بالتزامن مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تتأهّب الجماعات الاستيطانية لبدء عهدٍ استيطانيٍّ جديد لابتلاع الأرض الفلسطينيّة، مستغلةً جملة قوانين حكوميّة واعترافات دولية، وأنماط إدارة موزّعة بين مستويات مدنية وعسكرية تجعل من الضفة امتداداً لا يمكن فصله عن المركز الإسرائيليّ، ومن سُكّانها حاضنة جاذبة لأجيالٍ جديدة من "المهاجرين" اليهود من مختلف أنحاء العالم.
في هذا السياق، تسلط السطور التالية الضوء على "حُلم المليون مستوطن"، أحد أبرز المشاريع الصهيونية التي تصدّرت المشهد أخيراً. نستعرض تاريخ هذا الحلم، وكيف تطوّر عبر العقود، والخطط الإسرائيلية التي تدعمه، وآليات تنفيذه على المستويات الحكومية والمدنية والجماهيرية، حتى يصبح واقعًا ملموسًا على حساب الوجود الفلسطيني، بين عامي 2030 و2033.
أحلام قديمة "لا تموت"
بعد احتلال "إسرائيل" الضفة الغربية وقطاع غزة منتصف عام 1967، تسارعت وتيرة مشاريع الاستيطان في الأراضي المحتلة. في مرحلتها الأولى، اختلفت ملامح الاستيطان عمّا نراه اليوم؛ إذ قادها حزب العمل الإسرائيلي، وركزت على الأمن بدل التوسّع الجغرافي. اقتصر عدد المستوطنات حينئذ على خمس مستوطنات صغيرة المساحة وقليلة السكان، قامت على رؤية أمنيّة صرفة، واتّخذ تصميمها مبدأ "حوما فمغدال"، الذي يمزج بين الطابع الزراعي والهدف العسكري، ويمكن من خلاله مراقبة محيط المستوطنة بفاعلية، وأعطت هذه المستوطنات لحمايتها وتحصينها أولويّة على حساب تطوير بنيتها العمرانية والهندسية.
ونتيجة انتعاش الاقتصاد وسوق الأعمال في المركز والساحل، ووجود مستوطنات أكثر جذباً اقتصادياً وجغرافياً في منطقة الجليل وشمال فلسطين، لم تحظ مستوطنات الضفة الغربية في بداية نشأتها بنسبةٍ معتبرةٍ من السُكّان الذين واجهوا أيضاً نمطاً من التمييز من قبل مستوطني الأرض المحتلة عام 1948، مع ارتفاع نسبة المتدينين فيهم، ما أدّى إلى تقوقعهم وانكفائهم اجتماعياً، ورغم ذلك ارتفع عدد المستوطنات في السّنوات العشر الأولى إلى 38 مستوطنة يعيش فيها 1900 مستوطن.
وبعد مرور عشر سنوات، خلال الثمانينيات، قفز عدد المستوطنين إلى قرابة الـ50 ألفاً، يعيشون في أكثر من 100 مستوطنة.

في عام 1977، ومع وصول حزب الليكود إلى السلطة، قدّم رئيس دائرة الاستيطان في المنظمة الصهيونية، متتياهو دروبلس، رؤية طموحة "مليون مستوطن في الضفة الغربية"، ودعم مشروعه بمخطط زمني يمتد لـ 13 عاماً (1979-1993)، يقضي بإقامة 70 مستوطنة مجتمعية، بمعدل 12 إلى 15 مستوطنة سنوياً. واتبعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة هذا النهج، بمعزل عن توجّهاتها الحزبية، ما زاد عدد المستوطنات إلى 100، وقفز عدد المستوطنين إلى 50 ألفاً.
اقرؤوا المزيد: أشجار المستوطنات تشرب أكثر من أهالي الضفة
ولتواكب المستوطنات النمو المتسارع في أعداد المستوطنين، شهدت أنماط البناء تحوّلاً ملحوظاً، إذ باتت تميل إلى الطابع المدني من دون التخلي عن التصميمات الأمنية والعسكرية. كما توسعت ضواحي المستوطنات لتستوعب السكان من مختلف الخلفيات، سواء العلمانيون أو المتدينون منهم. استغل الاحتلال تطوّرات الأحداث الإقليمية والدولية لتعزيز التوسّع الاستيطاني، في إطار استراتيجية ديمغرافية عبّر عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق شامير بقوله: "إنّ حسم الصراع مع العرب لصالح إسرائيل لن يتحقق إلا ديموغرافيًا على المدى الطويل".
