18 نوفمبر 2020

كيف تتحرك الحركة الطلابيّة؟ عن إضراب بيرزيت الأخير

كيف تتحرك الحركة الطلابيّة؟ عن إضراب بيرزيت الأخير

تواجد ممثلو الكتل الطلابيّة في جامعة بيرزيت يوم الأحد 15 نوفمبر/ تشرين الثاني في قاعة "كمال ناصر". وقفوا جنباً إلى جنب، وواحداً تلو الآخر تقاسموا قراءة بيان من صفحة ونصف أعلنوا فيه "الانتصار الأخير" بعد الوصول إلى اتفاقية مع إدارة الجامعة وإنهاء الإضراب عن التعليم. وما إن انتهى الممثلُ الأخير بتحيّةٍ لأسرى الجامعة حتّى هرع "الصف الخلفيّ" لحمل ممثل حركة الشبيبة الطلابيّة على الأكتاف، ثمّ بدأ الهتاف: "وحدة وحدة وطنيّة.. واللي يعادينا يا ويل.. مندوسه بكعاب الخيل"، "وحدة وحدة وطنيّة.. كل القوى الثورية.. فتح وحماس وشعبيّة".

عن تستوستيرون الحركة الطلابيّة أو لحظة الانتصار!

جاء هذا المشهد بعد عشرة أيّام من إغلاق الحركة الطلابيّة بوابات جامعة بيرزيت والاعتصام داخل أسوارها، والذي سبقه تعليقٌ للدوام لأربعة أيام في 31 أكتوبر/ تشرين الأول. جاءت هذه الخطوات من الحركة الطلابيّة سعياً لتحقيق عدة مطالب غلب عليها الطابعُ التقنيّ المُتعلّق بالتعليم الإلكترونيّ. من بينها: حريّةُ التنقّل بين الأسئلة في الامتحانات الإلكترونيّة وإعطاء الوقت الكافي لحلّها، ومراعاة الفروق الفرديّة والظروف الخاصّة بالطلبة، وتسجيل المُحاضرات ورفعها للطلبة إلكترونيّاً، وعودة التعليم الوجاهيّ لطلبة سنة أولى، وعدم عقد امتحانات أو محاضرات تعويضيّة يومي الجمعة والسبت أو بعد الساعة الخامسة مساءً، وإعطاء الطلبة حقّ الاختيار بين نظام التقييم "ناجح - راسب" وبين نظام العلامات المئويّة وذلك بحدّ أقصاه 6 ساعات دراسيّة مُختارة.

انتهى الإضراب وقد حقّقت الحركة الطلابيّة مجموعةً لا بأس بها من المطالب، مثل الاتفاق على: عقد الامتحانات والمحاضرات التعويضيّة خلال أوقات الدوام الرسميّة، وتطوير منصة الجامعة الإلكترونيّة، وجعل برنامج "مساري" اختياريّاً بدءاً من العام المُقبل.1برنامج "مساري" هو برنامج إجباري أطلقته جامعة بيرزيت في العام الدراسي 2017 - 2018، يستهدف الطلبة الجدد من كافة التخصّصات، ويستمر لمدّة 3 سنوات دراسية يمرّ خلالها الطالب بست مراحل تعلّم: المسار المهني، الكفاءات الشخصية، المواطنة، مهارات المناظرة والريادة. 

كما حقّقت الحركة مطالب إضافيّة ذات طابع ماليّ، منها تخفيض رسوم الأوراق الثبوتيّة بقيمة دينارٍ أردنيّ واحد، وتحسين وتعبيد مداخل الجامعة، وتوفير مكان مخصص للأمانات، وتقسيم الميزانية المُخصّصة لمجلس الطلبة من الجامعة والبالغة 15 آلاف دينار في الدورة الواحدة بين 10 آلاف كمنح للطلبة و5 آلاف كأنشطة للمجلس عند العودة للدوام الوجاهيّ. 2بسبب الإغلاقات التي فرضها فيروس "كورونا" لم تصرف إدارة الجامعة هذه الميزانية لمجلس الطلبة وذلك لعدم عقد أي نشاطات خلال الفترة الماضية.

