30 أكتوبر 2023

غزّة.. كيف نقرأ جغرافيا المعركة؟

غزّة.. كيف نقرأ جغرافيا المعركة؟

مع الحديث المتكرّر عن الاجتياح البرّي للجيش الإسرائيلي لقطاع غزّة، والمدى الذي تصل إليه آليّاته باتجاه مدن القطاع، ومناطق دخوله، وطبيعة هذه المناطق، فإنّ كثيراً من الغلط الذي يُشاع ناجمٌ عن عدم معرفة طبيعة القطاع وتقسيماته. تحاول هذه المادة الشارحة، وبالخرائط، أن تقدّم معرفة ضروريّة لفهم قطاع غزّة، عبر تقديمها مفاتيح تساعد في فهم خريطة ميدان المعركة.

من القضاء إلى القطاع

شكل قضاء غزة في التقسيمات البريطانية، أحد الألوية الجنوبية في فلسطين التاريخية، يقع في الجزء الجنوبي الغربي من فلسطين، تحده جنوباً مصر، وغرباً البحر الأبيض المتوسط، وتطوّقه أقضية بئر السبع والخليل والرملة من بقية الجهات. 

بلغت مساحة قضاء غزة 1111.5 كيلومتراً مربعاً، وضم 3 مدن رئيسية هي: المجدل وغزة وخانيونس، و54 قرية وبلدة منها: بيت حانون ودمرة وهوج وعراق المنشية وحمامة وكوكبا ودير سنيد وغيرها، وعمل أهله في الزراعة وصيد السمك والصناعات الخفيفة، منها النسيج الذي تميزت به المجدل، ودباغة الجلود والتصدير وغيرها، كما ضم سكة حديد، كانت تربطه بمصر. 

خريطة رقم ١: خريطة قضاء غزة التاريخي.

بعد نكبة عام 1948، انقسم قضاء غزة إلى قسمين: قسمٌ يتبع الإدارة المصرية بمساحة 365 كيلومترا مربعا واسمه "قطاع غزة"، في حين سيطر الاحتلال على ما تبقى من مساحة في القسم الآخر الذي سماه "غلاف غزة"، وأسس عليها 50 مستوطنة وكيبوتس، منها: "سديروت"، و"العين الثالثة"، و"أشكلون"، و"نيرعام"، و"رعيم"، و"بئيري" وغيرها. 

خريطة رقم ٢: خريطة مستوطنات "غلاف غزة".

ظل قطاع غزة تحت الإدارة المصرية حتى احتلاله في الأيام الأولى من حرب 1967، ليبدأ في قلب القطاع عهد المستوطنات التي انتشرت على 3 كتل رئيسية: شمالاً؛ وضمت "نيسانيت" و"إيلي سيناي" و"دوغيت"، ووسطاً؛ "نتساريم" و"كفارداروم"، وجنوباً؛ تجمع "غوش قطيف" الاستيطاني الذي امتد في الجانب الغربي من مدينتي رفح وخانيونس وحرم هاتين المدينتين من امتدادهما إلى شاطئ البحر. 

ظل قطاع غزة تحت السيطرة الإسرائيلية الأمنية والمدنية الكاملة حتى عام 1994. بعدها جرى توقيع اتفاق أوسلو، وتأسيس السلطة الفلسطينية على أجزاء من أراضي القطاع والضفة الغربية، لتنسحب قوات الاحتلال من مراكز المدن، وتتمركز داخل المستوطنات والمواقع العسكرية والحواجز المحيطة بها.

خريطة رقم ٣: خريطة يظهر فيها المستوطنات داخل قطاع غزة وهي متداخلة مع محافظات القطاع.

ظل الوضع على ما هو عليه حتى اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، التي انتهت بالاندحار الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة عام 2005، ليصبح أول قطعة أرض فلسطينية تخلو من أي وجود عسكري مباشر لجيش الاحتلال، رغم حصارها براً وبحراً وجواً. 

