17 مارس 2020

مواردُنا المنهوبة.. أنابيب إسرائيليّة لغازٍ فلسطينيّ

مواردُنا المنهوبة.. أنابيب إسرائيليّة لغازٍ فلسطينيّ

لا تنهب "إسرائيل" المواردَ الفلسطينيّة لتطوير اقتصادِها فحسب، إنّما ترى في مشاريع النهب كذلك فرصةً لتوطيد علاقاتها الدوليّة. تجتذبُ هذه المشاريع الشركاتِ الخاصّة والحكومات حول العالم، كما تستغلها "إسرائيل" لتطبيع علاقاتِها مع الحكومات العربيّة. أحد هذه المشاريع هو استخراج الغاز الطبيعيّ من البحر الأبيض المتوسّط، وهو موردٌ تزداد أهميّتُه لإنتاج الطّاقة البديلة مع اشتداد الأزمات البيئيّة حول العالم. تحت غطاء "الطّاقة الخضراء"، تمدّ "إسرائيل" أنابيب تصدير مواردنا المنهوبة إلى العالم.

غازُنا تتقاسمه الشركات

بدأتْ مشاريع التنقيب الإسرائيلية عن الغاز الطبيعيّ في أعماق البحر المتوسّط منذ السبعينيّات، واستمرّت حتّى لاقت أُكلها بين عامي 1999-2000. عام 2004، بدأ تدفّق الغاز إلى محطّات توليد الطاقة الإسرائيليّة وإلى بعض المصانع الكبيرة، وذلك عبر شبكة أنابيب أقيمت خصيصاً. في 2009-2010، اكتُشف حقلا الغاز الأكبر؛ "لفياتان" (Leviathan) و"تامار" (Tamar). ثمّ في عام 2015 بدأت "إسرائيل" بتبنّي سياسات خصخصة قطاع الغاز، واجتذاب الشركات الخاصّة محليّاً وعالميّاً، بما يتوافق مع رؤيتها الاقتصاديّة. حتى عام 2016، ولّدت "إسرائيل" ما يقارب 61% من حاجتها للكهرباء بواسطة الغاز الطبيعيّ المُستخرج، فيما وصلت هذه النسبة حتّى نهاية عام 2019، إلى ما يقارب 67%.

حتّى الآن، اكتشفت "إسرائيل" 10 حقول غازٍ طبيعيّ تمتدُّ على طول الساحل. "لفياتان" أكبر هذه الحقول مساحةً، تتقاسمه ثلاث شركات؛ "ديليك" (Delek Drillings) الإسرائيليّة، و"نوبل إينيرجي" (Noble Energy) الأميركيّة، و"راتيو" (ٌRatio oil exploration) الإسرائيليّة. أما حقل "تامار" فتتقاسمه ستُ شركاتٍ مختلفة. فيما تملكُ حقليّ "كاريش" (Karish) و-"تنين" (Tanin) شركةُ "إنرجيان" (Energean) البريطانيّة، والتي ستبدأ في عام 2021 بيع الغاز لشركة الكهرباء الإسرائيليّة. إضافةً إلى حقول أخرى هي: "نوعا" (Noa)، "ماري ب" (Mari-B)، "أور" (Or)، "شمشون" (Shimshon)، "داليت" (Dalit)، و-"دولفين" (Dolphin).

الدول العربية "الشقيقة" مُشاركة في النهب

لا تكتفي "إسرائيل" بالاستخدام المحليّ للغاز المُكتشف، إنما تسعى بذلك لتتحوّل إلى "إمبراطوريّة غاز إقليميّة"، خاصّةً أن مخزون الغاز الذي يمكن استخراجه يفوق حاجتها. لذلك، فإنّها تسعى إلى توريده لـ"جيرانها" العرب، فيُصبح الغاز مساهماً في تطبيع علاقاتها مع الدول العربيّة - مصر والأردن تحديداً.

مع بداية عام 2020، بدأت "إسرائيل" تصدير الغاز إلى الأردن ومصر. بموجب اتفاقيّة عُقدت عام 2016 بين الأردن و"إسرائيل"، ستشتري شركة الكهرباء الأردنيّة خلال 15 عاماً قادماً ما لا يقل عن 3 مليار متر مكعّب من الغاز سنويّاً، وهو ما يصل مجموعه إلى 45 مليار متر مكعّب على الأقل، بتكلفة تصل 10 مليار دولار.

أما مصر، والتي كانت يوماً ما تزوّد "إسرائيل" بـ40% من حاجتها للغاز الطبيعيّ، فقد بدأ في 16 يناير/كانون الثاني 2020 تدفّق الغاز الإسرائيليّ إليها بموجب اتفاقيّة موقّعة عام 2019 مع الشركة المصرية "دولفينوس هولدينغز"(Dolphinus Holding).1الاتفاقية التي وُقعت عام 2019 حلّت محل اتفاقية قديمة من العام 2018. بموجب الاتفاقيّة ستصدّر "إسرائيل" من حقل "لفيتان" 60 مليار متر مكعّب على مدار 15 عاماً، ومن خلال أنابيب تمتد عبر عسقلان وصولاً إلى العريش المصريّة. بالإضافة إلى 26 مليار متر مكعّب من حقل "تمار"، على مدار 15 عاماً، سيتم البدء بضخها في صيف 2020. وتأتي هذه الاتفاقيّة على الرغم من امتلاك مصر حقول غازٍ تجعلها "إمبراطوريّة غاز" قائمة بحدّ ذاتها، وهو ما يدفعها إلى توسيع وتنويع مصادر الغاز المعتمدة.

