9 فبراير 2024

طوفان من الرعب.. ماذا عن الصحة النفسية في "إسرائيل"؟

طوفان من الرعب.. ماذا عن الصحة النفسية في "إسرائيل"؟

"الوضع ليس جيداً، فحالة الصحة النفسيّة للجميع تزداد سوءاً"؛ هذا ما قالته الأخصائية النفسيّة الإسرائيلية والمحاضرة في "الجامعة العبرية" في القدس المحتلّة، أوفريت شابيرا بيرمان، إذ ترأس فريق الصحة النفسيّة في منظمة "First Line Med" التي تقدّم خدماتٍ واستشاراتٍ في مجال الصحة النفسيّة للإسرائيليين المتضرّرين من أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وقد توالت التقارير التي تتحدث عن وضع الصحة النفسيّة للإسرائيليين وازدياد الاضطرابات فيها منذ بداية معركة "طوفان الأقصى"؛ الأمر الذي يدفع للتساؤل حول الكيفية التي تعامل بها الاحتلال الإسرائيلي مع هذا المُستجد، والمعنى الكامن وراء الأثر الذي تُحدِثُه المقاومة الفلسطينيّة في المجتمع الإسرائيلي. 

اجتياح الأمراض النفسيّة

ممّا لا شك فيه، أنّ التداعيات النفسيّة لعملية "طوفان الأقصى" التي نفّذتها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي ضدّ المستوطنات والمواقع العسكريّة في "غلاف غزّة"، قد عمّت جميع المجتمع الإسرائيلي، وهو ما كشفت عنه دراسة نُشرت في مجلة "ذي لانسيت" الطبية البريطانية. فمنذ اليوم الأول للطوفان، بات خطُّ الطوارئ "عران"، الذي يقدّم إسعافاتٍ نفسيّة أوليّة، مشغولاً جداً، إذ تضاعفت عليه الاتصالات، وبلغت حتى أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 50 ألف مكالمة. كما تعرّض 100 ألف إسرائيلي لحوادث قد تؤدي إلى إصابتهم بالصدمة النفسيّة، وذلك بحسب المدير العام لوزارة الصحة في دولة الاحتلال. 

لذلك، وبحسب الدراسة، اعتبر وزير الصحة الإسرائيلي أنّ "إسرائيل" تواجه "أكبرَ أزمةِ صحةٍ نفسيّة في تاريخها". وقد دفع ذلك الحكومةَ الإسرائيلية لإصدار قرار في منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي، يقضي بزيادة موارد قطاع الصحة النفسيّة بقيمة تصل إلى 1.4 مليار شيكل (أكثر من 381 مليون دولار).

يأتي هذا الاهتمام في سياق أن "إسرائيل" تعاني من نقصٍ حادٍّ في الأطباء النفسيين، فمقابل كلّ 11 ألفاً و705 من الإسرائيليين هناك طبيبٌ نفسيّ واحد، وهو ما زادت حدته بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، إذ هاجر العشرات من الأطباء النفسيين إلى بريطانيا، والذين غادروا دولة الاحتلال بسبب انخفاض الأجور والعبء الثقيل في العمل، الذي بات فجأة يكتظ بـ 300 ألف مريض نفسيّ.

تتنوّع الأمراض النفسيّة التي أصابت هذا العدد الكبير من الإسرائيليين، بين القلق والاكتئاب واضطرابات الطعام واضطرابات النوم وانخفاض الأداء الجنسيّ واضطرابات ما بعد الصدمة. يقول الممثّل الخاصّ لـ "منظمة الصحة العالميّة" في "إسرائيل": "لم يعد الناس يشعرون بالأمان بعد الآن، وهذا تغيير كامل في تاريخهم الحديث".

أما للتعامل مع الحالة النفسيّة لجنود الجيش الإسرائيلي، فقد أنشأ الاحتلال لأوّل مرّةٍ خطّاً هاتفيّاً للدعم النفسيّ خاصّاً بجنوده، وقد تقلّى هذا الخط خلال 3 أشهر أكثر من 3 آلاف اتصال. كما أنشأ مركزين للصحة النفسيّة لجنوده قريباً من ميدان المعركة في قطاع غزّة لضمان سرعة الاستجابة، تعاملا حتى بداية كانون الأول/ ديسمبر 2023 مع ألفي جندي إسرائيلي كانوا بحاجة للمساعدة النفسية، 200 منهم خلال الأسابيع الثلاثة الأولى فقط من الاجتياح البريّ الإسرائيلي للقطاع. إضافةً إلى ذلك، جنّد الاحتلال منذ بداية الطوفان أكثر من 800 ضابط صحّة نفسية، حتى أنّ بعضهم رافق الجنود في ميادين القتال.

وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، أعلن جيشُ الاحتلال الإسرائيلي عن توجّه 9 آلاف جندي لضبّاط الصحة النفسية عنده، منهم 1500 تطلّبت حالتهم متابعةً علاجيّةً لاحقة. وفي الشهر نفسه، كان قد حُوّل منذ بداية الحرب 900 جندي إلى مراكز تأهيل مختصّة بعلاج اضطرابات ما بعد الصدمة، فيما 90 جنديّاً منهم سرّحوا بشكلٍ نهائيٍ من الخدمة في الجيش لحالتهم النفسية الصعبة. ومن الأمثلة على هذه الحالات النفسيّة الصعبة لجنود الاحتلال، أن استيقظ أحد الجنود العائدين من الحرب مذعوراً من نومه على إثر كابوس، فأطلق النار في الغرفة التي كان نائماً فيها، فأصاب من كان معه من الجنود.

أثر الطوفان الذي لا يزول

يبدو أن أثر عملية "طوفان الأقصى" لم يتوقف عند القتل والجرح والأسر، بل تجاوزه إلى الإصابات النفسيّة التي تسببت بها عمليات المقاومة، وهو ما قد يساهم بشكل كبير في زعزعة فكرة الكيان الإسرائيلي، القائمة على توفير الأمن والأمان لسكّانها. ولا يُستهان بتزايد الأمراض النفسية وانعدام الشعور بالأمان في دولة الاحتلال، ففكرة "إسرائيل" قائمة على استقدام المهاجرين اليهود إليها من كل بقاع العالم، على أساس مغريات كثيرة جوهرها توفير الرفاه والأمن، ومع طوفان الخوف والأذى النفسيّ تصبح هذه الفكرة مشكوكاً فيها. 

على الجهة المقابلة، فإنّ حالات الهجرة ومغادرة الإسرائيليين لفلسطين المحتلة بعد أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر في ازدياد. فحتّى نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، غادر الأراضي المحتلة 370 ألف إسرائيلي. وفي يوم واحد، هو الرابع من شباط/ فبراير الجاري، غادر دولة الاحتلال 30 ألف إسرائيلي. وفي حين كانت هجرة اليهود إلى الأراضي المحتلة للاستيطان بمتوسط 4500 مهاجر شهرياً، هاجر إلى الاحتلال منذ بداية الطوفان وحتى بداية كانون الأول/ ديسمبر 2023، 2000 مهاجر فقط. 

هذه المغادرة والهجرة على وقع الحرب، وهذا الانخفاض في أعداد القادمين، يهدّد فكرة "إسرائيل" بشكلٍ لا يُمكن الاستخفاف به. فهذا البلد المزعوم المبني على البحث عن شعب، قد يخسر العنصر الأساسي لتكوين دولته، فكلّما هاجر المحتلون وقلّت الهجرات اليهودية إلى الأراضي المحتلة، كلما ضعف الكيان وفكرته أكثر.

وطبقاً لقانون التجنيد الإسرائيلي، فإن الذين يعانون من أمراض نفسية حقيقية لا يتم تجنيدهم. ولذا، ومع الزيادة الكبيرة في عدد المرضى النفسيين في المجتمع الإسرائيلي خلال الحرب الحالية، فإن اعتماد الاحتلال على جيشه الاحتياطي يُصبح موضع شكّ، فقد يخسر منه عدداً كبيراً.

قد ترى بأن صواريخ المقاومة المتجهه نحو تل أبيب لا تشكّل خطراً تدميرياً كبيراً في المباني والأرواح، لكن هذه الصواريخ تهدّد وجود الكيان عبر طوفان من الرعب وفقدان الأمل في وطنٍ يهودي آمن كما كانت الوعود.



13 فبراير 2024
سجن الضفّة المركزيّ، فرع الخليل

ما أن يحلّ مساء يوم الخميس، معلناً نهاية الأسبوع وبداية العطلة الأسبوعيّة، حتى يشدّ الموظفون في رام الله (عاصمة الوظيفة)،…