27 فبراير 2023

لماذا يُضرب المعلمون؟ وأين هي نقابتهم؟

<strong>لماذا يُضرب المعلمون؟ وأين هي نقابتهم؟</strong>

يستمر منذ الخامس من شباط/ فبراير 2023 إضراب المعلمين الحكوميين في الضفّة الغربيّة، احتجاجاً على تنصل الحكومة الفلسطينيّة من تنفيذ ما تعهّدت به في أيار/ مايو 2022. تتضمن تلك التعهدات: زيادة رواتب المعلمين بنسبة 15%، والمباشرة بإجراءات لدمقرطة الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين (تحويل التمثيل فيه إلى تمثيل ديموقراطي واسع)، إضافة إلى إلغاء العقوبات على الإداريين والمعلمين بسبب مشاركتهم في الإضراب. وفيما يتعلق بالمطالب المالية تتذرع الحكومة بالأزمة المالية التي تعيشها بسبب اقتطاعات أموال المقاصة من قبل الاحتلال.

  • نظّم المعلمون اليوم الاثنين (27.02.2023) اعتصامات أمام مديريات التربية والتعليم في عدد من الضفة الغربيّة، كرام الله والبيرة والخليل، في استمرار لخطواتهم الاحتجاجية على أوضاعهم الوظيفية. 
  • شهد الاثنين الماضي (20.02.2023) اعتصاماً مركزيّاً في رام الله دعا إليه "حراك المعلمين الموحد" أمام مجلس رئاسة الوزراء، قابلته الأجهزة الأمنية الفلسطينيّة بكثيرٍ من التضييق. فقد نصبت حواجزها على الطرقات المؤدية إلى رام الله، وأوقفت السيارات ودقّقت في هويات ركّابها، وأغلقت محيط مجلس الوزراء. 
  • اتهم معلمون السلطة بافتعال حادثة الشاحنة المُعطلة على طريق "وادي النار"، ممّا تسبب بأزمة مروريّة لمنع المعلمين القادمين من جنوب الضفّة نحو رام الله. كما أشار معلمون أن الأجهزة الأمنيّة هدّدت أصحاب الحافلات في حال نقلهم المعلمين إلى مكان الاعتصام. رغم ما سبق وصل المعلمون إلى مجلس الوزراء، وشاركوا بأعداد كبيرة في الاعتصام. ولاحقاً، توجّهوا نحو ميدان المنارة واعتصموا هناك.
  • سبق هذا الاعتصام المركزيّ اعتصامان أمام مديريات التربية والتعليم في مختلف المحافظات، يوم الأحد (12.02)، ويوم الخميس (16.02)، شارك فيها المعلمون بالآلاف. 
  • تقود هذا الإضراب مجموعة من المعلمين باسم "حراك المعلمين الموحد"، وهو جسم غير رسميّ لا ينشط أعضاؤه بصورة علنيّة تجنباً لملاحقة السلطة. كما أنّه غير مرتبط بالاتحاد العام للمعلمين الذي يأخذ موقفاً سلبياً من الإضراب.
  • الاتحاد العام للمعلمين يتبع منظمة التحرير، وتسيطر عليها شخصيات حزبيّة، فتحاوية في غالبها، ولا يوجد فيه تمثيل حقيقي للمعلمين، لذلك يعزف كثير منهم عن الانتساب إليه، ويطالبون بترتيب انتخابات ديموقراطيّة فيه لضمان تمثيل مصالحهم.

  •  تعاقب السلطة الحراك من خلال: خصم أيام عمل من المعلمين الذين شاركوا في الإضراب، أو إحالتهم للتحقيق، والتشكيك في أهداف الحراك ومحاولة شيطنته، كتصريح وزير التربية والتعليم مروان عورتاني بأنّ "ما يجري ليس إضراباً إنما تشويش للعملية التعليمية"، وأن الحراك "كيان مقنع" و"تقوده حسابات على مواقع التواصل".  وكذلك كالخطاب الذي ينتجه الاتحاد العام للمعلمين ويصوّر فيه مطالب المعلمين بتأسيس نقابة منتخبة على أنها فتنة و"جزء من المشاريع التصفوية للقضية".


