"لقد أنشأتُ فيكم كفلسطينيّ أمريْن: أوّلهما عقل المنظمة وهو مركز الأبحاث، وعضلات المقاومة وهو جيش التحرير". هذا ما جاء على لسان رئيس منظمة التحرير أحمد الشقيري، الذي أوعز عام 1965 بتأسيس مركز الأبحاث الفلسطينيّ التابع للمنظمة في بيروت، واعتبره موازياً للجناح الثاني من المنظمة؛ جيش التحرير.1عبد الحفيظ محارب، "الدكتور أنيس صايغ حالة جميلة في الثقافة الفلسطينية"، في أنيس صايغ والمؤسسة الفلسطينية: السياسات، الممارسات، الإنتاج، رام الله، معهد مواطن، 2010، ص 54.
ترأس المركزَ بدايةً الباحثُ والكاتب الفلسطينيّ فايز الصايغ، ثمّ تسلّم أخوه أنيس رئاسته من بعده عام 1966 وحتّى عام 1977، ثمّ تسلّمه بعدها محمود درويش حتّى عام 1978، ثم صبري جريس حتّى 1982 والاجتياح الإسرائيليّ لبيروت.
يستقي المركز هدفه الرئيسي من مقولة "اعرف عدوّك"، لذا سعى إلى تعريف الفلسطينيّين- والعرب عموماً- ومن كانوا منخرطين في صفوف الثورة تحديداً، بالعدوّ الإسرائيلي الذي يقاتلونه. ذلك انطلاقاً من أنّ النضال السياسيّ لا ينفصل عن النضال الثقافيّ، ومن أنّه يتعيّن على المناضلين التعرّف على عدوّهم سياسيّاً واجتماعيّاً وثقافيّاً واقتصاديّاً وأمنيّاً. يقول أنيس صايغ في مذكّراته: "ليس صدفةً أنْ يسيرَ هذا الوعي الناشئ بأهميّة الثقافة والعلم في المعركة، جنباً إلى جنب مع تطوّر المقاومة الفلسطينيّة وتزايد ضغطها على العدوّ. وكان ذلك إشارةً واضحةً إلى تعدّد الأسلحة وتنوّعها في آنٍ، وارتباطها مع بعضها بعضاً".2أنيس صايغ عن أنيس صايغ، بيروت: رياض الريس للكتابة والنشر، 2006، ص217.
"التسلّح للمعركة القادمة"
تكوّن المركز من أقسامٍ عدّة؛ إداريّة وماليّة وبحثيّة. يهمّنا هنا الشق المُتعلّق بالإنتاج المعرفيّ، وهو يتألف من ثلاثة أقسام: المكتبة، وقسم الأرشيف، وقسم البحث. أمّا المكتبة، فكانت أكبر مكتبة مُتخصّصة بالقضيّة الفلسطينيّة في الوطن العربيّ، واحتوت على كتبٍ بالألمانيّة والعربيّة والعبريّة والفرنسيّة والإنجليزيّة، إضافةً إلى كتبٍ بلُغاتٍ أخرى. تطوّرت من مكتبة بثلاثِ أو أربع خزائن، إلى مكتبةٍ من طابقيْن، وتجاوز عدد الكتب فيها عشرين ألف كتابٍ.3صايغ، عن أنيس صايغ، 215.
أما قِسمُ الأرشيف فضمَّ الوثائقَ المُتعلّقة بالقضيّة الفلسطينيّة، سواء التي تُنشر في الصُحف والدوريَّات، أو التي لم تُنشر، بعد أن قام المركز نفسه بتحصيلها.4تنوّعت أساليب الحصول على الكتب والوثائق، فإضافة إلى الكتب التي كان تُقتنى بالطرق التقليدية، كانت تُهرّب بعض الكتب من خارج فلسطين عن طريق أصدقاء المركز. مثلاً، يذكر أنيس صايغ في مذكّراته شراء مجموعة من الكتب التي تتعلق بتاريخ فلسطين، كانت موجودة لدى بريطانيّ يهودي يبيعها فقط لأشخاص محدّدين يعرفهم ويثق بهم. لتحصيل هذه الكتب، استخدم صايغ أسماءً وهميّة وعناوين مختلفة، وخاض ساعاتٍ طويلةً من التفاوض مع صاحبها، حتى استطاع اقتناء المئات من الكتب الأثريّة والنادرة عن تاريخ فلسطين.أُولي هذا القسمُ عنايةً فائقة، واحتوى على وثائق سريّة ونادرة تعود إلى فترة الانتداب البريطاني، توثّق وتفصّل بشكل رسميّ ملكيَّات الأراضي في فلسطين.5المرجع السابق، 217.
