19 ديسمبر 2018

معركة "المصيون"

رام الله تُبِيد غُزاتها

رام الله تُبِيد غُزاتها

اتخذت معاركُ الأسابيع والشّهور الأولى من حرب 1947-1949 أشكالاً عسكريّةً مختلفةً، وخلال شهور يناير/ كانون الثاني ولغاية مارس/ آذار 1948 كانت حربُ المواصلات أحد أبرز ساحات الحرب والمواجهة بين الصّهاينة والفلسطينيين. كان الفلسطينيون حينها الفاعلَ الأبرزَ في تلك المرحلة باستهدافهم قوافل العدوّ العسكريّة، وكان القطاع الشّرقيّ من المنطقة الوسطى أحد أبرز ساحات هذه الحرب.

وكجزءٍ من الردِّ الصّهيونيّ على حرب المواصلات تلك، وفي محاولة لرفع معنويات سكان مناطقه المحاصرة، وعلى رأسها الأحياء الصّهيونيّة في القدس، أُقِرّتْ سلسلةُ عملياتٍ صهيونيّةٍ. ومن هنا صَدَرَ القرارُ لوحدةٍ صهيونيّةٍ مُقاتلةٍ من قوات الـ"هاغاناه"، تشكّلتْ من قادة الـ"غدناع" (كتائب الشباب)، وضَمّتْ في صفوفها تسعة عشر مقاتلاً، بقيادة نعوم غروسمان (مواليد نيويورك، 1927)، ابن أحد الكُتاب الّصهاينة المعروفين روبن غروسمان، بالخروج من مستعمرة "عطروت" ومهاجمة وسائل النقل العربيّة بالقرب من بلدة بيتونيا.

فَشَلَ الهجومُ كما يبدو في تحقيق غرضه، وبدأتْ القوّة بالانسحاب من المكان باتجاه مستعمرة "عطروت"، لكن الأخبار كانت وصلت لحُماة المنطقة، فتحرّكَتْ القواتُ وقَدِمَتْ النّجداتُ من مختلف المناطق والقرى المجاورة بشكلٍ سريعٍ جداً، فحوصرت القُوّة الصّهيونيّة، لتبدأ معركة المصيون خُتِمَت بمقتل 17 جندياً من أفراد المجموعة وفقاً للرواية العربية، ولرواية السلطات الاستعمارية البريطانية، وبمقتل 16 جندياً ونجاة اثنين وفقاً للمصادر الصهيونية.

تُقدّمُ هذه المادة تفاصيلَ هذه المعركة كما رواها أحدُ قادةِ الجهاد المقدّس آنذاك، والمشرف الرئيس على المعركة، قاسم محمد الريماوي (1918-1983)، والنصُّ المُدرجُ هنا مستلٌ من كتابٍ قيد الإعداد للنشر بعنوان "داخل السُّور القديم... نصوص قاسم الريماوي عن الجهاد المُقدّس، تحقيق ودراسة"، سيصدر ضمن سلسلة ذاكرة فلسطين عن مشروع دراسة وتوثيق القضية الفلسطينية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

دوَّن الريماوي، أمينُ السّر العامّ للجهاد المقدّس آنذاك، وأحد أبرز الشّخصيات المُقرّبة من الشّهيد عبد القادر الحسيني قائد الجهاد المقدّس، قصةَ إبادة غزاة رام الله، في موضعين. الأول هو مسودة كتاب عن الشّهيد عبد القادر الحسيني دوّنه الريماوي في القاهرة، بعد مغادرته فلسطين إثر حل الأردن لجيش الجهاد المقدّس، واحتلال مقرّ قيادته في بلدة بيرزيت عام 1949.

والموضع الثاني مقالٌ نُشِرَ في جريدة الدستور الأردنية في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 1972، دوّنه الريماوي كجزءٍ من سلسلة بدأها للردّ على كتاب "يا قدس". لاحقاً، تَحَوّلَت تلك السّلسلة لما يشبه تذكرات الريماوي للجهاد المقدّس، وللردّ على بعض ما صدر من مؤلفات ومواقف تطرّقت لدور الجهاد المقدّس، ككتاب عارف العارف "النكبة"، الذي كانت روايته لمعركة "المصيون" كما يبدو، أحد محفزات الريماوي لإثبات تفاصيل المعركة في مقالاته.