في إطار تعزيز مشروع الاستيطان، شجّعت "إسرائيل" هجرة اليهود الروس بأساليب ملتوية، تضمّنت دفع رشى لنيكولاي تشاوشسكو، الدكتاتور الروماني السابق، لمنع هجرة الروس إلى دول أخرى غير "إسرائيل"، نفذت هذه السياسة بالتعاون مع جهاز "ناتيف" الاستخباري، الذي ركّز نشاطه على يهود دول الاتحاد السوفييتي السابق وأوروبا الشرقية، بإشراف رئيس الوزراء آنذاك إسحاق شامير.

أسفرت هذه الجهود عن تدفق كبير للمهاجرين الروس، إذ هاجر في عام 1989 وحده عدد يفوق مجموع المهاجرين خلال الثمانينيات بأكملها، وبين عامي 1989 و1990، تم استيعاب 65 ألف يهودي روسي في مستوطنات مثل "أريئيل" و"معاليه أدوميم" و"كريات أربع". وبحلول منتصف التسعينيات، بلغ عدد المهاجرين الروس إلى "إسرائيل" مليون شخص.
وتزامن ذلك مع توسّعٍ جغرافي استيطاني، فبين عامي 1988 و1991، وخلال مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية، استولى الاحتلال على 100,000 دونم من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وأنشأ أربع مستوطنات كبرى، كما منح لأول مرة وضع "مدينة" لإحدى المستوطنات، وأطلق خططاً لتوسيع القدس "الكبرى" وشق 17 طريقاً لخدمة المستوطنات.
ومع بداية التسعينيات، سعت الحكومة الإسرائيلية لإخفاء نسبة المهاجرين المستوطنين في المناطق الفلسطينية المحتلة، لتجنّب شروط المساعدات الأمريكية التي تقيّد البناء في الضفة وغزة. رغم ذلك، وصل عدد المستوطنين عشية 1993 إلى نحو 150 ألفًا موزعين على 144 مستوطنة في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، في حين وصل عدد المستوطنين في المناطق المحتلة باستثناء القدس حينها إلى 115 ألفاً.
الأرض.. بداية الحلم
بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1994 ودخول السلطة الفلسطينية، أجّلت "إسرائيل" قضية المستوطنات للمرحلة النهائية، واستغلت الاتفاقية لتعزيز استيطانها عبر تقديم تسهيلات للمستوطنين ومواصلة المصادرة والتوسُّع على حساب خيالات تأسيس دولة فلسطينية، وأنشأت الحكومة الإسرائيليّة لجنة استيطان سريّة برئاسة مستشار "وزير الدفاع" نُوَّح كنيرتي، لتفريغ قرارات وقف البناء من مضمونها. وخلال أول عامين من أوسلو، ارتفع عدد المستوطنين بنسبة 20%، وصادرت "إسرائيل" نحو 8630 دونماً شهرياً.
بين منتصف التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، تضاعفت أعداد المستوطنين وتوسعت رقعة المستوطنات بشكل كبير، وسط تبريرات إسرائيلية لذلك بحجج الأمن والسلام وهواجس التوتر والانتفاضة، ووفقاً لتقديرات منظمة "بتسيلم"، بلغ عدد المستوطنين نحو 213,672 مع نهاية عام 2002.
وبنهاية عام 2013، ازدادت مساحة المستوطنات بنسبة 182%، إذ امتدّ عمرانها على مساحة 600 ألف دونم إضافية، أي نحو 10.6% من مساحة الضفة الغربية، في حين خُصصت مليونا دونم إضافية مناطقَ نفوذٍ للمجالس الاستيطانية، تضمنت شوارع التفافية ومناطق مغلقة أمام الفلسطينيين. تجاوز عدد المستوطنين 360 ألفاً، بمعدل زيادة سنوية وصل إلى 5%، أي أكثر بثلاثة أضعاف نسبة النمو السكاني في "إسرائيل" نفسها.