لكنّ الحكومة المصريّة لا تكتفي بهذا الحد من توطيد العلاقات مع "إسرائيل". في 14 يناير/ كانون الثاني 2019، استضاف وزير البترول المصري طارق الملّا وزراء الطاقة في حكومات كلّ من "إسرائيل"، وقبرص، واليونان، وإيطاليا والأردن، والسلطة الفلسطينيّة. أُعلن في هذا اللقاء عن تأسيس منتدى غاز شرق المتوسّط (The East Mediterranean Gas Forum). بناءً على رؤيتها، تجيب هذه الهيئة على الحاجات الجيو-استراتيجيّة، وتعكس أهميّة المتوسّط في الحفاظ على "الأمن القوميّ" لهذه الدول. بحسب الدول المشتركة، يشكّل المنتدى إطاراً إقليمياً يطمح إلى تطوير حقول الغاز الطبيعيّ في البحر الأبيض المتوسّط، وخلق "تعاون استراتيجي إقليمي" يؤدي إلى تعزيز الاعتراف بأهمية العلاقات التعاونيّة في هذه المنطقة، تحديداً لدى الدول العربية. كما تهدف إلى تقوية العلاقات البشرية والمدنية بين مجتمعات هذه الدول، واستمرار تعزيز مفهوم المساحة الإقليمية المشتركة.

 

أنابيب تمتد إلى أوروبا

في بداية شهر يناير/كانون الثاني 2020، وقّعت "إسرائيل" اتفاقية غاز "EastMed" مع اليونان وقبرص. وتنص الاتفاقيّة على نقل 10 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى أوروبا، حيث سيتدفق الغاز من الخضيرة وصولاً إلى قبرص ومن ثم إلى اليونان، عبر أنبوب يصل طوله إلى 1900 كم.

تقود المشروع شركة "بوسيدون" (IGI Poseidon) المؤلّفة من تحالف شركتين يونانيّة وإيطاليّة. وستعمل الشركة على إنجاز خطوط الأنابيب في إطارٍ زمنيّ لا يتعدّى العام 2025، وبتمويل المشروع الذي يصل إلى 6 مليار يورو. وكانت شركة "إنرجيان" البريطانيّة، التي تملك حقلين من حقول الغاز، أولى الشركات الموقّعة على اتفاقيّات تصدير مع شركة الكهرباء اليونانيّة.

واعتبر رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو توقيع الإتفاقيّة "يوماً تاريخيّاً بفضل التعاون بين اليونان، قبرص وإسرائيل" وقال نتنياهو في خطاب توقيع الاتفاقيّة إنّ "تحالف الشرق الأوسط، والذي يُشكل تحالفاً اقتصاديّاً وسياسيّاً، ويعزِّز الأمن والاستقرار في المنطقة، ليس تحالفاً بمواجهة مع أحد، بل من أجل القيم ولصالح مواطني دولنا"، على حد تعبيره.

إلا أنّ الأطماع الإسرائيليّة بمدّ القارّة الأوروبيّة بالغاز تتعدّى الدولتين الصغيرتين؛ بموجب مصادر صحافيّة، فإن خطوط الأنابيب قابلة للتطوير بما يتيح لـ "إسرائيل" أن تزوّد حتّى 10% من احتياجات الاتحاد الأوروبيّ للغاز الطبيعيّ. وقد استغلّت "إسرائيل" عدّة مناسبات لدعوة الدول الأوروبيّة للانضمام للاتفاقيّة، منها مراسيم إحياء الذكرى الـ 75 للمحرقة، حيث اجتمع نتنياهو بالرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون، ودعاه للانضمام إلى تحالفات الغاز في المنطقة.

من جهةٍ أخرى، تتعثّر حتى اللحظة المساعي الإسرائيليّة لضمّ إيطاليا إلى الاتفاقيّة. إذ تراجعت الحكومة الإيطاليّة قُبيل توقيع الاتفاقيّة. أثناء زيارته لتركيّا، أعلن وزير الخارجيّة الإيطاليّة، لويجي دي مايو، أنّ خط الانابيب المزمع إقامته "لا يستطيع أن يوفّر حلاً على المدى المتوسّط والطويل من حيث تكاليفه ومسار بنائه".

ويدعم الاتحاد الأوروبيّ إمدادَ الغاز الإسرائيليّ سعياً إلى تقليل اعتماده على روسيا في مجال الطاقة.  كذلك تنسجم المساعي الإسرائيليّة مع توجّه الاتحاد نحو توفير مصادر طاقة خضراء ومستدامة وآمنة متعدّدة وبأسعار معقولة. لذلك وفّر الإتحاد دعماً ماديّاً من ميزانيّته، فالمشروع بالنسبة له "غاية مشتركة" لتوفير بُنى تحتيّة تربط أجهزة الطاقة الأوروبيّة ببعضها البعض. 

هكذا إذاً، تستغل "إسرائيل" فرصة نهب موردٍ طبيعيٍّ من بحرنا لتراكم الأرباح الماديّة وتعزّز موقعها سياسيّاً واستراتيجيّاً في العالم. تصدير الغاز الإسرائيليّ، للدول العربيّة قبل الأجنبيّة، في ظلّ احتفاليّة "الطاقة الخضراء" والمحافظة على البيئة، وبشراكة من الشركات الخاصّة حول العالم، يدرّ أرباحاً تُوظّف كلّها لتمكين الكيان الصهيونيّ، وتعميق قمع وسلب الشعب الفلسطينيّ جميع مقوّمات الحياة الماديّة والمعنويّة.