ويكيبيديا محافظات القطاع

قسمت السلطة الفلسطينية هيكلها الإداري إلى محافظات شمالية = الضفة الغربية، ومحافظات جنوبية = قطاع غزة. وانقسم القطاع إلى خمس محافظات هي كالآتي: 

خريطة رقم ٤: خريطة محافظات غزة، ويظهر فيها وادي غزة ووادي السلقا.
  • محافظة الشمال: 
  • تقع في أقصى شمال قطاع غزة، وتضم مدن بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا ومخيم جباليا (أكبر مخيمات اللاجئين في القطاع)، إضافة إلى عدد من القرى مثل القرية البدوية وأم النصر. 
  • تحدها من الشمال والشرق الأراضي المحتلة، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الجنوب محافظة غزة.
  • يبلغ عدد سكان المحافظة 388.977 نسمة، وفقاً لإحصاءات عام 2022. 
  • تضم المحافظة عددا من المقار الحكومية ومكاتب المنظمات الدولية والأهلية والشركات الخاصة، وعددا من الأسواق.
  • يعتمد القطاع الصحي فيها على 3 مستشفيات رئيسية هي: كمال عدوان والإندونيسي التابعان لوزارة الصحة، والعودة التابع للجان العمل الصحي. 
  • على حدود المحافظة يقع معبر بيت حانون "إيريز" الإسرائيلي، الواصل بين قطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948، والمخصص لسفر السكّان، وعبور الشخصيات الدولية والسياسية من وإلى غزة. 

 

  • محافظة غزة:
  • تضم المحافظة إلى جانب مدينة غزة، مدينة الزهراء والمغراقة وقرية جحر الديك، ومن أكبر أحيائها الشجاعية والزيتون والرمال الجنوبي، ويقع فيها مخيم الشاطئ للاجئين. 
  • تحدها شمالاً محافظة شمال غزة، وشرقاً الأراضي المحتلة عام 1948، وغرباً البحر الأبيض المتوسط، ويفصلها وادي غزة جنوباً عن المحافظة الوسطى. 
  • يبلغ عدد سكانها 893.932 نسمة، وفقاً لإحصاءات عام 2022، لتكون الأكبر من حيث عدد السكان على مستوى القطاع.
  • عصبها الأساس مدينة غزة، التي تعد العاصمة الإدارية والسياسية للقطاع، وفيها مقر الرئاسة سابقاً ومجلس الوزراء والمقار الرئيسية لكل الوزارات والأجهزة الأمنية والمدنية، والمنظمات الدولية والأهلية والخاصة، وأسواق ومعالم أثرية وتاريخية.
  • يقع في مدينة غزة ميناء بحري ومرفأ الصيادين، ومهبط للطائرات العمودية استخدمه الرئيس الراحل ياسر عرفات قبل تدميره.
  • يصلها بالأرض المحتلة معبر "كارني" المخصص للبضائع، والذي أغلقه الاحتلال واستبدل به معبر "كرم أبو سالم" جنوب القطاع. 

 

  • محافظة الوسطى:
  • فيها مجموعة من البلدات والمخيّمات، وهي النصيرات ومخيمها والمغازي ومخيمها والبريج ومخيمها ودير البلح ومخيمها ووادي السلقا. 
  •  يبلغ عدد سكانها 331.945 نسمة، بحسب إحصاءات عام 2022. 
  • تحدها شمالاً محافظة غزة، وجنوباً محافظة خانيونس، وشرقاً الأرض المحتلة، وغرباً البحر الأبيض المتوسط.
  • يفصلها شارع صلاح الدين إلى قسمين شرقي وغربي، ويجري فيها وادي السلقا، وليست لها أي معابر مع الاحتلال. 