كثيرة هي المطالب، منها ما كان مُعلناً قبل الاتفاق ومنها ما خرج إلى النور بعد الاتفاق، مثل: تعبيد المداخل. منها ما زال قيد النقاش، مثل: مطلب إلغاء رسوم مساقات اللغة العربية والإنجليزية المكتسبة. ومنها ما كان تحقيقه منقوصاً، مثل: تحصيلهم مطلب أن من حقّ الطالب اختيار ستّ ساعات بنظام "ناجح - راسب"، ولكنّ اختياره لهذا النظام يحرمه الاستفادة من نظام منحة "الأنر" أو "لائحة الشرف" التي تُخصّصها الجامعة للطلبة المتفوقين، فتعفيهم من دفع ثمن المساقات للفصل الذي يليه. ومنها ما يصعب قياسه والتأكد منه، مثل: مراعاة الفروق الفرديّة والظروف الخاصّة بالطلبة.

ممثلو الكتل الطلابيّة مع إدارة الجامعة في مؤتمر للإعلان عن الاتفاق. 15 نوفمبر 2020. المصدر: مواقع التواصل الاجتماعي.

لقد حقّقت الحركة الطلابيّة مُنجزاً لا "انتصاراً"، وهو مُنجزٌ لا تجدر الاستهانة به، ولكن أيضاً لا يجدر بنا أن نخلطه بالمُبالغات. على أرضيّة مُنحازة للحركة الطلابيّة، يأتي هذا المقال ناقداً وواضعاً بعض مُمارساتها تحت مجهر من الأسئلة: هل كانت المطالب تستدعي الذهاب إلى الإضراب والإغلاق؟ هل تم تحديد هذه المطالب بشكلٍ عينيّ وتحديد أدوات قياس لتحقيقها؟ هل استنفذت الحركة الطلابيّة أدواتها النقابيّة؟ هل تتحرّك بناءً على خطّة مدروسة لها أهداف واضحة المعالم ومحدّدة أم بشكلٍ عفويّ؟ 

العودة إلى الأسوار

زاد التعليم الإلكتروني من الإشكاليّات الموجودة مُسبقاً فيما يتعلق بجودة التعليم المُقدّمة للطلبة، ولا يبدو أنّ مطلب تحسينه وتطوير المنصات المُتبعة في التعليم عن بعد ستُأتي ثمارها. يعود ذلك بالأساس إلى البنية التحتيّة الضعيفة للتكنولوجيا في الضفّة، والأزمة المالية التي تُعاني منها الجامعة. لذا فإنّ المُطالبة بتحسينات على أنظمة التعليم الإلكترونيّ ستكون غالباً شكليّة. فماذا بمقدورنا أن نفعل حيال الطلبة الذين لا يملكون أجهزة حاسوب أو ليس لديهم إنترنت في منازلهم.

في هذا السياق، وبعد أن قضى الطلبة فصلاً دراسيّاً ودورتين صيفيّتين، فإنّ المطلب المتعلق بعودة طلبة سنة أولى إلى الجامعة والتعليم الوجاهي، هو من أهم المطالب التي طرحتها الحركة الطلابية، والذي من المُنتظر تحقيقه. في المقابل غُيّب نقاش عودة الطلبة القدامى إلى التعليم الوجاهي، وقد دفع ذلك كثيرين منهم إلى التعبير عن استهجانهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. رأى البعض أنّه كان على الحركة الطلابيّة المطالبة بعودة التعليم الوجاهي للجميع ضمن شروط السّلامة والوقاية المعروفة، إن لم يطرأ ما يُعيق ذلك من تطوراتٍ للحالة الوبائيّة. عوّل هؤلاء على ألا تتعامل الحركة الطلابيّة مع التعليم الإلكترونيّ كأمرٍ مُسَلّمٍ به، وألاّ تترك للجامعة التفرّد بالقرار بهذا الخصوص، خاصّةً في ظلّ غياب أي ممثلٍ عن الطلبة في اجتماعات الجامعة التي تعقدها ضمن حالة الطوارئ الوبائية.

