21 فبراير 2021

العائلات في غزّة.. من المُربّع الأمني إلى الاتحادات المُنتخبة

العائلات في غزّة.. من المُربّع الأمني إلى الاتحادات المُنتخبة

شهد قطاع غزّة خلال السنوات العشر الماضية تحوّلاً في الدور الذي تلعبه العائلات، فبعد أن ارتبط نشاط بعضها في وعي المجتمع بالمُشاجرات المُسلّحة وبعض مظاهر الفلتان الأمنيّ، بات نشاطها مرتكزاً على اتحادات وتجمّعات عائليّة تُجري انتخاباتٍ دوريّة وتستخدم وسائل التواصل الاجتماعيّ.

جرى هذا التحوّلُ تحت وقع التغيّرات السياسيّة التي أصابت القطاع، فشكل العائلات وحضورها اختلف بعد سيطرة حركة "حماس" وإدارتها للقطاع عمّا كان قائماً في ظلّ وجود السلطة الفلسطينيّة. في هذا المقال، نستعرض التحوّلات التاريخيّة التي جرت على شكل ودور العائلات في قطاع غزّة؛ كيف استخدمها أبو عمّار لدعم مشروع السُّلطة؟ كيف استخدمتها السُّلطة في مواجهتها مع حركة "حماس"؟ وكيف تغيّر دورها من تسليحٍ ومربّعاتٍ أمنيّة إلى اتحاداتٍ وتجمّعاتٍ عائليّة؟

بيعة مُقابل الوظيفة

انتهت الانتفاضة الأولى وعاد ياسر عرفات إلى القطاع وهو مدرك لأهميّة العائلات ووزنها إذا ما أراد تثبيت نفسه، فقرّر احتواءها. عام 1994، وبعد شهرين فقط من تأسيس السُّلطة، أصدَرَ عرفات القرار رقم (161) والقاضي بإنشاء "إدارة شؤون العشائر"، وألحقها بديوان الرئاسة. رافقت ذلك حملةٌ واسعةٌ لكسب ولاء زعماء ووجهاء العائلات الكُبرى، فاستقبلَهم في مكتبهِ على شاطئ بحر غزّة، منظِّماً ما يشبه جلساتِ المبايعة العامّة.1تُصنّف العائلاتُ إلى كبرى وصغرى وفقاً لعدد الذكور الحاملين لبطاقة الهوية، فالمقصود بالعائلات الكبرى هي العائلات الأكثر عدداً في أماكن تواجدها، كعائلة حلس في غزة، والمصري والأسطل والفرا في خانيونس، والشاعر في رفح، وعائلتي الكفارنة والمصري في بيت حانون، وأبو وردة في جباليا، وحمودة والمصري في بيت لاهيا.

اعتمد عرفات في كسب ولاء زعماء العائلات على توزيع الوظائف والامتيازات الحكوميّة، فأصبح "الكتاب الموّجه إلى الرئيس" أفضل الطرقِ وأقصرِها للحصول على الوظيفة والمنصب. ودائماً ما كانت لوجهاء العائلات الحظوة والقدرة على نقل الكتاب أو التوسط عند الرئيس إنفاذاً له. 

