17 مارس 2023

رمضان في الطريق.. وارتفاع الأسعار كذلك!

رمضان في الطريق.. وارتفاع الأسعار كذلك!

لطالما كان شهر رمضان فرصةً مثاليةً للكثيرين من كبار التجار ووكلاء السِلَع الأساسية في السوق الفلسطينيّ، يستغلونه لزيادةِ أرباحِهم، خاصّةً مع قلّة المنافسين في سوقٍ هشٍّ سريعِ التأثر ويُصنَّفُ بأنّه صغير الحجم وغير مستقل، وأيضاً في ظلّ احتكار عددٍ من السلع الأساسية من قبل شركاتٍ كبرى يملكها رجال أعمال لهم علاقاتُ نفوذٍ ومصالح في أجهزة السلطة الفلسطينيّة. وأمام كلّ هذا، لا تُقدّم الجهات الرسميّة المعنيّة ما يكفي في مجال فرض السياسات الرقابيّة، ولا تبدو جديّةً في التعامل مع الغلاء.

وما يزيد طمع بعض التجار ويدفعهم للتلاعب بالأسعار، حدوثُ كوارث أو متغيراتٍ طبيعيّةٍ أو اقتصاديّة، يستغلونها في "ركوب موجة الغلاء"، مبرّرين زيادتهم الإضافية على الأسعار بتلك الظروف، كما حصل مع وباء "كورونا"، والحرب الأوكرانيّة الروسيّة، والأمراض التي ضربت مزارع الدجاج اللاحم هذه الفترة، ومؤخراً ارتفاع سعر صرف الدولار.

بدءاً من علب الماء إلى الطحين والأرز

تجوّلنا في سوق الضفّة الغربيّة قبل أيامٍ من بدء الشهر الفضيل في محاولةٍ للوقوف على أبرز السلع التي طرأ ارتفاع على أسعارها، فتبيّن من خلال الحديث مع تاجر جملة واثنين من أصحاب المحلات الكبيرة، أنّ أسعار كلّ من: الطحين، والأرز، ورُبّ البندورة، والشعيرية، وبعض المشروبات، وعلب الماء صغيرة الحجم، وورق المحارم المُقطّع، والسكر ارتفعت، ويُضاف إليها عودةُ الارتفاع التدريجيّ على أسعار الدجاج بمعدل نصف شيكل يوميّاً.

على سبيل المثال، ارتفع سعر كيس الأرز الحجم الكبير (25 كيلو) من 145 شيكلاً إلى 160 شيكلاً، وسط توقعاتٍ بمواصلة الارتفاع، وارتفع سعر كيس السكر الحجم الكبير (50 كيلو) من 155 شيكلاً إلى 170 شيكلاً، أما كروز السكر المجزأ لكل كيلو فقد ارتفع من 32 شيكلاً إلى 38 شيكلاً، ويباع الكيلو الواحد بـ4 شواكل، والسكر والأرز من أبرز السلع المطلوبة في رمضان. أما الطحين فقد بدأ بالارتفاع قبل شهرين، وانعكس على ارتفاع كافة الصناعات المرتبطة، من معكرونة وسمبوسك وشعيرية وهي من السلع المستوردة.

رضا شبانة صاحب سوبر ماركت، قال إنّ سعر السكر ارتفع بشكلٍ ملحوظ، وكذلك سعر الدجاج بعدما انخفض إلى 13 شيكلاً للكيلو، لكنه عاد من جديد للارتفاع التدريجي بمعدل نصف شيكل يوميّاً. يقول: "كل تاجر يُقدّم مبرراً لنا، بأن هذا النوع مختلف، وهذا قمتُ بشرائه على السعر الجديد". ويُبيّن شبانة أنَّ كميات البضاعة التي يشتريها صاحبُ المحل وطريقةَ الدفع نقداً أو بالتقسيط تلعبُ دوراً في تحصيله لسعرٍ جيّدٍ من الوكلاء، وهذا أحد أسباب تباين الأسعار من محلٍ لآخر.

اقرؤوا المزيد: "أسعار ترتفع في سوقٍ هشّ: حوار مع عبد الله حرب".

