"زيارتي إلى تشاد اختراقٌ تاريخي"، هكذا صرّح رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 2019 عقب زيارته إليها وإعادة العلاقات معها بعد انقطاع دام قُرابة الـ74 عاماً. كثيرةٌ هي الأحداث التي تؤكد تصريح نتنياهو، آخرها كان قبل أيّام قليلة، حين اقتحم الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي باحات المسجد الأقصى بحراسة من قوّات الاحتلال، مُتوّجاً الزيارة بافتتاحه سفارةً لبلاده في تل أبيب.
بالطبع، لا تكتفي "إسرائيل" بالتشاد وحدها، بل عملت خلال السنوات القليلة الماضية على إعادة علاقاتها مع الكثير من الدول الإفريقيّة، خاصّةً في غرب القارّة. وتقيم اليوم علاقات دوبلوماسيّة مع 46 دولة من أصل 55 دولة في الاتحاد الإفريقي. بدأت هذه المساعي بالتجلّي منذ عام 2016 عندما زار نتنياهو القارّة، وحمل معه شعار "إسرائيل تعود إلى إفريقيا وإفريقيا تعود إلى إسرائيل". بعدها بعام، ألقى على دول "المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا" وعوداً بتقديم مساعدات اقتصاديّة وتكنولوجيّة في مجالات الزراعة والطاقة والصحّة، وهي إضافةً إلى الخدمات الأمنيّة وتوفير السلاح؛ سلع "إسرائيل" في عرض نفسها ورعاية الأنظمة الديكتاتوريّة في المنطقة.
من خلال مساعيها في اختراق القارة، تبحث "إسرائيل" عن ثلاثة عناصر أساسية: العنصر الديبلوماسي؛ أي صوت الدول الإفريقيّة داخل المنظّمات الدوليّة والإقليميّة، فهي بحاجة إلى ما وصفه نتنياهو بـ"كسر التأييد الإفريقي التلقائي لفلسطين". تُشير إحدى التقارير إلى أنّه منذ عام 1990 وحتّى 2021 هناك 1400 تصويت دولي متعلّق بالوجود الإسرائيلي في المنطقة العربيّة، انحازت الدول الإفريقيّة في معظمها إلى صالح فلسطين وضدّ "إسرائيل". العنصر الثاني أمني؛ ما يعني اختراق القارّة والتعاون مع دولها في المجالات الأمنيّة والاستخبارية، والعنصر الاقتصادي؛ إذ تمثّل إفريقيا سوقاً استهلاكية كبرى لترويج البضائع الإسرائيلية. فمثلاً؛ بلغت صادرات السلاح الإسرائيلي عام 2016 إلى إفريقيا 275 مليون دولار، وهو المبلغ الأكبر من صادراتها ما نسبته 70%.
اقرؤوا المزيد: عمّ تبحث "إسرائيل" في إفريقيا؟
وبالرغم من نجاح دولة الاحتلال في تحقيق اختراق في قارة إفريقيا، إلا أنّ لها إخفاقات، فما هي أمثلته؟ وما هي أبرز معالم تعثّرها في سبيل مزيدٍ من التغوّل في القارّة السمراء؟
مثالٌ أوّل: ممنوع الدخول!
أعلن رئيس مفوضيّة الاتحاد الإفريقي موسى فيكي في خطابٍ مطوّل له عام 2022، تعليق منح تل أبيب صفة مراقب داخل الاتحاد إلى حين النظر فيه، بعد أن كان قد منحها إيّاها قبلها بعام. كان ذلك نتيجة تحرّك 24 دولة من دول الاتحاد باتجاه عدم قبول عضويّة "إسرائيل"، وعلى رأسها دول جنوب إفريقيا والجزائر ونيجيريا، التي تُعتبر في داخل الاتحاد حلفاً ثلاثيّاً قويّاً في وجه المساعي الإسرائيليّة للتوغّل داخل القارّة الإفريقيّة.
بالرغم من نجاح هذه الدول في تعليق القرار، باعتبار أنّ مروره سيشكّل أزمةً في الاتحاد وهو نوع من التهديد لها، إلا أنه لم يُلغِ تماماً، إنّما جرى تأجيله ليعاد النظر فيه خلال عامنا الجاري (2023). وهي محاولة من قبل الاتحاد و"إسرائيل" في كسب الوقت لاستمالة عدد من الدول الإفريقية لدعم القرار قبيل التصويت عليه. مع الإشارة إلى أنّ دولة الاحتلال حاولت أخذ العضويّة مرتيّن قبلها: مرّةً عام 2013، ومرّةً عام 2016.
