9 ديسمبر 2021

"القدس نادتني".. دور أبناء المدينة في الانتفاضة الثانية

"القدس نادتني".. دور أبناء المدينة في الانتفاضة الثانية

لم ينقضِ نهارُ 29 سبتمبر/ أيلول 2000، حتى عمَّت المواجهاتُ فلسطين المحتلة. سبعةُ شهداء ومئات الجرحى سكبوا دماءهم في ساحات المسجد الأقصى بعد أن دنَّسَه المجرم أرئيل شارون. أشعلت المواجهاتُ التي اندلعت في الأقصى، ثمَّ في القدس المحتلة، الانتفاضةَ الثانيةَ، أحد أطول المواجهات وأقساها بين قوّات الاحتلال والشعب الفلسطينيّ، وفجّرت ما تراكمَ من ظروفٍ سياسيّةٍ وأمنيّةٍ وعسكريّةٍ، كانت تقول بوضوحٍ إنَّ انتفاضةً تلوحُ في الأفق.

على مدار سنواتِ الانتفاضة الثانيّة، تنوّعت أشكالُ مشاركة القدس بين الحراك الجماهيريّ بالمسيرات على الحواجز العسكريّة، واستهداف قوّات الاحتلال بالزجاجات الحارقة وغيرها من الأعمال الفدائيّة الشعبيّة، ولاحقاً بالمشاركة في العمل العسكريّ مع مختلف الفصائل. 

فيما حافظت ساحاتُ المسجد الأقصى على عادتها في تثوير المدينة، وشكّلت سياسات الاحتلال في التضييق على المصلين أيام الجمع خاصّةً، فرصةً لاندلاع المواجهات وتجديدها. وخلال تلك السنوات، تصدّرت عدةُ قرى وأحياء مقدسيّة مسارَ المواجهة في المدينة، أبرزها مخيم شعفاط، والعيسوية، والطور، ورأس العامود، وسلوان، وصور باهر، والبلدة القديمة.1 راجعوا: أبو عرفة، خالد (2017)، المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي في بيت المقدس 1987 - 2015، مركز الزيتونة للدراسات، ص92.

أما عسكريّاً، فقد حضرت مدينة القدس في الانتفاضة الثانية إما من خلال: المشاركة المباشرة في العمليات الفدائيّة والتخطيط لها، أو الإسناد اللوجيستيّ للمقاومين من الضفّة الغربيّة، كنقل الاستتشهاديّين إلى أهدافهم أو استئجار شققٍ لهم وتأمين ملابس تنكريّة، أو نقل المتفجّرات إلى الأراضي المحتلة عام 1948 أو القدس. في هذا المقال سردٌ وتوثيقٌ لأبرز معالم المشاركة المقدسيّة في الجهد العسكريّ خلال الانتفاضة الثانيّة.

خلايا إطلاق نار

بداية الانتفاضة، بادرَ فلسطينيّون من القدس لتشكيل خلايا لتنفيذ عملياتٍ ضدَّ أهداف الاحتلال. في صور باهر جنوب المدينة، وتحديداً عام 2001، اعتقل الاحتلال مالك بكيرات وإسماعيل عفانة. بعد أسابيع من التحقيق والتعذيب، وجَّهَت سلطاتُ الاحتلال عدّة تهمٍ لهما، بينها تشكيلُ خليّةٍ عسكريّةٍ والتخطيط لتنفيذ عمليات إطلاق نار ضدّ عناصر أمن الاحتلال في المستوطنات المحيطة بقريتهما. صدر بحقّ بكيرات حكمٌ بالسجن لـ19 عاماً، وعلى عفانة بالسجن لـ18 عاماً.

فلسطينيات في اعتصام أمام مكتب الصليب الأحمر للمطالبة بالإفراج عن أقربائهنّ في سجون الاحتلال. تظهر في أياديهن صور عدد من الأسرى السابقين: مالك بكيرات، ومجد بربر. 26 مارس/آذار 2019 (تصوير فايز أبو رميلة / وكالة الأناضول).

