24 نوفمبر 2022

عن الحياة بين قبور شهداء العرين

عن الحياة بين قبور شهداء العرين

خرجت الجموع في مدينة نابلس اليوم الخميس (24 تشرين الثاني/ نوفمبر) لتشييع مقاتلٍ آخر من مقاتلي "عرين الأسود"، هو الشهيد محمد حرز الله، المُلقّب بـ"أبو حمدي". أصيب حرز الله قبل 5 شهور تقريباً برصاصة إسرائيلية مباشرة في الرأس، بعد أن اشتبك مع جيش الاحتلال مُلبّياً نداء رفيقيه المحاصرين في ذلك الحين، عبود صبح ومحمد العزيزي، حين استنجدا بالمقاومين صارخيْن: "حيا على الجهاد".

مع خروج التشييع انهال المطر، فكان الهتاف: "يا بو حمدي ما شاء الله عليك، السماء تبكي عليك". وبينما كانت الجموع تركض بجثمان حرز الله نحو المقبرة الشرقية حيث قبور رفاقه، كان أحد أصدقائه يلحق بهم وقبعته بيده يحاول أن يضعها فوق وجه الشهيد كي يحميه من المطر. كذلك كان محمد لأصدقائه؛ يحميهم ويفديهم، واستشهد وهو يقوم بذلك. وعند الوصول إلى المقبرة لجأت الجموع للمظلات المنصوبة فوق بعض القبور، فإذ بها قبور شهداء من الانتفاضة الثانية، الشهداء الذين لطالما تأثر واقتدى بسيرهم مقاتلو العرين. 

في المقبرة ذاتها، وقبل حوالي شهر، جلست مجموعة من الفتية بين قبري الشهيدين عبد الرحمن صبح ومحمد العزيزي، أحد أبرز مقاتلي ومؤسسي مجموعة "عرين الأسود". بدا وكأنّهم اتخذوا المكان "مقرّاً" لهم؛ وضعوا على الحافة الفاصلة بين صفوف القبور بطانيةً جلديّةً لتكون أشبه بمقعدٍ يستريحون فيه. فهنا في المقبرة، لم يعد يمكن المرور على عجل، إنما هو جلوسٌ يطول، ونقاشٌ لا ينتهي حول الشهداء والشهادة. يقول أحدهم (15 عاماً)، "وأنا هون بحس أني في أمان، مش حاسس بالخوف، لما أقعد مع الشهداء بحس إني قاعد مع عيلتي".  

المشهد ذاته تكرر في المقبرة ذاتها من قبل، وتحديداً عند قبور الشهداء، محمد الدخيل، وأدهم مبروكة، وأشرف المبسلط، الذين اغتالهم جيش الاحتلال في 8 شباط/ فبراير 2022. مجموعاتٌ من الشبان يواظبون على زيارة قبورهم وقبور من سبقهم ومن تلاهم من الشهداء، ومن هناك، من المعاني التي يتأمل بها أولئك الشبان، تنبت بذرةٌ جديدة تنضمّ لحالة المقاومة التي نبضت وانتعشت في نابلس هذا العام. في هذا المقال نتبع بعضاً من قصص وسير مقاتلي العرين.

فتيان يجلسان عند قبور الشهداء في المقبرة الغربية، نابلس. تشرين الأول 2022. (عدسة: شذى حمّاد).

البداية.. كانوا ثلاثة رجال

بعد اغتيال الشبان الثلاثة، الشيشاني والدخيل والمبسلط، تصاعدت عمليات المقاومة في مدينة نابلس، من خلال عمليات إطلاق النار على جيش الاحتلال عند اقتحامه المدينة، أو استهدافه والمستوطنين على أطرافها. لم يكن ذلك التصاعد انتقاماً لاغتيال الثلاثة فحسب، وإنما كان أيضاً نتيجةً واستكمالاً لما بدأوا هم بتأسيسه في المدينة، من خلال محاولة تشكيل الخلايا، والبحث عن مصادر للسلاح والمال. 