اقرؤوا المزيد: عشائر وقضاة.. من يأخذ حقّ الضحايا؟

لأبي عمّار غايات من استمالة العائلات؛ من جهةٍ كان بحاجة إلى دعم العائلات للمسار السلميّ الذي طرحه عبر جسم السُّلطة الفلسطينيّة الوليد، والذي كان مرفوضاً من فصائل كـ"حماس" والجهاد الإسلاميّ وبعض فصائل اليسار، ومن جهةٍ أخرى، أراد خلقَ قناةِ تواصلٍ مُباشرة مع أهالي القطاع بعيداً عن احتكار كوادر الأراضي المُحتلة من حركة "فتح". استطاعت تلك الكوادر أن تكسب شرعيتها وسط الناس بسبب مشاركتها الفاعلة في الانتفاضة الأولى، وتمكّنت بذلك من السيطرة على القواعد التنظيميّة في حركة "فتح" وعلاقاتها مع المجتمع الفلسطينيّ.2كوادر الأراضي المُحتلّة أو الحرس الجديد، وهو مصطلح يُشير إلى كوادر حركة "فتح" الذين ناضلوا ونشطوا داخل فلسطين، وجرى استخدامه كمُقابل للعائدين من حركة "فتح" الذين شاركوا في الثورة الفلسطينيّة خارج الوطن. عبر إضعاف هؤلاء، أَمِل عرفات أن يُحدث حالة توازنٍ بينهم وبين قيادات "العائدين"، وأن ينظر إليه الطرفان المتصارعان على النفوذ كحَكمٍ بينهما.3جميل هلال، النظام السياسي الفلسطيني بعد أوسلو دراسة تحليلية نقدية، 2006، رام الله: مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

في المقابل، استخدمت كوادر الأراضي المحتلّة في "فتح" الثقلَ العائليّ في القطاع، ووظّفته في الصراع الداخليّ على القواعد التنظيميّة للحركة. وبأسلوب يحاكي عرفات، استقطبت الكوادرُ أبناءَ العائلات عبر توظيفهم في الأجهزة التي تخضع لسيطرتها، كما جرى في جهاز الأمن الوقائي الذي كان تحت إدارة محمد دحلان في حينه. وهكذا تصاعد نفوذ العائلات، وأُنتِجَ نوعٌ من التكامل ما بين الثقل التنظيميّ والثقل العائليّ، مثل حالة القيادي أحمد حلّس الذي استند على قوة عائلته في تثبيت موقعه أمام خصومه التنظيميّين. 

اقرؤوا المزيد: "دحلان.. سيرة الأخطبوط".

بعد فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعيّة عام 2006، انتهجت "فتح" سياسةً واضحةً لتوريط بعض العائلات في الصدام مع "حماس". عملت على ذلك من خلال تعزيزها لنموذج "العائلة المسلّحة" القائم على وجود مربّعٍ أمنيٍّ تسكنُهُ عائلةٌ واحدة، بينهم عدد كبير من المسلحين بأسلحةٍ خفيفة إلى متوسطة، يتبع جزءٌ كبيرٌ منهم في ولائه لأجهزة السلطة الأمنيّة. ومن الأمثلة على ذلك؛ عائلة "كوارع" شرق محافظة خانيونس، عائلة "حلّس" في حي الشجاعية، وعائلتي "الكفارنة" و"المدهون" شمال قطاع غزّة. 

تباينت استجابة العائلات مع ذلك تبعاً للثقل الذي شكّله عناصر كلٌّ من حركتي "فتح" و"حماس" في العائلة. وفي الوقت الذي انخرطت فيه بعض العائلات في مواجهات حقيقية مع "حماس"، رفضت عائلاتٌ أُخرى التورط مفضلةً البقاءَ على الحياد. كما انعكس الصراع ما بين "فتح" و"حماس" على العلاقات البينيّة للعائلات، إذ ورّط أبناءُ العائلات (من الحركتين) عائلاتِهم في صدامٍ مسلّح مع عائلات أخرى، مما انعكس على السلم المُجتمعيّ في القطاع. 

أفراد من عائلة الخضري قبيل البدء بالتصويت لاختيار أعضاء مجلس العائلة، يناير 2020 (فيسبوك).

