15 أغسطس 2025

سيرة سفن وقوافل لا تصل غزة 

سيرة سفن وقوافل لا تصل غزة 

على شاطئ قطاع غزة المفتوح على البحر المتوسط، لا يحلُ الضيوف، ولا ترسو السفن، أمواج فارغة فحسب، تتكسر على الشاطئ اليتيم المعزول عن العالم. ولا تسمع غزة عن ضيوفها المحاولين كسر حصارها، سوى أخبار تنتهي باعتقالهم على بعد كيلومترات عن القطاع. 

ففي 27 تموز/ يوليو 2025، وعلى بعد 70 ميلاً من ساحل قطاع غزة، اعتقل جيش الاحتلال "حنظلة"، الذي عاد إليها هذه المرة على هيئة سفينة قديمة أبحرت بـ 19 ناشطاً، بعد أن أبحروا قبل أسبوع من ميناء "غاليبولي" الإيطالي قاطعين نحو ألف كيلومتر عبر مياه البحر الأبيض المتوسط، وذلك بعد أقل من شهر من اعتقال "إسرائيل" طاقم سفينة "مادلين" التي حاولت الوصول إلى غزة. 

"حنظلة" و"مادلين" كانتا من السفن الـ 37 لتحالف "أسطول كسر الحصار"، الذي انطلق عام 2008، وقد نجحت بعض سفنه في كسر الحصار والوصول فعلاً، ولكن الكثير منها لم يصل، فكيف بدأ أسطول سفن كسر الحصار؟ ولماذا لم تعد سفنه تصل إلى غزة؟ وكيف يراكم الناشطون على تجاربهم وصولاً إلى استعادة النجاح الأول؟ 

انتفاضة السفن الأولى 

في آب/ أغسطس 2008، أبحرت سفينتا "الحرية" و"غزة حرة" من ميناء بيرايوس اليوناني، نحو قبرص ومن ثم غزة، محملتين بـ 40 ناشطاً، بعد تمكن منظمتي "غزة الحرة" و"حركة التضامن الدولي مع غزة" من شراء السفينتين عبر إطلاق حملة جمع للتبرعات، تلبيةً لنداءات قطاع غزة بعد اشتداد حصار الاحتلال عليه نهاية عام 2007، بإغلاق كل المنافذ والمعابر المؤدية إليه. 

أعلنت السفينتان أن مهمتهما بسيطة، تتمثل في "تسليم 200 سماعة أذن إلى جمعية خيرية فلسطينية كمساعدة إنسانية" فقط، وقد وجدت "إسرائيل" نفسها أمام حرج دولي من الاعتداء على السفينتين وقمع طاقمهما، واكتفت بالتحريض عليهما إعلامياً، كما شوّشت بحريّة الاحتلال على اتصالات السفينتين وحاولت عرقلة وصولهما.

ورغم ذلك كله، رست السفينتان على شاطئ قطاع غزة في 23 آب/ أغسطس 2008، وتمكنتا من تسليم سماعات الأذن، وخمسة آلاف بالون لأطفال غزة، وغادرتا القطاع محملتين بسبعة فلسطينيين، أحدهم طفل مصاب. 

اقرؤوا المزيد: غزّة: هل "كسر الحصار" ممكن؟

كان وصول السفينتين مبعثاً للأمل، فالحصار قابلٌ للكسر والتشظي بالمزيد من المحاولات، ما دفع لانطلاق سفينة "الأمل الليبية" في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2008، محملةً بـ 27 ناشطاً عربياً وأوروبياً، بينهم عدد من الأطباء سعوا لإجراء عمليات جراحية صعبة ومستعجلة، وحملوا معهم أدوية ومعدات طبية. 

تبعتها بعد أسبوعين سفينة "الكرامة" التي أبحرت من ميناء "لارنكا" القبرصي، مع 22 ناشطاً، بينهم وزيرة التعاون الدولي البريطانية السابقة كلير شورت، وقد رفعت السفينة هذه المرة رسالة سياسية مطالبة بكسر الحصار عن غزة، قبل أن تغادر محملة معها 11 طالباً فلسطينياً يسعون لاستكمال تعليمهم الجامعي. 

لم يمض وقتٌ طويل حتى تحولت سياسة الاحتلال من الإعاقة والتشويش إلى المنع الكامل، بعدما تلمّسَ أثرها الاستراتيجي وإمكانيات تناميها، حتى أنه اعتبرها "انتفاضة سفن" يجب إيقافها. وأعلنت "إسرائيل" في كانون الأول/ ديسمبر 2008، أن نقل مساعدات إنسانية إلى غزة لا يمر إلا بالتنسيق مع "إسرائيل" وعبر معابرها، أو من خلال الترتيب مع النظام المصري.  