من أبرز العمليات التي نفّذتها خلايا المقاومة في القدس المحتلة، كانت لمجموعة من كتائب شهداء الأقصى، ضمَّت فراس صادق الحتاوي، وحسام شحادة، ومحمد عبد الله. اتَّهم الاحتلال الأسرى الثلاثة بالمسؤوليةِ عن عمليات إطلاق نارٍ في الحي الاستيطانيّ جفعون ومستوطنة جفعات زئيف شمال غرب القدس، وقرب محطة وقودٍ إسرائيليّة، وأسفرت العمليات عن مقتل تسعة مستوطنين. تقول لوائحُ الاتهام التي وجَّهتها سلطاتُ الاحتلال للأسرى الثلاثة الذي حُكموا بالمؤبدات، إنَّ علاقةً تنظيميّةً ربطتهم مع القائد في حركة "فتح"، مروان البرغوثي، ومساعده حينها، الأسير حالياً أحمد البرغوثي، وإنّ الخليّة تكلّفت بإدخال مقاومين إلى القدس عن طريق بطاقات هويّة مزوّرة.

اقرؤوا المزيد :"مروان البرغوثي.. التأرجح على خلافات فتح".

خاضت خلايا أخرى تجربة عمليات إطلاق النّار، من بينها خليّة للجبهة الديمقراطيّة لتحرير فلسطين نشطت في بلدة العيساوية شمال شرق المدينة. اتهمت مخابرات الاحتلال حسين درباس وحمزة درباس وعبد الرحمن محمود، بالمشاركة في عمليات إطلاق نار، استهدفت حافلات المستوطنين المتوجهة من مستوطنة معاليه أدوميم إلى مركز القدس، وحرّاسَ أمنٍ في الجامعة العبريّة. حكم الاحتلال على حسين بالسجن لمدة 25 عاماً، وعلى حمزة بالسجن 20 عاماً، وعلى عبد الرحمن 17 عاماً. 

ومن بين مجموعات الجناح العسكريّ للجبهة الديمقراطيّة، نشط الأسير سامر العيساوي، الذي حكم عليه لاحقاً بالسجن 30 عاماً، بتهمة المشاركة في إطلاق نارٍ على حافلةٍ للمستوطنين. تحرّر في صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011، ثمّ أعاد الاحتلال اعتقاله لاحقاً. 

قال سنشدُّ عضدك بأخيك

عدا عن التخطيط والتنفيذ، فإنّ المناضلين من مدينة القدس ساهموا خلال سنوات الانتفاضة بشكلٍ واضحٍ في تقديم الدعم اللوجيستيّ للخلايا العسكريّة الناشطة في الضفّة الغربيّة. أبرز مظاهر ذلك تأمينُ قنوات عبور الفدائيّين والاستشهاديّين إلى المدينة وأراضي الـ48، وذلك على تخوم المُتاح من هوامش التهرّب من الإجراءات الأمنيّة التي فرضتها المنظومةُ الأمنيّة الإسرائيليّة آنذاك.

تشيرُ إحصائيات إلى أنَّ قوات الاحتلال اعتقلت خلال سنوات الانتفاضة الثانيّة، ما يقارب 150 فلسطينيّاً من القدس، بتهمٍ تتعلق بتقديم مساعداتٍ والمشاركة في عملياتٍ عسكريّةٍ للمقاومة، وتقول إنَّ فلسطينيّي القدس شاركوا في 20 عملية استشهاديّة في المدينة وأراضي الـ48، أسفرت عن مقتل 163 مستوطناً وإصابة أكثر من ألف.2 انتفاضة الأقصى، تقويم وقراءة سياسية، عدنان إدريس، مركز الفكر العربي الإسلامي، 2008.

اقرؤوا المزيد: "كيف تحضر انتفاضة الأقصى فينا الآن؟"

في سبتمبر/أيلول 2002، هزّ دوي انفجار تل أبيب، أدّى لمقتل 6 مستوطنين وإصابة آخرين. كان المنفذ هو الاستشهادي إياد رداد، وفي الظلّ يقف أشرف زغير، من القدس، والذي كان مسؤولاً عن نقل رداد إلى موقع العملية بعد رصده. في لائحة الاتهام، يقول الاحتلال إنَّ أشرف كان على علاقة تنظيمية مع القائد محمود شريتح، الذي كان حينها مطارداً في رام الله. وبعد عملية الشهيد رداد، كُلِّف أشرف بتوصيل استشهاديٍّ آخر إلى تل أبيب، لكن خللاً منع تنفيذ العملية، واعتقل زغير لاحقاً وحكم عليه بالسجن المؤبد 6 مرات.

