27 نوفمبر 2022

رُسل فلسطين في ملاعب الكرة المستديرة

رُسل فلسطين في ملاعب الكرة المستديرة

تمكّن المنتخب الإيطالي من الفوز بكأس العالم عام 1982 على حساب ألمانيا بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد، ولكن المفاجئ وقتها أن أهدى الرئيس الإيطالي الاشتراكي اليساندرو برتيني الكأس لمنظمة التحرير الفلسطينية، تضامناً مع نضال الشعب الفلسطيني والذي كان يخوض معركة شرسة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي في لبنان آنذاك. 

ليس هذا الحدث التضامنيّ مع القضية الفلسطينية يتيماً، فتاريخ الرياضة زاخرٌ بذلك. ولراهنيّة كأس العالم، فإنّ المقال سيركّز على كرة القدم، ويجري جولةً فيها يبحث عن لوحاتٍ من تضامن الأندية واللاعبين والجمهور على مستوى الوطن العربي والعالم مع الشعب الفلسطيني. وعلى ما في هذه الحملات والمواقف من رمزيّة، إلا أنّها تشكّل أهمية في سياق الهرولة نحو التطبيع على مستوى العرب ودعم "إسرائيل" على مستوى العالم. 

اللوحة الأولى: تخريب "الحفلة"

تظنّ "إسرائيل" أنّ تطبيعها مع الحكومات العربيّة يجعل وجودها عند الناس طبيعيّاً! فبعد أن سمحت قطر للمشجعين الإسرائيليين بحضور المونديال الحالي عبر رحلات مباشرة من مطار "بن غوريون" إلى مطار الدوحة، وتخصيص موظفين إسرائيليين لمتابعة شؤونهم، تجوّل في الشوارع الإعلام الإسرائيلي الذي افتُتح له استوديو خاص بقناة "كان" العبريّة بحثاً عن عرب يرحّبون بوجوده. 

غير أنّ منصّات التواصل الاجتماعي امتلأت بالمقابلات الصحافيّة التي لم تتم، فما إن يعلم العربي أنّ الذي يقابله إسرائيلي حتّى يرفض المقابلة ويرفض معها التصريح بأن "إسرائيل" موجودة أصلاً على الخارطة. فمثلاً؛ يفتتح المذيع الإسرائيلي حواره مع مشّجع سعودي لا بسؤال، إنما بتصريح: "مرحبا أنا من إسرائيل"، فأجابه السعودي: "ما في إسرائيل في شي اسمه فلسطين"، ثم بدأت هتافات من حوله لفلسطين رافضة للوجود الإسرائيلي.

اللوحة الثانية: في الدقيقة 48

إنّ أضعف التضامن مع فلسطين هو الحرص على بقائها حيّة في الوجدان العربي والحيّز العام؛ هذا ما عبّرت عنه حملات عديدة أطلقها مشجّعون ورياضيّون ومؤثرون عرب في المونديال الحالي. من هذه الحملات، إطلاق هاشتاغ "شارة قيادة فلسطين" و"شارة الكابتن فلسطينية" في دعوة للمنتخبات العربيّة وجماهيرها بارتداء شارات على ملابسهم تدلّ على فلسطين، وذلك بعد إعلان أكثر من منتخب أوروبي نيّتهم بارتداء شارات داعمة لأوكرانيا وحقوق الإنسان والمثليّة.

كذلك، أطلقت دعوات للتعريف بالقضيّة الفلسطينيّة تُرجمت بضخّ محتوى عن فلسطين على منصّات التواصل الاجتماعي، وأيضاً برفع الأعلام الفلسطينيّة في الملاعب والشوارع والهتاف لفلسطين في الدقيقة 48 من كلّ مباراة للمنتخبات العربيّة، في إشارة إلى عام النكبة. 

اللوحة الثالثة: آثار الحرب

التضامن؛ إحدى ثمرات المقاومة في فلسطين. فبعد معركة "سيف القدس"، شهد الوسط الرياضي من لاعبين عرب ومسلمين وأجانب زيادة في تأييد ودعم القضية الفلسطينية والتعبير عن ذلك في الملاعب وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ومن هذه الأسماء: المصري محمد النني، والجزائري رياض محرز، والفرنسي بول بوغبا، والإسباني هيكتور بيليرين، والإنجليزي حمزة تشودري، والتركي مسعود أوزيل، والأسطورة الفرنسي أريك كانتونا، وغيرهم من نجوم كرة القدم العالمية. 

رياض محرز يرفع علم فلسطين بعد فوز فريقه مانشستر سيتي بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز، أيار/مايو 2021. (عدسة: ديف ثومسون/ وكالة الصحافة الفرنسية).

ومن الأسماء التي لا يمكن تجاوزها في هذا المضمار، هو الماجيكو المصري محمد أبو تريكة، الذي لا يترك مناسبة إلا ويستذكر فيها القضية الفلسطينية. كان موقفه الأبرز عام 2008، في مباراة جمعت بين مصر والسودان بكأس الأمم الأفريقية، حين ارتدى قميصاً كتب عليه "تعاطفاً مع غزة" بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة في حينه.

محمد أبو تريكة يظهر قميصاً مكتوب عليه "تعاطفاً مع غزة" احتفالاً بهدفه خلال بطولة كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم، 2018. (عدسة: وكالة الصحافة الفرنسية).

