22 يناير 2023

 قصة مُصوّرة: وجوهٌ من مسافر يطا

<strong> قصة مُصوّرة: وجوهٌ من مسافر يطا</strong>

لا يُعرف المكان هنا إلا من خلال وجوه أصحابه، التي تَعرِفُه، وتُفسِّره، وتُدلِّل عليه. وجوهٌ تُشكِّل بتفاصيلِها وملامحها الخارطةَ الدقيقة لمساحات المكان الواسعة الممتدة. هويّته قبل أن يكون هو هويتها. وجوهٌ تؤكد على الماضي المتجذر هنا، وشاهدة على الحاضر الأليم المهددّة فيه بالتهجير، لكنها أيضاً تستشرف المستقبل وما يحمله من معاني الـ"لا"، ورفض الخنوع والاستسلام. 

في قرى مسافر يطا جنوب الخليل، الممتدة على مساحة أكثر 37 ألف دونم، لا يُسرد رقم سكانها - 2500 نسمة- هكذا، قاسياً جافّاً، ومجرّداً من الإنسانية. بل يُسرَدُ من خلال أصحابه الذين يخوضون يوميّاً معاركَ المواجهة والصمود، وحيدين إلا من  أدوات البقاء البدائية والبسيطة، رافضين محاولات إخلائهم وتهجيرهم من المنطقة. 

في الثاني من كانون الثاني 2023، أبلغ جيش الاحتلال أهالي مسافر يطا بنيّته بدء تنفيذ قرار إخلاء ثماني قرى من أصل 12 قريةً في المسافر، واعتبارها منطقةَ تدريباتٍ عسكريّة، يُمنع السكن والتواجد فيها، وهو ما صدر عن المحكمة الإسرائيلية العليا في حزيران 2022.  

هنا قصصٌ ستقرأ مُلَخصَها في ملامحِ بعضٍ من الوجوه الصامدة في مسافر يطا.. 

عثمان أبو قبيطة (30 عاماً)

أبٌّ لأربعة أطفال، يعيش في خربة الإصْفير المحاصرة والتي لا يُسمح لغير أهلها الوصول إليها. يقول: "وجودنا هنا لا نهاية له، سأموت أنا، وسيبقى أبنائي ويأتي بعدهم أحفادي.. مسيرة حياتنا هنا ستبقى متواصلة".

حليمة الجبارين (52 عاماً)

تعيش في قرية جنبا، وكباقي الأمهات في قرى مسافر يطا لديها مشاعر مركّبة من الخوف والقلق على أبنائها، مرةً من واقع الاحتلال؛ "المستوطنين يشنون الهجمات علينا، والجيش يقتحم منازلنا باستمرار ويقوم بتدريبات عسكرية بينها"، ومرةً من واقع الحياة الصعبة في المسافر؛ "تنتشر في المنطقة أفعى الجرس، عندما أراها أو أسمع صوتها لا أنام في الليل خوفاً على أبنائي، وأتفقدهم طوال الوقت". 

جَملة الربعي (59 عاماً)

أمّ لستة أبناء، اثنان منهم، بلال ومحمد، معتقلان في سجون الاحتلال منذ عام 2020 بعد صدِّهم اعتداءً شنّه المستوطنون على منزلهم في قرية التواني. لم يكن هذا الثمن الوحيد الذي دفعته العائلة، أيضاً هدم الاحتلال مسكناً قيد الإنشاء لابنها الأسير محمد. تقول جَملة: "نحن نبني ونعيش على أرضنا، لا بديل آخر لنا".

محمد بكر الحمامدة (4 أعوام)

نجا في أيلول/ سبتمبر 2022 من اعتداء مستوطنين على منزلِه في قرية المفقّرة. أُصيب نتيجة الاعتداء  بكسرٍ في الجمجمة ونزيفٍ حادّ، وقد عرقل جنودُ جيش الاحتلال نقله إلى سيّارة الإسعاف. على إثر ذلك، فقَدَ محمد رغبتَه باللعب لفترة زمنيّة ما، وبدلاً من ذلك تمسّك بالبقاء في حضن أمّهِ. ولكنّه يبدو استشعر أنه قد لا يعود للعب في هذا المكان المُهدّد، فقام إلى ألعابه مُجدَّداً وعاد ليركض في محيط المنزل الذي قد تُخفيه جرافات الهدم في يومٍ عساه لا يأتي..

