17 يناير 2024

صناعة العداء.. كيف مُهّدت الطريق لـ "إسرائيل"؟

صناعة العداء.. كيف مُهّدت الطريق لـ "إسرائيل"؟

واجه العرب والمسلمون في الولايات المتحدة الأميركية العديد من المضايقات منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، فوفقاً لـ "مجلس العلاقات الإسلامية الأميركي" (CAIR)، ارتفعت وتيرة معاداة المسلمين في الولايات المتحدة خلال نحو شهر من بداية "طوفان الأقصى" لأكثر من 200% عن العام 2022، مُسجّلة 2171 شكوى بين السابع من تشرين الأول/ أكتوبر والثاني من كانون الأول/ ديسمبر. 

وبينما تسببت رموز وطنية، كارتداء الكوفية واستخدام اللغة العربية ورفع العلم الفلسطيني، بهجمات عدة، كان الدافع وراء حوادث عنف أخرى رموز دينية كارتداء الحجاب أو العِلم المسبق بالهوية الدينية للشخص، وردد المعتدون أثناء ارتكاب جرائمهم عبارات كراهية للمسلمين واتهام لهم بـ"الإرهاب" ومطالبتهم بالعودة إلى بلادهم. 

وبين السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، الذي يحرّض على إبادة قطاع غزّة لكونها "حرباً دينية مقدسة"، والازدياد المضطرد في حالات الجرائم ضد المسلمين في الولايات المتحدة، تاريخ من صناعة الاستعمار الغربيّ لحروب وسياسات تستخدم الدين كبوّابة لتحقيق مصالحه الاستعماريّة في منطقتنا. 

الكرتُ الرابح!

بدأ التوظيف الأميركي - الإسرائيلي لـ "صراع الحضارات" بجذوره الكولونيالية الاستشراقية، بعداء العرب كهوية عرقية سبعينيات القرن الماضي. ثمّ سرعان ما تحول لعداء للإسلام بوصفه هويةً دينيةً إبان الثورة الإيرانية وغزو لبنان، ومن ثم ظهور الفصائل والأحزاب الإسلامية في المشهد الوطني الفلسطيني. وعليه، فمنذ ثمانينيات القرن الماضي، تبلور مفهوم "الإرهاب الإسلامي"، وباتت كلّ من "إسرائيل" والولايات المتحدة تستخدم كرت معاداة المسلم "البربري" و"البدائي" و"اللامتمدن".

ومع ذلك، فقد لعبت خطابات كراهية الإسلام والعداء للمسلمين دوراً مفصلياً في تشكيل السياسة الخارجية الأميركية منذ هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، إذ غُذّي الجمهور الأميركي على مدار عقدين من الزمان بالعداء المفرط للمسلمين. بينما وجدت في هذا التوجه مجموعاتٌ مسيحية يهودية مناصرة لـ "إسرائيل" ضالتها، مشكّلةً في مجموعها شبكةً تعمل على إذكاء نار الخوف والعداء للمسلم كبوابة لمناهضة الحقّ الفلسطينيّ والعاملين عليه وحشد الدعم والتأييد للسياسات الإسرائيلية في الأرض المحتلة. 

فبينما اتخذت الولايات المتحدة من معاداة المسلمين مبرراً لجمهورها الداخلي وجماهير حلفائها من الأوروبيين، لشن حروبها الاستعماريّة وسرقة خيرات المنطقة وارتكاب أفظع الجرائم، استخدمت "إسرائيل" هذا الكرت بفاعلية لحشد الدعم والتأييد لسياساتها الاستعمارية وارتكابها المجازر بحقّ الفلسطينيين في الداخل ومحاصرة العمل المناصر للقضية الفلسطينية في الخارج. 

متظاهرون أمام البيت الأبيض خلال مسيرة لدعم الفلسطينيين في العاصمة الأمريكية واشنطن، في 4 تشرين ثاني\ نوفمبر 2023. (تصوير: ستيفاني رينولدز/ الوكالة الفرنسية)

 

من ناحيةٍ أخرى استغلت الولايات المتحدة هذه الصورة لمواصلة دعم "إسرائيل" بشكلٍ غير محدود في حروبها المتتالية على الفلسطينيين، ومنها حربها الحالية على قطاع غزّة؛ مقدّمة "إسرائيل" كامتدادٍ للغرب الأبيض المتمدن حامل القيم الحضارية في حربها ضدّ الفلسطينيين، الذين يصوّرونهم في المخيال الغربي كتنويعاتٍ على "داعش" و"القاعدة". 