اقرأ/ي المزيد: برنامج "مساري".. حديث عن الجامعات والأسوار.

بالطبع، ليست المطالبة بعودة الطلبة إلى الجامعة ترفاً، ففي مساحاتها ينشط الطلّبة بمجموعاتهم ونواديهم، وهناك تنشأ العلاقات الاجتماعيّة المُتعدّدة، ويتعرّف الطلبة على خلفيّات ثقافيّة مُختلفة، وتأخذ الكتل الطلابيّة دورها الخدماتي والنقابي، وتجري انتخابات مجلس الطلّبة الذي انتهت دورته ولم يجرِ تجديدها أو إثارة النقاش والمطلب بذلك حتّى الآن. 

ردّة الفعل لا تدوم

مرّت الحركة الطلابيّة في جامعة بيرزيت بتحوّلاتٍ عديدة، تراجعت معها عن الدور الطليعي الذي لعبته تاريخيّاً، فمن دورٍ يصنع فعلاً إلى دورٍ يقتصر في مُعظمه على ردّة الفعل. تعني ردّة الفعل غياب استراتيجيةٍ واضحةٍ للحركة الطلابيّة، تُحدِّدُ من خلالها الأهداف، ومن ثمّ الأولويات، ولاحقاً طرق العمل والأدوات المُستخدمة، للتوفيق بين المطالب الأساسيّة وما يطرأ من مُستجدّات على الساحة التعليميّة.  

باتت ردّة الفعل هذه نمطاً آخذاً في التجذر في مُمارسات الحركة الطلابيّة الموجّهة ضدّ قرارات إدارة الجامعة، وتعوّد الطلبة في السنوات الأخيرة عليها. وكلّما وجدت الحركة الطلابيّة نفسها أمام قراراتٍ جديدة لإدارة الجامعة لا يقبل بها الطلبّة فإنّها تسارع - في الغالب - إلى إعلان الإضراب.

للتدليل على ذلك أكثر، دعونا نُلقي نظرة على مُجريات إضراب العام الفائت وإضراب العام الحالي. أمّا إضراب عام 2019، فلقد جاء ردّاً على قرار إدارة الجامعة منع مظاهر "العسكرة" للكتل الطلابيّة في الحرم الجامعي بشكل دائم. على إثره أعلنت الحركة الطلابيّة الإغلاق والإضراب المفتوح، ثم توصلت بعد شهر كامل لاتفاقٍ مع الجامعة على مجموعة من المطالب، وللمفارقة: لم يكن من بينها أيُّ بندٍ بشأن "العسكرة".

اقرأ/ي المزيد: انتخابات بيرزيت.. دعاية دون "عسكرة".

أمّا الإضراب الأخير، فلقد جاء كردة فعلٍ بعد تنصل بعض أعضاء الهيئة التدريسية لواحدة من المطالب. بعد تعليق الدوام في 31 أكتوبر/ تشرين الأول لمدة أربع أيام (كان مجرد تعليق دون إعلان الإضراب الكامل وإغلاق الجامعة)، عاد الطلاب مجدداً للتعليم بعد أن اتفقت الحركة الطلابيّة مع إدارة الجامعة على جدولة الامتحانات والوظائف التي كانت مقررة في أسبوع تعليق الدوام في وقت لاحق. لم يلتزم بعض أعضاء الهيئة التدريسية بذلك، ولم يعوّضوا الطلبة عن امتحاناتهم. على إثر ذلك، أعلنت الحركة الطلابيّة الإضراب والإغلاق حتى إشعار آخر، مع إضافة مطالب جديدة.

