29 نوفمبر 2020

من يبيع الفلافل أيضاً.. عن مُلاحقة العمل الطلاّبي في "بيرزيت"

من يبيع الفلافل أيضاً.. عن مُلاحقة العمل الطلاّبي في "بيرزيت"

ما بين أغسطس/ آب 2019 وحتّى يونيو/ حزيران 2020، اعتقلت قوّات الاحتلال الإسرائيلي ما يزيد عن الـ 75 طالباً وطالبة من جامعة بيرزيت، شمال رام الله. طالت هذه الاعتقالات بالأساس طلبةً نُسبت إليهم تهمة الانتماء لكتلة "القطب الطلابي الديمقراطي"، وكوادر من "الكتلة الإسلاميّة".  

اتّهم الاحتلال بعض الطلبة المعتقلين بأنّ لهم دوراً في عمليّة "عين بوبين"، التي اتهمت بتنفيذها خليّة تابعة للجبهة الشعبيّة في أغسطس/ آب من العام الماضي، كما اتُهمت الخليّة ذاتها بتنفيذها عمليّتين إضافيّتين في وقتٍ سابق. أمّا الاعتقالات التي طالت طلبةً من الكتلّة الإسلاميّة، فجاءت إثر إدعاء الاحتلال كشفه خليّة في إبريل/ نيسان كانت تنوي تنفيذ عمليّة في استاد "تيدي" في القدس. 

لكثرة أعداد المُعتقلين وتعرّض بعضهم للتعذيب القاسي والتحقيق العسكري، بدت الحملة التي طالت الحركة الطلابيَّة، ومن خلفهم الجبهة الشعبيّة، كأنّها محاولة لاجتثاثهما. إذ لم تقتصر الاعتقالات على الناشطين في الصفوف الأولى من العمل الطلّابي، بل طالت أيضاً من هُم على مسافةٍ بعيدة منه. كما تنوّعت التُهم التي وُجِّهت إليهم، بين تُهمٍ بالمشاركة في نشاط عسكريّ، والمُشاركة في نشاطات خدماتيّة داخل الجامعة. 

توجّ هذا الاستهداف للعمل الطلابيّ بأن اعتبرت "إسرائيل" في أغسطس/ آب من العام الحالي القُطب الطلّابي "مُنظمة غير مشروعة/ إرهابيّة". ليس القُطب هو الوحيد الذي صُنّف كذلك، فالكُتلة الإسلاميّة لحقها هذا التصنيف عام 1992، بوصفها جزءاً من حركة "حماس"، وذلك ضمن جهود "إسرائيل" في تفكيك البنى التربوية التي تُساهم في إعداد كوادر الحركة. ما يعنيه ذلك، على المستوى العمليّاتي، أنّ "إسرائيل" لم تعد بحاجة إلى فعلٍ مُعيّن حتّى تعتقل الطالب المُنتمي إلى إحدى الكُتلتين أعلاه، بل يكفي الانتماء لواحدة منهما. من الواضح إذاً أنّ الحركة الطلابيّة في جامعة بيرزيت مصدر قلقٍ بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي. السؤال هو: لماذا؟ 

لماذا تُستهدف الحركة الطلابيّة في بيرزيت؟

ليس استهداف "إسرائيل" النشاط الطلابي في جامعة بيرزيت أمراً حديثاً. ثمّة قائمة بـ29 شهيداً من طلبة الجامعة تفصح عن ذلك. أوّلهم شرف الطيبي الذي استُشهد عام 1984، وآخرهم محمد أبو غنّام الذي استُشهد عام 2017. وفي الانتفاضة الأولى على سبيل المثال، أغلقت قوّات الاحتلال الإسرائيلي جامعة بيرزيت 15 مرّة. استمرّ آخر إغلاق لمدّة أربع سنوات ونصف منذ 1988 وحتّى 1992، وذلك في محاولة من الاحتلال لسدّ الطريق أمام الحركة الطلابيّة، والتي أمدّت الانتفاضة الأولى بالكثير من الفاعلين والمناضلين.