اقرؤوا المزيد: طوفان الأرض والنفس.. عندما انتهت فكرة "إسرائيل"

وعلى امتداد العقدين الماضيين، يمكن تتبع الدور الذي لعبته الجماعات المؤيدة لـ "إسرائيل" في الولايات المتحدة، بوصفها الممول الرئيس والمنظّم للمحتوى المعادي للإسلام، برسم صورةٍ مشوّهة للمسلم والقيم الإسلامية التي يحملها من ناحية، ومن ثمّ بالربط بين الإسلام والقضيّة الفلسطينيّة لتوفير مادة سهلة للرأي العام الأميركي لإقصاء فلسطين من باب العداء للإسلام. وهو ما اشتغل عكسيّاً مع كثيرٍ من الشباب الأميركي خلال "طوفان الأقصى"، إذ رأوا في التربيّة الإيمانيّة لمجاهدي غزّة سبباً في الأخلاق القتاليّة العالية لديهم، كمسألة مُعاملة الأسرى الإسرائيليين معاملة حسنة؛ الأمر الذي شكّل دافعاً لدى البعض للتعرّف على الإسلام وقراءة القرآن.  

المسلم الجيّد هو المُحبّ لـ"إسرائيل"!

لعب التشويه المقصود للهوية الدينية الإسلامية وربطها بالنضال الوطني الفلسطيني في الولايات المتحدة، دوراً في تطبيق أدوات الإسلاموفوبيا على العرب والفلسطينيين بشكلٍ خاصّ، إذ تحوّلت كراهية العرب ومعاداة الفلسطينيين إلى ديناميكيات وأطياف من معاداة الإسلام؛ الأمر الذي قاد إلى محاصرة الخطاب المناصر للقضية الفلسطينية والمنتقد لـ "إسرائيل"، بالتضييق المجتمعي والرسمي على العاملين في مجال الحقّ الفلسطيني، أفراداً ومؤسسات، بوصفها داعمةً للإرهاب الإسلامي ومعاديةً لليهود والغرب. فمثلاً؛ أصاب مؤسساتٍ مثلَ "منظمة مسلمين من أجل فلسطين" و"مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية" نصيبٌ من الشيطنة ومحاولات نزع الشرعية بتُهمة "دعم الإرهاب".  

وتأتي هذه الملاحقات للعمل والتحرك في المجال العام، كتتويج لاختبار طرحته الجماعات اليهودية المؤيدة لـ "إسرائيل" في الولايات المتحدة، لمعرفة "المسلم الجيد" وتحديد مَن مِن مسلمي وعرب أميركا يصلح لعقد شراكاتٍ تعاونية ومشاريع مشتركة معه، إذ يمكن بعدها إعطاؤه حقّ العمل المجتمعي ومخاطبة الجماهير الأميركية بحريّة دون رقابةٍ وتضييق. ويعتمد هذا الاختبار أساساً على قبول "إسرائيل" وعدم انتقاد سياساتها، إضافةً للتنصل وإدانة الجماعات التي تؤيد الحقّ الفلسطيني و"حركة المقاومة الإسلامية حماس" وما يسمّونه "الإرهاب الإسلامي". 

من ناحية أخرى، ظهر في هذا السياق الوجه المقابل لتوظيف الهوية الدينية بتوصيف النضال الفلسطيني وما يتصل به من مناصرة وتأييد كعملٍ معادٍ للسامية، إذ تحوّل الخطاب المنادي بتفكيك الاستعمار والتحرّر وتقرير المصير لخطابٍ كارهٍ لليهود وراغبٍ بارتكاب جريمة إبادة جماعية بحقّ هذه الجماعة الدينية. وقد جاء قرار مجلس النواب الأميركي (894) باعتبار مناهضة الصهيونية "معاداةُ للسامية"، والذي جرى تبنّيه خلال الحرب الجارية على قطاع غزّة بداية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، كمثالٍ واضحٍ على هذا التوظيف الأميركي، في محاكاة لتعريف التحالف الدولي لذكرى "الهولوكوست IHRA".