ومن بين التجارب في مساعدة الاستشهاديين للوصول إلى أهدافهم، شاركت المقدسيّة سناء شحادة مع قاهرة السعدي من جنين، في نقل الاستشهادي محمد حشايكة. في مارس/آذار 2002 نفّذ حشايكة عمليةً استشهاديّة في قلب القدس أدّت لمقتل 3 مستوطنين وإصابة آخرين. بعد ما يقارب الشهرين، اعتقلت قوات الاحتلال سناء وقاهرة، ووجّهت لهما تهمة توصيل حشايكة، بتوجيه من القائد في كتائب شهداء الأقصى، عبد الكريم عويس، والذي حُكم لاحقاً بالسجن المؤبد عدة مرات. (أفرج عن قاهرة وسناء في صفقة وفاء الأحرار، عام 2011).

خطّ الخليل - القدس 

في أغسطس/ آب 2003 أسفرت العمليةُ التي نفّذها الاستشهاديّ رائد مسك من الخليل، في حافلةٍ إسرائيلية في القدس، عن مقتل 21 مستوطناً. بعد أسابيع من العملية، أعلنت مخابراتُ الاحتلال عن اعتقال خليّةٍ مكوّنةٍ من عبد الله الشرباتي، ونسيم الزعتري، ومجدي الزعتري، من القدس، بتهمة تقديم مساعدة للشهيد مسك في الوصول إلى الهدف. 

تقول لوائح الاتهام التي قُدّمت ضدّهم إنّهم نُظِموا من قبل قيادة "كتائب القسّام" في الخليل، وإنّ من أهداف الخلية التي قادها نسيم: تحديدُ مواقع إسرائيليّة في القدس لاستهدافها، وتأمين نقل الاستشهاديين من الخليل إلى القدس وتأمين المبيت لهم. نقلت الخلية مسك من الخليل إلى القدس، وتوّلت إخفاء الحزام الناسف، ثم اشترت له ملابسَ لتخفي هويّته، ونقلته لاحقاً إلى الحافلة المقصودة لتفجيرها. 

ترتبط الخليل بالقدس بروابط اجتماعيّة وعائليّة ممتدة، وقد انعكس ذلك على العلاقات والتعاون بين مجموعات المقاومة. ومن ذلك، ما وُجّه من تهم للأسير عمر صالح الشريف من القدس (محكوم بالسجن 18 مؤبداً)، إذ اتهمه الاحتلال بالتواصل مع باسل القواسمي، أحد قادة المقاومة في الخليل (استشهد في سبتمبر/ أيلول 2003)، وقد طلب منه الأخير رصد حافلات إسرائيليّة لا يستخدمها الفلسطينيون، ونقل استشهاديّين إلى القدس. ومن بين التهم الموجهة للشريف، نقله للاستشهادي عبد المُعطي شبانة إلى القدس، حيث نفّذ عملية استشهاديّة في حافلةٍ للمستوطنين، بتاريخ 11 تموز/يوليو 2003،  أدّت لمقتل 18 مستوطناً وإصابة 105 آخرين. 

اقرؤوا المزيد: "حُذف من التاريخ.. فلسطينيو الداخل والمقاومة المُسلّحة".

في 16 يونيو/حزيران 2003، اعتقل الاحتلال إياد المهلوس، وباسم جابر، وعلي دعنا من القدس، ثم اتهمهم بتقديم مساعدة للأسير عمر شوربجي لتنفيذ عملية طعن في "تل أبيب"، أدت لمقتل وإصابة عدد من المستوطنين. حُكِم على إياد بالسجن المؤبد، وعلى عليّ بالسجن لمدة 20 عاماً، وعلى باسم بالسجن لمدة 25 عاماً، بتهمة الانتماء لـ"كتائب شهداء الأقصى" والمساعدة في تنفيذ عملية.