شرايين لأجل غزة 

نفذت "إسرائيل" قرارها بالنار، وباشرت بحريّتها إطلاق الرصاص باتجاه أي سفينة تحاول الاقتراب، أولاها سفينة "مروة" الليبية التي أجبرتها على تحويل وجهتها نحو ميناء العريش المصري قبل ترحيلها من هناك. ومن ثم سفينة "العيد" التي حاول "فلسطينيو الداخل المحتل" إطلاقها من ميناء يافا، فقام الاحتلال باحتجاز الشاحنة التي كانت ستفرغ حمولتها بالسفينة، تلا ذلك إحباط إبحار السفينة القطرية، مروراً إلى سفينة "الكرامة الثانية" في كانون الثاني/ يناير 2008 وسفينة "الأخوة اللبنانية" في شباط/ فبراير 2009، وسفينة "روح الإنسانية" في حزيران/ يونيو من العام ذاته. 

ورغم تصاعد قمع وملاحقة "إسرائيل" للسفن وكل من يحاول الوصول إلى قطاع غزة، برز تحد جديد بإطلاق مجموعة من المتضامنين الدوليين، بقيادة السياسي البريطاني جورج غالاوي حملة "شريان الحياة" (Viva Palestina) في منتصف شباط/ فبراير 2009 من مدينة لندن، بمشاركة نحو 300 متضامن من دول عديدة، متخذة خط سيرٍ برياً عبر أوروبا وشمال إفريقيا، يقطع سبعة بلدان، وأكثر من عشرة آلاف كيلومتر وصولاً إلى مصر، لتجابهها عقبات مختلفة على طول خط سيرها، خصوصاً فور وصولها إلى مصر ومحاولتها الدخول عبر معبر رفح. 

 النائب البريطاني جورج غالاوي لدى وصوله على رأس قافلة شريان الحياة -3- إلى قطاع غزة مساء 6 كانون الثاني/ يناير 2010. (المصدر: رويترز)
النائب البريطاني جورج غالاوي لدى وصوله على رأس قافلة شريان الحياة -3- إلى قطاع غزة مساء 6 كانون الثاني/ يناير 2010. (المصدر: رويترز)

منعت "إسرائيل" مرور معظم المساعدات التي تحملها القافلة المكونة من 109 شاحنات، ولكنها تمكنت بالنهاية من الوصول إلى القطاع، وكانت فاتحة جديدة لقوافل برية على مدى 2009-2010، بدءاً من "شريان الحياة الثانية" (Viva Palestina USA) في تموز/ يوليو 2009، ومن ثم "شريان الحياة الثالثة" (Viva Palestina 3) من كانون الأول/ ديسمبر 2009 إلى كانون الثاني/ يناير 2010، والتي انطلقت من لندن مروراً بتركيا وسوريا ومن ثم أبحرت نحو ميناء العريش المصري، حيث قمعتها السلطات المصرية ما أدى إلى إصابة متضامنين ومقتل شرطي، قبل أن يُسمح بدخولها إلى غزة لمدة لا تزيد على 48 ساعة.

وأخيراً، "شريان الحياة الرابعة" (Viva Palestina 5)، في تشرين الأول/ أكتوبر 2010، التي اتسمت باتساع عدد الدول المشاركة فيها، واستطاعت الدخول عبر معبر رفح بعد مفاوضات طويلة مع السلطات المصرية، ليصل الشريان إلى نهايته بعد تواطؤ دولي على تقييد منظمة Viva Palestina وإزالة اسمها من قوائم المنظمات الخيرية، وتشويه سمعة النائب جورج غالاوي، واتهام كليهما بالارتباط بـ "كيانات إرهابية"، و"تحويل أموال بطرق غير شفافة".

يا بحر يابو اليتامى

اتجهت الأنظار إلى البحر من جديد، هذه المرة مع خبراتٍ متراكمة في كسر الحصار، تقوم على توزيع الجهد والضغط على منظمات دولية مختلفة، وإدراج سياسيين وبرلمانيين وشخصيات اعتبارية في النشاط، ومواكبته بصخبٍ إعلامي. وبهذه الأركان تحرك أسطول الحرية الأول في أيار/ مايو 2010، يقوده تحالف منظمات دولية تتصدرها مؤسسة الإغاثة الإنسانية التركية IHH، ويشارك فيه أكثر من 700 ناشط من 40 دولة، بأسطولٍ مكونٍ من 6 سفنٍ في مقدمته سفينة "مافي مرمرة"، ويضم إلى جانبها سفنًا متعددة الجنسيات مثل سفينة "ديفني"، وسفينة "سفير" من اليونان، وسفينة "تشالينجر 1" من الولايات المتحدة.

