30 أبريل 2019

مخيم جرش

لاجئ عن لاجئ بفرق

لاجئ عن لاجئ بفرق

ما هي قصة “أبناء قطاع غزّة” في الأردن؟ ولماذا يختلف وضعهم عن أوضاع بقيّة اللاجئين الفلسطينيين في الأردن؟ وما الذي يعنيه إقرار الحكومة الأردنيّة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي بعض التسهيلات لهم فيما يتعلق بحقّ التملك؟ وماذا قد يعني تجنيسُهم من عدمه؟

القصّة من البداية

بعد احتلال الجزء الأكبر من فلسطين عام 1948، لجأ الكثير من الفلسطينيين إلى قطاع غزّة. لم تكن تلك رحلة اللجوء الأخيرة بالنسبة لهم، فبعد احتلال الضّفة الغربيّة وقطاع غزّة عام 1967، لجأ هؤلاء للمرة الثانية؛ هذه المرة إلى الأردنّ.

استقرّت تلك المجموعة من اللاجئين في مخيّم جرش، أو ما يُعرف بمخيّم غزّة، وهو مخيّم لا تتجاوز مساحته كيلو متر مربع واحدٍ، يقع في مدينة جرش التي تبعد عن عمّان 48 كم.

كان عددهم حينها 11 ألفاً و500 لاجئٍ وفقاً لأرقام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). ارتفع العدد عن ذلك عندما التحق بهم أبناؤهم ممن عادوا من الخليج، أو ممن كانوا في صفوف المقاومة، وهم يتوزعون اليوم في مختلف المحافظات الأردنيّة.

وفقاً لأرقام وكالة الأونروا لعام 2018، يعيش في الأردنّ 2.2 مليون لاجئٍ فلسطينيٍّ مسجّل لديها، بينهم 140 ألف لاجئ من أبناء قطاع غزّة ممن لا يحملون الجنسيّة الأردنيّة، إنما جوازات سفر أردنيّة مؤقتة.

تفضّل الأوساط السياسيّة الأردنيّة ومعها الأونروا الحديث عن 140 ألف لاجئ من أبناء قطاع غزة، لكن هناك أوساطٌ أخرى تتحدّث عن 300 أو 350 ألف، بحسب محررة الشؤون الفلسطينية في يوميّة الغد مثلاً، منهم 20 ألف في يعيشون في مخيّم جرش (غزة). بينما رفض عمر كلّاب الصحفي والناشط في الدفاع عن حقوق أبناء قطاع غزّة في الأردنّ الحديث عن رقمٍ غير الرقم الرسميّ، وعند سؤاله هل هم أكثر؟ أجاب “بعرفش”.

بعكس التسمية، ليس بين هؤلاء اللاجئين أحدٌ من قطاع غزّة، لكن ما من أحدٍ إلّا ويطلق عليهم هذا المسمّى الذي صار لازمةً في الإعلام، وفي الأوساط الشعبيّة. في أحد الأفلام الوثائقية، تروي طالبة فلسطينية الأصل تفاصيل محاورتها مع أحد الأشخاص حول قضيّة أبناء غزة، إذ اتفقا على الظروف القاهرة التي يعيشونها، ومن ثمّ قالت له إنها من أبناء قطاع غزّة فردّ عليها: “بس مش مبيّن عليكي”. تسأل تلك الطالبة فيما بعد: “كيف لازم أكون مشان يبيّن علييّ إني غزاويّة؟”.

أوضاع معيشية صعبة

“خيمة عن خيمة تفرق”، مخيّم عن مخيّم سيفرق كذلك؛ ولاجئ عن لاجئ سيفرق أيضاً. من بين مخيّمات الأردنّ العشرة، يعتبر مخيّم جرش (غزّة) الأقسى معيشةً. بيوت من الجدران أو الباطون وسقفها (زينكو)، تلك علامةٌ ما زالت مسجلّةً لبيوت مخيّم جرش، وذلك بواقع 35% من عدد بيوت المخيّم، حسب إحصائية عام 2016، وهي أعلى نسبةٍ بين سائر المخيمّات الفلسطينية والتي بدأت تترك هذا النوع من البناء لتحسّن أوضاع قاطنيها.

حسب ذات الإحصائية، لكل فردٍ في مخيّم جرش ربعُ غرفة بالمتوسط كأدنى حصة بين المخيمات، كما فيه أعلى نسبة ازدحام بين المخيمات، وأقل مستوىً للدخل بواقع 274 ديناراً للفرد سنويّاً. فيما يتعلق بالبنية التحتية، 1.5% فقط من منازل المخيّم متصلة بشبكة تصريف، وهي كذلك أدنى نسبة بين المخيمات.