النصّ أدناه، تحقيقٌ لما دوّنه الريماوي في الموضعين، والروايةُ الأساسيّةُ مأخوذةٌ من النصّ الأول (مع بعض التحرير اللغوي البسيط)، أيّ مخطوط الريماوي عن الشّهيد الحسيني، الأقرب في لحظة تدوينه للحدث. أمّا بقية التفاصيل المُدرَجَة بين علامتي <> فمأخوذةٌ من مقالة الدستور. تجدر الإشارةُ إلى أنّ النصّ المحقق المدرج أدناه خُفِفَ من بعض هوامشه، التي ستظهر كاملةً في النسخة المطبوعة من الكتاب "داخل السُّور القديم".

جلوساً من اليسار إلى اليمين: قاسم الريماوي، عبد القادر الحسيني، كامل عريقات، إبراهيم أبو دية، المكان مجهول، التاريخ مجهول، تصوير خليل رصاص.
جلوساً من اليسار إلى اليمين: قاسم الريماوي، عبد القادر الحسيني، كامل عريقات، إبراهيم أبو دية، المكان مجهول، التاريخ مجهول، تصوير خليل رصاص.

فإلى النص:

{4 مارس/ آذار 1948: معركة المصيون}

لقد أقلق قيادة القوات اليهودية تدهور معنويات الشعب اليهودي إثر الضربات المتتالية، والمعارك الحاسمة التي تعرّض لها على أيدي رجال الجهاد المُقدّس، وساءهم القضاء على قوافل التموين الوافدة إليهم من تل أبيب والمستعمرات المجاورة، فقاموا بهجوم على المواصلات العربية للانتقام ورفع المعنويات واختارت القيادة فصيلاً كاملاً من خيرة الفدائيين اليهود من رجال "اشتيرن" والـ"هاغاناه"1لم تكن القوة الصهيونية المهاجمة قوة مشتركة من الايتسل (اشتيرن) والهاغاناه، وإنما كانت من قوات الهاغاناه الخالصة، ولم تكن من الوحدات الصهيونية الأكثر تدريباً آنذاك كالـ"بلماح"، وإن كانت على درجة جيدة من التدريب بالمقارنة مع وحدات الـ"هاغاناه" المستجدة، فالوحدة كما تشير المصادر الصهيونية كانت تنتمي إلى سرايا قادة الـ"غادناع".. وطلبت إليهم الغارة على مواصلات العرب فتوجهوا إلى مستعمرة قلنديا، حيث كمنوا فيها وقرروا مهاجمة الباص العربي الذي ينقل الأهالي من السكان المدنيين بين رام الله والرملة، ومستعمرة قلنديا لا تبعد أكثر من خمسة كيلومترات عن طريق رام الله – اللطرون.

وفي تمام الساعة السادسة من صباح أحد أيام الأسبوع الأول من شهر مارس/ آذار 1948 {صباح الرابع من ذات الشهر}، هاجم الكوماندو اليهود أحد الباصات العربية، بينما كان متوجهاً من رام الله إلى الرملة وعلى بُعد خمسة كيلومترات غربي رام الله، فأصابوا امرأةً وطفلاً في الباص2وفقاً للتقرير الصادر عن السلطات الاستعمارية البريطانية فإن القوة الصهيونية أغلقت الطريق الواقعة عند ملتقى طرق قرية بيتونيا – الجيب بوضع قطع حديدية عليها، واعترضوا سيارة باص عربية، لكن لم تلحق أية إضرار بها، ولم تقع أية إصابات بين ركابها: الدفاع، 5 مارس/ آذار 1948، ص4؛ فلسطين، 5 مارس/ آذار 1948، ص1؛ أما صحيفة فلسطين فأشارت نقلاً عن روايات محلية إلى أن الباص قدم أثناء زرع بعض أفراد المجموعة لغماً على الطريق، فأطلق بعض أفرادها المستحكمين في جبل مجاور النار على الباص فاخترقت أربع رصاصات مقدمة الباص واخترقت أخرى النافذة المجاورة للسائق فأصيب أحد الركاب بشظايا الزجاج، ووفقًا لهذه الرواية فإن تدارك السائق السريع للموقف وعودته لرام الله سريعاً أسهم في إنقاذ عموم الركاب: فلسطين، 5 مارس/ آذار 1948، ص1..وفرّوا عائدين إلى المستعمرة، ظنّاً منهم أنهم سيبلغوها قبل أن يجندلهم رجال الجهاد المُقدّس.