محمود الحمامدة (57 عاماً)

أبٌ لـ11 ابناً وبنتاً، وجدٌّ لـ30 حفيداً، لا يبدأ حديثه إلا بتعريفه عن نفسه: "أنا وُلِدتُ هنا في المفقّرة قبل أن يأتي عليها الاحتلال، ونشأت هنا، ودرست هنا.. كل حياتي هنا في هذه المنطقة، وعلى هذه الأرض التي ورثتها من أبي وجدي". 

رسمية حسين الحمامدة (52 عاماً) 

لا تملّ من الدوران حول منزلها في قرية المفقّرة وتفقُّد محيطه، إذ تخاف من تسلّل المستوطنين واعتداءاتهم التي تتكرر بين الحين والآخر، يُحطّمون النوافذ ويلقون الحجارة صوب الأهالي، وأحياناً الرصاص! تشير رسمية إلى أحد جدران المنزل حيث ما زالت آثار الرصاص تُذكِّرها باعتداء وقع عام 2021. في ذلك الاعتداء نجت الحفيدة نغم بلطفٍ من الله، تقول: "كدنا نفقد نغم، كانت نائمة في سريرها عندما انهال عليها زجاج النافذة والحجارة".

ماريا (4 أعوام)

لا تفارق الضيف الذي يحضر إلى قريتها الأَصِفِير والمحاصرة من مستوطنة "بيت يتير". تترك ماريا ألعابها، وتلاحق الضيفَ وتناديه بلقب: "صاحبي". لِماريا وأطفال القرية الخمسة والعشرين "سُحسيلة" واحدة فقط، مُهترأة، ومُحطّمة الدرجات، وحتى تبقى على "قيد الحياة" أُسنِدَت إلى شجرة زيتون صغيرة وسط القرية. حتى إحضارها إلى القرية كان تحدياً بحدّ ذاته، إذ نجح الأهالي في تهريبها قبل عدة سنوات من حاجز "متسودوت يهودا"، الذي يخنق الطريق الوحيدة المؤدية إلى القرية.

عيسى أبو عرام (48 عاماً)

أبٌ لـ12 ابناً وابنة، من قرية جنبا. بعد أن هدم الاحتلال مدرسةَ القرية عام 2008، يدرس أبناؤه، كباقي أبناء القرية، في مدرسة الفخيت التي تبعد 3 كيلومترات عنهم، وقد التحق ثلاثةٌ منهم بالتعليم الجامعي حتى اللحظة. يقول عيسى: "رغم كل الصعوبة إلا أننا نهتم بالتعليم وأن نُدرّس أبناءنا، لأنّنا بالتعليم فقط نستطيع الصمود هنا وتطوير قريتنا".

أدهم الحمامدة (8 أعوام)

يحاول تركيب قطع الليجو القليلة التي أخرجها من تحت ركام منزله الذي هدمه الاحتلال في قرية الركيز، لكنه لا ينجح في تشكيل أي شكلٍ ممّا بقي منها فالكثير من القطع ما زالت مفقودةً تحت الركام. أدهم الذي يريد أن يُصبِحَ طبيب أسنان، يقول عن كوابيسه: "أرى في الحلم بشكل متكرر أنَّ الجيش عاد وهدم منزلنا مرة أخرى". 

خالد خليل جبارين (61 عاماً)

من قرية جنبا، وهو أبٌ لعشرة أبناء وبنات، وجدٌّ لـ25 حفيداً. يقول: "ورثنا وجودنا في هذه الأرض، أباً عن جد.. ورغم صعوبة الحياة هنا، ولكننا نعتبر جنبا أفضل من نيويورك والحياة فيها أجمل من حياة أفضل مدينة في العالم". ويضيف: "لو وضعوا الشمس في يدي اليمنى والقمر في يدي اليسرى لن نخرج من هذه الأرض.. لن يُخرجنا من هنا إلا الموت".

أنس دبابسة (8 أعوام)

من خَلّة الضبع، عايش كباقي أهالي المنطقة الكثيرَ من التدريبات جيش الاحتلال العسكرية بين منازل القرية، كما لا ينسى هدم منزل خاله خالد، ومحاولة اعتقال والدته خلال تصدي العائلة للهدم. يقول أنس: "بخاف من الجيش، هو دايماً بطخ وبصرخ وبقاتلنا.. الجيش بده يهدم مدرستنا كمان مرة، رح أبكي كثير إذا هدموها لأنه رح نبطل نقدر ندرس ونتعلم". 



16 فبراير 2022
ما الذي جعل عام 2014 فارقاً؟

يمكن اعتبارُ العام 2014 فارقاً في الانتقال بالحالة الكفاحيّة في الضفّة الغربيّة نحو مرحلةٍ جديدة. يعني ذلك أنّ الفلسطينيّين أمام…