8 نوفمبر 2021

رسالةٌ في معرفة الأسيرة ميسون الجبالي ..

رسالةٌ في معرفة الأسيرة ميسون الجبالي ..

هذا النَّص هو رسالةٌ كتبتها ليان كايد إلى الأسيرة ميسون الجبالي في ذكرى اعتقالها السادسة. وقد كانت كايد وقتها في سجن الدامون، الذي استمرّ تواجدها فيه من 8 يونيو/ حزيران 2020 إلى 9 سبتمبر/ أيلول 2021.

الأسيرة ميسون موسى الجبالي (28 عاماً)، من قرية الشواورة شرق بيت لحم، تقضي حكماً بالسجن الفعلي مدة 15 عاماً. اعتُقلت الجبالي في 29 يونيو/ حزيران 2015، بعد تنفيذها عملية طعنٍ لمُجنّدة أصابتها بجروحٍ بين طفيفةٍ ومتوسّطة على حاجز "قبة راحيل" شمال بيت لحم. كانت ميسون حينها على مقاعد الدراسة الجامعيّة تتخصّص في الأدب الأنجليزي، وهي الآن تستكمل دراستها الجامعية من داخل المعتقل في تخصّص الخدمة الاجتماعية في جامعة القدس المفتوحة.

 

أكتبُ لكِ إنقاذاً للقائنا قبل أن يربح السرابُ جولتَهُ الأخيرة أمام "واقعية ذكرياتنا"، وقبل أن تُدفَنُ الجزيرةُ دون أثرٍ لكنزٍ أو مخطوطةٍ لرحّالٍ هزيلٍ، وكي لا أحتاج أن أبدأ رحلتي بحثاً عن شاهدٍ يهمسُ في أذني أنَّ كلّ "ما كان"، صار...

وماذا عنكِ أنتِ، هل أشعلتِ في الأمس فتيلَ شمعة؟ أم هل سِرتِ الهوينا على ضفاف نهرٍ تخيّلتِه؟ نهرٌ يوازي مدينةً تُلقي بخفّة أضوائها على سطحه. بماذا فكّرتِ وأنت تمشين في عالمٍ صنعته أفكارُك ليكون مسقطَ رأس "مشروعك"، أو ليكون مشهداً ذكيّاً ومُعدّاً لتنبت فيه خاطرتُك الموحشةُ المذهلة؟ بماذا فكّرتِ حين صار الكوكبُ امتداداً لخيالك؟ هل كنت تسيرين بالتواضع ذاته؛ تواضعك المعهود وأنت تقطعين ساحة "الفورة" ذهاباً وإياباً إلى رفوفك الغالية، إلى المكتبة؟ وهل كنت تَخُطّين بالعشوائية ذاتها -وأنت المُنظّمة- كافة المسارات التي أحاطتكِ؟ 

تُحاولين تجاوزَ عشوائيتَكِ ببرنامجكِ الأسبوعيّ والمُشفّر بمواعيدك السريّة، التي نُدرك جميعاً -ليس نتيجة مُراقبتك، إنما نتيجة ضيق السجن- أنّها (أي تلك المواعيد) ما هي إلا قراءة رواية ٍلأسيرة يخذلها بصرُها، أو دروسٌ خاصّة في أبجدياتٍ ثلاثة.

تمنّينا لو تقنّعنا في تلك الليلة فنكون دراميين بما يكفي لأن نقتحم حكايتكِ؛ قُطّاع طرق نضفي على القصة فوضاها، ونمنح أبطالَها- أنتِ، فسحةً لسرد خوفٍ أو حزنٍ ما استشعرناهُ في سهوكِ أو في صحوكِ لأجزاءٍ من الثانية. ولكنّك أنتِ ما سنحت لنا، ولا أتحتِ لعنصر المفاجأة أن يشتغل، واكتفيتِ بما تحمِلُه ذاتُك من مفاجآتٍ للآخرين، وتجعليننا نصدّق أننا نُفاجئك.

حدّثتني إحدى طالباتك حين أُعجبتِ بها، لأنها هي التي ما استطاعت قبل أعوام "فكّ الحرف"، قد استعارت رواية منك "خلّصتها وفهمتها كمان"، وكيف أنّها لم تملك أن تردَّ لك الجميل، سوى باستخدامها مهارات القراءة التي علّمتِها إياها بقراءة كتاب من الكتب التي تروّجين لها باستمرارٍ.

من مِثلُكِ -على اعتبار أني أعرف من هم مثلك- يحتاج لعابرٍ يبعثرُ ملامحه ولو بابتسامةٍ لا يسهلُ محوها بعد حين؟ غريبةٌ أنت عن المرآة، وأنا على غراركِ أحفظُ المسافة التي تحرس أقمار القرب من التفتت؛ من الانهيار. المسافةُ  الحلوة التي حوّلتك إلى شخصٍ نتناقل قصصاً عنه، ولا نكتفي بما يُحكى لنا. نتقصّى ونجمع شذراتٍ تروينها، لنتحدث عن ماضٍ قرّرتِ إهمالَه أو عدم رمسنتِهِ كما يفعل المُعظم، ونحكي...

غير عابئةٍ بالذكريات أو الأمنيات، تسيرينَ بعد أن نفضتِ عن نفسكِ غبارَ التوقعات. خاليةُ الوفاض من مفردات الأمل، وهذا ما يجعل ابتسامتَكِ وخفّتَكِ غير مفهوميْن حتى للقصائد والأغنيات. "خفيفة دم"، جعلتنا لا نرى من السجّان سوى "كرشه"، ومن  زيارات الأهل سوى "نهفات"، ومن برامج التلفاز سوى الزلاّت. عجولة على الدوام، تسيرين بسرعة لا نستطيع مواكبتَها، تشكين من قلّة الوقت، ولا نفهم عن أيّ وقتٍ تحكين، فَلَكِ من زمنِ السجن فيض، تسع سنوات ما زلن أمامك. قولي لنا مرة عمّا ستتأخرين؟!

نزعم كذباً أنَّ أكثر الظروف استثنائية حين لا نستطيعُ قول ما علينا قوله. وبغضّ النظر، فمن الممكن أن يكون عدم قول ما علينا قوله هو الطرفة التي تجعل هذا الواقع ممكناً، أو هو الصخرة التي نقول بها لـ"الكلاشيه" وداعاً. 

سلامٌ عليك وأنت تدخلينَ عامك السابع في الأسر، سلامٌ عليك وأنتِ ما تزالين هنا تنهرين الأيام عن ممارسة قبحِها، وتربينّها في ظلّ خفة ظلّكِ أن تعتاد شحّ الحياة، والصراحة على الدوام يبترها الحب.

30\6\2021
سجن الدامون



2 مايو 2018
جيمس سكوت
"أن تنظر كأنّك دولة"

قدّم سكوت هذه المادّة كورقة تعريفيّة لأفكاره في هذا الكتاب التأسيسي، وكمدخل لاحق للنقاش حوله. وجيمس سكوت هو أستاذ العلوم…