22 أبريل 2025

مطبخ السماء المحترقة

مطبخ السماء المحترقة

اشتدت علينا المجاعة في قطاع غزة من جديد، وتحديداً منذ آذار/ مارس 2025، نفدت خياراتنا من أصناف الطعام، ولم يتبق في رفوف المحال التجارية إلا القليل من العدس والمعكرونة ومعلبات الفاصوليا والبازيلاء. أما الخضار والفواكه فلم نرَ شيئاً منها منذ شهور. 

وبوجه المجاعة، تقف الأمهات من جديد بحثاً عن البدائل والخيارات المحدودة التي تنبت في تربة غزة، بجوار باب الخيمة أو على سطح البيت المتصدع، متحديات حصار جيش الاحتلال الطويل بإغلاق المعابر منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023. 

تجد الأمَّ الغزّاوية في مطبخ خيمتها البسيط تخترع أطباقا جديدة تارة، وتحيي أطباقا قديمة تارة أخرى، وقد أصبح ذلك جزءاً من روتين حياتها منذ أكثر من عام ونصف بجوار موقد الحطب والدخان.

اقرؤوا المزيد: "بحثت عن قطة فلم أجد".. عن تجويع الشمال

استبدلت الأمهات أطباق الدجاج واللحمة بأطباق أضفن إليها نكهة بهار مرقة الدجاج، وصنعن الفلافل من العدس، بعدما لم يعد للحمص وجود في السوق، أما العجيب، فهو أنهن صنعن من أوراق الخبيزة والحمصيص أطباقا عديدة، من الفتة إلى الشوربة، واستخدمنها بديلاً لورق العنب، وصولاً إلى صناعة الفطائر منها وذلك بدلاً من الزعتر والسبانخ. 

في مخيم للنازحين في دير البلح وسط قطاع غزة، تُحضّر نساء فلسطينيات كعكات التمر استعداداً لعيد الفطر، في 7 نيسان/ أبريل 2024. (تصوير: مجدي فتحي/نور فوتو)

تعد الأمهات طبقاً واحداً لأسرهن في وجبة وحيدة يتناولونها خلال اليوم، وقد استوحين هذه الأطباق من تراثنا الفلسطيني، بعضها مكوناتها متوفرة في منازلنا، وبعضها الآخر وجدن لمكوناتها بدائل. وفي السطور التالية شرح لهذه الأطباق ومكوناتها التي بدأت تتلاشى شيئاً فشيئا من بين أيدينا. 

سماقية غزة

السماقية وما أدراك ما السماقية، الأكلة التي لا تأكلها إلا في قطاع غزة، هي إحدى أطباقها الشعبية والأساسية والتي تشتهر بأنها طبق حار، يُقدم بالعادة في الأعياد، وفي ليالي الحنّاء، ولكنها أيضاً طبق وفيّ، استعانت به الأمهات في المجاعة، لمكوناته القليلة وذلك بعد أن استثنين منها قطع اللحم، وأصبحن يكررن طبخها في أيام الجمعة. 

يتكون طبق السماقية من السماق البلدي والبصل ولحم العجل والحمص المنقوع والطحينة الحمراء وعين الجرادة والفلفل الأخضر والشطة الحمراء والملح وزيت الزيتون والطحين الأبيض. إلا أننا استبدلنا معظم هذه المكونات ببدائل أخرى، فاستخدمنا ورق السلق ونبتة الحميض مع البصل، والحمص المعلب إذا توفر. أما قطع اللحمة فاستبدلناها بمكعبات مرقة الدجاج لإضافة النكهة فقط. 

اقرؤوا المزيد: الجوع والخيمة

فاكهة شتاء غزة  

"وين في شتاء في حمصيص"، جملة تكررها خالتي التي تتقن إعداد طبق الحمصيص، وهو أحد الأطباق الشعبية القديمة، ويُعرف بكونه "فاكهة الشتاء الغزية"، ويتكون الطبق من نبتة الحمصيص والعدس الأسمر وقرون الشطة والملح والثوم وزيت الزيتون.

ولكن في المجاعة، لطبق الحمصيص حصة كبيرة لدى الأمهات الغزيات اللواتي سعين لإيجاد بدائل لإعداده كطبق لا يفارق موائدهن، خاصة خلال فصل الشتاء، الفترة الوحيدة التي يتوفر فيها. 