بعد منتصف الليل، كان الشيشاني يضعُ تحت غطاء سريره وساداتِه، موهماً والدته أنّه نائم، ثمَّ يتسلّل من إحدى نوافذ المنزل ليلتقي مع صديقيه المبسلط والدخيل، ثم يتوجهون لتنفيذ عمليات إطلاق النار تجاه النقاط العسكرية وحواجز الاحتلال. بقوا على هذا الحال عدة شهور إلى أن اعتُقل صديقهم الرابع عبد الحكيم شاهين، فلجأوا إلى البلدة القديمة في نابلس، والتزموا بعدم الخروج منها إلا نادراً.

في بعض صورهم، يظهر الشبان الثلاثة وقد ربطوا عصبة "كتائب الأقصى" على رؤوسهم، إلا أنَّ ذلك لم يعني انتماءهم لحركة "فتح"، خاصّة أنّ لهم صور أخرى يربطون عصباً لتنظيمات أخرى. يُعلِّق صديقهم: "لم ينتموا لـ"فتح" أو أي تنظيم آخر، ولكنهم كانوا واضحين دوماً أن نهجهم هو نهج الشهيد نايف أبو شرخ". 

لا يغيب ذكر الشهيد نايف أبو شرخ، وهو أحد مؤسسي كتائب الأقصى ومجموعة "فرسان الليل"، عن أحاديث الشبان ويبدو جلياً مستوى التأثر بهِ، ليس فقط كشخصيةٍ عسكريّة، وإنما أيضاً كشخصية اجتماعيّة فاعلة خلال انتفاضة الأقصى، تجاوزت الفصائلية وسعت دوماً للعمل مع الفصائل الأخرى. كذلك يتردد في أوساط الشبان المقاومين اسما الشهيدين باسم أبو سرية (القذافي)، ويامن فرج. ورغم أن هذا الجيل لم يعايش أولئك المقاومين، إلا أن ما تركوه من إرث وسيرة حسنة ساهم في تشكيل نوعٍ من الوعي الوطني والرغبة بالاقتداء والسير على الطريق ذاتها.

الفعل ثمّ التسمية.. الإعلان عن "عرين الأسود"

شيئاً فشيئاً، وتحديداً بعد أيار/ مايو 2022، تصاعدت عمليات إطلاق النار ضدّ قوات ومستوطني الاحتلال، وخاصّةً عند اقتحامهم مقام يوسف شرق المدينة. عدا عن العمليات التي تستهدفهم خارج المدينة، وأبرزها تلك التي قُتل فيها جنديّ إسرائيلي عند نقطة عسكرية بالقرب من مستوطنة "شافي شمرون"، شمال غرب نابلس، في تشرين الأول/ أكتوبر 2022. 

بعد أن أصبح فعلها أكثر وضوحاً وتأثيراً، وضمّت في صفوفها عدداً إضافيّاً من المقاومين، ممن تحصنوا في البلدة القديمة، أعلنت المجموعة عن اسمها في أيلول/سبتمبر 2022، "عرين الأسود". ورغمّ أن التسمية جاءت متأخرة، إلا أنّها جاءت بعد مراكمة في العمل المقاوم، ونتيجة ثمرةٍ أسّس لها الشهيدان عبد الرحمن صبح ومحمد العزيزي، واللذين ركّزوا جهودهما في تهيئة ظروف البلدة القديمة لاحتضان المقاومين، وفي قيادة المجموعة فعليّاً، وذلك قبل اغتيال الاحتلال لهما في 23 تموز/يوليو 2022.

اقرؤوا المزيد: "مقام يوسف.. استيطان برعاية السلطة الفلسطينية".

كان الانضمام للمجموعة عابراً للفصائل والانتماءات. يقول أحد مقاتلي العرين إنّ "الانضمام للمجموعة مفتوح لكل من يحمل السلاح ويريد المقاومة". وهو الأمر الذي تبيّن أكثر مع بدء مطاردة مصعب اشتية، الذي يُنسب القرب من حركة "حماس"، والذي يتهمه الاحتلال بالانضمام للمجموعة. وبعد فشل اغتياله مع رفيقه العزيزي وصبح، اعتقلته الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة في أيلول/ سبتمبر الماضي، ووجهّت له "تهمة" توفير المال لمجموعة عرين الأسود.

