؟

موظفو غزّة.. أول ضحايا الأزمة الماليّة في الأونروا؟

في الثالث عشر من ديسمبر\ كانون الأول 2019، ابتهج كبارُ مسئولي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (أونروا) بإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة تمديد ولاية الوكالة الأممية حتى نهاية يونيو/ حزيران عام 2023، وذلك بعد تصويت  غالبية الأعضاء لصالح القرار. 

لكن الاطمئنان لخبر تمديد ولاية الوكالة لم يجرّ وراءه اطمئناناً آخر عند موظفي الوكالة وموظفي المؤسسات التي تدعمها، وبالأخصّ أولئك العاملين منهم في قطاع غزّة. في نهاية نفس الشهر لعام 2019، تلّقى موظفو "إذاعة الفرسان" في غزّة والذين تدفع الوكالة معاشاتهم، قراراً بفصلهم بسبب الأزمة الماليّة التي تعصف بالوكالة. كما تلقى هذا الشهر أكثر من 106 إداريّ ومدرس، يعملون في سبعة مراكز تأهيل مجتمعيّ تخدم ذوي الاحتياجات الخاصّة في القطاع، قرارات شبيهة بالفصل. يعمل هؤلاء المفصولين تبعاً لبند "البطالة المؤقتة"، وبعضهم عمل في الوكالة لأكثر من عشرين عاماً.

بعد قرار دونالد ترمب وقف الدعم الأميركيّ المالي لـلأونروا في سياق محاولات تصفية قضية اللاجئين، وتحجيم حقّ العودة، تُعاني الوكالة من أسوأ عجزٍ ماليّ تشهده منذ نشأتها عام 1949، إذ وصل عجز الميزانية لعام 2020 ما يقارب 360 مليون دولار، وذلك من أصل مليار و400 مليون دولار هي ميزانية العام المُقدّرة. وفي ظلّ ذلك، تُطبق الوكالة منذ تموز/يوليو عام 2018 سياسةً تقشفيةً للحدِّ من النفقات.  يُذكر أن الولايات المتحدة قد قررت مطلع العام 2018 تقليص مساهمتها الماليّة في دعم الأونروا من 365 مليون دولار إلى 125 مليوناً، ومن ثمّ قررت في نهاية أغسطس/ آب 2018 وقف تمويلها نهائياً.

ويبدو أنّ هذه الأزمة قد دفعت الوكالة للتضحية بدايةً بموظفي بنود "الطوارئ" و"البطالة المؤقتة"، وما يُسمّى بنود "البطالة الدائمة"، فيما يُهدد بتعطل خدماتها التي كانت تُقدّمها وفق هذه البرامج. ويعمل جلّ الموظفين الذين طالهم الفصل في قطاع التعليم.

اقرأ/ي المزيد: "الـ"أونروا": كيف يرتبط مصير شعب بوكالة"؟

في 25 من يوليو \تموز 2018 جاء أول قرار بذلك، والذي شمل في حينه 965 موظفاً قُسّموا إلى ثلاث فئات. شملت الأولى 116 موظفاً تم فصلهم بشكلٍ نهائيّ، أما الثانية، فتمثلت في إعطاء جزء من الموظفين نصف راتب حتى تاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول 2018، بينما تم إنهاء عقود العدد المتبقي في نفس التاريخ. لاحقاً، أعيد العشرات إلى وظائفهم، فيما بقي عدد المفصولين نهائياً 89 موظفاً.

يذكر سلامة الشرقاوي (45 عاماً)، وهو عضو لجنة متابعة الموظفين المفصولين، أن زملاءه المفصولين يعيشون أوضاعاً صعبة للغاية، حتى أنّ زميلاً له من بين المفصولين الـ89 قضى 14 شهراً في السّجن مُنذ فُصِل بسبب التزام ماليّ لم يستطع الإيفاء به. 