مثالٌ ثانٍ: منذ أمد
عام 2016، مُرِّر قرارٌ في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يطالب دولةَ الاحتلال بوقف المشاريع الاستيطانيّة في الأراضي الفلسطينيّة التي احتلّت عام 1967. طرحت مشروعَ القرار دولُ السنغال وماليزيا وفنزويلا ونيوزيلاند، بعد أن سبق أن طُرح من قبل مصر التي تراجعت عنه بعد مكالمة هاتفيّة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهو بذلك أوّل قرار يمرّر في مجلس الأمن منذ 2008 يخصّ القضيّة الفلسطينيّة.
كانت السنغال؛ الدولة الإفريقيّة ذات الأغلبية المسلمة، عاملاً هاماً في تمرير القرار، تحديداً وأنّها تكتسب ثقلاً داخل الأمم المتحدة وجّهت من خلاله عدّة صفعات لتل أبيب، إذ تترأس "اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف"؛ وهي لجنة تابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة جرى تشكيلها عام 1975. لذلك، تُعتبر السنغال من الدول التي تسعى "إسرائيل" لاستمالتها في منطقة غرب إفريقيا.
على إثر ذلك، توتّرت العلاقات بين السنغال ودولة الاحتلال، التي عبّرت عن غضبها من القرار بسحب سفيرها من السنغال، غير أنّ العلاقات بينهما ما لبثت أن عادت.
كذلك، صوّتت 128 دولة - بأغلبيّة ساحقة - في الأمم المتحدة على قرار رفض إعلان ترمب القدس عاصمة لـ "إسرائيل" عام 2017، وكانت من هذه الدول دول إفريقيّة كالسنغال والسودان وموريتانيا وتونس.
مثالٌ ثالث: تكريماً لشيرين أبو عاقلة
إلا أن آخر الصفعات التي تلقتها تل أبيب، كانت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وتمثّلت بتقديم شيخ نيانغ السنغالي، وهو رئيس "اللجنة المعنيّة بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف"، أربعة مشاريع قرارات تخصّ القضيّة الفلسطينيّة، وتبنّتها الجمعيّة العامة للأمم المتحدة.
تضمّن مشروعُ القرار الأوّل "حشد التضامن الدولي للقضيّة الفلسطينيّة"، وتضمّن الثاني "تسوية قضية فلسطين بالوسائل السلمية"، أما القرار الثالث مُتعلّق بإحياء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة في قاعة الجمعيّة العامة، وكان القرار الرابع حول إدانة مقتل الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة والدعوة إلى مساءلة القتلة والترحيب بتسمية برنامج الأمم المتحدة التدريبي للصحافيين الفلسطينيين باسم أبو عاقلة تكريماً لها.
أثار ذلك سخطَ دولة الاحتلال، التي أدانت هذه القرارات على لسان ممثلها الدائم بالأمم المتحدة غلعاد إردان، والذي اعتبرها خطوةً ضدَّ "إسرائيل" ومحاولة لشيطنتها، كما أشار إلى أن إحياء الذكرى الخامسة والسبعين كان يجب أن يكون "احتفالاً بإسرائيل" وليس "إحياءً لذكرى ما يدعى باسم النكبة".
خاتمة
تواصل السنغال مساندةَ فلسطين داخل أروقة الأمم المتحدة، بالرغم من اعترافها بدولة الاحتلال والعلاقات الديبلوماسية التي تجمعها بتل أبيب؛ وهذا هو حال العديد من الدول الإفريقيّة.
نجحت دولة الاحتلال في السنوات الأخيرة في العودة إلى القارة الإفريقية وربط علاقات اقتصادية وأمنية مع الكثير من الدول الإفريقية، وإن لم تتمثل مساعي "إسرائيل" هذه في حشد دعم إفريقي كامل لها، تُلبّي فيه رغبتها في تحييد الدول الإفريقية وإيقاف دعمها السياسي لفلسطين داخل المنظمات الدولية وخاصة الأمم المتحدة، حيث تمثل الدول الإفريقية كتلةَ تصويتٍ هامة. كما أن هناك دولاً إفريقية تترأس لجاناً مؤثرة داخل هذه المنظمات، ولطالما مثلت أصوات هذه الدول حاجزاً أمام تل أبيب في عملية تمريرها لعدة مشاريع.