23 أغسطس 2019

ما الذي يهدد أمن بريطانيا في وثيقة "الحسيني"؟

ما الذي يهدد أمن بريطانيا في وثيقة "الحسيني"؟

مقدمة الترجمة

في أبريل/نيسان عام 1941، وفي خضم الحرب العالميّة الثانية، انقلب ضبّاط عراقيّون بدعمٍ من دول المحور على الحكم الملكيّ الموالي للبريطانيين. بعد شهر، تحرّك الجيش البريطانيّ لإعادة احتلال العراق والإطاحة بالسلطة الجديدة، وبعد شهرٍ آخر من المعارك، وفي يوم الأوّل من يونيو/حزيران، تمكّن البريطانيّون من إعادة الملك عبد الإله إلى عرشه في بغداد. لكنّ اليوم ذاته شهد حدثاً آخر: أحداث الفرهود – وهو هجوم معادٍ ليهود العراق انتهى إلى مذبحةٍ بشعة قُتل جرّاءها 180 يهودياً عراقياً.

في هذا المقال الذي نشر على موقع "موندوايز" بعنوان "بريطانيا تقول إنّ إصدار وثيقة حول فلسطين من عام 1941 "قد تقوض الأمن"، وترجمته عبير جوان، يحكي الباحث توماس سواريز قصّة بحثه تلك الحقبة. يروي الباحث كيف أدّت إحدى مقابلاته، مع يهوديّ عراقيّ شهد المذبحة ويدّعي أن بريطانيا دبّرتها، إلى بلبلةٍ وأسئلةٍ عن حقيقة هذه المذبحة. وكيف قادت هذه الأسئلة سواريز إلى وثيقةٍ عنوانها "المفتي عبد القادر الحسيني"، تُثبت تخطيط وعمل البريطانيين لاحتلال العراق قبل خمسة شهورٍ من الانقلاب العسكريّ في أبريل/نيسان، وتُثبت بحثهم عن "مبرّرات" لاحتلال العراق. إلا أنه ورغم مرور 78 سنة على الأحداث، لا زالت السلطات البريطانيّة تتحفّظ على 10 صفحات من هذا الملف، وتُبقي على سريّته بادعاء أنّه قد يمس أمن الدولة البريطانيّة ومواطنيها.

يحاول سواريز أن يضع سياقاً تاريخياً لعشر صفحاتٍ تخفيها بريطانيا، ولاحتمال جريمةٍ أبشع قد تُضاف إلى سجل جرائم الاستعمار الحافل.



يوجد في مكاتب أرشيف بريطانيا الوطنيّة في ضاحية كيو سِجلٌ مكوّنٌ من جزأين تحت عنوان ""
نشاطات مفتي القدس الأكبر"، ومؤرخٌ بالأعوام ما بين 1940-1941. نجح كاتب هذه السطور في رفع السّرية عن الجزء الأول منه عام 2014، بينما بقي الجزءُ الثاني منه مغلقاً، فقد فشلت محاولتي عام 2018 في رفع السّرية عن هذه الصّفحات العشر ورُفِضَت بحجة أنّ هذا الأرشيف قد "يمسّ أمن الدولة [بريطانيا] ومواطنيها".1. لذلك، لن تكون أيّ من أسرار هذا الجزء من الأرشيف متاحة للجمهور حتى يناير/كانون الثاني لعام 2042، وحتّى في حينه قد يُنشر الملف المقترن منقوصاً إن كان محتواه غير مسبوق.

"المفتي الأكبر" الذي جاء ذكره في عنوان هذا السّجل الأرشيفيّ هو الحاج أمين الحسينيّ، الزعيم الفلسطينيّ الذي ستتذكره الأجيال اللاحقة بتحالفه مع الفاشيّين الإيطاليّين والنازيّين الألمان. في السّنوات المسجّلة على عنوان المادة الأرشيفية، 1940-1941، لم يتواجد الحسيني في فلسطين إنّما في العراق، وإن امتدّ الجزء الثاني من السجل حتّى أواخر 1941، فإنّ الحسيني سيكون في أوروبا. 