ولكن هيهات هيهات فقد أبتْ الأقدارُ إلا أن يلاقوا حتفهم قبل أن يستطيعوا قطع هذه المئات من الأمتار إلى المستعمرة، إذ أنه ما كان يدور بخلدهم أن سرعة التنظيم التي فرضها الجهاد المُقدّس ويقظة حرسه الدائمة ستحول دونهم ودون النجاة بمثل هذه السرعة، فما كادوا يطلقون النّار حتى وصل إليّ خبرُ هجومهم على الباص، وكنت آنذاك في طريقي إلى محطة الإذاعة السّرية التي كانت تذيع باسم صوت الجهاد المُقدّس في مدينة رام الله، < في فندق الكازابلانكا [....] ومعي سيارة "استيشن واجن"، وفيها عدد من المسلحين وسيارة جيب كنت أتنقل فيها>.

وما أن بلغني الخبر حتى أرسلت علماً إلى مقر قيادة منظمة الشّباب في رام الله، فتوجه آمُر السّرية الثامنة للجهاد المُقدّس الدكتور <خليل> بدران وقائد المنظمة، ومعه فصيل من حُماة رام الله إلى مكان المعركة، وقد تولى قيادة الميسرة ومن الجهة الغربية. وأرسلت قوة من حرس الإذاعة في سيارة شحن إلى الجهة الشرقية {من مكان المعركة} فوضعتُهم في الجهة الغربية من مستعمرة قلنديا، وقد وصلوا إلى غربي المستعمرة قبل أن يتمكن اليهود من الوصول إليها، فبذلك قطعوا خط الرجعة عليهم وكمنوا لهم في مرتفعات حصينة هناك، وكانت هذه القوة بقيادة السيد عبد الدايم <عبد الصمد> رئيس مسلحي البيرة.

وأرسلت إشارةً لاسلكيةً إلى القائد العام عبد القادر بك اعلمه، وقد أخذت قوة من رجال الجهاد المقدّس وتقدمت إلى قلب الهجوم حيث تقع المرتفعات الواقعة بين طريق رام الله – اللطرون، وطريق رام الله – القدس، <هذا وقد علمت أن حرس رافات قد طوقوا المعتدين من الجهة الجنوبية، وكذلك حرس الجيب وبذلك حكم الطوق عليهم>3يظهر هنا أن الريماوي لم يحدد عدد القتلى في المعركة الأولى، ويقتصر على ذكر الستة الذين حوصروا وطلب استسلامهم، في إشارة ضمنية إلى مقتل 11 شخصاً في المعركة الأولى، وهذا يتقاطع جزئياً مع أحد عناوين الصحف الصهيونية في اليوم التالي للمعركة: "معركة ’حتى الرصاصة الأخيرة‘ بالقرب من عطروت في جبال القدس، وحدة جوالة وقفت أمام المتات من المشاغبين، 11 شاباً سقطوا في المعركة، 5 أسروا وقتلوا"، هبوكر [بالعبرية]، 5 مارس/ آذار 1948، ص1؛ وكذلك يتقاطع مع ما رواه مراسل الدفاع الذي كتب تقريراً من أرض الحدث جاء فيه: "حاول الغادرون مقاومة المناضلين البواسل لكن عبثاً، وفي قليل من الوقت سقط منهم أحد عشر إرهابياً يتخبطون بدمائهم، وبقي من زملائهم ثمانية اشخاص أصيب منهم اثنان، ورفع الستة الباقون أيديهم إلى المناضلين مستسلمين والقوا بنادقهم إلى الأرض، وكان قائدهم وهو من اليهود اليمن يحمل بعض القنابل فألقى بإحداها على المناضلين فأخطأهم ولم يصب أحداً منهم فاضطر المناضلون إلى إطلاق النار عليه وعلى رفقائه فقتلوهم جميعاً": الدفاع، 5 مارس/ آذار 1948، ص4..

عن معركة "المصيون" من جريدة الدفاع، آذار 1948
عن معركة "المصيون" من جريدة الدفاع، آذار 1948

وما شعر اليهود إلا والمجاهدون يطوقونهم من كل جانب، فخارت قواهم وفقدوا وعيهم وأخذ كل منهم يحتمي بالآخر، وهم يتساقطون كورق التين كل خمسة منهم في حفرة واحدة، وقد أظهرت هذه الصفوة من رجال الكوماندو اليهودي جبناً ما بعده جبن، إذ انهم كانوا يقتلون الواحد تلو الآخر ولا يجرؤون على المقاومة، مع أن المنطقة وعرة المسالك وحصينة، ومع أنهم كانوا يحملون أحدث أنواع الأسلحة الأوتوماتيكية والرشاشات والقنابل والمسدسات. 4لكن الريماوي في مقالته قال "وقد قتل منهم ستة اشخاص في بداية المعركة من القوات التي تقدمت من رام الله ورافات والجيب". وأضاف "أما الباقون وعددهم ثلاثة عشر فقد تمكنوا من الإفلات من الطوق الأول، فقابلتهم القوات التي نظمناها إلى مستعمرة قلنديا لتقطع خط الرجعة، ويظهر أن اثنين منهم تمكنا من الاختفاء وراء التل والتسلل إلى قلنديا، أما الباقون فرفعوا الرايات البيضاء علامة الاستسلام، فوافق المجاهدون على ذلك وتقدم الشيخ عبد الدايم وثلاثة آخرون لنزع أسلحتهم، بينما استحكم عادل {الطوباسي} وشخص آخر معه رشاش بجدار قريب، ولما اقترب الشيخ عبد الدايم وإذا بأحد اليهود....".

