14 نوفمبر 2018

ليبرمان والتلاعب بِزرّ الـDelete

ليبرمان والتلاعب بِزرّ الـDelete

بنى وزير الحرب الإسرائيليّ المستقيل أفيغدور ليبرمان شخصيّته السياسيّة منذ تأسيس حزبه "يسرائيل بيتينو"/ "إسرائيل بيتنا" عام 1999، على أساس خطابٍ سياسيٍّ مُنفَلِتٍ من حيث عربدته وتهديده ووعيده. زَادَ من "ثِقَل" هذا الخطابِ الطابعُ الشخصيُّ "العصاباتي" لدى ليبرمان، والذي وَجَدَ صَداهُ في الأفكارِ المسبقةِ عن الثقافةِ الروسيّةِ "الستالينيّةِ" في الإعلام والمجتمع الإسرائيليّ، خاصّةً مع السيطرة الشّخصيّة المُطلقة لـ ليبرمان على حزبه، وهو ما لم يكن شائعاً ومركزيّاً في السّياسة الإسرائيليّة قبل ذلك.

استقالة ليبرمان من حكومة الاحتلال بحجّة "خضوع" الحكومة للفلسطينيين ليست سابقة، بل يمكن الادعاء أنّ ليبرمان نفسه يقع على نفس الجانب مع حكومته، وأنّه لو كان على رأس تلك الحكومة لما اختلف موقفه عنها.

من جهةٍ أخرى فإنّ ليبرمان في تاريخه السياسيّ قام بنفس الخطوة مرةً تلو الأخرى لزيادة قوّته البرلمانيّة. في العام 2001، أراد ليبرمان وحليفه رحبعام زئيفي الانسحاب من الحكومة بقيادة آريئيل شارون حينها، على خلفيّة ما قيل إنه "تنازلات" قدّمها الأخير للفلسطينيين ("تسليم" حي أبو سنينة في الخليل للفلسطينيين). استقالته تلك لم تتم بعد أن اغتيل الوزير زئيفي (وكان من حزبه)، لكنه عاد ليستقيل عام 2002 من منصبه كوزير للبنى التحتية.

في العام 2008 استقال ليبرمان من حكومة إيهود أولمرت في أعقاب قمّة "أنابوليس"، ليحصل بعدها في انتخابات 2009 على ذروة قوّته حاصلاً على 15 مقعداً في البرلمان الإسرائيلي من أصل 120، بعدها تنقل في وزارات مختلفة منها وزارة الخارجية.

المعطى الأساسي الذي يجب التطرّق إليه في هذا السياق، هو أن ما يظهر في الانتخابات الإسرائيليّة منذ بداية الانتفاضة الثانية، أنّ الأحزاب "اليمينيّة" لم تَعُدْ تتنافسُ على قوّة ناخبي "المركز" أو "اليسار" الإسرائيليّ. إنّما نجد أنّ نسبة معسكر "اليمين" من الناخبين الإسرائيليين لا تَتَغيّر بشكلٍ جديٍّ، إنّما ما يتغيّر هو انتقالُ الأصواتِ بين الأحزاب "اليمينيّة" – "الليكود"، و"يسرائيل بيتينو" - أيّ حزب ليبرمان، و"البيت اليهودي" بقيادة نفتالي بينيت وغيرها.

لذلك، فإنّ التغيّرات الأساسيّة التّي يجب النظر إليها في السياسة الإسرائيليّة هي ما يحدث بين أحزاب "اليمين" ذاتها، دون علاقة بـ"يسار" الخارطة السياسيّة الذي يمكن اعتباره جثةً هامدةً.

هكذا، فإنّ الحرب المركزيّة التي تشهدها الساحة السّياسية الإسرائيليّة هي بين الحزبين المدعيين أنّهما على يمين الليكود، أيّ "البيت اليهودي" بقيادة بينيت، و"يسرائيل بيتينو" بقيادة ليبرمان، وكلاهما شريكٌ في الائتلاف الحكوميّ الإسرائيلي.