ما الذي يمكن أن يكون مَخفياً في وثيقة تعود لفترة الحرب العالمية الثانيّة حول شخصيّة متعاطفة مع النازيّين منذ فترة بعيدة، ومن شأنه أن يعرّض الأمن القوميّ البريطانيّ بعد ثمانية عقود لهذا الخطر، بحيث لا يمكن الكشف عن أيّ جزءٍ من هذه الوثيقة؟ في الوقت الراهن، فإنّ من يعلم السّبب هم فقط مسؤولو الرقابة في الحكومة البريطانيّة. لكن الإجابة عن هذا السؤال قد تكون أقلّ ارتباطاً بالفاشيّين والحسينيّ، وأكثر صلة بالجرائم البريطانيّة في العراق، وكذلك أقلّ ارتباطاً بالأمن القوميّ البريطانيّ ولكنها متعلقة بحرج بريطانيا التّاريخيّ.

عندما جرى التصويت لمنصب مفتي القدس الجديد عام 1921، جاء أمين الحسيني في المرتبة الأخيرة من بين أربعة مرشحين آخرين. لكن الأصوات في فلسطين آنذاك كانت أقلّ أهمية كما هو عليه الحال الآن، وهكذا سلّم البريطانيون، المحتلّون الجُدد لفلسطين بدل العثمانيين، المنصب للحسينيّ. في البداية، برهن الحسيني أنّه ذخر للبريطانيين. لكن مع تعاقب السنوات، أدّت معارضة الحسينيّ للصهيونيّة، ودعمه ومساندته للوطنيّة الفلسطينية، ثمّ انخراطه أخيراً في الثورة الفلسطينيّة عام 1936، إلى المطالبة باعتقاله.

فرّ الحسينيّ في منتصف أكتوبر/تشرين الأول عام 1937 إلى بيروت بعد أن كان مختبئاً في فلسطين. بعد ذلك بعامين، وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانيّة بستّة أسابيع، تحديداً في منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول، هرب الحسيني إلى بغداد، حيث أثار تعاطفه مع الفاشيين الإيطاليين قلق البريطانيين. وبعدها بعامين، في أواخر عام 1941، كان الحسيني في أوروبا يلتقي مع بينيتو موسوليني Benito Mussolini في السابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول، ومن ثم اجتمع مع الـ"فوهرر" شخصيّاً [تعبير ألمانيّ معناه القائد، وأصبح كناية لأدولف هتلر] في مستشارية الرايخ في برلين في الثامن والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني.

كان دافع الحسيني للارتماء في أحضان دول المحور، على الأرجح، مزيجاً من الانتهازيّة السياسيّة الأنانيّة والاعتقاد بأن هذا الانحياز سوف يؤمّن الحماية اللازمة في مواجهة استيلاء الصّهاينة على فلسطين. وكان المنطق ذاته، بغض النظر عن غرابته،ـ قد استخدمتْه عصابةُ ليحي (عصابة "شتيرن") في سعيها للتعاون مع الفاشيّين؛ فقد شكّلت بريطانيا عائقاً أمام تطّلعات كلّ من حركة التحرر الفلسطينيّ، والصّهيونية المنفلتة، وكذلك أمام تطلعات المفتي وعصابة ليحي، وبات الارتماء في حضن أعداء بريطانيا السّبيلَ إلى هزيمة هذا العائق. 

حتّى لدى "التيّار المركزيّ" في الصّهيونيّة والذي مثّله دافيد بن غوريون، لم تكن هناك أيّة محاذير أخلاقيّة تجاه الاستفادة من صراع بريطانيا ضدّ النازيّة -وهو صراع لم تكن الوكالة اليهوديّة نافعة فيه بشكلٍ بارزٍ- من خلال استغلال ضعف بريطانيا بعد الحرب.2.

تعاملت الأجيال اللاحقة مع مغامرات كلٍّ من عصابة "ليحي" والمفتي مع الفاشيين بطرق مختلفة تماماً. إذ تحوّلت عصابة "ليحي"، وهي من أكثر المنظمات الإرهابيّة الصهيونيةّ تطرّفاً، إلى منظمة مقاتلة من أجل الحرية، وانتُخب قائد "ليحي" السّابق اسحق شامير مرتين كرئيسٍ للوزراء في الحكومة الإسرائيليّة. على النقيض من ذلك، سارع القادة الصهاينة لاستثمار ماضي الحسيني ليس لتشويهه شخصيّاً فحسب، وإنما لتشويه صورة الفلسطينيّين عموماً باعتبارهم نازيّين.

لا يزال استخدام تاريخ الحسيني البغيض "لتبرير" العنصرية المعادية للفلسطينيّين مستمراً حتى يومنا هذا. الأشدّ غرابة أنّه في عام 2015 ادّعى رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو أن هتلر لم يكن ينوي إبادة اليهود إلا عندما ألقى الحسيني الفكرة في أذنه، أي أنّ هتلر "حصل على الفكرة من الفلسطينيين". بموجب القانون الألمانيّ، يمكن اعتقال أي مواطنٍ بسبب محاولة كهذه لإعادة كتابة تاريخ المحرقة. 