 

  • محافظة خانيونس: 
  • أكبر محافظات قطاع غزة من حيث المساحة، عاصمتها الإدارية مدينة خانيونس التي يقع فيها مخيم خانيونس للاجئين، وتضم قرى وبلدات: القرارة وبني سهيلا وعبسان الكبيرة وعبسان الجديدة والفخاري وخزاعة. 
  • تحدها شمالاً المحافظة الوسطى، وجنوباً محافظة رفح، وشرقاً الأراضي المحتلة، وغرباً البحر الأبيض المتوسط. 
  • يبلغ عدد سكانها 463,744 نسمة، بحسب إحصاءات عام 2022، لتكون الثانية على مستوى القطاع من حيث عدد السكان. 
  • ليست لها أي معابر مشتركة مع الاحتلال.

 

  • محافظة رفح: 
  • تضم المحافظة مدينة رفح ومخيماتها، وعدداً من القرى الحدودية منها أم النصر.
  • تحدها شمالاً محافظة خانيونس، وجنوباً مصر، وشرقاً الأرض المحتلة، وغرباً البحر الأبيض المتوسط.
  • أقل محافظات قطاع غزة من حيث عدد السكان، إذ يبلغ 296.661 نسمة، بحسب إحصاءات عام 2022. 
  • يتبع لمحافظة رفح معبرها الواصل مع مصر، ومعبر "كرم أبو سالم" المخصص لإدخال البضائع إلى قطاع غزة. 
  • ذاع صيتها في سنوات الحصار المشدد على القطاع (2008-2011)، إذ أصبحت شريان إمداد تجاريّ عبر الأنفاق الحدودية. 
خريطة ٥: خريطة تفصيلية لمدن وقرى غزة و مخيماتها، والمعابر مع الاحتلال.

طوبوغرافيا ميدان المعركة 

يمتد الشريط الساحلي لقطاع غزة بطولٍ يصل إلى 41 كيلومتراً، وعرض يتراوح من 5 إلى 15 كيلومتراً، أرضه سهلة منبسطة، باستثناء "تلّة المنطار" في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، و"تبّة 86" في دير البلح بالمحافظة الوسطى. 

يتصل القطاع من شماله إلى جنوبه عبر شارعين رئيسيين، هما: شارع الرشيد "البحر" غرباً، وشارع صلاح الدين شرقاً، حيث يقطعان وادي غزة عبر جسرين، تشكل حلقة الوصل بين محافظتي غزة والشمال وبين باقي محافظات القطاع. 

جسر وادي غزة - شارع البحر.
شارع صلاح الدين.

يُحوّط القطاع بعدد كبير من المواقع العسكرية الإسرائيلية من شماله إلى جنوبه، تبدأ بموقع "زيكيم" العسكري البحري شمالاً، مروراً بموقع "إيريز" شرق بيت حانون، وسلسلة عديدة من المواقع التي تحاذي المدن والقرى والبلدات الحدودية للقطاع منها: "ناحل عوز" و"فجة" و"كيسوفيم" و"مارس"، وصولاً إلى "صوفا" و"كرم أبو سالم" في رفح. 

تميّزت مدينة غزة ببناء الأبراج السكنية والتجارية، التي يزيد ارتفاعها على 5 طوابق، في حين حافظت باقي مناطق القطاع على بيوت وعمارات سكنية تتراوح من 3-5 طوابق، إضافة إلى النمط الإنشائي التقليدي المعتاد من البيوت الأرضية أو التي لا يزيد ارتفاعها على طابقين. 

بين المناطق السكنية لقطاع غزة والسياج الفاصل مع الأرض المحتلة، مساحات من أراض زراعية سهلية، كانت حتى سنوات قريبة مسرحاً لعمليات الاحتلال، ومنطقة عازلة هي عرضة لعمليات التجريف وإطلاق النار، إلى أن فرضت المقاومة وجودها الميداني عبر أبراج الرصد والمراقبة، وشقت شارع "جكر" الممتد على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة، وانتزعت للمزارعين حقهم بزراعة أراضيهم والوجود فيها إلى بعد أمتار معدودة من السياج الفاصل. 