اقرؤوا المزيد: كيف اختنق الفلسطينيون جميعاً في نفق السُّلطة؟!
اليوم، تضاعف عدد المستوطنين بشكل ملحوظ مقارنة بما كان قبل اتفاق أوسلو، إذ يُقدر عددهم بـ770 ألفاً بعد أن كان بحدود 115 ألفاً، رغم اختلاف التقديرات التي تشير إلى أرقام تتراوح بين 517 ألفاً و640 ألفاً. هذا التباين يعود إلى اختلاف أسلوب التعداد، إذ يتم أحياناً ضمّ مستوطني شرق القدس ضمن إحصائيات المنظمات الاستيطانية ويجري فصلهم في مصادر أخرى صادرة عن جهات رسمية وحكومية "إسرائيلية"، الواجب على الفلسطينيين هُنا أن يتعاملوا مع الاستيطان في القدس كما يتعاملون مع الاستيطان في الضفة، وأن يرفضوا لعبة تجزئة الأرقام.

كذلك، يعكس الاختلاف في أرقام المستوطنين التّباين في التعامل مع "البؤر الاستيطانية "غير المعترف بها. فبينما تُسقط الحكومة الإسرائيلية هذه المواقع مؤقتاً من إحصاءاتها لإظهار التزام قانوني، تضيفها المنظمات الاستيطانية للضغط باتجاه شرعنتها. وكلا الطرفين يستخدم الأعداد لخدمة أجندته، ما يعكس لعبة سياسية تهدف لتعزيز السيطرة على الأرض، وفرض الأمر الواقع.
اقرؤوا المزيد: مقدمة الملف: مَن يَحكُم الضفّة؟
يُعزى تسارع أعداد المستوطنين أيضاً إلى عاملين رئيسين: الزيادة الطبيعية المرتفعة بين صفوفهم، وارتفاع وتيرة توطين المستوطنين من المهاجرين الجدد في الضفة الغربية، على حساب المركز والأطراف، ما أسهم بشكل مباشر في تحقيق زيادة سريعة في أعداد المستوطنين.
وفي ضوء التذبذب في "العدد"، من المهم الإشارة إلى أنّ المشروع "الحلم الصهيوني" في الضفة الغربية خاصّة، والاستيطان عامة، يعتمد على ركيزتين أساسيتين: أولاهما السيطرة على الأرض بشرائها وتأسيس [الكيبوتسات] وهي مجتمعات زراعية بملكية جماعية أسهمت في تأسيس إسرائيل،] والموتشاف [وهي مستوطنات زراعية تعاونيّة فردية الملكية، والثانية زيادة التعداد السكاني بدعم الهجرة، وقد دعمت هاتان الركيزتان طموحات الحركة الصهيونية منذ مرحلة ما قبل تأسيس "إسرائيل"، إذ استغلت استراتيجيات الهجرة وشراء الأراضي لتأمين 57.55% من مساحة فلسطين وفق قرار التقسيم عام 1647.
اليوم، يُعتبر تحقيق الحلم الصهيوني بمليون مستوطن مشروطاً بتزامن الاستيلاء على الأراضي مع زيادة سكانية للمستوطنين لا تقاس بالمعايير الديموغرافية المعتادة، بل تُقاس بمدى تقدم خطط التوسع. هذا النهج يعكس السعي الدائم لتفوق ديموغرافي يضمن احتواء أكثر من 3 ملايين فلسطيني محاصرين بين كانتونات في الضفة، ويعيق أي فرصة للانقلاب على الوجود الاستيطاني.
آليات تحقيق الحلم
حُلم الوصول إلى مليون مستوطن في الضفة الغربية، الذي تخطط المنظمات الاستيطانية لتحقيقه بين عامي 2030 و2033، يعتمد على منظومة متكاملة تشمل المستوطن وتنتهي عند حكومته التي تعمل جميع أذرعها بتناغم كامل، لجعل الحلم يغدو واقعاً، مدعومة بإجماع سياسي وشعبي، حتى أصبح هذا المشروع جزءاً من رؤية الاحتلال لمرحلة ترامب وما بعدها.