وقد فاجئنا سبعةً منهم بينما كانوا يختفون عند سفح أحد الجبال، فحاولنا أَسْرَهم وطلبنا إليهم المشي على أيديهم وأرجلهم ففعلوا، إلا أن أحدهم كان جريحاً ودمّه ينزف، وكان يحمل قنبلةً في يده، فصاح بالعبرية فألقى اليهود أنفسهم على الأرض، ففي الحال عرفنا أنه سيُلقِي القنبلة فانبطحنا على الأرض، فأطلق القنبلة وأصاب عدداً من زملائه بجراح، كما أصاب عبد الدايم بجرحٍ بسيطٍ في وجهه، فأطلق المسلحون منا رصاصهم على اليهود يجندلوهم، وبعد مضي ساعتين من الزمن انتهت المعركة، وقد أرسل قائدها عدة إشارات خطر حمراء من مسدس كان يحمله، ولكن بلا جدوى.

وعند نهاية المعركة لم أسمح لأحد مغادرة مكان المعركة، وكمنا لعل القوات اليهودية تحضر لنقل جثث القتلى إلا أنهم لم يحضروا، وبعد مدة من الزمن أمرتُ المجاهدين جمع جثث القتلى اليهود فأخذوا يجمعونها من سفوح الجبال والوديان، وأحضرتُ سيارتي نقل ووضعتُ الجثث التي جُمِعَت فيها، وركبتُ سيارتي وسِرتُ أمام سيارات النقل التي تحملُ الجثثَ اليهودية، وقد رَكِبَ المسلحون وراء الجثث وهم يهتفون ويرفعون الرايات البيضاء5في المقالة لم يشر الريماوي لقيامه بترقب قدوم قوات إمداد صهيونية، وإنما كتب: "ولما عاد المسلحون إليّ، أمرتهم بجمع جميع الجثث وإحضارها إلى المكان الذي كنت اقف فيه، وبالفعل عادوا وجمعوا الجثث بكاملها وقد سحبوها مما أدى إلى تمزيق جميع الملابس، فأحضر القتلى وكلهم عراة. وكانت قد وصلت إلينا نجدات من بيرزيت في ثلاث سيارات شحن، فوضعت الجثث في سيارة منها وركبت بجانب السائق، ومنعت المسلحين من الركوب بجانب الجثث".

. وما أن وصلنا مدينة رام الله حتى كانت عشرات الألوف من النساء والأطفال والرجال يملئون الطرق والشوارع يحيوننا وعلامات البشر تملأ وجوههم وزغاريد النساء تشقّ عنان السماء، 6يقول مراسل الدفاع واصفاً الحالة عند وصوله لمكان الحدث: "وجدت جماهير كبيرة محتشدة على الطرقات، وكأنهم في أحد المواسم أو الأعياد القومية": الدفاع، 5 مارس/ آذار، ص1.> فسِرْنا مخترقينَ شوارعَ رام الله والبيرة وبعدها توّجهنا إلى دار الحكومة الإنجليزيّة، <وعند المدخل قابلتُ السيد عارف العارف قائممقام مدينة رام الله، فأبى إلا أن يأخذ صورةً معي فصعدنا إلى سيارة الشّحن، حيث تتكدس الجثث، وأخذنا صورة والجثث ملقاة بقاع السيارة، ويظهر أن الأخ عارف نسي هذه الصورة،> 7أشارت الصحف الصهيونية والعربية إلى وقوع حادثة التصوير هذه؛ انظر مثلاً: دفار[بالعبرية]، 5 مارس/ آذار 1948، ص1؛ الدفاع، 5 مارس/ آذار 1948، ص1؛ لكن للأسف لم تظهر هذه الصورة في أي من المصادر العربية أو الصهيونية أو البريطانية، والأمل أن تكون محفوظة ضمن أوراق العارف التي حفظت في مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