كما تُمنع هذه الفئة من التملّك في الأردنّ، وبحسب التقديرات فإنّ 98.5% من سكّان مخيّم جرش لا يمتلكون شيئاً خارج المخيّم. يعود السبب إلى عدم امتلاكهم جنسيّةً أردنيّةً، أو أرقاماً وطنيّة تسمح لهم بتملّك بيت أو حتّى سيّارة. لذلك يلجأ هؤلاء إلى تسجيل ما بحوزتهم من أملاكٍ، سيارات خاصّة، أو بيوتهم في المخيّم، أو عقارات، بأسماء غيرهم ممن يحملون الجنسيّة الأردنية، تحايلاً على القانون، وهو ما يؤدي إلى خلافات ومشاكل في كثير من الأحيان.

هذا بالإضافة إلى قائمةٍ طويلةٍ من المعيقات تقف أمام ممارستهم الحياة اليوميّة، تبدأ من تسجيل أبنائهم في المدارس أو الحصول على رخصة قيادة سيّارة، وحتّى الزواج؛ من يرغب أن يكون أطفاله بلا رقمٍ وطنيّ ولا جنسيّة، لأنَّ الأبّ هو من يُورّث الجنسيّة في الأردنّ؟

يملك عماد أبو سويلم وهو مواسجريّ يسكن مخيّم حطين، حافلةً صغيرة (فان) لكن ليست باسمه، والبيت الذي يسكن فيه وراثةً ليس باسمه كذلك. تخرّج ابن عماد من الثانوية العامّة مؤخراً، ولمّا كان التقدّم للدراسة في الجامعات الحكوميّة الأردنيّة ممنوعاً على أبناء قطاع غزة، إلا بدفع مبالغ مضاعفة، أرسله لدراسة طبّ الأسنان في أوكرانيا. تعتبر هذه من أهمّ المطالب التي يُطالب بها أبناء قطاع غزّة في الأردنّ، إذ يدفع أبناء هؤلاء إذ رغبوا بالدراسة بالجامعات رسومًا مضاعفة، أو يُمكنهم الدراسة في الجامعات الخاصّة ذات التكلفة العالية.

عدا عن التملك، وبخلاف بقية اللاجئين الفلسطينيين في الأردنّ، فإنّه يُمنع على أبناء قطاع غزّة العمل في الدوائر الحكوميّة، وتعاملهم الدولة كما تُعامل العمل الوافد، ورغم وجودهم في الأردنّ منذ العام 1967  حتى اليوم غير أنَّ قانون العمل ينصّ على اعتبارهم عمّالاً وافدين. وبحسب ذات القانون، يمكن توظيف العامل غير الأردنيّ بشرط موافقة الوزير أو من يفوّضه، وأن يكون تصريح العمل لمدة سنة شرط أن يُجدّد سنويّاً.

وقد أثارت قبل عدة أشهر قضيّةُ عمل أبناء قطاع غزّة في الأردنّ الجدل بين مجلسي النواب والأعيان والحكومة الأردنيّة، بعد نقاشات طويلة طالب فيها بعض النواب برفع اشتراط الحصول تصاريح العمل عن أبناء قطاع غزّة. إلّا أنَّ القانون الذي أُقِرّ مؤخراً أبقى شرط الحصول على تصريح العمل موجوداً، وما زال العامل من أبناء قطاع غزّة لا يُسمح له بالعمل إلّا شرط حصوله على تصريح عمل مثله مثل العامل الوافد.

وهكذا، ما زالت تبتعد المؤسسات والشركات عن توظيف أبناء قطاع غزّة. عادةً لا يجري الرفض بشكلٍ مباشر، إنما بشكلٍ ملتوٍ لكثرة الإجراءات والرسوم التي ستدفعها المؤسسة في حال تعيين أحدهم كونه عاملاً وافداً. يقول أحدهم، عامر أبو جربوع، بأنه فقد وظيفته كأمين مستودع مؤخراً بسبب قضيّة إخراج تصريح عمل.

“تسهيلات” غير قابلة للتطبيق

في الثالث من ديسمبر/ كانون الأول 2018 أقرّت الحكومة الأردنيّة بعض التسهيلات لأبناء قطاع غزّة. منها، السّماح لربّ الأسرة من أبناء القطاع الحامل لجواز السّفر الأردنيّ المؤقت بتملك شقة في عمارة، أو منزل مستقل مقام على قطعة أرض لا تزيد مساحتها عن دونمٍ واحدٍ، أو تملك قطعة أرض فارغة لغايات بناء السكن بحيث لا تزيد مساحتها عن دونمٍ واحدٍ.