حاز العراق على استقلال محدود عام 1932، قبل تولي النازيّين السّلطة بقليل. وبعد سبع سنوات من تخفي المفتي نفسه في العراق، كانت العراق صورياً تحت حكم رؤساء الوزراء المؤيدين لبريطانيا، وكان عبد الإله وصياً على عرش الملك فيصل الثاني الذي كان يبلغ من العمر حينها أربعة أعوام. انتهى هذا التوازن البريطانيّ-العراقيّ المضطرب في اليوم الأول من أبريل/نيسان عام 1941 عندما قام أربعة ضباط عراقيّين عُرفوا بـ"المربع الذهبي" بانقلاب أرادوا منه استقلالاً تاماً للعراق، (وبالمثل انسجموا مع الفاشيين في الاعتقاد الأحمق بأن القيام بذلك سيساعدهم في الحصول على الاستقلال). دام الانقلاب مدة شهرين، إذ أطاحت القوات البريطانيّة به في اليوم الأول من يونيو/حزيران، وعندما حصل ذلك هزّت أحداث الشغب المعادية لليهود بغداد، وقُدِّرت أعداد اليهود العراقيين الذين قتلوا بـ180 قتيلاً، فيما جُرِح 240 آخرون، وهي المذبحة المعروفة باسم "الفرهود".

لماذا أدّى فراغ السّلطة من الحكم البريطانيّ آنذاك إلى الإرهاب المعادي لليهود؟ أثناء البحث الذي أجريته لكتابي الصادر عام 2016 بعنوان "دولة الارهاب" State of Terror، شعرتُ بالبلبلة بسبب ادعاء أحد الشّهود اليهود العراقيين وهو نعيم جلعادي، بأن البريطانيين قاموا بتنظيم أعمال الشغب "العربية" هذه لتبرير عودتهم إلى السلطة.3. 

بدت أحداث الشغب هذه في واقع الأمر غير طبيعية في مجتمع عاش فيه اليهود لمدة ألفي عام ونصف بسلام، ولم يكن استيلاء ضباط المربع الذهبي المؤيدين لدول المحور قبلها بشهرين قد حرّض على هذه المذبحة. ومع ذلك، فقد كان صحيحاً أن الصهيونية قد خلقت ضغائن عرقيّة أيضاً. ولم يشكك جلعادي بتورط ضباط صغار في الجيش العراقي في هذا العنف، وكانت الأدلة التي قدّمها جلعادي مقنعة بما فيه الكفاية للبحث عن أدلة بين وثائق المصادر البريطانيّة التي لم تكن متاحة له.

قادتني تلك البلبلة، إضافةً إلى الأمل المنشود بتسليط ضوء جديد على نشاطات المفتي المؤيدة للفاشية،  إلى السجل الأرشيفيّ المذكور، ومن ثمّ إلى نجاحي القدير (والمنقوص) في رفع السريّة والحصول على الجزء الأول من المادّة المسجّلة تحت البند: CO 733/420/19. ليس من المستغرب أن يركّز جزء كبير من الملف على القلق المشروع بشأن تعامل المفتي مع الفاشيين الإيطاليين. بعض الآراء البريطانية المسجلة اعتبرته تهديداً خطيراً للمجهود الحربي، وتحدّث تقرير بعنوان "معلومات داخلية" عن دور المفتي في إقامة ما زُعم بأنّه "حكومة ظل ألمانية في الجزيرة العربية". بينما رفض آخرون ذلك باعتباره "من الأمور التي درج الكتاب من اللاجئين على وضعها في مذكّراتهم لجعلها أكثر دراميّة" وأشاروا إلى أن تقدير تأثير المفتي كان مبالغاً فيه.

بغض النظر، وبحلول أكتوبر/تشرين الأول 1940، كانت وزارة الخارجيّة [البريطانية] تدرس عدّة طرقٍ "لوضع حدٍّ لمؤامرات المفتي مع الإيطاليين"، وبحلول منتصف نوفمبر/تشرين الثاني:

"تقرّر أنّ الوسيلة الوحيدة الفعالة حقّاً لتأمين السيطرة عليه [المفتي] هي الاحتلال العسكريّ للعراق"

إذن، لم تبق الخطّط البريطانيّة للانقلاب مجرد نقاش، بل كانت خطّطاً قيد التنفيذ:

"قد نكون قادرين على قصّ أجنحة المفتي عندما نتمكن من تشكيل حكومة جديدة في العراق. و.خ [وزارة الخارجية] تعمل على هذا".