ويتفرّع القسمُ البحثيّ إلى ثلاثة أقسام رئيسيَّة: القسم الإسرائيليّ، والقسم الفلسطينيّ، والقسم الدوليّ. كان الباحثون في هذه الأقسام يُنتجون الأبحاثَ ويُعِدّون الدراساتِ الميدانيّة، وقد تجاوزت إصداراتُ المركز ثلاثمئة كتاب.6صايغ، عن أنيس صايغ، 216.زوّدت هذه الأقسام جميعها مشاريعَ المركز الرئيسة، وهي: دوريَّة "اليوميات الفلسطينية" (1965) التي توثّق- مرَّتيْن سنوياً- الأحداث المرتبطة بالشأن الفلسطيني العام، ومجلّة "شؤون فلسطينية" (1971) التي واكبت مجريات القضيّة الفلسطينيّة وتطوّرها شهريّاً، ونشرة "رصد إذاعة إسرائيل" (1973) التي كانت مصدراً لمعرفة ما يحدث عند العدوّ الإسرائيلي، برصد وتحليل كلّ ما تبثّه إذاعته مدنيّاً وعسكريّاً بشكلٍ يوميّ.
عملتْ في المركز مجموعةٌ كبيرةٌ ومتنوعةٌ من الباحثين والباحثات الفلسطينيّين والعرب، الذين أهّلتهم للوظيفة جدّيتُهم البحثيّةُ وانتماؤهم للقضيّة؛ لا الانتماء الفصائليّ أو جنسيّتهم أو شهادتهم العلميّة. نذكر منهم: عبد الحفيظ محارب، وماهر الشريف، ومحمود درويش، وسلمى حداد، وإبراهيم العابد، وخيرية قاسمية، وداوود تلحمي، وجميل هلال.
أنتج المركز منشوراتٍ في مُختلف المواضيع التي تخدم الفواعل السياسيَّة والعسكريَّة على أرض الميدان. مثلاً، نشر كتاب "أسلحة الجيش الإسرائيلي"،7هشام عبدالله، أسلحة الجيش الإسرائيلي، بيروت، مركز الأبحاث، 1974. الذي يوفّر معرفةً تتعلّق بالأسلحة الإسرائيليّة وتكتيكات الجيش العسكريّة. وأنتج المركز كذلك كتاب "دافيد بن جوريون"8تهاني هلسة، دافيد بن جوريون، بيروت، مركز الأبحاث، 1968.، وذلك لفهم الحركة الصهيونيّة وتطورها ومطامعها في فلسطين، من خلال أحد أهم رموزها. إضافةً إلى كتاب "التعليم في إسرائيل" والهدف منه، كما جاء في تمهيد المدير العام للمركز في حينه أنيس الصايغ، "للمواطن العربي المهتم بزيادة ثقافته عن العدو كجزء من التسلّح للمعركة القادمة".9منير بشور وخالد يوسف، التعليم في إسرائيل، بيروت، مركز الأبحاث، 1969.
"بتاع الشقيري؟"
لم يكن المركز مركزاً بحثيّاً مُستقلاً بشكلٍ كامل، لأنّه وُلِد من رحم منظّمة التحرير الفلسطينيّة، وسار تحت مظلّتها، وفي ضوء أجندتها ورؤيتها السياسيّة. إداريّاً، كان مدير مركز الأبحاث يتبع مباشرةً إلى رئيس اللجنة التنفيذيّة للمنظمة، وانطبقت على المركز الأنظمةُ والإجراءاتُ السارية في المنظمة. وماليّاً، تابع الصندوق القوميّ الفلسطينيّ حساباتِ المركز وأشرفَ عليها. وعلى صعيد الإنتاج الفكريّ والمعرفي، حظي المركزُ باستقلالية نسبيّة في الأنشطة والمنشورات على ألَّا تخرج عن حدود ميثاق المنظمة.