الثقل العسكري للقطاع 

تمتلك كتائب "الشهيد عز الدين القسام" ستة ألوية قتالية موزعة على محافظات القطاع، وهي: لواء الشمال، ولواء غزة الشمالي (يغطي الأحياء الشمالية للمدينة)، ولواء غزة الجنوبي (يضم الأحياء الجنوبية للمدينة)، ولواء الوسطى، ولواء خانيونس، ولواء رفح. 

يتبع كل لواء عدد من الكتائب الفرعية المقسمة على نطاق الأحياء، نستعرض هنا أبرزها الموجودة في شمال القطاع، إذ يشكل خلال معركة "طوفان الأقصى" مسرح المواجهة العسكرية مع الاحتلال:

  • لواء الشمال: 
    • كتيبة بيت حانون.
    • كتيبة بيت لاهيا. 
    • كتيبة الخلفاء (تضم مخيم جباليا).
    • كتيبة عماد عقل (تضم مدينة جباليا).
  • لواء غزة الشمالي:
    • كتيبة الرضوان.
    • كتيبة الشجاعية.
    • كتيبة التفاح والدرج.
  • لواء غزة الجنوبي: 
    • كتيبة الزيتون. 
    • كتيبة الصبرة وتل الإسلام. 

تميزت هذه الألوية بثقلها العسكري من حيث العتاد العسكري وعدد الأفراد والخبرات القتالية، خصوصاً في مدنها وأحيائها الحدودية، مثل: بيت حانون والشجاعية والزيتون. 

كذلك، فقد ضمت هذه الألوية عدداً من القادة التاريخيين للكتائب، منهم: عماد عقل، وأحمد الجعبري، ونضال فرحات، وزاهر نصار، وفوزي أبو القرع، وغيرهم، كما امتلكت هذه الألوية حصة من الترسانة الصاروخية الثقيلة للكتائب، وكانت عاصمة الأنفاق الحدودية في عمق الأرض المحتلة. 

وعلاوة على تنفيذها عمليات "ناحل عوز"، وموقع "16" العسكري، واقتحام موقع "زيكيم"، فإن الاحتلال يزعم عثوره على 5 أنفاق اجتازت الأرض المحتلة من شمال القطاع، مقارنة بنفقين اثنين من الجنوب، ولعل ذلك يرجع بالدرجة الأولى، إلى طبيعة التربة في الشمال والتي هي أشد تماسكاً وصلابة من تربة الجنوب.

الخواصر الرخوة

يعمد الاحتلال إلى اختراق قطاع غزة والتقدم فيه برياً من خلال "الخواصر الرخوة"؛ وهي مناطق مستوية الأرض، قليلة السكان، تقع على الأطراف، ولديه قدرة على التقدم السريع فيها لانعدام أي عوائق طبيعية أو صناعية. علماً أن هذه المناطق تشكل أراضٍ محروقة، أو ما يعرف بـ "المناطق الساقطة عسكرياً"، لأن الدفاع عنها يشكل خسارة فادحة لانكشاف المقاتلين. فيما يتجنب الاحتلال الكتل السكانية الكبرى، مثل: حي الزيتون والشجاعية في مدينة غزة، ومخيم جباليا في شمال قطاع غزة، ومدينة خانيونس في جنوب القطاع. 

خريطة ٦: مناطق دخول الاحتلال بريّاً.

 

كما يظهر في الخارطة أعلاه، وبحسب الترقيم، فإنّ مناطق توغّل الاحتلال في القطاع كانت حتّى الآن: 

1 - من مدينة بيت لاهيا، وما تزال الاشتباكات متواصلة والقتال بين كرّ وفر. 

2 - من جحر الديك، وذلك من أجل قطع شارع صلاح الدين، ثمّ انسحبت القوّات الإسرائيلية. 

3 - محاولات للتقدم عند مخيم البريج.

4 - عملية إنزال بحرية على شاطئ رفح جرى إفشالها.

5 - وفي السنوات الماضية، دخل الاحتلال إلى مطار غزة المدمر وتمركز بين أنقاضه.