والأبرز في تجربة العرين أنّها نجحت في بناء حاضنة شعبيّة في المحيطين القريب والبعيد. بدايةً في البلدة القديمة في نابلس حيث تحصّن مقاتلوها، وتالياً في سائر الضفّة الغربية وفلسطين، من خلال بياناتها العسكرية المقتضبة. لم تقتصر تلك البيانات على تبني العمليات ونعي الشهداء، وإنما اتخذت خطوةً للأمام بمخاطبة الناس، وحثّهم على المشاركة في الفعل المقاوم، كدعوتهم  للإضراب إسناداً لمخيم شعفاط الذي تعرَض للحصار، ودعوتها للخروج ليلاً في مسيرات مؤيدة للمقاومة والاشتباك مع الاحتلال، ودعوتها الناس للتكبير من على أسطح بيوتهم، وهي دعوات لقت صدى واسعاً واستجابة ملفتة جداً.

المطاردة من اللعبة إلى الحقيقة

في قصص أعضاء المجموعة ما يتشابه ويتقاطع. اعتاد ابراهيم النابلسي، الذي استشهد في اشتباكٍ مسلح برفقة إسلام صبوح، في 9 آب/ أغسطس الماضي، أن يلعب في طفولته لعبة "المطاردة" مع أقرانه في الحارة. وقد كان لقبه فيها "أبو فتحي"، تأثراً بالشهيد نايف أبو شرخ. كما اعتاد ابراهيم منذ صغره ارتداء الملابس قاتمة اللون والتي كان يصفها دائماً بـ"ملابس الكتائب". رحل النابلسي قبل شهرين من دخوله عامه الـ19، وقد شكّل نموذجاً جديداً للمطارد العنيد رغم صغر سنه، وشكّل وجوده رمزية مهمة لأقرانه الذين التحقوا بالعرين. 

أما وديع الحوح (31 عاماً)، الذي لحق النابلسي في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، فقد "اعتاد في طفولته أن ينام واضعاً مسدساً بلاستيكاً تحت مخدته"، كما تصف شقيقته صابرين. وتضيف أنّه تأثّر بالشهيد باسم أبو سرية "القذافي"، والذي كان أيضاً مقرباً للعائلة، وقد أوصى وديع أن يُدفن بجانبه، وهو ما حصل. تعلق شقيقته: "عاش أسد ومات بطل". 

آثار ما قيل إنها طائرة مُسيرة هجومية إسرائيلية شاركت في عملية اغتيال الشهيد وديع الحوح، كما بدت آثارها في منزله في نابلس. (عدسة: شذى حماد).

في حارة الياسمينة في بلدة نابلس القديمة، وأمام منزل الحوح، وقف أطفال يحملون في أعناقهم قلائد فيها صور شهداء عرين الأسود، وينظمون الدخول إلى المنزل الذي أصبح مزاراً بعد ارتقاء صاحبه. يُعرف الحوح بأنّه أحد مؤسسي ومسؤولي مجموعة "عرين الأسود"، ويتهمه الاحتلال بالمسؤولية عن التسليح وتصنيع العبوات الناسفة. وقد أصبح الحوح المطلوب الأبرز بعد استشهاد صديقيه المقاتلين صبح والعزيزي، وحينها أعلن وديع حربه التي لن يعود منها، قائلاً لشقيقته صابرين: "لَـفوا روحي لما لفوهم بالكفن". 

كان وديع يستعد لخوض المعركة جندياً مقابل جندي، إلا أنه خاضعها مع مسيرات هجومية وجهها جيش الاحتلال، تزامن معها استهداف المنزل بقصف صاروخي، وهو ما يشير إلى استراتيجية جديدة بات يتبعها الجيش للقضاء على المقاومة المتحصنة في بلدة نابلس القديمة. وتشهد مئات فوارغ الرصاص التي تملأ أرضية المنزل وسطحه، أن وديع ورفاقه لم يستسلموا للحظة.

آثار العدوان الإسرائيليّ على منزل الشهيد وديع الحوح في البلدة القديمة في نابلس. (عدسة: شذى حماد).