هذا الربط بين اليهودية كدين ودولة الاحتلال "كتمثيل جمعي للحق اليهودي بالوجود وتقرير المصير"، لم يبدأ مع السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، بل إن "طوفان الأقصى" جاء في وقتٍ يعيش فيه هذا الخلط السافر عصره الذهبي من التضييق على حق التعبير في الجامعات والمنتديات العامة والمنابر السياسية والحقوقية الأميركية. 

رئيس دولة الاحتلال إسحاق هرتسوغ يستضيف أساقفة وزعماء كنائس القدس في 21 كانون أول\ ديسمبر 2023.
رئيس دولة الاحتلال إسحاق هرتسوغ يستضيف أساقفة وزعماء كنائس القدس في 21 كانون أول\ ديسمبر 2023.

 

وأخيراً، تُوهِم "إسرائيل" الرأي العام العالمي بمتانة علاقتها بالمسيحية كهويّةٍ دينية، فتستضيف الخوارنة والمطارنة قادة الكنائس المسيحية في القدس (معظمهم ليسوا فلسطينيين، ويتولّى أغلبهم منصبه بتعيين كنسيّ أوروبيّ)، وفي الوقت نفسه لا توفّر صواريخها في استهداف كنائس قطاع غزّة ضمن حملتها في استهداف المساجد والمؤسسات المُجتمعية.

شبكات الضخّ

العلاقات المتداخلة بين سياسات معاداة الإسلام وشيطنة الفلسطينيين، مقابل دعم غير محدود للسياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، يكشف اللثام عن عدة أسماء وجهات. على رأسها يأتي مشروع "كلاريون"، الذي أخرج سلسلة أفلام وثائقية تربط ما يُسميه "الإسلام الراديكالي" بالقضية الفلسطينية، وتربط بين الفلسطينيين والمسلمين والنازية، كما تشرعن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة من منطلقات معادية للقيم الإسلامية.

تظهر منذ الدقائق الأولى لفيلم السلسلة الأشهر: "هوس: حرب الإسلام الراديكالي على الغرب" (2005)، صورٌ للمقاومين الفلسطينيين من "كتائب القسام" و"كتائب شهداء الأقصى" كمادة نموذجية لـ"الإرهاب الإسلامي". كما توظّف خطبَ المساجد التي تتحدث عن ضرورة محاربة الصهيونية كواجبٍ ديني، في تصوير "إسرائيل" على أنّها واقعة تحت خطر هؤلاء "المسلمين الراديكاليين". يأتي هذا الفيلم برسالة واحدة مفادها: إن أميركا تواجه عدواً مسلماً متطرفاً ينتقم منها بصب جام غضبه على "إسرائيل"، بصفتها ممثلةً للولايات المتحدة وقيمها في الشرق المتوحش. 

عمل الضخّ الإعلاميّ بمثل هذه الأفلام، على تشكيل الرأي العام الأميركي وقتها، إذ وُزّعت على مراكز الشرطة وعُرضت في قاعات الجامعات وغيرها من المرافق العامة، في وقت كانت الولايات المتحدة تتحضر فيه لانتخاباتٍ رئاسيةٍ وتشريعيةٍ لعام 2010. وكجزء من تمظهرات هذه الخطابات، رأينا حينها وصول أعضاء لـ "حزب الشاي" المعروف بعدائه للمسلمين إلى الكونغرس الأميركي.  

اقرؤوا المزيد: الطوفان يقتصد من ماكدونالدز وأخواتها: هل تستمر المقاطعة؟ 

تتبّعتْ "منظمة أصوات يهودية من أجل السلام" شبكةَ علاقات مريبة بين جهات معادية للإسلام وأخرى مؤيدة لـ"إسرائيل"، لتجد أن كل المؤسسات الداعمة للسياسات الإسرائيلية على الأراضي الأميركية منخرطةٌ بدعاية معادية للإسلام أيضاً، وعلى رأسها منظمة "قف معنا Stand With Us"، التي عملت على مقاضاة داعمي "حركة المقاطعة بي دي أس" عام 2011، والمنظمة الصهيونية الأميركية "ZOA" التي تروّج لحمل الفلسطينيين أجندات فكرية صادمة للمُثُل الغربية ولا بديل عن محاربتهم. ومن هذه الجهات أيضاً؛ "الاتحاد  اليهودي" الناشط في عدة ولايات أميركية، منها: كاليفورنيا ودالاس وفيلادلفيا. إضافة لـ"المنظمة الطلابية اليهودية" الناشطة في ساحات الجامعات (Hillel)، كما لا يمكن إغفال دور اتحاد مناهضة التشهير "ADL"، وكلّها جهات أميركية نشطت في نشر ثقافة معاداة الإسلام والترهيب من المسلمين لغايات دعم وتبرير السياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. 