اقرؤوا المزيد: "غزّة: حصار على الافتراضيّ أيضاً..".

أبحر الأسطول من تركيا نحو قبرص، متجهاً نحو غزة، بحمولةٍ تجاوزت 10 آلاف طن من المساعدات الإنسانية، وكراسي متحركة ومعدات منزلية لترميم المساكن التي تضررت نتيجة العدوان الإسرائيلي 2008-2009، ومضخات مياه، ووحدات تحلية مياه، ومواد غذائية أساسية، ومواد تعليمية وأدوات مدرسية. 

وعلى بعد 130 كم عن شواطئ غزة، بدأت بحرية الاحتلال استهداف الأسطول بعملية أطلقت عليها "رياح السماح"، وقامت بإنزال مباشر تخلله إطلاق رصاص، قُتل على إثره 10 ناشطين، معظمهم من السفينة الأم "مافي مرمرة"، بينما اعتقل البقية ليُرحّلوا لاحقاً، في حين صادر الاحتلال حمولات السفن لصالحه.

سفينة "مافي مرمرة" أثناء توجهها إلى شاطئ غزة قبيل هجوم قوات الاحتلال عليها في أيار/ مايو 2010 (المصدر: رويترز)
سفينة "مافي مرمرة" أثناء توجهها إلى شاطئ غزة قبيل هجوم قوات الاحتلال عليها في أيار/ مايو 2010 (المصدر: رويترز)

شكل الهجوم ردعاً للعالم حتى تموز/ يوليو 2011، حين تمكن الناشطون من إعادة تنظيم "أسطول الحرية 2"، بمشاركة 300 ناشط، أوقفتهم البحرية اليونانية قبل انطلاقهم وعطلت سفنهم، لحقته في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 سفينتان كندية وإيرلندية، ثم سفينة "استيل" الفنلندية في تشرين الأول/ أكتوبر 2012، وبعدها سفينة "ماريان" ضمن "أسطول الحرية 3".

أتبعت هذه السفن بنمطٍ آخر من حملات كسر الحصار، تقوده نساءٌ فقط، عُرف بـ "القافلة النسائية"، انطلقت من برشلونة نحو غزة، في تشرين الأول/ أكتوبر 2016، بمشاركة 13 امرأة.

تتحدث فوزية بنت الحسن، الطبيبة الماليزية لـ متراس، وتقول إن استراتيجية القافلة كانت "اللا عنف"، لذلك اختير قارب شراعي صغير أطلق عليه اسم "زيتونة"، اقتصر ركابه على النساء، من خلفيات مختلفة دينياً وعرقياً وثقافياً، يجمعهن هدفٌ واحد فقط هو كسر الحصار عن غزة، وهكذا انطلق القارب في رحلة الـ 14 يوماً نحو غزة.

بالنسبة إلى الكثيرين، فإن العدد الضئيل أو القارب الصغير قد يوحي بعجالة التخطيط، لكن فوزية تكشف تخطيطاً منظماً قاوم عقبات هائلة، بدءاً من تعرض المشاركات لتهديدات مختلفة المصادر، والانسحاب المفاجئ للقبطان والطاقم، وتعطل السفينة الشقيقة "أمل" (HOPE) وسحب علم القارب من دون سببٍ وجيه، حتى اعتراض القوارب في المياه الدولية وسجن المشاركات وإخضاعهن لتحقيقٍ قبل ترحيلهن. 

قوات الاحتلال تدمر النصب التذكاري لسفينة "مافي مرمرة" المقام على شاطئ غزة تخليداً لأرواح شهداء السفينة، وذلك في بداية حرب الطوفان في تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
قوات الاحتلال تدمر النصب التذكاري لسفينة "مافي مرمرة" المقام على شاطئ غزة تخليداً لأرواح شهداء السفينة، وذلك في بداية حرب الطوفان في تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

في تلك الرحلة نُقلت فوزية إلى سجن "جفعون" بالرملة، إلى أن استطاعت الحكومة الماليزية تحديد مكان اعتقالها، والاستعانة بوزارة الخارجية الأردنية -لغياب العلاقات الدبلوماسية بين الاحتلال وماليزيا - في إطلاق سراحها وترحيلها إلى الأردن، ومن ثم إلى ماليزيا. 