اللوحة الرابعة: مباريات غير "ودّية"

تعمل مجموعات مؤيدة للقضية الفلسطينية في الخارج على حشد الرأي العام لمقاطعة "إسرائيل". رياضياً، تضغط هذه المجموعات على الأندية واللاعبين والمنتخبات باتجاه عدم مشاركة المنتخب الإسرائيلي وفرقه اللعب، أو بعدم تنظيم زيارات للأراضي المحتلة كي لا تساهم بتلميع صورة الاحتلال في العالم.

في هذا العام مثلاً، ألغى منتخب الأوروغواي تدريباته التحضيريّة لكأس العالم في الأراضي المحتلة ونقلها إلى دولة أخرى، بعد حملة قادتها أندية فلسطينية ومجموعات مناصرة للقضية في الأوروغواي. وفي هذا العام أيضاً؛ ألغى المنتخب الأرجنتيني مباراته "الودّية" مع فريق إسرائيلي في الأراضي المحتلة، بعد حملة كبيرة من النقابات الأرجنتينية ومناصري القضية الفلسطينية في الأرجنتين على إثر رسالة فريق الخضر الفلسطيني الذي عدّد فيها جرائم الاحتلال بقتل حلم اللاعبين الفلسطينيين عبر قتلهم وإصابتهم.

كذلك، رفض نادي الوحدات الأردني المشاركة في بطولة العين لكرة الطائرة المقامة في الإمارات هذا العام رفضاً للتطبيع، إذ وقع نادي العين الإماراتي اتفاق تفاهم مع نادي "مكابي حيفا" الإسرائيلي العام الماضي. كما ألغى نادي برشلونة الإسباني مباراته مع فريق "بيتار القدس" الاسرائيلي عام 2021، استجابة لرسائل الأندية الفلسطينية ورابطة مشجعي برشلونة في فلسطين وعدد من المناصرين للقضية في العالم.

اللوحة الخامسة: لفلسطين أكثر من ألتراس!

كثيراً ما تحضر فلسطين في مدرجات الملاعب، عبر علمٍ أو هتافٍ أو أغنية. فهذا نادي سيلتيك الاسكتلندي يواجه عقوبات ويُغرّم نتيجة رفع جمهوره العلم الفلسطيني، وكذلك كتابتهم لافتات مثل: "القدس هي فلسطين"، سواء في الدوري المحلّي أو في دوري أبطال أوروبا. أما التراس نادي روما الإيطالي المعروف باسم "كورفا سود"، وتحديداً إحدى مجموعاته مجموعة "فدائيين"، فقد ندّدوا مواجهة فريقهم نادي توتنهام الإنجليزي في الأراضي المحتلة، فرفعوا الأعلام الفلسطينية في الملعب احتجاجاً، وكتبوا على بوابة مركز التدريبات التابع للنادي: "في دولة الاحتلال، لا يمكن أن تكون هناك مباراة ودية".

مشجعو نادي سيلتيك الاسكتلندي يرفع الأعلام الفلسطينية، آب/ أغسطس 2016. (GettyImages).

وفي عام 2014، وتنديداً بالعدوان الإسرائيلي على غزة، اقتحمت مجموعة من المؤيدين للشعب الفلسطيني في الدقيقة 85 مباراة ليل الفرنسي مع مكابي حيفا الإسرائيلي في النمسا، ورفعوا أعلام فلسطين وشعارات مؤيدة لغزّة، ممّا أدى إلى انتهاء المباراة قبل انتهاء وقتها الأصلي. وفي عام 2012، أبدى جماهير نادي أتلتيك بيلباو الإسباني دعماً وتضامناً مع القضية الفلسطينية تمثّل برفع الأعلام الفلسطينية في مباراة للنادي ضد نادي "كريات شمونة" الإسرائيلي.

أما الجماهير العربية من توانسة ومغاربة وجزائريين ومصريين، فكانت دائمة التأييد للقضية الفلسطينية. إذ رفع جمهور النادي الإفريقي صورة حنظلة في إحدى المباريات، إضافة إلى حرق جماهير الترجي للعلم الإسرائيلي في الملعب، وكذلك هتفت جماهير الصفاقسي للشهيد محمد الزواري، ورفعت كثيراً جماهير الأهلي والزمالك المصريين والجماهير الجزائرية والمغربية أعلام فلسطين. 

وقد ألّفت هذه الجماهير العديد من الأغاني والأهازيج الداعمة للشعب الفلسطيني وقضيته، فمثلاً غنّت الجماهير الجزائرية "فلسطين الشهداء"، وغنّت جماهير الرجاء الرياضي المغربي "رجاوي فلسطيني"، وأبدعت الجماهير التونسية في الغناء لفلسطين فغنّت جماهير الترجي التونسي "يا فلسطين"، وغنّى جمهور النجم الساحلي أغنية "النصرة لفلسطين" و"حاكم حلو الحدود خلينا نروح لفلسطين".

 
 
 
 
 
View this post on Instagram
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by متراس - Metras (@metraswebsite)



2 مايو 2018
كيف تلعب "إسرائيل"؟

لاس فيغاس، الولايات المتّحدة، آب/ أغسطس 2014. طفلةٌ في التاسعة من عمرها تقضي عطلةً مع عائلتها. أحد أيّام العطلة تضمّن…