. حيث حضر القائد وطلب الجثث فسلّمتُه إياها، بعد أن اشترطنا عليه إعطائي وصلاً بعددها، لأنهم يُنكِرون ذلك في بلاغاتهم الرسمية. 8وثق مراسل الدفاع الحادثة فكتب: "عندما جاءت سيارة كبيرة لنقلهم قال المناضلون لمن فيها من البريطانيين اعطونا قبل مغادرتهم إيصالاً يشعر باستلامكم جثث 17 إرهابياً من عصابة الهاغاناه خشية إخفاء الحقائق. وها هي هويات اثني عشر شخصاً منهم، ولم يكن بقيتهم يحملون بطاقاتهم": الدفاع، 5 مارس/ آذار 1948، ص4؛ ووفقاً للتقارير الاستعمارية البريطانية فإن عدد القتلى الصهاينة كان 17 قتيلاً: 26. Tauber, Eliezer. Military Resistance In Late Mandatory Palestine The Activities of the Jewish and Arab Military Organizations as Reflected in the Reports of High Commissioner General Sir Alan Cunningham. (Ramat Gan: Bar-Han University Press, 2012), p. 274.[....]

وقد غنم المجاهدون خمسة رشاشات، وعشرين بندقية، وعشرة مسدسات وكمية كبيرة من الذخيرة والمعدات، ومنظار ومسدس إشارات، ومن مراجعة أسماء القتلى وهوياتهم التي انتزعناها منهم ظهر أنهم من خيرة الشبان اليهود وبعضهم من موظفي دائرة البريد ومحطة الإذاعة ولكنهم من فرقة "اشتيرن". 9يظهر أن الريماوي بالغ في الأسلحة المغتنمة، خصوصاً أن الحديث يدور عن قوة مجمل عددها تسعة عشر شخصاً، وقد سجّل مراسلُ الدفاع ما غنم من قبل العرب فأشار إلى اغتنام مدفعي "ستن"، ومدفعي رشاش، وثماني بنادق، وكمية من القنابل والذخيرة وأدوات الإسعاف والميدان": الدفاع، 5 مارس/ آذار 1948، ص4.

<وفي المساء توجهتُ إلى محطة صوت الجهاد المُقدّس برام الله، ومعي السيد حسن اليبرودي ومعنا هويات القتلى، فأَذَعْنَا أسماءَهم وأرقام هوياتهم وأماكن عملهم باللغتين الإنجليزيّة والعبريّة، وقد كان عددٌ منهم من سكان القدس وبعضهم يعمل في دائرة البريد. هذه المعركةُ وإن كان بسيطةً في حدِّ ذاتها، إلا أنّها تعكسُ صورةً عن القوّة العسكريّة التي كان يتمتع بها العدوّ في ذلك الوقت، فقيام تسعة عشر من خيرة رجال الكوماندوز بعملية مع الفجر، وفي مكان لا يبعد سوى بضعة كيلومترات عن مستعمرة قلنديا، وبعيداً عن القرى والمدن العربية كذلك، ووسط السهول والجبال والوديان، وما عاد منهم إلا اثنان أما الآخرون فعادوا جثثاً مزّقها رصاصُ المجاهدين، الذين هبّوا من كلِ ناحيةٍ وصوب، وما لبثتْ المعركةُ سوى ساعاتٍ معدودة. أما الأخ عبد القادر الحسيني فقد كان في ذلك اليوم في مدينة القدس، وعاد إلى بيرزيت ليطلع على هويات القتلى وليُعرِبَ عن غبطته وسروره بالنتيجة، ولو كان في رام الله أو بيرزيت لما سَبَقَهُ أحدٌ إلى الميدان فقد كان سبّاقاً للميدان، ولا يترددُ لحظةً واحدةً في إلقاء نفسه، ولو بمفرده في المعركة حال نشوبها، وسماعه عنها، خلافاً لما ذَكَرَ السّيد عارف العارف.

لقد أحدثت هذه المعركة أثراً كبيراً لدى السّكان، خاصة سكان رام الله والبيرة واللواء، ولو أننا أنفقنا ملايين الدنانير في سبيل إحداث أثرٍ مماثلٍ، لما تمكّنا، فارتفعت معنوياتُ السّكان، وزاد التفاتُهم وحماسُهم للجهاد المُقدّس، وإيمانُهم بأنفسهم وبمقدرتِهم على الدّفاع عن بلادهم. هذه هي الحقائق المتعلقة بهذه المعركة كما شهدتها بنفسي وهي تكتب لأول مرة>.