أتاحت هذه الاستقلالية النسبيّة للمركز حريّةً في النشر وفي تعيين الباحثين والموظَّفين، وأغلقت المجال أمام أيّة تدخّلات من الفصائل والجهات الرسميّة الفلسطينيَّة في عمل المركز. لذلك اتسّمت علاقاته مع المنظّمة بالمدّ والجزر، فكانت الفترة الذهبيّة هي الفترة التأسيسية أيّام الشقيري، الذي تابع عمل المركز وقرأ منشوراته وأبدى رأيه حولها مع أخذ استقلالية المركز بعين الاعتبار. لكن في فترة يحيى حمودة، الذي خلف الشقيري لفترة قصيرة، ظهرت بعض الخلافات الصغيرة، ومن بينها اعتبار حمودة لبعض المنشورات إساءةً لحزب الاستقلال الذي كان ينتمي إليه.10صايغ، عن أنيس صايغ، 233. وقتها نُشِرَت دراسةٌ تحلِّلُ ثورة الـ 36 ودور الأحزاب الفلسطينيّة فيها، فطالب حمودة بسحب الدراسة من الأسواق، وهذا ما رفضه المركزُ رفضاً تاماً.
زادت حدّة الخلافات في الفترة التي أصبح فيها ياسر عرفات رئيساً تنفيذيّاً للمنظمة. في لقاءٍ بينه وبين نبيل شعث وأنيس صايغ، عرّف شعث عرفات بصايغ، ليُـتَـمتِـم عرفات بالقول: "بتاع الشقيري؟". ولم يكن واضحاً من كان "بتاع الشقيري" بالضبط، المركز أم صايغ نفسه. يشير الصايغ إلى أنّ الخلاف يعود إلى عدم موافقة المركز لرؤية عرفات، التي أراد فيها- مثلاً- أن تؤخذ موافقتُه على المواد قبل أن يتم نشرها. إضافةً إلى ذلك، كان عرفات كثير العتب على المركز لقلّة مساهمة كتّاب حركة "فتح" في مجلة "شؤون فلسطينيّة" وإصدارات المركز المختلفة، في مُقابل غلبة الباحثين المنتمين لـ "الجبهة الشعبيّة" و"الجبهة الديموقراطيّة"، نظراً لشيوع الحركتيْن في أوساط المثقفين والطلبة الجامعيين آنذاك، وليس بسبب فصيلهم.11صايغ، عن أنيس صايغ، 294-295.
اقرؤوا المزيد: منظّمة التحرير.. رحلة الكفاحِ إلى التسوية
رُبّما تُرجمت هذه الخلافات بين المنظمة والمركز لاحقاً على شكلِ إهمال، فبالرغم من أنّ المركز وضع خطّةً للحفاظ على أهمّ محتويات المكتبة في حال تعرّضت للاعتداء والتدمير، عن طريق نقل الوثائق والخرائط والكتب النادرة إلى مخابئ سريّة، إلا أنّ أحداً لم يعبأ بذلك إبان الاجتياح الإسرائيليّ لبيروت عام 1982. 12صايغ، عن أنيس صايغ، 220.
سيّارة مفخّخة أمام المركز
في تقريرٍ لها عام 1969، ألقت المنظمة الصهيونيّة العالمية الضوء على مركز الأبحاث وإصداراته. وأفاد التقرير بأنّ على القادة في المنظمة أن "يقتدوا به إذا أرادوا لحركتهم النجاح".13المرجع السابق، 253. بعد هذا التقرير، بدأت الهجمات الإسرائيلية تتوالى على المركز.
كان الاعتداءُ الأوّل عام 1971، والذي كان بمثابة تحذير أوّلي وبسيط، إذ وضعت قنبلة أمام مبنى المركز أدّت إلى أضرارٍ طفيفة. أمّا الاعتداء الثاني، فقد جاء في أعقاب اغتيال غسّان كنفاني عام 1972، وكان الهدف منه اغتيال الصايغ عن طريق وضع مادة متفجّرة في رسالة بريديّة، وأدّى هذا الانفجار إلى إصابة الصايغ وتضرّر جزءٍ من المبنى. عام 1974، كانت حدّة الاعتداء أعلى، فقد وضعت سيّارة مفخّخة بثلاث قنابل مُتفجّرة في قطعةِ أرضٍ مقابلة لمبنى المركز، وأدّى انفجارها إلى تضرّر أجزاءٍ من المكتبة واختراق عددٍ كبيرٍ من الكتب والمواد الأرشيفيّة.