زيارات تنويريّة إلى "إسرائيل"!

الأسماء الرائدة في شبكة معاداة الإسلام في الولايات المتحدة، تربطها هي الأخرى علاقات وثيقة بالسياسة الإسرائيلية. وفي مقدمة هذه الأسماء تأتي باميلا جيلر، مؤسسة "مبادرة الدفاع عن الحريات الأمريكية AFDI"، وهي مسؤولة عن نشر حملة كراهية واسعة ضد المسلمين في وسائل المواصلات في المدن الأميركية، إذ ظهرت عام 2012 إعلانات على الحافلات الأميركية تقول: "في أي حرب بين الإنسان المتحضر والبربري، ادعم المتحضر، ادعم إسرائيل، حارب الجهاد"، وأخرى صوّرت فيها الحاج أمين الحسيني مع هتلر، في ربط مباشر بين الفلسطينيين والنازية. 

حافلة عامة تحمل إعلاناً مؤيداً "لإسرائيل" من مبادرة الدفاع عن الحرية الأمريكية تمر وسط مدينة سان فرانسيسكو. (المصدر: موقع rferl.)
حافلة عامة تحمل إعلاناً مؤيداً "لإسرائيل" من مبادرة الدفاع عن الحرية الأمريكية تمر وسط مدينة سان فرانسيسكو. (المصدر: موقع rferl.)

 

ليست جيلر وحدها في ساحة مناصرة "إسرائيل" من باب معاداة الإسلام والقضيّة الفلسطينيّة، فهناك مثلاً الكاتب اليميني المتطرّف ديفيد هورويتز، مؤسس "منظمة ديفيد هورويتز للحريات" التي تنظّم جولات "تثقيفية" في الجامعات الأميركية حول "الخطر الفاشي للإسلام على أميركا والغرب"، معتمدة بشكل أساسي على عداء العرب والفلسطينيين لـ"إسرائيل". وهناك أيضاً شيلدون أدرسن، المليونير الأميركي الداعم للمرشحين الأميركيين الأشد وفاء لـ"إسرائيل"، وهو من الأعضاء البارزين للوبي الصهيوني، يعقد دورات تثقيفية هو الآخر حول خطر الإسلام والمسلمين على القيم الغربية للأميركيين الشباب قبل أن يرسلهم إلى "إسرائيل" في زيارات "تنويرية".

الاستثمار في العداء

في تقرير له صادر عام 2019، كشف "مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية" عن قيام 1096 منظمة بتمويل 39 جماعة معادية للإسلام في الولايات المتحدة، بمبلغ مليار ونصف دولار بين العامين 2014 و2016. 

في الوقت الذي تموّل فيه الدعاية المعادية للمسلمين والعرب على أراضي الولايات المتحدة، تقدم بعض الجماعات تمويلاً سخياً للسياسات الحكومية والمستوطنات الإسرائيلية. وحين تتبع شبكة العلاقات التي تربط عتاة المعادين للإسلام في الولايات المتحدة وجهات إسرائيلية، تظهر خارطة متشابكة ومتشعبة لضخ الأموال بالاتجاهين؛ إذ تمول الدعاية المعادية للإسلام في الولايات المتحدة جهات يهودية وضالعة في السياسة الإسرائيلية، كما تتوجه أموال طائلة من معادي الإسلام الأميركيين باتجاه المشاريع الاستيطانية والجماعات الإسرائيلية الأشد تطرفاً و"الهاسبارا". 

وقد رصدت "منظمة خوف الأميركية" في تقرير صادم لها عام 2011، مبلغ 42.6 مليون دولار خارجة من 7 مؤسسات أميركية معادية للمسلمين، لغايات دعم السياسة الإسرائيلية وتمويل مشاريعها في الأراضي المحتلة بين الأعوام 2001-2009. 