اقرؤوا المزيد: مستوطن البيت الأبيض.. هكذا يوسع ترمب "إسرائيل"
يُطلق الباحث "أورن يفتحئيل" على هذه الآليّات مفهوم "ديناميات الجغرافيا الإثنية"، حيث تعمل السلطة الإسرائيلية على سياسات تهجير ممنهجة لخلق أغلبية يهودية، وتهويد الفضاء المكاني عبر السيطرة على الأراضي والموارد التي كانت ملكاً للفلسطينيين. وقد قاد تنفيذ هذه السياسات قيادات إسرائيلية مختلفة، أبرزها رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن (1977-1983)، الذي استغل مشاريع سابقة مثل خطة "يغآل ألون" للسيطرة على غور الأردن ومحاصرة القدس بالمستوطنات، ومنع التواصل الجغرافي بين التجمّعات الفلسطينية، أو أي امتداد جغرافي متصل لها مع مصر والأردن، متبعاً منهج "أينما تقام مستوطنة فهناك وجود وسيطرة يهوديان".
موشيه دايان، وزير الجيش السابق، أطلق هو الآخر مشروعاً رأى في الاستيطان فرصة لتوسيع السيطرة الإقليمية الإسرائيلية مع منح الفلسطينيين حقوقاً وظيفية محدودة في حيّزهم لإدارة شؤونهم. كما دعمت منظمة "غوش أمونيم" الاستيطانية، التي ظهرت بعد الانسحاب من سيناء، زرع بؤر استيطانية في الضفة الغربية منذ 1974، وبهذه الخلطة المركبة استطاع مناحيم بيغن الالتزام بـ "إقامة كثير من المستوطنات والبؤر الصغيرة على أكبر مساحة ممكنة"، لتشهد فترة حكومته إنشاء 120 مستوطنة جديدة.
ثم مع منتصف الثمانينيات، تبنّى إسحق شامير سياسة تشجيع الهجرة لتعزيز الاستيطان، بينما أظهر بنيامين نتنياهو في ولايته الأولى شهية واسعة لقضم مزيد من الأراضي، تحت أسماء مختلفة منها "الاستيطان الاقتصادي"، و"الاستيطان الصناعي"، وأطلق نتنياهو حملة دعائية للمستوطنات باعتبارها منخفضة التكاليف ومدعومة حكومياً، ومتصلة بالمناطق الصناعية والمركز الإسرائيلي (القدس وتل أبيب) عبر شبكة طرق استراتيجية، وبحلول عام 1997، وصل عدد المستوطنات في الضفة الغربية إلى 147، إضافة إلى 200 موقع عسكري.
اللافت في هذه الفترة أن التوسّع الاستيطاني لم تواكبه زيادة سكانية موازية، فقد سجّلت بيانات عام 1998 شغور 2888 وحدة سكنية استيطانية في الضفة الغربية، تضاف إليها 5892 وحدة سكنية قيد الإنشاء بمراحل مختلفة، من دون أن تشمل هذه البيانات التوسع الاستيطاني في القدس.
الاستيطان الجائر
لاحقاً، ومع عودة "مهندس الاستيطان الجديد" آريئيل شارون"1 خلال ترأسه لمنصب وزير الدفاع، ثم وزير الزراعة والصناعة في حكومة بيغين، ساهم شارون في دعم "غوش أمونيم" وكان له إسهام كبير في إنشاء مستوطنة "أريئيل"، التي تعد اليوم من كبرى مستوطنات الضفة الغربية. إلى الحكم، أطلق موجة استيطانية جديدة، ركّزت على تعزيز التوازن الديموغرافي لصالح المستوطنين مقابل الفلسطينيين. شملت سياساته بناء جدار الضم، وإخلاء مستوطنات صغيرة لصالح التوسّع في المستوطنات الكبرى، مع الحفاظ على وتيرة استيطان مرتفعة تحت شعاره "أنا أستوطن حيث أستطيع".