وقد طالت أيضاً محاولاتُ الاغتيال الباحثين في المركز، منهم بسّام أبو شريف وشريف الحسيني، واللذان كانا عضويْن بارزيْن في الجبهة الشعبيّة. زادت حدّة الاعتداءات أكثر قبيْل اجتياح بيروت عام 1982، حين وضعت سيارتان مفخختان أمام المركز في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب من ذلك العام. وفي سبتمبر/ أيلول، داهمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، برفقة خبراء في التوثيق وعلوم المكتبات، المركز وسرقت محتوياته.14سميح شبيب، الذاكرة الضائعة، قصّة المصير المأساوي لمركز الأبحاث الفلسطيني، لندن، هيئة أرض فلسطين، 2005، 4/12-13.على مدار أسبوع كامل، كانت المدرّعات الإسرائيلية تنقل محتويات المكتبة من كتبٍ وتسجيلاتٍ صوتيّةٍ وأرشيفيّةٍ وأثاث وآلات طباعة إلى الأرض المحتلة.
كان استهداف المركز وباحثيه نتيجةً طبيعيةً للدور الذي لعبه في خلق الرابط ما بين العمل الثقافيّ والعمل النضاليّ، فلم تكن المعرفة التي ينتجها المركز معرفةً نابعة من ترفٍ ما، بل جاءت حاملةً لقيم الثورة والنضال. كانت هذه المعرفة وليدة الظرف السياسيّ وقتها، وبالتالي لم تكن هنالك هوّة بين المثقّف والمناضل، لأنّ كلاهما يعمل على تحقيق الهدف ذاته: تحرير الأرض.
غذاء للقوارض
عام 1983 بدأت المفاوضاتُ من أجل إرجاع محتويات المكتبة المنهوبة مقابل الإفراج عن أسرى إسرائيليّين. وافق الإسرائيليون على مطالب عرفات، وجرت عملية التبادل في ميناء الجزائر. هناك بدأت رحلةُ الضياع المُضاعف للمكتبة، فلم ترسل المنظمة أيَّ ممثّل عنها لاستلام الكتب المحرّرة. وبعد أسبوعين من وصول الكتب، التي وُضِعَت وممتلكات المركز في 114 صندوقاً، استلم السّفير الفلسطينيّ في الجزائر الصناديق دون تفقدها. وبعد ذلك، وضعت المحتويات في إحدى المعسكرات الجزائريّة حيثُ كانت تُعسكر إحدى الوحدات الفلسطينيّة. بقيت الصناديق في الجزائر دون تحرّكٍ فعليٍّ لنقل محتوياتها وإنقاذها، بالرغم من عرض الحكومة الجزائريّة وقتها بأن تضعَ الكتبَ في مبنى مقدّم منها، ويعاد افتتاح المركز فيه. لكن حاول عرفات، بالرغم من ترحيبه بالفكرة، أن يعرض المكتبةَ كمنحةٍ مقدَّمةٍ لجريدة "الأهرام" في القاهرة، لكنّها رفضت.15شبيب، الذاكرة الضائعة، 13.
عام 1986، وبعد انتشار الشائعات حول تلف الصناديق، أوعز عرفات لصبري جريس، رئيس المركز آنذاك، وللكاتب سميح شبيب، بالسفر إلى الجزائر لتفقد الصناديق ونقل ما يمكن نقله منها إلى قبرص. حين وصولهم، كانت الصناديق سليمة، وأوصى كلٌّ منهما بنقلها إلى قبرص (بعد الخروج من بيروت اتخذ المركز من نيقوسيا في قبرص مقراً له)، وهذا ما لم يحدث أبداً.