وطبق الحمصيص معروف بأنه طبق شديد الحموضة، ويضيف إليه الغزيون الشطة الحارة، ليصبح طعمه خليطاً بين الحامض والحار. أما طريقة تحضير الحمصيص، فتبدأ بتنظيفه ووضعه في الماء المغلي حتى تذوب أوراقه، ثم نصفيه من الماء ونحتفظ بمرقته لاستخدامها. وفي إناء آخر نسلق العدس الأسمر أو المجروش - حسبما توفر لدينا - وبعد أن ينضج العدس، نصفيه من الماء، ونضيفه إلى شوربة الحمصيص ونقلبه على النار حتى يتماسك قوامه، ثم نضيف الشطة والملح والثوم. 

امرأة فلسطينية تحضر وجبة طعام من مكونات بسيطة على أنقاض منزلها المدمر في مدينة غزة، 12 آذار/ مارس 2024. (تصوير: علي جاد الله/ WFP)

الطبق الذي نسيناه في حيفا

لم نكن نعرف هذا الطبق قبل الحرب، وقد تعلمناه من إحدى قريباتنا وهي مهجرة من حيفا، وقد كان طبق "حراق إصبعو" أحد أطباقها الشعبية، ويتكون من خبز ناشف وبصل وعين الجرادة وفلفل أخضر وشطة وملح ومفتول ومكعبات مرقة الدجاج. 

استُحضر طبق "حراق إصبعو" من جديد خلال الحرب، لمكوناته البسيطة والمتوفرة، أما طريقة تحضيره، فتبدأ الأم بتقليب البصل والفلفل مع الزيت على النار، ثم تضيف إليه الماء مع مكعبات مرقة الدجاج، والقليل من المفتول الناشف أو البرغل - إن توفر أحدهما - ثم تسقط عليه الخبز الناشف، وعندما تتجانس المكونات، تُضاف إليه عين الجرادة والشطة والملح. 

نجم السفرة الغزاوية 

يعتبر طبق "دمسة العدس" نجم السفرة في كل منزل غزاوي، وما إن تفوح رائحة الثوم والكمون من الخيمة أو المنزل حتى يعرف الجيران، أنه طبق الغداء اليوم.  

امرأة فلسطينية نازحة تُحضّر العجين في مطبخ صغير بدير البلح وسط قطاع غزة، في 2 تموز/ يوليو 2024. (تصوير: مجدي فتحي/نور فوتو)

يتكون طبق "دمسة العدس" من العدس الأسمر والثوم والفلفل الأخضر والملح والكمون وعصير الليمون وزيت الزيتون. أما طريقة تحضيره بالبدائل المتوفرة فتبدأ بغلي العدس لنحو 50 دقيقة، ثم يضاف إليه الثوم والشطة والكمون، والقليل من الطحينية - إذا توفرت - ويُصب الخليط فوق الخبز.   

اقرؤوا المزيد: مطبخ الشمال: الخبيزة أو السلق؟

من دون لحم ولا دجاج ولا خضار، هذه هي أطباقنا التي نتغذى عليها في معظم أيام الحرب، وهي الأطباق التي نحارب بها المجاعة اليوم. أطباق تسد جوعنا لساعات قليلة، ولكنّ أطباقًا فقيرة المكونات تترك أثراً بعيداً على أجسادنا. ورغم أنها كانت وفية لنا في هذه الأيام الصعبة من الحصار والمجاعة، فإن فقدانها قد يصبح قريباً أيضاً، ففي كل يوم نفقد من مطبخنا أحد مكوناتها.



25 يناير 2022
هذا المقال غائمٌ جزئيّاً

صيفاً شتاءً، يتساءل النّاسُ عن أحوال الطقس. المزارعون لأجل الاطمئنان على محاصيلهم ومعرفة مصير المواسم التي ينتظرون، والمُسافرون حتّى يُحدّدوا…

7 يناير 2025
شتاء غزة القاتل  

رفع يحيى يديه الاثنتين حاملًا طفله، وصرخ في الجموع التي أحاطت به: "متنا من الجوع والسكعة". ثم حدق في الكاميرا:…