وبالحديث عن "كتائب الأقصى"، فقد ركّزت الأخيرة على عمليات إطلاق النّار. ومنها عملية نفّذها الشهيد ابراهيم حسونة من غزّة، في الخامس من مارس/ آذار 2002، في تل أبيب، أدّت لمقتل 3 مستوطنين. تقول لوائح الاتهام التي أصدرها الاحتلال، لاحقاً، إنَّ حسونة الذي كان يسكن في مخيم الأمعري قرب رام الله، وصل إلى القدس مع مراد العجلوني. العجلوني الذي يحمل بطاقة إقامة إسرائيليّة كان مُكلَّفاً من "كتائب شهداء الأقصى" بتوصيل حسونة إلى مستوطنة بسغات زئيف شمال القدس، لتنفيذ عملية إطلاق نار، لكنَّ العجلوني قرر بعد أن لاحظ إجراءاتٍ أمنيّة مشددة في المنطقة، تحويل العملية إلى تل أبيب.

وكانت أبرز عملية اغتيالٍ في الانتفاضة الثانيّة نُفّذت في القدس. بعد 40 يوماً من اغتيال الاحتلال لأمين عام "الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين"، أبو علي مصطفى، ردّت خليّة من الجبهة في أكتوبر/تشرين الأول 2001، باغتيال وزير السياحة في حكومة الاحتلال، رحبعام زئيفي، في فندقٍ بالقدس. بحسب لائحة الاتهام التي وُجهّت لاحقاً لنشطاء من "الجبهة الشعبيّة"، فقد شارك لؤي عودة من القدس في الدعم اللوجستيّ للخلية، إذ استأجرت الخلية مركبةً إسرائيليّة على اسمه واستخدمتها في عملية رصد الطريق للخلية. كذلك اعتقل الاحتلال مجموعاتٍ أُخرى للجبهة الشعبيّة من القدس، بتهمة إدخال سياراتٍ مُفخخة إلى المدينة، منهم سائد سلامة، ومجد بربر، ومحمد الغول، وعلاء العلي.

سلوان: الخلية الأخطر 

ومن بين خلايا القدس التي نشطت في تنفيذ العمليات وفي تقدم الدعم اللوجيستيّ معاً، الخلية المعروفة بـ"خلية سلوان"، لأنّ كلّ أفرادها من سلوان، جنوب القدس، والتي تُصنّفها سلطات الاحتلال على أنّها الخليّة الأخطر في تاريخ المقاومة في فلسطين. في يناير/ كانون الثاني 2002، كانت فاتحةُ العلاقة بين محمد عرمان، القائد في "كتائب القسّام"، ووائل قاسم من سلوان، وكلاهما يقضيان الآن أحكاماً بالسجن المؤبد عدة مرات في سجون الاحتلال. 

محمد حسن عرمان (يمين) في محكمة الاحتلال العسكرية بعوفر، 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2003 قبل أن يحكم عليه بالسجن المؤبد 36. AFP PHOTO / Brian HENDLER

كان أول عملٍ عسكريّ تكلّفت به الخلية اغتيالُ ضابطٍ من شرطة الاحتلال، يسكن في مستوطنة بسغات زئيف. اتفق عرمان، كما يقول في مذكراته "مهندسو الموت"، مع وائل قاسم، على مراقبة الهدف، على أن يشتركَ في المهمة مع وسام العباسي. سلّم عرمان الخليّة عبوةً ناسفة ليتم تفجيرها عن طريق جهاز تحكمٍ عن بُعد، لكن تبين لاحقاً أنَّ خللاً لحق بجهاز التحكم عن بُعد، ففشلت العملية.3راجعوا: "مهندسو الموت، محمد عرمان

بعد المجزرة التي ارتكبها الاحتلال بحقّ عائلة القيادي في "حماس" حسين أبو كويك، في مارس/ آذار 2002، وأدَّت لاستشهاد زوجته بشرى وأطفاله الثلاثة، وذلك بقصف المدفعيّة الإسرائيلية لمركبتهم في رام الله، قررت المقاومة الانتقام. يروي عرمان أنّه اجتمع مع القائد إبراهيم حامد، ورُتِّب لقاءٌ بين الاستشهادي فؤاد الحوراني من مخيم العروب، ووائل قاسم الذي تكلّف بمهمة نقله من مسجد بلدة بيت حنينا شمال القدس، إلى الهدف المُحدد لضربه. نقل وائل قاسم بمساعدة وسام العباسي الاستشهادي الحوراني إلى مقهى "مومنت" في القدس، وأدّت العملية لمقتل 11 مستوطناً.