تعمل هذه الأموال بشكل مباشر على تشويه الإسلام وتشويه القضيّة الفلسطينيّة قبل ربطهما ببعضهما، وهو ما تجلّى خلال معركة "طوفان الأقصى". تصوَّر فلسطين كخطر على الحضارة الأميركية الغربية، ولا سبيل لإيقاف هذا الخطر إلا بدعم وتمويل حرب "إسرائيل"، التي تعمل بالوكالة لصد هذا "الهجوم البربري" في 7 أكتوبر، وللتوسع لأجل نشر "القيم الحضارية السامية" و"تحرير المسلمين من الإسلام"، محاولةً نزع الشرعية عن النضال السياسي والاجتماعي والتحرري للفلسطيني الذي جرى تشويه هويته الدينية لأغراض استعمارية توسعية.

متظاهرون يقيمون الصلاة خلال مسيرة داعمة لفلسطين خارج مركز باركليز في بروكلين، نيويورك في 7 تشرين ثاني\ نوفمبر 2023. (تصوير: كينا بيتانكور/ وكالة الصحافة الفرنسية)

تجري الرياح بما لا يشتهون..

عمل الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر على الربط بين كتائب القسام و"تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)"، وذلك في محاولة لاستدعاء التجربة الغربية مع التنظيم، بما تنطوي عليه من عنف وتطرّف وتهديد تستدعي حرباً لا هوادة فيها لإيقاف خطره المتجاوز للحدود الجغرافية. غير أن هذه الجهود عادت على "إسرائيل" بآثار عكسية، إذ تراجعت كبريات الوسائل الإعلامية الغربية عن ترديد هذا الإدعاء بعد أن تبنّته بشدّة بداية الحرب؛ ليس فقط لأن "حركة المقاومة الإسلامية حماس" هي منظمة فلسطينية بحتة تستهدف بشكل حصري أهدافاً إسرائيلية ضمن إطار تحرّري، ولكن أيضاً -ووفقاً لهذه الجهات- فإن حماس تملك حاضنةً شعبيّةً واسعة ولديها قبول في المجتمع الفلسطيني على عكس تنظيم الدولة، الذي حاربته المجتمعات العربية كدخيل على المنطقة، مشيرة إلى أن هذه النقطة تمثّل تحدياً صعباً للدبلوماسية الغربية ولآلة الحرب الإسرائيلية التي لن تستطيع اجتثاث الحركة بكليتها من حاضنتها الاجتماعية الواسعة. 

كما نرى أنه في الوقت الذي جرى فيه استدعاء "البعبع الإسلامي" الذي خلقه اليمين المتطرف الأميركي المناصر لـ"إسرائيل"، فإن نسبة لا بأس بها من الشباب الأميركي تدعم حماس في نضالها ضدّ "إسرائيل"؛ إذ أظهر استطلاع للرأي لمركز "هاريس لاستطلاعات الرأي" في أكتوبر 2023 أن 51% من الجيل الشاب بين 18-24 سنة من الأميركيين يرى أن هجوم حماس في السابع من أكتوبر كان هجوماً مبرراً. 

اقرؤوا المزيد: فلسطين في أميركا: جيل Z لم يضلّ الطريق

تصميم توضيحي حول فتيات أعلن إسلامهن وذلك بعد تأثرهن بعدوان الاحتلال على قطاع غزة. (تصميم: جوانا أندريسون\ موقع مجلة خطوط جديدة).
تصميم توضيحي حول فتيات أعلن إسلامهن وذلك بعد تأثرهن بعدوان الاحتلال على قطاع غزة. (تصميم: جوانا أندريسون\ موقع مجلة خطوط جديدة).

 

ولقد انتشرت دعوات بين الشباب والمؤثرين الغربيين على منصّات التواصل الاجتماعي، للتعرف على الدين الإسلامي، كرد فعل على العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركيّاً على غزة، والصمود الأسطوري الذي أبداه أبناء القطاع، والذي ربطوه بالتربيّة والقيم الإسلامية. وقد تسببت هذه الدعوات بموجة واسعة من التحول إلى الدين الإسلامي، لافتة أنظار وسائل الإعلام الغربية في محاولة لفهم هذا التوجه وقياس أثره. 

هكذا، فإنّ عقوداً من صناعة الرأي العام الأميركي نحو معاداة الإسلام والقضيّة الفلسطينيّة، أذهبتها أخلاق مجاهدي غزّة وصبر أهلها، عند كثيرٍ من أفراد المجتمع الأميركي، أدراج الرياح.