كان وديع قد رمم منزل عائلته استعداداً للزواج، ولكن مع انخراطه في مجموعة "العرين"، تحوّل المنزل ليكون واحداً من مقرّات المجموعة، وقد حصّن بابه وملأ خزائن المطبخ بالمعلبات بما يكفي سد حاجته ورفاقه. وفي إحدى غرف المنزل، كانت أدوات الإسعاف الأولية على الأرض، يبدو أنهم كانوا يضمدون جراح بعضهم. وفي غرفة ثانية، كانت دماء وديع أو أحد رفاقه ما زالت مكانها شاهدة على جراحه وقتاله. 

على باب منزل الحوح، وقف اثنان من مقاتلي العرين جاءوا يتفقدون المكان، ويراقبون المتجولون في المنطقة. لا يخفون مدى الألم على فراق رفاقهم، كما لا يخفون حجم الضربة القاسية التي وقعت عليهم بأهم اثنين من قيادة العرين تامر الكيلاني ووديع الحوح. يعلق أحدهم، "وجهوا لنا ضربة قوية، ولكن ذلك لا يعني انتهاء العرين".   

بعض المعلبات في خزانة المطبخ، خزّنها الشهيد وديع الحوح لصالح مقاومي "عرين الأسود". (عدسة: شذى حمّاد).

البلدة القديمة ثكنة العرين العسكرية 

سعى مؤسسو "عرين الأسود" لتهيئة الظروف داخل البلدة القديمة لإطالة عمر المجموعة وسط كل التعقيدات الأمنية التي خلقتها "إسرائيل" ومن بعدها السلطة الفلسطينية وعملت ضدّ انتعاش المقاومة من جديد بعد نهاية الانتفاضة الثانية. قاموا بنصب الشوادر التي تغطي ممراتٍ مكشوفة في بعض أزقة البلدة القديمة المهمة، وذلك لحماية تحركات المقاتلين في ظلّ التحليق المستمر لمُسيّرات الجيش. كما نشروا عدداً من كاميرات المراقبة في أبرز المحاور ومداخل الأحياء.

كما حصّن المقاتلون أبواب عددٍ من المنازل التي يتحصنون بها لعرقلة اقتحام جيش الاحتلال. وأصدروا تعليمات داخلية لأهالي البلدة القديمة بتجنب التقاط الصور في الأحياء التي يتمركز فيها المقاتلون. أما وديع، فقد أوكل مهاماً لبعض الفتية كمراقبة مداخل الأحياء والتبليغ عن أي تحركات غريبة أو وجود أشخاص من خارج البلدة القديمة، واشترى لعدد منهم دراجات نارية ليسهل تحركاتهم ويسرعها 

قبل يومين من استشهاد الحوح، اغتال جيش الاحتلال تامر الكيلاني (23 تشرين الأول/أكتوبر)،  بعد أن زُرِعت عبوة ناسفة في دراجة نارية، واستهدفته في حارة الياسمينة. إن كان الحوح عضلةً أساسية في "عرين الأسود"، فقد كان تامر (33 عاماً) عقلاً مُدبِّراً لعملياتها، وقد لقبه مقاتلة العرين بـ"القلب الميت". اتهمه الاحتلال بالوقوف وراء عدة عمليات ضدّ أهداف إسرائيلية، من بينها إرسال شاب لتنفيذ عملية إطلاق نار وتفجير في تل أبيب في تموز/ يوليو الماضي، قبل أن يُعتقل وسط يافا. 

آثار الدراجة الناريّة المفخخة التي استخدمت لاغتيال الشهيد تامر الكيلاني. (عدسة: شذى حمّاد).

بدأ الكيلاني بالاختفاء في البلدة القديمة منذ ذلك الحين، خاصّةً بعد تلقيه اتصالاتٍ من مخابرات الاحتلال تطالبه بتسليم نفسه أحياناً، وتُهدِّده بالاغتيال أحياناً أخرى. يقول شقيقه فواز: "كانوا يعرفون أنهم لا يستطيعون الوصول إلى تامر، وأن رصاصهم لا يقتلهم، فوضعوا له عبوة تحمل اثنين كيلو من المتفجرات".