ولاحقاً، نقل قاسم والعباسي الاستشهادي محمد جميل من قرية بدو شمال غرب القدس عبر أحراش قرية لفتا المهجّرة، ثمّ إلى مستوطنة ريشون لتسيون، لتنفيذ عملية داخل نادٍ رصده في وقتٍ سابق وسام العباسي مع علاء العباسي أحد أفراد الخلية، وأوقعت العملية وفقاً للاحتلال 15 قتيلاً بين المستوطنين.

أحد العمليات "الخطيرة" التي نفّذتها الخلية، كانت في الجامعة العبريّة في القدس، وذلك بعد اغتيال الاحتلال للقائد في كتائب القسّام، صلاح شحادة في غزّة. زرع محمد عودة، عضو رابع في الخلية، عبوةً في كافتيريا الجامعة، وكانت الحصيلة تسعة قتلى و90 إصابة بين المستوطنين.

بعد اعتقالهم، تعرّض أفرادُ الخليّة لتحقيقٍ قاسٍ من قبل مخابرات الاحتلال، ثمّ أصدر الاحتلال على الأسير وائل قاسم حكماً بالسجن المؤبد 35 مرةً و40 عاماً إضافياً، وعلى وسام العباسي 26 مؤبداً و40 عاماً إضافيّاً، وعلى محمد عودة بالسجن المؤبد 9 مرات و40 عاماً، وعلى علاء العباسي بالسجن لمدة 60 عاماً.

عمال إنقاذ ورجال شرطة إسرائيليون يعملون في موقع انفجار في مقهى فرانك سيناترا في الجامعة العبرية في 31 يوليو / تموز 2002 في القدس بإسرائيل. (تصوير Quique Kierszenbaum / Getty Images)

تاريخ لا ينقطع في المواجهة

شكّل انخراطُ فلسطينيّي القدس في العمل العسكريّ بانتفاضة الأقصى حلقةً من تاريخٍ طويل؛ منذ الخلايا الأولى للمقاومة ضدّ الاحتلال البريطاني، ثمّ المعارك التي خاضتها تشكيلاتُ المقاومة في المدينة ضدّ المجموعات القتاليّة الصهيونيّة، فمنعت سقوط بقية المدينة بعد احتلال المنطقة الغربيّة منها في حرب النكبة، ولاحقاً في "النزلات" التي نفّذها فدائيون من المدينة وقراها على مستوطنات الاحتلال. ثمّ تجدّد هذا التاريخُ بعد حرب 1967، والخلايا العسكريّة التي تناوبت على العمل ضدّ الاحتلال حتى اندلاع الانتفاضة الثانيّة، مثل خلية الأسير سمير أبو نعمة، والخلايا التي شاركت في خطف نحشون فاكسمان، وعمليات الأسرى علاء البازيان، وأيمن الشرباتي، ومحمود عيسى، والمحررين ماجد أبو قطيش، ومحمود عطون، وموسى عكاري، وغيرهم.

وبعد الانتفاضة الثانيّة، تجدّدت ساحات المواجهة في المدينة باستشهاد الفتى محمد أبو خضير عام 2014، وما تلا ذلك من هبّة شعبيّة. ثمّ تعدّدت هبات القدس، خلال السنوات الماضية، فهبّة باب الأسباط 2017، وهبّة مصلى باب الرحمة 2018، وصولاً إلى هبّة باب العامود والشيخ جراح عام 2021 ومعركة "سيف القدس"، وما بين ذلك من عملياتٍ فرديّةٍ ونقاطِ تماس ساخنة. في كلّ المراحل تلك، كانت القدس ساحة رئيسة في المواجهة مع الاحتلال، وأصبحت بقية فلسطين المحتلة، داعماً لها في هباتها الشعبيّة.