الأسئلة التي تطرح هنا: هل كان عدم التزام جزء من الهيئة التدريسيّة بتأجيل الامتحانات سبباً للتوجه للإضراب؟ ولماذا لم تُطرح جميع المطالب مرةً واحدة عندما عُلّق الدوام في المرة الأولى؟ لماذا تتدرج الحركة الطلابيّة في عرض مطالب جديدة كلّ مرة؟ ما هي الآليّة التي تتبعها الحركة الطلابيّة في مُتابعة الاتفاقات مع إدارة الجامعة للتأكد من تنفيذها (خاصةً مع وجود نمط تتبعه الإدارة في الاتفاقات، مثل: التعهد الشفوي، و"دقة على صدر رئيس الجامعة")؟ هل هذا الوقت المناسب لهذه النوعية من المطالب أم أن هناك مطالب أخرى أولى أن يُطالب بها الآن؟ على الرغم من نجاح الحركة الطلابيّة بشكلٍ أو بآخر في تحقيق بعض المطالب، وهو ما يُعد منجزاً مهماً، إلا أنه لا يمكننا أن نغفل عن تشتت رؤيتها، وعدم تحديد مطالبها.

كي لا تنتهي صلاحيّة الإضراب

في ظلّ هذا التشتت، يُخشى على الحركة الطلابيّة أن تفقد واحدة من أكثر أدواتها فاعليّة في تحقيق مطالبها. على مدار التجربة الطويلة كانت الحركة الطلابيّة تلجأ للإضراب بعد استنفاذها لكافة الوسائل والأدوات الأخرى، فتذهب مضطرة لتعليق الدوام والإضراب. لكن ما نشهده خلال السنوات الأخيرة أنها غالباً ما تذهب للإضراب كخيارٍ أوّل مع كلّ أزمة تقع. بل حتّى مع كل "حدث" ينشأ معه التباس لدى الطلبة عمّا إذا كان الدوام سارياً أم لا، تطلّ علينا الحركة الطلابيّة لتعلن التعليق وإغلاق الجامعة لدرء هذا الالتباس، في مشهد دراماتيكي عالق في ذهن كل طالب.

إذاً، ما هي الأدوات الأخرى التي تستخدمها الحركة الطلابيّة ولا تنجح فـ"تضطر" إلى الإضراب؟ أم بات الإضراب أداتها الوحيدة؟ ألا يُبطل ذلك في يومٍ من الأيّام فاعليّة أداة الإضراب وجدّيتها؟ لماذا لا نرى حملات إلكترونيّة على سبيل المثال تُشرك الطلبة أكثر من الإضراب المحصور بأعضاء الكتل الطلابيّة ومحيطهم؟ 

وهناك مسألة مثيرة للاهتمام، تكررت مع إضراب عام 2019، ومع الإضراب الأخير في العام الحالي. يبدأ الإضراب وتُغلق أبواب الجامعة، وتحشد الحركة الطلابية جماهيرها، ويبدأ الاعتصام. تمرّ أيام والطلبة معتصمون، وفي لحظة خاطفةٍ ينتهي الإضراب بطريقة عجيبّة، سريعة، وسلسلة، لا أحد يعلم سرّ وصفتها. عن الإضراب الأخير، أخبرنا أحد أعضاء الحركة الطلابية، فقال: "اتصل علينا العميد في وقت متأخر من اليوم، قال إنّه في موافقة على المطالب وبدّه ييجي هو والرئيس". إن كانت المسألة كذلك، فلماذا استسهال اللجوء إلى أداة الإضراب؟!

هكذا، تتحرّك الحركة الطلابيّة بمطالبها على إيقاع إدارة الجامعة وممارساتها، ويغيب عن ردّة الفعل هذه، التأني في اتخاذ خطوات واضحة وغير مُتخبّطة. لم يعد ما هو أسهل على الحركة الطلابيّة من إغلاق أبواب الجامعة، ولفّها بحطّات الكتلّ الطلابيّة المُختلفة، وكأنّه قد انتهت صلاحيّة الأدوات الأخرى. وأكثر ما نخشاه، أنّ يؤدي هذا الاستسهال إلى إنتهاء صلاحيّة الإضراب وتعطّل فاعليّتها، كأداة لطالما كانت فاعلة بيد الحركة الطلابيّة.