عودة إلى الوراء قليلاً:

يعدّ هذا الإضراب استكمالاً للإضراب الجزئي الذي خاضه مئات المعلمين الفلسطينيّين مطلع نيسان/ أبريل عام 2022، والذي بدأ بدعوة من الاتحاد العام للمعلمين. كانت المطالب: صرف رواتب المعلمين بنسبة كاملة، ورفع علاوة طبيعة العمل من 50 إلى 80%، وصرف علاوة غلاء المعيشة من عام 2013، وغيرها من المطالب.1علاوة طبيعة العمل، أي زيادة على الراتب لـ"طبيعة العمل" أسوةً بالزيادة التي تُعطي للمهنيين مقابل المخاطر التي يواجهونها أثناء ممارسة مهنهم.

  • بعد حوالي أسبوعين أعلن الاتحاد عن التوصل لاتفاق مع وزارة التربية والتعليم للاستجابة للمطالب، إلا أنّ كثير من المعلمين لم يعودوا للتدريس، واعتبروا أنّ مطالبهم لم تحقق بعد وأنهم لا يثقون بالاتحاد (البعض اعتبر أن إعلان الاتحاد للإضراب لم يكن سوى جزء من مناكفات سياسية بين رئيس الوزراء محمد اشتية ورئيس مفوضية المنظمات الشعبية في منظمة التحرير توفيق الطيراوي)، فاستكملوا الإضراب حتى قارب 50 يوماً واتخذوا اسماً لهم "حراك المعلمين الموحد 2022". انتهى الإضراب بعد أن قدّمت مؤسسات أهلية وحقوقية فلسطينية مبادرة لإيقاف الإضراب مقابل الاستجابة لمطالب المعلمين.

  •  تضمنت المبادرة: (1) إضافة علاوة بنسبة 15% على رواتب المعلمين على أن تُنفذ الحكومة ذلك حتى الأول من كانون الثاني 2023، (2) الشروع في الإجراءات اللازمة لدمقرطة الاتحاد العام للمعلمين، يتم التجهيز لإجراء انتخابات فيه خلال 3 شهور من تاريخ الاتفاق على المبادرة، (3) مهننة التعليم أي تحويله إلى مهنة حسب نص القانون2تحويل التعليم إلى مهنة يعني عدم التعامل معه كمجرد وظيفة، وإنما هو عمل مهني حيويّ يُشترط للالتحاق به توافر عدة شروط منها التدريب المهني المسبق وتوافر مهارات وكفاءات محددة، ويتدرج العاملون فيه وفق رتب ودرجات حسب مؤهلاتهم وخبراتهم.، (4) ربط الرواتب بنسب غلاء المعيشة. وافق "حراك المعلمين" على المبادرة وأنهى الإضراب.

  • رغم مرور أكثر من 8 شهور لم تُنفّذ الحكومة أياً من بنود المبادرة، وقد انقضى الشهر الأول من عام 2023 دون صرف علاوة بنسبة 15% على الرواتب، بل أكثر من ذلك صُرِفت الرواتب بنسبة 80% فقط، ما أدّى إلى عودة المعلمين للشارع مرة أخرى. كما أن الاتحاد لم يتفاعل مع مقترح عمليّ للبدء بعملية الدمقرطة.

خلفية تاريخية أوسع:

هذه الإضرابات امتداد لإضراب شهير شهده عام 2016 استمر حوالي شهر. كانت المطالب نفسها مطالب اليوم! وتجاوز فيه المعلمون لأول المرة الجسم النقابي الذي يدّعي تمثيلهم (الاتحاد العام للمعلمين)، وقد حظي بنسبة التزام واسعة، وكان من بين نشاطاته الاعتصام بشكل دوري كل ثلاثاء أمام مجلس الوزراء بالتزامن مع جلسة الحكومة.

الصورة الأكبر: تندرج هذه الملاحقة ضمن سياسة السلطة في محاصرة أي جهد لتأسيس عمل نقابيّ مهنيّ، وفي التضييق على ما تبقى من فاعلية النقابات. بعد أن أغلقت السلطة عشرات الجمعيات الأهليّة، وساهمت مع الاحتلال في ضرب البنى الاجتماعية والأحزاب والتنظيمات السياسيّة، فإنها تُركّز جهداً إضافياً في العقد الأخير في استهداف أي نشاط ذي طابع مطلبيّ ونقابيّ يخرج عن إشرافها وتوظيفها. تريد السلطة موظفين ومهنيين بلا تمثيل حقيقيّ يعبّر عنهم ويرعى مصالحهم، حتى تستطيع أن تحلّ أزماتها على حسابهم.