انتهاء المُربّعات الأمنيّة

في أغسطس/ آب 2008، وبعد مرور سنة على سيطرة "حماس" على القطاع، بدأت أجهزتها الأمنيّة حملة شرسة استهدفت مُربّع عائلة حلّس، وذلك بعد رفض العائلة تسليم القيادي في كتائب شهداء الأقصى وخبير المتفجرات زكي السكني4من الأسماء البارزة في كتائب شهداء الأقصى، عُرِفَ بمهاراته في مجال تصنيع المتفجرات. اعتقلته حركة "حماس" عام 2008 على خلفية اتهامه بالمشاركة في تفجير سيارة مفخخة على شاطئ بحر غزة. في العام 2013 حكم بالسجن 15 عاماً، وأفرج عنه في العام 2016 في إطار التقارب ما بين دحلان وحماس، وأُبعد إلى مصر. المتهم بالمشاركة في تفجير سيارة مفخخة، أسفرت عن مقتل وإصابة عدد من عناصر كتائب القسام. انتهت المواجهات بين العائلة وقوى الأمن بسقوط 11 قتيلاً وإصابة العشرات من الطرفين، وفرار ما يقارب 150 شخصاً من عائلة حلّس تجاه أراضي الـ48، وعلى رأسهم القيادي في "فتح" أحمد حلّس. في المقابل، فككت الأجهزة الأمنية المربع الأمنيّ للعائلة، واعتقلت السكني ورفاقه. 

بعد شهرٍ من ذلك، تكرّرت القصة ذاتها مع عائلة "دغمش" ومربعها الأمنيّ، وأسفرت الاشتباكات في حينه عن مقتل 10 أشخاص وإصابة العشرات من العائلة. تلت ذلك مجموعة إجراءات نفّذتها الأجهزة الأمنيّة، هدفت إلى فكفكة مربّعات العائلات الأمنية وإزالة مظاهر العسكرة عنها، ومنع إطلاق النار في الحفلات والمناسبات. كما انضمّت الأجنحة العسكريّة إلى جهود الأجهزة الأمنيّة، عبر بروتوكولٍ سنّته، تُسحب وفقه أسلحةُ أبناء الفصائل تلقائيّاً حين يُشبّ نزاعٌ بين عائلاتهم وعائلات أخرى، لتجنّب توريط سلاح الفصائل في معركة العائلات.

تتعدد الأسباب التي دفعت الأجهزة الأمنية التابعة لـ"حماس" للصدام مع العائلات، أهمها حاجتها لمنح "الحسم العسكريّ" شرعيةً شعبيّةً عبر تقديمه كحلٍّ وعلاجٍ لحالة الفلتان الأمنيّ التي اشتكى النّاسُ منها طويلاً في القطاع، وقرنوها بظاهرة انتشار السّلاح بين أفراد العائلات. لذلك، ركّزت دعاية "حماس" على قدرة جهازها الحكوميّ وقوّتها التنفيذيّة على "فرض الأمن وحماية المواطنين من بطش العائلات الكبرى". من جهةٍ أخرى، شكّل نموذج "العائلة المُسلّحة" تهديداً لنفوذ "حماس" وسلطتها الناشئة، إذ تخوّفت الحركة من تحوّل المربعات الأمنيّة للعائلات إلى خاصرةٍ رخوةٍ تُقوِّضُ نفوذَ الحركةِ في القطاع.

من عائلة مُسلّحة إلى عائلة بصفحة "فيسبوك"

بعد أن انتهت ظاهرةُ "العائلة المُسلّحة"، برزت في السنوات العشر الأخيرة ظاهرة التجمعات العائليّة في القطاع. بدأت كصفحات أو مجموعات على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وتحوّلت إلى تجمعات شبابيّة خاصّة بالعائلة، ثم تطوّرت لاحقاً إلى اتحادات عامّة على أرض الواقع. 

تتكوّن غالب الاتحادات العائليّة عادةً من مجلسين: مجلس خاصّ بالشباب، تقع عليه مسؤولية تنفيذ أنشطة العائلة وفعالياتها، ومجلس عامّ يضمّ وجهاء العائلة، يترأسه مختار العائلة المنتخب أو المعيّن، ويُراعى فيه تمثيل كافة فروع العائلة. تمتلك أغلب العائلات لائحةً تنظيميّةً تُعتبر بمثابة دستورٍ لها، وصندوقاً تجمع فيه تبرعات أبناء العائلة لتمويل أنشطتها وفعالياتها، مثل: الرحلات الترفيهيّة وحفلات تكريم الطلبة الناجحين بالثانويّة العامّة.