علاء الأسمر هو الآخر صاحب سوبر ماركت، حمّل مسؤولية ارتفاع الأسعار لبعض وكلاء المنتجات الأساسية، والذين قدّموا هذا العام مبرراً جديداً لرفع الأسعار وهو ارتفاع سعر صرف الدولار. ونوّه الأسمر أنَّ الوكلاء يُخزّنون بعض الأصناف قبيل رمضان، ثم يبيعونها مع بدايته من أجل رفع أسعارها، وهذا ما حدث العام الماضي، أما هذا العام لم يحدث حتى الآن، حسب قوله. وأفاد الأسمر أنَّ هناك تلاعباً في الكميات، على سبيل المثال فإنّ ربطة كاسات البلاستك كانت تحتوي 100 كاسة، أما الآن بداخلها 80 كاسة وتُبَاع بنفس السعر، وصحون البلاستيك كذلك.

إذا طار الدجاج.. ماذا نضع على الموائد؟

أما فيما يتعلق بالدجاجِ اللاحم، فقد بدأت أسعارُه بالارتفاع مطلع عام 2023، وتجاوز سعر الكيلو 20 شيكلاً، واستمر الارتفاع نحو شهرٍ ونصف، وهو ما أدّى لإطلاق دعوات لمقاطعة الدجاج، مع الإشارة إلى أنّه مكون رئيس في موائد آلاف العائلات الفلسطينية التي لا تستطيع أن تسمح لنفسها بتناول اللحوم الحمراء. في معرض الحديث عن الدجاج، يُبرّر أيمن حسين، وهو من كبار تجار الدجاج اللاحم، الارتفاع في الأسعار بالأمراض التي أصابت مزارع الطيور في الضفّة ولدى الاحتلال وحصدت كميات كبيرة منها، ما أدّى لقلة العرض مقابل الطلب، حسب ادعائه. وبحسب حسين، فإنه لا يمكن التلاعب في الدجاج من حيث تخزين الكميات واحتكارها لزيادة السعر، فهو عرضة للفساد.

لكنه أضاف سبباً آخر، قد يبدو أكثر واقعية، وهو أنّ بعض مزارع الدواجن أصابها نقص في بيض التفريخ الذي يُستورَد عادةً من الاحتلال، لذا استورد بعض أصحاب المزارع بيض تفريخٍ من إسبانيا وهنغاريا واليونان، "بعضه نجح وبعضه لا"، حسب تعبيره، وهو من العوامل التي أدّت إلى زيادة الأسعار بسبب قلة العرض.

أما عودة مسالمة، وهو محاسبٌ في إحدى شركات الدواجن، فقد أشار إلى أنَّ السبب الرئيسي لارتفاع الأسعار هو قلّة الانتاج خلال الفترة الماضية، بسبب عزوف الكثير من المزارعين عن تربية الدجاج اللاحم في فصل الشتاء نظراً لتكلفة الانتاج العالية وتدفئة المزارع. واستبعد مسالمة أن تكون الأمراض هي السبب في ارتفاع أسعار الدجاج، مؤكداً أن مزارع الدواجن هذه الأيام مغلقة وحديثة ويسهل السيطرة على انتشار أي مرض. وما يُعزز هذا الاستنتاج أنّ الاحتلال لم يُعلن عن انتشار الأمراض هذا العام، عكس ما أفاد به التاجر حسين.

البحث عن بصيص جديّة في محاربة الغلاء

يقول إبراهيم القاضي، مدير دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، إنّ بعض تجار الدواجن استغلوا هذه الفترة (التي شهدت الارتفاع منذ بداية العام)، لزيادة الأرباح بمعدل شيكل واحد لكل كيلو فوق الزيادة الحاصلة. ونوّه القاضي أنّ الكثير من الشكاوى ترد إليهم بشكلٍ يوميٍّ حول قضية التلاعب في الأسعار، منها ما تكون شكاوى حقيقيةً، ومنها ما تكون نتيجةَ خلافٍ بين تاجر وآخر.