كما واصل دعم حركة "شبيبة التلال"2نفذت "شبيبة التلال" أكثر من 4 آلاف اعتداء بين عامي 2017 و2022، منها إحراق عائلة دوابشة في قرية دوما جنوب شرق نابلس عام 2015، وإحراق الطفل محمد أبو خضير في القدس، كما اضطلعت بدورٍ انتقاميّ بحق الفلسطينيين منذ العام 2008، منفذة سلسلة هجمات عُرفت بعمليات "تدفيع الثمن" من حرق وقطع أشجار الزيتون، وتدمير المزروعات، ومصادرة الماشية.

اقرؤوا المزيد: "الموت للعرب".. عن مستوطني شبيبة التلال
يُطلق الباحث يفتحئيل على هذه الفترة وما بعدها اسم "مرحلة الدمج الجائر" في النظام الاستعماري اليهودي، والذي اعتمد فيه السياسيون "الإسرائيليون" على تقديم تنازلات جغرافية جزئية لصالح علاقات مكانية جديدة، تُنتج في النهاية تقوقعاً عميقاً للفلسطينيين، إذ تم خلالها تشكيل النواة الاستراتيجية لمستقبل الفضاء الجماعي المشترك "الاستيطان"، وفقاً لمبادئ؛ توفير الأمن للفضاء اليهودي، والاستيلاء المستمر على أراضٍ جديدة، وتوسعة فضاء الإثنية اليهودية على حساب حصر الفلسطينيين في جيوب منعزلة، والسيطرة والرقابة على الفضاء من خلال النخب السياسية والعسكرية والاقتصادية، وإلغاء الضوابط التنظيمية، وخصخصة الفضاء.
يُعبّر عن هذه الفكرة أيضاً بنيامين نتنياهو الذي أسس عام 2020، "وزارة التوطين" لإدارة شؤون المستوطنات وتوسيعها، متحالفاً مع أحزاب متطرفة مثل "الصهيونية الدينية" بزعامة بتسلئيل سموتريتش، و"عوتسما يهوديت" بزعامة إيتمار بن غفير، وقد ركزت هذه التحالفات على جذب يهود العالم إلى المستوطنات، بما في ذلك جلب 100 ألف يهودي من أوكرانيا، لتعزيز الوجود الاستيطاني في الضفة الغربية.
اقرؤوا المزيد: كيف تُرك الناس وحدهم دون حماية
بعد ذلك، أطلقت "إسرائيل" يد بتسلئيل سموتريتش، ومُنح صلاحيّات واسعة في "الإدارة المدنية" الإسرائيليّة، ومكّنه استخدام سلطاته وزيراً للمواصلات أوّلاً، ووزير للمالية ثانياً، من تسريع وتيرة الاستيطان ومصادرة الأراضي وشرعنة البؤر، وهدم المنشآت الفلسطينية من دون تصديق المستوى السياسي الإسرائيلي. وإضافةً إلى ذلك عيّن المستوطِنة المتطرّفة "أوريت ستروك" عن حزب "الصهيونية الدينية" وزيرة للاستيطان، ودعم مشاريع "قرى الشباب الاستيطانية" والاستيطان الرعوي، وألغى قانون فكّ الارتباط عن شمال الضفة الغربية، والذي يعني السماح بالاستيطان في كلٍ من مستوطنات (حومش وغانيم وكاديم وصانور)، وأعلن عن 2025 عاماً للضمّ، يتم فيه حصر أكبر عددٍ ممكن من الفلسطينيين في أقل مساحةٍ ممكنة، بلا حقوق ولا امتيازات، وبكثير من التهديد والوعيد.
وما بين الآليات والوجوه الاستيطانية التي أخذت على عاتقها تنفيذ حلم "المليون مستوطن"، يظل الدوران الإسرائيلي حول معادلة "المليون" أعمق مما تكشفه ضخامة الرقم وتبعاته. فكلُّ مستوطنٍ جديد يضاف إلى مستوطنات الضفة الغربية هو بيدقٌ في معركة بقاء الكيان و"كثرةٌ يُراد لها أن تغلب الشجاعة"، وكل مترٍ يُبتلع هو سورٌ وجدار في مواجهة "الفلسطيني"، وكل جديدٍ في سياسة الضمّ والاستيطان هو تكرارٌ لسابقه على أمل أن يضيق المكان بأصحابه ليهجروه، لكن كل ذلك ليس أكثر من تكرارٍ لتاريخٍ لا يُطوى إلا بطوفانٍ آخر.