إضافة إلى ذلك، برز دور الحركة الطلابيّة من خلال تخريجها لفوج مقاومٍ من الطلبة، منهم: فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الإسلامي، يحيى عيّاش مُهندس المُتفجّرات وقائد كتائب القسّام، مروان البرغوثي الذي قاد عدداً من عمليّات كتائب شهداء الأقصى أثناء الانتفاضة الثانية، عاهد أبو غلمة الذي خطّط ودرّب خليّة من الجبهة الشعبيّة اغتالت وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي. 

إقرؤوا المزيد: الشهيد خليل الشريف.. حكاية توديع اللغة.

بعيداً عن العمل العسكري، نشطت الحركة الطلابيّة في بيرزيت نقابيّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً، سواء داخل أسوار الجامعة أو خارجها. وفي البداية، علينا ألا ننسى أنّ جامعة بيرزيت من الجامعات القليلة التي تنشط فيها الحركة الطلابيّة باستقلاليّة عالية، وتجري فيها انتخابات مجلس الطلبة بشكلٍ دوريّ. مكّنها ذلك من الحضور بشكلٍ دائم في المشهد السياسي، ومن تصدّر العديد من الفعاليّات.

يتلخّص حضور الحركة الطلابيّة داخل أسوار الجامعة بالعمل الخدماتي والنقابي الذي يخدم الطلبة، وإقامة النشاطات في مُناسبات سياسيّة واجتماعيّة مُتعدّدة، وإعلان الفعاليّات والوقفات الاحتجاجيّة، وكذلك خوض إضرابات تحقيقاً لمطالب نقابيّة.

أمّا خارجها، لعبت الحركة الطلابيّة أدواراً مُتقدّمة عن غيرها في الشارع الفلسطيني. فمن جامعة بيرزيت كانت تخرج الحافلات نحو مستوطنة "بيت إيل" حاملةً الطلبة المتجهين إلى نقاط التماس، اعتراضاً على سياسات الاحتلال الجائرة بحقّ الشعب الفلسطيني، فتخرج نصرة للأسرى المُضربين عن الطعام، وتخرج نُصرةً لأهالي القُدس في هبّة "باب الرحمة"، وتُشعل الشارع في "هبّة القدس"، وتحتج على استشهاد فلسطينيّ. كذلك، تصدّرت الجامعة وقفاتٍ ومُظاهرات عديدة، مثل: مُشاركتها الفاعلة في حراك "ارفعوا العقوبات"، الذي طالب السُلطة الفلسطينيّة برفع العقوبات عن قطاع غزّة.  

لأجل دور الحركة الطلابيّة هذا، لا يمرّ فصلٌ دراسيّ إلا ويتعرض فيه طلبة الجامعة للاعتقالات والاستدعاءات لدى الاحتلال الإسرائيلي، حتّى وصل الأمر إلى اقتحام قوّة من المُستعربين لاعتقال رئيس مجلس الطلبة السابق في الجامعة، عمر الكسواني. ناهيك عن المُضايقات التي تتعرّض لها الجامعة من قبل الاحتلال، والضغوطات التي تتعرّض لها من الجهات المانحة، والذي يُرجّح أنّهما كانا السبب وراء إصرار إدارة الجامعة على الحركة الطلابيّة لتوقيع اتفاقيّة تمنع مظاهر "العسكرة" داخل الجامعة العام الماضي.  

اقرؤوا المزيد: انتخابات بيرزيت.. دعاية دون "عسكرة".