وبيّن القاضي أنّه في الشهر الماضي أُحيلت 19 قضيةً إلى النيابة العامّة لها علاقة بالأسعار من حيث عدم الإشهار أو البيع بسعر أعلى من السعر المُدرَج، وحُكِم عليهم بدفع غراماتٍ ماليّة وصل بعضُها إلى 3 آلاف دينار، وكانت معظم الشكاوى تتعلق بأسعار الدواجن واللحوم. وبحسب تحليل القاضي فإنّ جزءاً من الارتفاع في الأسعار له علاقة بارتفاع تكاليف الإنتاج وموادها، ولكن جزءاً آخر متعلقٌ بتوجه بعض التجار لاستغلال الفرص لإضافة زيادة أخرى على السعر، كما حصل في زيادة شيكل واحد على الزيادة الأصلية لسعر كيلو الدجاج.

اقرؤوا المزيد: "كيف ننجو من المقصلة؟ تجربة تعاونية أرض اليأس"

ويضيف حول الارتفاع المتوقع مطلع رمضان: "شهر رمضان يعتبر الأعلى في تحرير المخالفات وإحالة التجار إلى النيابة، لأن نسبة التسوق تزيد، والبعض من التجار يعتبر رمضان فرصة لاستغلال المستهلك". ولكن بحسب القاضي فإن أي تاجر يقوم برفع سعر أي سلعة "بسهولة يتم كشفه حتى لو قدم مبررات، لأن الوزارة قامت برصد الكميات الموجودة في السوق وأسعارها الحقيقية". حسب قوله. لكن القاضي لا يُشير إلى سياسات على مستوى أعلى تتعلق بملاحقة كبار التجار والشركات الكبرى التي تنجو غالب الأحيان من المساءلة. كما أن المستهلك لا يلحظ تغيراً واضحاً ومستمراً في السوق.

ويبرز هنا السؤال عن ردود أفعال الناس، وتمكن بعض الإجابة بالعودة إلى مطلع حزيران/ يونيو 2022، حينما أطلق رامي الجنيدي وعددٌ من النشطاء صرخةً في وجه الغلاء، بتأسيسهم لحراك "بدنا نعيش" وقيامهم بخطوات احتجاجيّةٍ ميدانيّة، إلا أنَّ أجهزة الأمن الفلسطينيّة قمعتهم، وهاجمت خيمة الاعتصام عند دوار ابن رشد في الخليل، واعتقلت منها 11 ناشطاً في الحراك لمدة 4 أيام في سجن اللجنة الأمنيّة في مدينة أريحا، ثم أفرجت عنهم بشرط التوقيع على تعهدٍ بعدم العودة للحراك. ويقول الجنيدي  إنّ الرقابة ما زالت حتى اليوم تلاحقهم حتى عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك باستمرار البلاغات من  حساباتٍ وهميّة على منشوراتهم. 

يروي الجنيدي، منسق الحراك في ذلك الوقت، أنّ أجهزةَ الأمن فكّكت حراك "بدنا نعيش"، بالالتفاف عليه وشيطنتِهِ واتهامِهِ بأنه يتبع "أجندة خارجيّة"، وهو ما دفع البعض للابتعاد عن المشاركة في فعالياتهم. كذلك فإنه من الملاحظ عزوف الناس عن المشاركة الواسعة في الاحتجاجات ضدّ رفع الأسعار رغم أنّه الموضوع الذي يسيطر على جانب كبير من أحاديثهم.

وقد أكد الجنيدي من واقع تجربته على وجود استغلال من قبل بعض التجار في شهر رمضان، إذ "يقوم التجار الكبار قبل شهر رمضان بتخزين البضاعة التي يزيد عليها الطلب في رمضان، لدرجة أنها تنقطع من السوق وتصير شحيحة، ومن ثم يبدأ عرضها في الأسواق بغير الأسعار الحقيقية التي تم استيرادها عليها"، حسب قوله. وبالفعل لاحظ الجنيدي هذا العام انخفاضاً في كميات العرض لسلعٍ أساسية، وهو مؤشر على التحضير لرفع أسعارها خلال رمضان، ويختم بالقول: "قد نُفاجئ بموجة غلاء خلال رمضان".