وتحرص عدّة عائلات على تنظيم انتخابات دوريّة للاتحاد والمخترة، تختلف شروط المشاركة والانتخاب فيها من عائلة لأخرى، لكنها تجتمع في أغلبها في حصر المشاركة على أفراد العائلة الذكور البالغين من العمر 18 عاماً فما فوق. خلال العام 2019، نظّمت أكثر من 20 عائلة في القطاع انتخابات لاتحاداتها العائليّة. 

ساهمت عوامل عديدة في ظهور وانتشار الاتحادات العائليّة، منها تراجع دور الفصائل في السّاحة الفلسطينيّة. ومن ذلك أيضاً، سياسات الحكومة في غزة وتضييقها على أنشطة "فتح" وفعاليتها التنظيمية، ما ترك آلاف الكوادر دون إطار تنظيمي، فاتخذوا العائلات واتحاداتها كغطاءٍ للعمل السياسيّ.

للمزيد، اقرؤوا: لا صوت لتنظيم غزة داخل حركة "فتح"

هكذا، أصبحت التجمّعاتُ العائليّة ساحةً للتنافس والاستقطاب ما بين كوادر الأحزاب. في هذا السّياق، أعلن الرئيس عباس عام 2012 عن تشكيل الهيئة العليا للعشائر في المحافظات الجنوبيّة سعياً منه إلى منع احتكار "حماس" للمشهد العشائريّ في غزّة. لكنه تراجع عن ذلك وقرر حلّ الهيئة عام 2019 بعد اتهامها ورئيسها بـ"التجنح" والتعاون مع محمد دحلان، الذي رأى في الهيئة فرصة للتمدد في مجتمع المخاتير ورجال الإصلاح.

أما "حماس"، فقد تعاملت مع العائلات من خلال مسارين: الأوّل قائم على الجهاز الحكوميّ، تحديداً الإدارة العامة لشؤون العشائر والإصلاح في وزارة الداخلية،5ألحقت بوزارة الداخلية عام 2005 بقرار من الرئيس محمود عباس بعد أن كانت تابعة لمكتبه. ودائرة شؤون المخاتير في وزارة الحكم المحلي. وكلا الدائرتين تشرفان6تشترط الإدارات الحكومية على المرشح لمنصب المختار أن يُحضر 200 توقيع من أبناء عائلته، وتزكية عددٍ من رجال الإصلاح. ولم يسبق للهيئات الحكومية أن تدخلت لرفض نتائج انتخابات عائلية أو فرض مختار يخالف إرادة العائلة، لكنها تدخلت في بعض الأوقات فارضة إجراء الانتخابات خاصة في الحالات التي تشهد تنازع أكثر من مختار على المنصب.على متابعة المخاتير، وتعيّنهم من خلال منحهم "ختم المخترة"، الذي يمكّن المختار من تحرير أوراق الصلح العشائري وإنجاز بعض المعاملات الحكومية.

أما الثاني فقائم على ثقل تنظيم "حماس"، وذلك من خلال  تفعيل لجان الإصلاح التابعة لـ"رابطة علماء فلسطين"، وتوظيفها في حلّ الخلافات الاجتماعيّة، حتى وصل عددها عام 2019 إلى 46 لجنة تقريباً، تضمُّ في عضويتها حوالي 500 شخص. كما شجّعت الحركة كوادرها على الانخراط في أنشطة العائلات، وعدم ترك الساحة لخصومها. وهي بذاتها حافظت على نوع من التواصل مع العائلات، فمثلاً نظمت الحركة  في أغسطس/ آب 2019 حملةً زارت فيها ما يقارب 600 عائلة في مختلف مناطق القطاع. 

من يملأ الفراغ السياسيّ؟

يرتبط تصاعد النشاط العائليّ عكسيّاً مع نشاط الأحزاب السياسيّة، ففي الأوقات التي تشتدُّ فيها حالة الاشتباك مع العدو الإسرائيليّ، كما يحصل في الانتفاضات والحروب، يتراجع ظهورُ العائلات ونشاطها لصالح الفصائل. بينما تدفع حالة الركود السياسيّ العائلاتِ وتشكيلاتِها مُجدداً إلى واجهة العمل العام. 