مُلاحقة سندويش الفلافل

في الحملة الأخيرة، والتي استهدفت القطب الطلّابي تحديداً، قلّة هم الطلبة الذين اعتقلوا على تُهم "كبيرة"، كالاشتراك أو الضلوع في تنفيذ- ومحاولة تنفيذ- عمليّة ضد إسرائيليين. أمّا الأكثرية، فلقد اعتقلتهم "إسرائيل" على تُهم بسيطة، لم تستدعِ الاعتقال في السابق. فمثلاً، وجّه الاحتلال للطالبة ليان كايد، التي اعتُقلت في يونيو/ حزيران من العام الحالي- ضمن عدّة تُهم- تُهمةَ المُشاركة في نشاط بيع للفلافل كان قد نظّمه القُطب الطلابي في الجامعة. التُهمة ذاتها وُجهت إلى آخرين، إضافة إلى المُشاركة في ندوة، وبيع الكتب والقهوة للطلبة في نشاط خدماتي داخل الجامعة.

حول ذلك، يقول وسام رفيدي، الباحثُ والمُحاضر في جامعة بيت لحم إنّ المخابرات الإسرائيليّة كثيراً ما تصل إلى "حالة من الإفلاس، فتُضخّم مسألة ما، وتتعامل معها بحديّة وجديّة عالية، ثم تأتي التُهم بسيطة لا تتناسب مع حجم الحملة وحِدّتها". 

بالتالي، ليس من المُهم بالنسبة لـ "إسرائيل" النشاط نفسه (إن لم يكن عسكريّاً) بقدر ما يهمّها الإطار الذي يضمّ هذا النشاط وما يحمله من معانٍ سياسيّة يراها العدو مُعادية له. عن ذلك يتحدّث المُحامي عدنان عودة، فيقول: "عندما يكون النشاط ضمن إطار "غير قانوني" -حسب التعريف الإسرائيلي- فهنا تتم المحاسبة، لا على النشاط نفسه، إنما على صلة النشاط بذلك الجسم. وهذا كثيراً ما يتكرر في حالة بعض الكتل أو المؤسسات أو الأحزاب المحظورة، إذ تُوجه تهم للمنتمين إليها، أو لأي شخص قدّم أيّ خدمة لهذا الجسم، حتى لو كانت الخدمة مساعدة في بيع كتب ضمن معرض ما. بمعنى أنّ هذه التهمة ليست الوحيدة وليست استثنائية، ولكنها تدلل على سياسة متّبعة من أجل ردع الجميع".

السقف المُرتفع.. هل يبقى مُرتفعاً؟

رُبّما تحاول "إسرائيل" من ذلك خفض سقف العمل الطلّابي إلى حدوده الدُنيا، فبعد أن كانت تعتقل الطلبة حسب نوع النشاط الذي يقومون به، بات لديها اليوم القدرة على اعتقالهم على الفاعليّة نفسها. وإنّ كنّا نتحدّث عن ضرورة استرجاع الحركة الطلابيّة للعمل النقابي الذي امتازت به تاريخيّاً، فإنّه، ومع استمرار وضعيّة كهذه سنصير نُطالب بتثبيت العمل الخدماتي. 

إنّ السلاح الأساسي الذي تستخدمه "إسرائيل" في ذلك هو بثّ الخوف والرعب في صفوف الطلبة الناشطين وصفوف الحركة الطلابيّة. فيحظر الاحتلال التجمّعات الفاعلة للنشاط الطلّابي، ويستدعي بعضهم لمُقابلات، ويعتقل البعض الآخر على تُهمٍ شتّى، ويستثمر في سمعته المُتداولة حول قساوة التحقيق، محاولاً خنق مُمكنات أي نشاط، حتّى لو كان نشاطاً يقصد خدمة الطلبة والتسهيل عليهم في الحياة الجامعية.

تسعى "إسرائيل" في نهاية المطاف إلى القضاء على النشاط الطلابيّ، فهو من الفواعل القليلة والمُتبقّية في الشارع الفلسطيني، بعد أن تعطّلت فاعليّة الأحزاب السياسيّة. أمّا السؤال الذي يتراود إلى الذهن: هل يبقى سقف العمل الذي شيّدته الحركة الطلابيّة على مدار السنوات مُرتفعاً، أم تنجح حملات الاحتلال المُتتالية والشرسة في تخفيضه أكثر وأكثر؟ الجواب رهين المُستقبل.