كما سمحت لهم تلك التسهيلات بتسجيل مركبات الديزل بأسمائهم. إذ كُلَّف وزير الداخليّة برفع مشروع نظام معدل لأنظمة تسجيل وترخيص المركبات رقم 104 لسنة 2008، وتضمينه بنداً ينصّ على ما يسمح بتسجيل وترخيص مركبات الديزل التي لا يزيد وزنها الإجمالي عن 5.5 طن لغير الأردنيّ من حاملي جوازات السفر الأردنيّة المؤقتة.

تبدو التسهيلات على صعيد التملك صعبة التنفيذ إذ أنَّ “أكبر تجمع لأبناء غزة في الأردنَّ موجود في منطقة جرش، وكل بيوت وأراضي الأسر الغزية هناك تقع ضمن أراض زراعيّة، خارج التنظيم، أي لا تُفرَز فيها أرضٌ بمساحة أقلّ من ثلاثة دونمات ونصف وفق القانون، والملكيات هناك مشتركة”، حسب أحد أبناء المخيم.

حتى في الأمور غير الحكومية!

تمتد تلك التقييدات التي يعيشها أبناء قطاع غزّة إلى خارج حدود الدوائر الرسميّة. نقابة أطباء الأسنان الأردنيّة مثلاً ما زالت تمنع الانتساب لها من أبناء قطاع غزّة، إذ ينصّ النظام الداخليّ للنقابة المادة 7د في شروط الانتساب “أن يكون أردنيَّ الجنسيّة”. هذا يعني أن طبيب الأسنان ابن قطاع غزّة لا يستطيع العمل، لأن شرط العمل أن يكون الطبيبُ عضواً في النقابة.

وفي حال رغب اللاجئ الفلسطيني ابن قطاع غزّة التوجه إلى السعودية للحج أو العمرة، سيواجه إشكاليات عدة. العام الماضي (2018)، مثلاً منعت السعودية حملة جوازات السفر التي ليس لها رقمٌ وطنيّ من التقدّم للحصول على تأشيرة سفر لأداء العمرة والحجّ. لكنها عادت هذا العام (2019) وفتحت باب التقدم لهم، بعد عدّة تدخلات. هكذا يجري التعامل، مرة بالمنع ومرات بالسماح.

وعلى سيرة السفر، فإنّ كلفة تجديد جواز السفر الأردنيّ المؤقت الذي يحمله الفلسطيني ابن قطاع غزّة هي أربعة أضعاف تجديد الجواز الأردنيّ العادي، إذ تُكلف 200 دينار (قبل فبراير/ شباط 2017 كانت الرسوم 100 دينار). وفي حال رغب حامل الجواز إضافة أبنائه إلى جواز سفره، عليه دفع 25 ديناراً عن كل ابن.

التوطين

حين تُطرح قضيّة أبناء قطاع غزّة ومطالباتهم الحقوقية، يرفع البعض تخوفاته من قضية توطين اللاجئين الفلسطينيين، ويعتبر البعض إقرار هذه الحقوق خطوةً من خطوات ما يُسمّى “صفقة القرن”. في حين يرفع آخرون كلاماً يتعلق بالخشية على “الديموغرافيا” في الأردنّ!

في المقابل، يؤكد أبناء قطاع غزة أنهم يطالبون بحقوق مدنيّة تسهّل حياتهم اليوميّة فقط، وتخفف من عقدة الإجراءات الرسميّة التي تواجههم في الأمور الروتينية. كما يطرح البعض تساؤلاً حول استثناء أبناء قطاع غزّة بالذات من هذه الحقوق، في حين أن أكثر من 90% من اللاجئين الفلسطينيين في الأردن يحملون الجنسيّة الأردنيّة.

في حين ظلّ وما زال أبناء قطاع غزة بدون هذه الجنسيّة منذ العام 1967، على الجانب الآخر وفي خطوة لتشجيع الاستثمار بالأردنّ، قرّرت الحكومة الأردنيّة منح الجنسيّة الأردنيّة، ليس للمستثمرين الأجانب وحسب، وإنما لزوجاتهم وأبنائهم أيضاً، في حال استثمارهم بالأردنّ بقيمة مليون ونصف المليون دولار.