هكذا، كان البريطانيون يعملون بالفعل على إعادة احتلال العراق، وذلك قبل خمسة أشهر من انقلاب "المربع الذهبي" في أبريل/نيسان 1941.

إحدى النقاشات الأبرز في السجل تمحوّرت حول السؤال: "كيف يمكن إحداث انقلاب بريطانيّ دون أن يؤدّي ذلك إلى المزيد من النفور لدى العالم العربيّ في خضم الحرب، علاوةً على النفور الذي قد تسبّب به تعزيز الصهيونيّة؟" اقترح هارولد ماكمايكل Harold MacMichael، المفوض الساميّ لفلسطين، فكرة "العثور على وثائق في ليبيا تجرّم المفتي"، والتي يمكن استخدامها لإحراجه بين أتباعه، لكن آخرين "شعروا ببعض التردد... خاصّة أنهم يعلمون، كما ينبغي لنا أن نعلم، ألّا حقيقة في هذا التصريح".

لكن وبشكلٍ محبط، يتوقف هذا المسار عند أواخر العام 1940؛ إذ لمعرفة أيّ شيءٍ نهائيّ، نحن بحاجة إلى الصفحات العشرة المحظورة في الجزء الثاني: CO 733/420/19/1.

إنّ الجزء الأول المنقوص يدعم جزئياً، أو على الأقلّ لا يشكك، بادعاء جلعادي. يُثبت ذلك الجزءُ أنّ بريطانيا كانت تخطط لتغيير النظام وسعت لاختلاق ذريعةٍ، ولكنه لا يعطي أيّ إشارة إذا ما كان العنف العرقيّ هو الذريعة. ومن المثير للاهتمام أن عصابة ليحي في ذلك الوقت توصّلت إلى نفس الاستنتاج الذي توصّل إليها جلعادي: فقد زعم بيانها أنّ "حكومة تشرشل هي المسؤولة عن المذبحة المنظمة في بغداد".4.

هل يحقّ للجمهور الاطلاع على أرشيفات ما زالت سريّة مثل CO 733/420/19/1؟ في هذه الحالة، ادعى أمناء الأرشيف أنهم يقومون بحمايتنا من فاكهة "الفضول" المحرّمة. لقد ادّعى هؤلاء أنهّم يميّزون بين "المعلومات التي من شأنها أن تعود بالنفع على الصّالح العام" وبين "المعلومات التي تلبي فضول الجمهور"، وقرروا نيابةً عنا أنّ هذا الملف الأرشيفيّ يناسب الخيار الثاني. يُطلب منّا أن نصدّق، أن أرشيفاً عمره ثمانية عقود يتعلق بقضية مهمة ما زال مختوماً بالسرّية لأن كشفه سيؤدي -فقط- إلى إرضاء رغبتنا بالنميمة.

إن تقييم ماضي التآمر البريطانيّ في العراق لم يكن، على الأرجح، لِيَحول دون توقيع حكومة بلير على كارثة "تغيير النظام" الأميركيّة الأشمل عام 2003، والذي رُوِّج له باستخدام مستندات "أفريقيّة" مزوّرة من دون التردّد الذي ظهر في الأربعينيّات -من النيجر هذه المرّة، بدلاً من ليبيا. لا فرصة لنا بأن نتعلّم من التاريخ، إن كانت دروس التاريخ ستبقى محجوبة عن الناس. 

ملاحظة: وفقاً لما قاله جلعادي، فإنّ أعمال الشغب التي اندلعت عام 1941 "أعطت الصهاينة في فلسطين ذريعةً لإقامة حركة صهيونيّة سريّة في العراق"، والتي توّجت بالإرهاب الإسرائيليّ (المُثبت) -الذي نسبته "إسرائيل" لغيرها- والذي أدّى إلى إخلاء معظم اليهود من العراق بعد عقدٍ من الزمن. والمستندات التي رآها المؤلف تدعم ذلك، لكن من المؤكد أن الصهاينة لم يكونوا على صلة بالمناورات البريطانية المزعومة لعام 1941.