لا يعني ذلك أنّ العلاقة بين العائلة والحزب علاقة تنافسيّة أو متضادة، إنّما يُمكن اعتبارها تفاعليّة. إذ يحرص الحزب على استقطاب العائلات إلى طرفه من خلال أفرادها. والعائلات أيضاً تحرص على إدارة علاقتها مع الأحزاب، فتُعظّم من نفعها العام وتُصدّر أبناءها إلى العمل السياسيّ. من الأمثلة على ذلك، أن أصدر اتحاد إحدى عائلات خانيونس الكُبرى قراراً بمنع ترشح أكثر من شخص من أبناء العائلة عن الفصيل الواحد، وذلك منعاً لتشتيت أصوات العائلة.

على الرغم من تصاعد نشاط العائلات وقدرتها على التأثير المجتمعيّ، إلا أنّه من الضروري وضع هذا النشاط في إطاره الطبيعيّ دون تضخيمه أو تقديمه كبديلٍ عن العمل السياسيّ التنظيميّ. فما زالت الفصائل تتمتّع بالشرعيّة السياسيّة المُستندة على الفعل النضاليّ، وتمتلك أجهزة بيروقراطية تتجاوز في تكوينها الاعتبار العائلي، وتجعلها الأقدر على التمدد أفقياً في المجتمع. 

كما تلعب الطبيعةُ السكانيّة للقطاع الذي يشكل اللاجئون ثلثي سكانه دوراً في تعزيز العمل الفصائليّ، فالعائلات الكبرى في أغلبها من شريحة "المواطنين" (مدن، بدو، فلاحين) على خلاف شريحة اللاجئين المنتظمين في عائلات صغيرة الحجم قليلة النفوذ، مما يجعل العمل التنظيمي أكثر جاذبيةً وفعالية لها. وفي نظرة سريعة إلى النخبة السياسية الحاكمة في القطاع نجد أنّ أغلبها من مخيمات اللاجئين ومن عائلات صغيرة الحجم. 

خطوة إلى الوراء

استخدمت السُّلطة الفلسطينيّة حضور العائلات والعشائر سعياً منها للوصول إلى عدد من الأهداف، على رأسها الحفاظ على السلم الأهلي. لكن هشاشة وضعف أجهزة السّلطة، الذي تفاقم مع الانتفاضة الثانية وما تلاها من فلتانٍ أمنيّ، حوّل هذه العائلات من مُركّبات استقرار إلى وحدات توتير. وبعد سيطرة "حماس" على قطاع غزّة واشتباكها مع العائلات الكبرى، تراجعت العائلات خطوةً إلى الوراء في تحديها للسلطة القائمة، واتجهت لتمارس وظيفتها التقليديّة في حفظ السلم الاجتماعيّ. 

شاهدوا: الانتفاضة الثانية.. سيرة الملحمة

وعلى أهمية وجود العائلات كعنصر استقرار في المجتمع، إلا أنّ تصاعدَ دورها في المجال العامّ لا يعكس جوّاً سياسيّاً وصحيّاً تمكن المراكمةُ عليه بالضرورة. فبينما تتقاعس الهيئات والأجسام النقابيّة والحزبيّة عن إجراء أبسط عمليّة ديموقراطيّة، فيما لم يتبق في القطاع جسمٌ يستند على الانتخابات سوى الاتحادات العائليّة. وبدل أن تلتفت التنظيمات الفلسطينيّة لوضعها الراكد وتحاول تحريكه، تحرص على دفع كوادرها للمشاركة في انتخابات اتحادات العائلات! 

وكما أنّ تقدّم العائلات إلى الحيّز العام لسدّ الفراغ الذي خلّفه ركود وتراجع الأجسام السياسيّة، فإنّ إعادةَ العائلة كبُنية مُنظّمة إلى حيّزها الاجتماعيّ لن يتم إلا بتنشيط العمل السياسيّ والمدنيّ من خلال تحرير مساحاتِ السياسة الصُغرى، كالعمل الطلابيّ والنقابي، وإصلاح العمل التنظيميّ في الفصائل.