لم تهدأ أمواج البحر قط، وحملت "سفينة الحرية" في أيار/ مايو 2018، والقافلة البحرية "مستقبل عادل من أجل فلسطين"، و"مسيرات العودة الكبرى" في نهاية العام 2018، إضافة إلى محاولات فردية ومبادرات صغيرة في قوارب صغيرة، مثل السفينة النرويجية "عودة"، وقد اعترضت "إسرائيل" كل هذه السفن في المياه الدولية، أو أفشلت انطلاقها من الميناء الرئيس. 

ومع الوقت أصبحت الدول تتولى مسؤولية إحباط أنشطة كسر الحصار داخل مياهها، بمهاجمة السفن في الميناء، أو حرمانها من أذونات الإبحار، أو مهاجمة القائمين على النشاط، أو تحميلهم مسؤولية سلامتهم الشخصية. 

هل انطلق طوفان السفن؟ 

في الأول من حزيران/ يونيو 2025، انطلق من ميناء كاتانيا في صقلية مركبٌ صغير حمل اسم "مادلين" تكريماً لأول صيادة فلسطينية في غزة، بهدف جذب الانتباه الدولي لحرب الإبادة التي تشنها "إسرائيل" على القطاع منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ولكن استمراراً لسياسة "إسرائيل" ونهجها، اعترضت بحريّتها القارب، واعتقلت 12 ناشطاً كانوا على متنه قبل ترحيلهم، وهو ما تكرر بعد نحو 20 يوماً مع سفينة "حنظلة"، باعتراضها واعتقال 14 ناشطاً كانوا على متنها. 

عاملت "إسرائيل" الناشطين معاملة الأسرى في سجونها، وقد نقلوا في شهاداتهم عن تعرضهم للضرب والعنف الجسدي الشديد على يد قوات الاحتلال، واحتجازهم في ظروف صعبة تفتقر إلى التهوية، وحتى من مستلزمات النظافة، حسبما نقل الناشط الأميركي كريستيان سمولز، ما دفع الناشطين المعتقلين لإعلان إضراب مفتوح عن الطعام. 

بالتزامن مع قمع الاحتلال السفينتين، انطلقت "قافلة الصمود" من تونس، في 9 حزيران/ يونيو 2025، لتجوب أربع مدن تونسية قبل أن تدخل ليبيا فتمر بست مدنٍ منها، متجهةً نحو مصر. ولكن سريعاً ما كانت لها سلطات حفتر بالمرصاد، فاحتجزت على حدود مدينة سرت الليبية قرابة ألفي مشارك من تونس والجزائر والمغرب وليبيا وموريتانيا، إضافةً إلى 1500 آخرين من دولٍ أخرى، واعتقلت منهم 15 ناشطاً ساومت بهم القافلة بين إكمال طريقها أو إطلاق سراحهم، ما أدى لإفشال القافلة أمام غياب الحلول الدبلوماسية وتصاعد تهديدات سلطات حفتر. 

وبذلك، أُحبطت المحاولة الأولى من محاولات التئام القافلة القادمة من الشرق، مع القافلة القادمة من الغرب، والتي وصلت إلى مصر قادمة من 50 دولة، ليصل عددهم إلى أكثر من 10 آلاف ناشط يطالبون بتحقيق هدف واحد: "فتح معبر رفح"، وإدخال المساعدات العالقة بينما تشتد المجاعة على أهالي قطاع غزة. 

حواجز مصرية تحاصر الجياع في غزة

لم تصل القافلة من تونس، إلا أن مئات الناشطين تمكنوا من الوصول إلى مصر قادمين من دول مختلفة، ليجدوا أنفسهم أمام أنماط أمنية مبتكرة في تفريق الحشود وإنهاء حالة التكاتف الجماعي حول غزة، بدأت بنشر نقاط التفتيش واحتجاز جوازات سفر مئات المتضامنين الذين تمكنوا من الوصول، إضافة إلى ترحيل العشرات فور هبوط طائراتهم على الأرض المصرية، وآخرين منعتهم بلادهم من الصعود إلى الطائرات المتوجهة إلى مصر. 

يروي الناشط التركي إنجين شيكميك لـ متراس: "احتُجزنا في منطقة مفتوحة من الساعة الواحدة ظهراً حتى الثامنة مساءً، بلا طعام أو ماء أو حتى دورات مياه، ثم شنّت السلطات حملةً قاسية وأجبرونا على ركوب الحافلات، من بين 500 شخص في مجموعتنا، رُحّل نحو 100 شخص إلى المطار فوراً، وتعرّض الباقون لتهديدات مُباشرة".