اقرؤوا المزيد: سيرة مختصرة لسُلطةٍ لم تعد لها أيّ حاجة
تُركت أعظم مكتبة عن فلسطين للشتاء والقوارض والتخزين المُتلِف، ومات المركز قبل أن تموت الثورة الفلسطينية فعلياً بعدّة سنوات. لم تكن وفاته الفعليَّة على يدِ الإسرائيليين، بل كانت على أيدي من بنوه أنفسهم، الذين ضيّعوه وفرّطوا فيه.
المسمار والنعش
لا يجد المطّلع على موقع مركز الأبحاث أيّة إشارة لمصير الكتب، أو أي إشارة واضحة للإهمال في الحفاظ عليها. يكتفي الموقع بذكر استعادة الكتب خلال عملية التبادل، ويكتفي بالإشارة إلى أنّ مقر المركز انتقل إلى قبرص ليتوقف نهائياً عن العمل عام 1993 نتيجةً لظروفٍ "قاهرة".
استأنفت مجلّة "شؤون فلسطينية" الصدور عام 2011 بإيعاز من محمود عباس، وذلك في ذكرى وفاة ياسر عرفات، وترأس سميح شبيب تحريرها. وفي عام 2016، أُعيد افتتاح المركز بشكلٍ رسمي في رام الله برؤية تتماشى مع السياسات العامّة لمنظمة التحرير، وقد عيّن محمد اشتية رئيساً لمجلس الإدارة، ومنتصر جرّار المدير العام.
في مُقابلة معه عام 2017، يُشير فيصل حوراني إلى أنّه تلقّى نبأ من شبيب بأنّ الجزائريين قد أرسلوا للمركز قائمة مفصّلة بما تضمّه 70 حاوية من كتب المركز ومقتنياته، ستتم رقمنتها لتُرسل إلى رام الله.16يُقدّر حجم الحاوية الواحدة بـ 50 متراً مُكعّباً. وحتّى الآن، لم نرَ منها إلا 25 كتاباً إلكترونيّاً على موقع المركز.
لمُتابعة ذلك، توجّهنا بالسؤال لمدير مركز الأبحاث الحالي، مُنتصر جرّار، حول مصير إصدارات المركز وأرشيفه. إذ أكّد لـ"متراس" أنّ أرشيف المركز موجودٌ في الجزائر، وبعد أن استلمته المنظمة من الجزائر خصّصت لحفظه مكاناً يتبع لها، ونقلته إلى هناك لحين اتخاذ قرار بشأن إعادته إلى البلاد أو أرشفته إلكترونيّاً. بحسب جرّار، فإنّهم يملكون اليوم 80% من إصدارات المركز، والتي لم تصل حتّى الآن، فهم ينتظرون انتهاء أزمة "كورونا" لجلبها إلى رام الله.
أمّا الغريب في الأمر، فهو اكتشاف هذه الصناديق فجأة. عن ذلك يُشير جرّار، أنّ مُراسلات جرت بينهم وبين الجزائريين حول مصير مقتنيات المركز، والذين بدورهم أجابوا بأنّها موجودة لديهم. إذ كانت طوال الوقت بحوزة الاستخبارات الجزائريّة ضمن ملف "سرّي للغاية"، فلم تفصح الأخيرة عن وجودها، وذلك بناء على طلب من ياسر عرفات، حسب جرار.
مثلما انعكس عمل المركز سابقاً على رؤية منظمة التحرير وميثاقها، فإنّه اليوم يتماشى مع مشروع السلطة السياسي. إذ تحوّلت رؤيته من رؤية نضاليّة تحرّرية، إلى مرحلة ما بعد أوسلو والجري وراء حلم "الدولة". إذْ كانت المعرفة التي أنتجها مركز الأبحاث مرتبطة بالمشروع الوطني الفلسطيني، تغذّيه وتتغذى منه. لم تكن المساعي الإسرائيلية لاغتيال المركز وتدميره عبثية، بل كانت إدراكاً عميقاً لدور المركز وأهميّة المعرفة التي يبنيها، والدور الريادي الذي لعبته الثقافة التي صدّرها. كانت سرقة المكتبة من أقسى المسامير التي دُّقّت في نعش الثورة، وكان إهمالها من القيادة الفلسطينية هو النعش الذي ووريت فيه الثورة نفسها.