بعد قرار الفصل الأول في منتصف 2018، انتهى عام 2019 بقرارٍ ثانٍ، فضمن سلسلة التقليصات التي أقرّتها الأونروا تقرر إنهاء عقود "البطالة الدائمة" لـ24 موظفاً من فنيّين ومُذيعين كانوا يعملون في إذاعة "الفرسان"، الإذاعة الوحيدة المختصة بقضايا ذوي الإعاقة في فلسطين. وكان الوكالة الأمميّة قد عقدت عام 2006 اتفاقاً مع جمعية التأهيل المجتمعيّ في مخيّم دير البلح (وسط القطاع)، يقضي بأن تتحمل الأولى مصروفات التشغيل التي تخصّ الإذاعة. يُذكر أن إدارة الأونروا اتخذت على مدى الأعوام الثلاثة السابقة لهذا القرار، قرارات  متتالية بتقليص أعداد العاملين وصولاً إلى إنهاء عقود الجميع. 

من بين هؤلاء الذين فقدوا عملهم، كان  الصحفي نهاد أبو غليون الذي عمل في الإذاعة منذ 14 عاماً كمسؤول قسم الإعلام الإلكتروني. يقول أبو غليون : "قرار الفصل جائر، فجأة بين يوم وليلة أفقد راتبي وأنا معيل لخمس أطفال،  كيف سنلبي انا وزملائي أدني احتياجات أسرنا".

أما القرار الثالث، فجاء في شباط \ فبراير الماضي، ويمسّ أيضاً قطاع التعليم، إذ يقضي بوقف تعيينات موظفين وفق نظام المياومة، أو أي تعيينات جديدة أخرى، وذلك بعد تقليص موازنة العام 2020 بنسبة 10%. لاحقاً،  في يونيو/ حزيران الجاري، إذ قررت الأونروا فصل 106 موظفٍ على بند "البطالة المؤقتة"، يعملون في سبعة مراكز تأهيل مجتمعيّ تخدم ذوي الإعاقة في قطاع غزّة، وتتبع للأونروا.  الموظفون تحت هذا البند يعانون أصلاً من ظروف وظيفيّة صعبة، منها الحصول على رواتب دون الحدّ الأدنى من الأجور، وعدم وجود حوافز وإجازات واضحة لهم.

من بين هؤلاء سماح الحلو التي تعمل كمديرة لـ"جمعية بيسان للتربية الخاصّة" في مخيّم النصيرات، والتي تهتم بتعليم الأطفال من ذوي الإعاقة السمعية و الذهنية. تقول سماح إنّها تعمل منذ 16 عاماً في قطاع تعليم ذوي الاحتياجات الخاصّة وفقاً لعقد "البطالة المؤقتة" مع الأونروا، وأنّ معاشها بالكاد يصل 400 دولار شهريّاً. وعدا عن الصعوبات الماليّة التي سيجد المفصولون فيها أنفسهم، فإنّ القرار سيؤثر على الطلاب، ويُساهم - على حدّ تقديرها- في زيادة نسبة التسرب من صفوف التعليم، خاصّة لصعوبة دمج طلابها في المدارس العادية.

وفيما أعلنت الأونروا أن تقليص خدماتِها بنسبة 10% يطال جميع مناطق عملها، في لبنان وسوريا والأردن والضفة وغزّة، إلا أن قرارات الفصل التي أُعلنت حتى اللحظة فقط في قطاع غزّة. وفي كلّ الأحوال، فإنّ قرار الفصل على القطاع أشدّ قسوة، خاصّة أن نسبة اللاجئين في القطاع حوالي 64% من مجمل السّكان، وتُعتبر الخدمات التي تُقدّمها لهم الوكالة حيويّة في ظلّ ظروف الحصار المعقدة. 

على مدار عقود، شكّلت تلك الخدمات في حقول الصحّة والتعليم والإقراض الصغير والبُنية التحتيّة للمخيّمات، وما يترافق معها من برامج تشغيل وتمويل، رافعةً اقتصاديّة- اجتماعيّة، ساهمت في التخفيف من أثرّ الحصار.، وذلك في وقت وصلت فيه نسبة البطالة  في القطاع خلال  الربع الأول من عام 2020 ما يقارب  46٪. ويزيد من تفاقم الأزمة الخوف من انتشار فيروس "كورونا"، والذي ناشدت الوكالة مساعدتها بجمع أكثر من 90 مليون دولار من أجل مواجهته.