رغم تفاجؤ الناشطين بحجم وأساليب القمع، لم يكفّوا عن محاولات الالتفاف والهروب من الملاحقة الأمنية المصرية، ومحاولة العبور عبر نقاط التفتيش في سعي للوصول إلى معبر رفح. تروي الفتاة أريج (هامش: اسم مستعار لإحدى الناشطات المشاركات التي ما زالت تتعرض لملاحقة في بلدها الأردن حتى كتابة هذه المادة) أن عرقلة الناشطين بدأت من الأردن، الذي منع عدداً منهم من السفر إلى مصر، من بينهم ممثلو الوفد، أما الجزء الذي تمكن من الوصول فقد سارعت الأجهزة المصرية إلى ترحيله فور وصوله مطار القاهرة، وبذلك تبقّى عدد قليل بلا ممثل أو منسق.

الخطة الأولى للمسير كانت الانطلاق من ميدان التحرير وسط القاهرة في حافلات نحو الإسماعيلية ومن ثم نحو رفح، إلا أنها لم تنجح، فانتقل الناشطون إلى تنفيذ الخطة الثانية بالتحرك بسيارات نقل خصوصي ومنفردة، ولكن سريعاً ما أفشلتها الأجهزة الأمنية المصرية التي نصبت عشرات نقاط التفتيش والحواجز، واحتجزت عليها الناشطين لأكثر من ساعتين.

قاوم الناشطون محاولات الأجهزة الأمنية إجبارهم على الرجوع والترحيل، فاستُدعيت وحدة أمنية جديدة استخدمت خراطيم المياه في قمع المتظاهرين، قبل أن تلجأ الأجهزة الأمنية المصرية إلى أشخاص بلباس مدني اقتحموا المكان وبدؤوا الاعتداء بالضرب والسحل على الناشطين، ولم يستثنوا النساء من هذا الهجوم، وقد ذكر بعضهم أنهم من "بدو العرجاني". تبع ذلك اقتحام واسع لمعظم فنادق القاهرة وإجبار الناشطين على الرحيل، بعد تفتيش هواتفهم واحتجازهم في المطارات لساعات طويلة، وإخضاعهم للتحقيقات. 

رغم أهمية القافلة وخطوتها وتوقيتها، وما شكلته من دفعة جديدة في العمل لأجل وقف حرب الإبادة التي قتلت من أهل قطاع غزة أكثر من 60 ألفا، وما زالت تحاصرهم بمجاعة تفتك بهم، ورغم صدق الناشطين الذين حضروا من دول شتى، فإن ضعف التخطيط والترتيب لها، وعدم وضع خطط بديلة تقود الناشطين وتجمعهم، ساهما سريعاً في عدم صمود القافلة أمام القمع المصري. فحسب أريج، وُزع الناشطون سريعاً إلى فرق صغيرة وهو ما مكن الأجهزة الأمنية من الاستفراد بهم ومحاصرتهم وقمعهم، في حين لم يكن هناك أي تنسيق مع السفارات لحماية المتضامنين.  

سفن تحاصر "إسرائيل" 

بينما أُفشلت المسيرة العالمية، أعلنت منظمات ماليزية عن إطلاق مبادرة عالمية حملت عنوان "أسطول الألف لكسر الحصار"، تحاول من خلالها دفع المنظمات الإنسانية والنقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني في ماليزيا للمشاركة في الأسطول. ورغم أن المبادرة الماليزية ما زالت في بدايتها، ورغم ضبابية مصيرها، فإنها تنضم إلى المراكمة المستمرة على محاولات تسيير السفن إلى قطاع غزة. 

اقرؤوا المزيد: من الطوفان إلى ردع العدوان.. ماذا ينتظر منطقتنا العربية؟

وفي نهاية تموز/ يوليو 2025، أعلن ناشطون من منظمات المجتمع المدني ومدافعون عن حقوق الإنسان في دول مجلس التعاون الخليجي، عن انطلاق مبادرة جديدة تهدف لتسيير الأسطول البحري الجديد: "سفينة الصمود الخليجية"، محملة بمساعدات طبية وغذائية إلى قطاع غزة، وقد وصفت بكونها "أكبر أسطول مدني" تشارك به 40 دولة، ولم يعلن - حتى كتابة هذا المقال - عن موعد انطلاقها ومكانه.  

على الرغم من الأثر غير المباشر للسفن والقوافل المجهزة لغزة نتيجة قمعها وإفشالها عربياً وإسرائيلياً، فإن وجودها واستمرار محاولاتها لوقف الحرب وكسر الحصار ودق جرس الخطر، مسألة تزعج "إسرائيل" أيما إزعاج، وتشكل ضغطاً عليها، ما يستوجب عدم الكف عن محاولات تسييرها، والاستفادة من تراكم التجارب السابقة، وتطوير سبل مواجهتها وتصديها لأي قمع أو منع.