  1. تشرحُ المراسلات من حكومة المملكة المتحدة رفضَها السّماح لي بالوصول إلى CO 733/420/19/1 كالتالي: القسم 23 (1) (الهيئات الأمنيّة والمسائل الأمنيّة): لقد درسنا ما إذا كان ميزانُ المصلحة العامّة يفضِّل الإفراجَ عن هذه المعلومات أو حجبها. بعد دراسة متأنية، قررنا أنّ المصلحة العامة في الإفراج عن المعلومات التي قُمتَ بطلبها تفوقُها المصلحةُ العامة في الحفاظ على هذا الاستثناء. ومن المصلحة العامّة أن تعمل أجهزتُنا الأمنيّة بفعالية لصالح المملكة المتحدة، دون الكشف عن المعلومات التي من شأنها أن تساعد أولئك المصممين على تقويض أمن البلد ومواطنيه. يُميّز القضاءُ بين المعلومات التي من شأنها أن تعود بالنفع على الصاّلح العام والمعلومات التي من شأنها أن تلبي فضول الجمهور. ولا يعتبر الخيارُ الأخير "مصلحة عامة" حينما نتحدث عن كشف الوثائق. وفي هذه الحالة، لن يؤدي الإفصاح إلى تحسين الشفافية أو المساعدة في النقاش العامّ، وبالتالي لن يفيد هذا الإفشاء المصلحة العامة.
  2. كان بن غوريون يتطلع إلى الكيفية التي ستترك بها نهاية الحرب بريطانيا ضعيفة عسكرياً ومشتتة جغرافياً ومهدمة اقتصادياً. وأشار إلى احتلال مدينة "فيلنا" من قبل البولنديين بعد الحرب العالمية الأولى كسابقة لهذا التكتيك. بالنسبة له، لم تقدم نهاية الحرب العالمية الثانية سوى فرصة للاستيلاء على فلسطين بمقاومة مادية أقل، كما تُركت بريطانيا تحت رحمة الولايات المتحدة للإغاثة الاقتصادية، وهو الأمر الذي استغلته الوكالة اليهودية للضغط على السياسيين الأميركيين لتقديم تلك المساعدة مشروطة بدعم المطالبات الصهيونية بفلسطين. في اجتماع سريّ للمدير التنفيذي للوكالة اليهودية في منتصف ديسمبر/كانون الأوّل 1945، شدّد بن غوريون على أن "أنشطتنا يجب أن تدار من واشنطن وليس من لندن"، مشيراً إلى أن "النفوذ اليهودي في أميركا قويٌّ وقادرٌ على إلحاق الضرر بمصالح بريطانيا العظمى" لأنهّا تعتمد إلى حد كبير على أميركا اقتصادياً، ولن تكون قادرة على تجاهل الضغوط الأمريكية إذا نجحنا في جعلها قادرة على تحمُّل هذا الضغط". وأشاد الحاخام أبّا سيلفر في الولايات المتحدة لعدائيته في هذه القضية، في حين أشار إلى أنه كان مع ذلك "متعصباً قليلاً وقد يذهب لأبعد من ذلك بكثير" (TNA, FO 1093/508)، وكانت منظمة الإرغون أكثر صرامة في عام 1946، حيث ذكرت في بيان لها أن تخفيف بريطانيا لأحكام الإعدام الصادرة بحق اثنين من الإرهابيين وغيرهما من التسويات مع الصهاينة "تم لغرض وحيد هو تهدئة المعارضة الأميركية ضد القرض الأميركي لبريطانيا" (TNA, KV 5-36). في هذه الأثناء في الولايات المتحدة أثارت حيلة الحاخام سيلفر لهذا التكتيك قلق موشيه شيرتوك (رئيس الوزراء المستقبلي). على الرغم من أن بن غوريون مثل شيرتوك الذي قال أننا "سنستغل أقصى قدر من الضغط الأميركي على الحكومة البريطانية" ولا سيما في فترة ما قبل الانتخابات (وخاصة نيويورك)، لكنه حث على "العناية والحكمة في هذا"، وبالتالي عدم إعطاء الذخيرة لـ"المناهضين للصهيونية والمعادين للسامية بشكل عام". وانتقد شيرتوك سيلفر لقوله علناً إنّه "هو ومؤيديه يعارضون منح القروض للحكومة البريطانية".(TNA ، CO 537/1715).
  3. سواريز، توماس، دولة الإرهاب: كيف قامت "إسرائيل" الحديثة على الإرهاب، ترجمة محمد عصفور، عالم المعرفة، الكويت، مايو 2018.
    جلعادي، نعيم، فضائح بن غوريون: كيف تمكنت الهاغانا والموساد من القضاء على اليهود، الهندباء، 2006.
  4. عصابة ليحي، بيان رقم 21/41، بتاريخ 1 أغسطس/ آب 1941.