اقرؤوا المزيد: "يامن فرج ما بتصاوب، بستشهد!".

انتمى الكيلاني للجبهة الشعبية متأثراً بالشهيد يامن فرج، وسمّى طفله باسمه تيمناً به. اعتقل في سجون الاحتلال أربع مرات، قضى في إحداها أربع سنوات متتالية بتهمة إطلاق النار وتشكيل خلايا عسكرية. كما أُصيب بجراح من رصاص الاحتلال ثلاث مرات، هذا عدا عن اعتقاله لدى أجهزة السلطة الفلسطينية بـ"تهمة" حيازة السلاح. 

بعد تحرّره الأخير من سجون الاحتلال التحق الكيلاني بالأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة، وانضمّ لدورتين عسكريتين في عمّان قبل أن يُعيّن  في حرس الرئاسة، إلا أنه لم يمض الكثير من الوقت حتى قرر الاستقالة، رفضاً لممارسات الأجهزة، والتي كان من بينها منع مواجهات قرب قبة راحيل في بيت لحم.

ظلم ذوي القربى..

من خلال تتبع سير مقاتلي العرين، يتضح أنّ عدداً كبيراً منهم تعرّض للملاحقة والاعتقال من قبل السلطة الفلسطينية، كابراهيم النابلسي مثلاً. بعضهم قضى شهوراً في سجني الجنيد وأريحا، حيث تعرضوا لتعذيب وتحقيق قاسٍ، ووُجهت لهم "تهم" حيازة السلاح وغيرها. يقول صديق مقرب لبعض منهم: "الشباب غير المحسوبة على شخصيات متنفذة في السلطة في نابلس، تُلاحق وينتزع منها السلاح وتُعذب.. أما غيرهم يعربدون بأسلحتهم في البلد". 

وبعد اغتيال جيش الاحتلال مجموعة من أبرز مقاتلي العرين، بدأت أجهزة السلطة ومقربون منها بالتسلل بين عناصر المجموعة، في محاولة لتفكيكها وإقناع بعضهم بتسليم أنفسهم، مقابل "ضمانات" بالعفو أو عدم تسليمهم لـ"إسرائيل". يقول أحد مقاتلي العرين إنه تم الاستفراد بعدد من المقاتلين الأساسيين والضغط عليهم لتسليم أنفسهم وسلاحهم، ويعلق: "ليست لدينا معلومات دقيقة حول ما جرى، ولكن شعرنا بالخذلان"، ويؤكد أن لا ثقة بالسلطة وأجهزتها خاصّةً أن معظم مقاتلي العرين سبق تعذيبهم من قبل الأجهزة ذاتها التي تتعهد بـ"حمايتهم".

في هذا السياق، تذكر صابرين، شقيقة الشهيد الحوح، أنّه اجتمع مع مسؤولين فلسطينيين قبل يومين من استشهاده، وأنّهم قدّموا له مغريات عديدة لتسليم نفسه وسلاحه، مثل راتب دائم بقيمة ستة آلاف شيكل، والحصول على عفو إسرائيلي، فكان ردّه: "عندما يعود عبود صبح والعزيزي سأسلِّم نفسي". جاء ذلك الاجتماع بعد أيامٍ قليلة فقط من الكشف عن اجتماع فلسطيني إسرائيلي أميركي ناقش كيفية إنهاء حالة المقاومة في نابلس. 

عودةً إلى المقبرة، حيث ما زال الفتية يجلسون بين قبور الشهداء. يروي أحدهم قصة القطة البيضاء التي تجلس بينهم، أنها لا تُغادر قبري الشهيدين صبح والعزيزي أبداً، وقد أُبعدت عن المقبرة ولكنها عادت مجدداً. ويعيد الفتى الرواية المتداولة: "يقولون إن هذه القطة تحمل روح واحد من الشهداء، أو أنها ملاك يحرس قبريهما". لعل ما في هذه القصة من إصرار على العودة من جديد ما يُذكّرنا بسير الشهداء، التي ما تلبث تغيب، أو تُغيّب، حتى تعود، مجموعات ترث مجموعات، وأسماء ترث من سبقها.