في الشهور الأخيرة وبعد مسيرات العودة في قطاع غزة، هاجم بينيت، وهو وزير التعليم، ليبرمان بشكلٍ كاسحٍ. في بداية هذا الشهر مثلاً، قال بينيت عن زميله في الحكومة إنه "دَمَّرَ قوّة الردع"، وإنّه قدّم "هدايا للإرهاب". ليبرمان من جهته قال في أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي إنّ "بينيت ليس موجوداً بالنسبة لي، لقد ضغطت Delete Delete وهو محذوف بالنسبة لي". يندرج ذلك ضمن سلسلة طويلة من تبادل الاتهامات والهجوم بين ليبرمان وبنيت، وهي اتهامات تتمحور في غالبها حول "مهمة الحفاظ على الأمن". وقد نُقِل عن حزب "البيت اليهودي" أن بقاءه في الحكومة مشروطٌ بالحصول على حقيبة وزير الحرب، وأن مرشحهم لذلك هو بينيت.

يُذكر أن بينيت، بموازاة تصعيده للهجوم الكلاميّ على ليبرمان، قام بالعديد من الخطوات التي "تعدّت" على صلاحيات ليبرمان، مثل زيارة المواقع العسكريّة الإسرائيليّة جنوب فلسطين، وتقديمه خطةً أمنيّةً في المجلس الوزاريّ المصغّر بديلة عن الاستراتيجية الأمنيّة المُتبعة حالياً، وذلك في يوليو/ تمّوز هذا العام. هذه الصراعات كلّها هي صراعات لنهش "كعكة" أصوات "اليمين"، لا سيما مع التورط المستمر لـ نتنياهو في قضايا الفساد.

في سياق استقالة ليبرمان، نذكر أنَّ قرارَ الحرب في دولة الاحتلال ليس قراراً سياسيّاً انتخابيّاً بحتاً كما يسهل على الكثير من المحللين وصفه، ولا هو مجرّد ذريعة للتغطية على قضايا فساد. لكن الدخول والخروج من الحكومة -وهي قرارات سياسيّة لا علاقة للجيش فيها- يمكن الادعاء فعلاً بأنّها خاضعةٌ لحساباتٍ انتخابيّةٍ أثبتتْ نجاعتَها في السّابق، خاصّةً في ظلّ هيمنةٍ شبه مطلقةٍ للتوّجهات "اليمينيّة" في المجتمع الإسرائيليّ.

بناءً على هذا، يمكن التّمعن في مستويين أساسيين، الأوّل إسرائيليّ؛ رَبَطَ ليبرمان (كما بينيت في السابق) موقفه اليوم فيما يتعلق بالاستقالة بموقفه من خطّة "فك الارتباط" (الانسحاب من غزة عام 2005)، مقابل التوّجه المحافظ لنتنياهو في الإبقاء على واقع "فك الارتباط" وعدم محاولة تغييره (ومحاولة تغييره قد تؤدّي إلى ضربة لا يمكن لـ"إسرائيل" تحمّلها). بمعنى آخر، فإنّ التوجّهين المتصارعين في دولة الاحتلال يكمنان بين رؤية حملة شاملة وموجعة تُعيد السيطرة على قطاع غزّة، وبين استمرار الحصار والتجويع، ومن خلال هذا الإبقاء على "نعمة" الانقسام الفلسطينيّ وغيرها. ولكل من هذين التوجهين خطورته أو حاجته الاستراتيجيّة بالنسبة للإسرائيليين.

من جهةٍ أُخرى، فإنّ عدم قدرة ليبرمان (ومثله سيكون بينيت) على اتخاذ قرار الحرب يتعلّق بالقرار العسكريّ للجيش، وهو العامل الأكثر حسماً. إذ أنّ الخروج إلى حملةٍ عسكريّةٍ بخلاف إرادة الجيش سيتحوّل، في حال تلقّي ضربةٍ مؤلمةٍ، إلى قصفٍ للقوة السياسيّة لمن يتخذ هذا القرار.

أما المستوى الثاني، فهو مستوى فلسطينيّ، إذ أنّ ردّ العدوان الإسرائيلي الأخير، وعدم قدرة حكومة الاحتلال على المضيّ قدماً فيه يعود إلى توازن القوّة الذي طوّرته المقاومة الفلسطينية في غزّة. وتوازن القوّة هذا، في هذه المرحلة، هو الشيء الوحيد الذي يحمي حياة أهلنا من مجزرةٍ مروّعةٍ. والأهم؛ هو أنّ المراكمة الثوريّة التي قدّمتها مسيراتُ العودة بعنادٍ، والانسجام الذّكيّ بين المقاومة الشعبيّة والمسلحة، تستطيع أن تحقق إنجازاً سياسياً هامّاً يكمن في إرباكِ وزعزعةِ الاستقرار السّياسيّ الإسرائيليّ، وتستطيع أن تحمي ظهور أهالينا المحاصرين في القطاع.