أوجز شروح القلب في سطرينِ ... وأعرْ لكل فجيعة أذنين
واشهد خدور الغيد كيف تبدّلت ... حمرَ الدماء بحمرة الخدين
ونثار ذاك الطلع كيف تفتّحت ... أزهاره ببنادق ويدين
هذي عثارُكَ قد أقلتُ .. فقف معي ... عند الكِنَاس1مأوى الظبي .. أوان بَيْنِ بُثين
واغضض لها طرف الحياء فإنّها ... هي راحة الأرواح بين اثنين
لا تعجلنّ كلامَها وصُراحَه ... فالصمت أفصح في مقام البين
هذي هوادجهم وأنت مودّع ... ولُجينهم يبكي .. فجد بلُجين
واحفظ حديث ودادهم فلربما ... تحتاجه إن شحّ ماء العين
يا قصّة رويت بألف رواية ... ما زال كلّ كلامنا كالمَينِ2الكذب
لم نجزِ ذا الهول الرهيب جزاءه ... كلا ولم أفِ للبسالة دَيني
قم يا أخي واشهد سطوع جماجم الـموتى على الطرقات في الجنبينِ
مستفهمات عن مصير عدالة ... سقطت شواربها عن الشفتين
واشهد معي الشهب الحديد تزلزل الأرضين تحت مواطئ القدمين
لا ريب .. زلّت خطوة الأحياء والموتى خطاهم واثقات الأين
يمشون مثل مواكب العرسان بيضاً هادئين .. وذاك عرس الزين
قم يا أخي واشهد جمال حدائق الشهداء خلف ستور ذاك الغين
أني أكاد أراهمُ فرحين ... بشراهم بصحبة سيد الكونين
قم يا أخي واشهد كراماً قد مضوا .. صبراً بلا شكوى ولا نعلينِ
ذاقوا من الجوع الأمرّ أواره .. وتسابقوا الإيثار والحجرين
من مثلهم يُرجى القرى، لا مطعماً .. لكن إباء لا يلين بلَين
واستسق "أم محمّد" عقدت ضفيرة بنتها واستودعت سنتين
وبكفّها خاطت قميص محمّد .. واستملحت كفيه في الكفنين
واسترجعت ربّاً كبيراً قادراً .. أماه، ثأرك – وعد حرّ – دَيني
قم يا أخي .. واشهد قيام قيامة ... بدأت فصول الحشر للثقلين
وانظر إلى تلك الخيام وأهلها .. تجد الصبا عينيه زائغتين
كم ضمّة خذلت وموعود خبا .. ويد أضاعت في الزحام يدين
وأحبةٍ .. وقريبةٌ أجسادهم تحت الثرى .. ما أبعد المترين
واشهد معي ثمر الحياة تقصّفت .. أعناقه عن كلّ ذات غصين
واشهده سوف يعود أخضر مورقاً .. والسقف سوف نعيده سقفين
قم يا أخي واشهد معي كيف الصلاة على الركام تكون قرّة عينِ
كيف الشهيد يكون حيّاً: ها هو الياسين محمولاً على الكتفين
واشهد معي فتيانهم كيف انبروا ... مثل السهام على صدور الشَين
يُردون طاغوت الزمان بضربة ... عصماء تفلق رأسه نصفين
تَعِبُون .. لكن ذلّت الدنيا لهم ... زهدوا بها واستعذبوا المُرّين
خُذلوا .. وفي خذلانهم عزّ لهم يا خزي من باعوا بدولارين
قم يا أخي، واسألهمُ عما جرى .. تجد اليقين .. الخُبر خبْرُ جهينِ3من أمثال العرب: عند جهينة الخبر اليقين
يخبرك رائدهم: حفرنا قبرنا .. نفقاً فأطلَع عتمه قمرَين
والتفّت الأهوال حول قلوبنا .. فإذا بها الأهوال أهون هَيْنِ
وإذا السكينة في مجابهة الوغى .. ودمي وريح المسك شاهدتين
وإذا الولاية أشرقت أنوارها .. من أشعث بالباب ذي طمرين4في الحديث الشريف: " كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه به لو أقسم على الله لأبره"
ما أعجب الأضداد: أضيق بقعة .. وسعت خرائطنا بصاروخين
تنورها مذ فار مسكن ناره .. ساق البحار لمجمع البحرين
وإذا بموسانا يُحيل حبالهم .. وهماً ويفلق بحرهم فِرقين
قم يا أخي واسمع فصاحة خطوة الشهداء .. فالأصداءُ في الحرمين
تستذكر المسرى وعهد نبيّه .. وتردد الكلمات يوم حنين
إني النبيّ أنا ابن عبد المطلب ... يا هاشم ارفع راية لحسين
واستنهض الصديق، ثمة ردّة ... جذلانة بتلبّس العارين
يارب من هشم الثريد لقومه .. ها هم عيالك خُمصُ كلّ بطين5*جاء في السير أنّ هاشماً، واسمه عمرو، لما أصاب قومه القحط والجوع، رحل إلى فلسطين، فاشترى منها الدقيق، فقدم به مكة، فأمر به فخبز له ونحر جزورا، ثم اتخذ لقومه مرقة ثريد بذلك الخبز. فأنشد شاعرهم: عمرو الذي هشم الثريد لقومه .. ورجال مكة مسنتون عجاف ذبل الشفاه، تقرّحت أكبادهم .. فاقسم لهم في عسرهم يسرين
يا مرملاً، قد كلّ مرمى قوسه .. حاشا تعود بمثل خفّ حنين
لا ليس يرجع آملٌ إلا بما أمْلتْ يداه وخطّه برديني
*الرديني: اسم لنوع من الرماح
فانهض فديتك، صابراً ومرابطاً .. سدد وردّ الصاع بالصاعين
إن ضاقت الدنيا فقل: ربي لها .. أو حان موتك .. قل له: أهلين
ما زال خير الماكرين مدبّراً ... ويهيء الأقدار في الصفّين
ويمحّص الإيمان، صفواً خالصاً .. حتى يصير الناس فسطاطين
ويميز من طابوا ببالغ حكمة .. ويكيل من خبثوا به ضعفين
يا أهل غزّة .. والكلام مُعذّب .. حتى نصدّق ألسناً بيدينِ
كنتم كفاء للمصابرة الأمرّ.. جزاكم ربي الرضا كفلين
أنتم شهود زماننا فلترفعوا .. في وجه من قالوا "نعم" لائين
وقفوا صفوفاً من وراء إمامكم (ﷺ).. سنُعدّ خلف صفوفكم ألفين