21 ديسمبر 2024

"خسرت المنحة".. لماذا تنهي الجامعة حلماً أجلته الحرب؟

"خسرت المنحة".. لماذا تنهي الجامعة حلماً أجلته الحرب؟

وصلت ربى في زيارة خاطفة إلى قطاع غزة، نهاية شهر أيلول/ سبتمبر 2023، خلال عطلتها الصيفية في جامعة أنقرة التركية، كانت الزيارة مقررا لها ألا تتجاوز أسبوعين، ستنشغل فيها ربى بمشاركة عائلتها تحضيرات زفاف شقيقتها، ولكن بعد أسبوع واحد من وصولها، اندلعت معركة الطوفان، وأغلق الاحتلال معابر القطاع، وطالت زيارة ربى حتى اليوم.

حرمت الحرب ربى العودة إلى دراستها في تخصص الهندسة المدنية، وقد أتمت منه أربع سنوات دراسية، ورغم أنه لم يتبق لها إلا عام واحد، فإن الجامعة أبلغتها أنها فقدت مقعدها، وخسرت منحتها الدراسية. 

لم تكن ربى الوحيدة، فذلك ما حصل أيضًا مع نحو 1500 طالب من قطاع غزة منعتهم الحرب من السفر واستكمال دراستهم في الخارج، وأصبح حلمهم البسيط باستكمال الدراسة أشد تعقيدًا وصعوبة.

الزيارة الأخيرة 

اعتاد طلبة غزة الذين يدرسون في جامعات دولية زيارة عائلاتهم في عطلة الصيف، ولكن أغلبهم يقضون سنوات من دون أن يتمكنوا من زيارة ذويهم، لأسباب عديدة، منها ضعف قدرتهم على تحمل تكاليف السفر، وخشيتهم من اندلاع تصعيد أو مواجهة عسكرية قد تسبب إغلاقًا للمعابر، فتمنعهم من السفر من جديد؛ ما يدفعهم إلى تأجيل زيارتهم لسنوات. 

في نهاية صيف عام 2023، حدث ما كان يخشاه الطلبة دائمًا، إذ سارع الاحتلال إلى إغلاق المعابر منذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى، ومنع الطلبة - كما أهالي القطاع كافة - من السفر، ففي القطاع أكثر من 1500 طالب وطالبة، مسجلون في جامعات دولية، منهم 90 طالبا كانوا قد زاروا غزة صيف العام الماضي، ولم يتمكنوا بعدها من المغادرة والعودة إلى جامعاتهم. 

اقرؤوا المزيد: غزة: حصار على الافتراضي أيضاً 

وحسب حديث مسؤولة شبكة "أمل طلاب غزة"، إسراء كراجة، لـ متراس، فإن عددًا من هؤلاء الطلبة حصلوا على منح دراسية خلال العام الأخير، ذلك ما جرى مع محمد اليازجي، الذي حصل على منحة لدراسة طب الأسنان في جامعة إسطنبول في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023. يقول محمد لـ متراس: "جاءت الحرب في وقت كنت أستعد فيه لمغادرة غزة ولكن لم أتمكن من ذلك"، وأكمل: "خسرت حلمي حين أبلغتني الجامعة قبل أيام بخسارتي المنحة لعدم تمكني من إتمام إجراءات الانتساب والحضور الوجاهي".

طالب جامعي يدرس داخل خيمة في دير البلح، في 2 أيلول/ سبتمبر 2024، في ظل محدودية الاتصال بالإنترنت والوصول إلى الكهرباء بعد استهداف جيش الاحتلال البنية التحتية وتدميرها بالكامل خلال الحرب على قطاع غزة. (تصوير: حسن جدي/الأناضول)

ذلك ما حصل أيضًا مع داليا الهباش التي خسرت منحة لدراسة الطب البشري في جامعة الأزهر المصرية، تقول دالي لـ متراس: "تبدد حلمي بعد أن اجتهدت في الحصول على معدل يسمح لي بالمنافسة على منحة دراسة الطب، خسرتها بعد أن ضاع مقعدي لعدم تمكني من السفر"، ليبتعد الحلم مرة أخرى عن داليا، بعد أن كان قريبًا جدًا، تعلق داليا: "أهلي لا يستطيعون تحمل تكاليف دراسة الطب سواء في غزة أو خارجها، ومثل هذه الفرصة قد لا تعوض".

محمد وداليا ليسا الوحيدين اللذين فقدا منحتهما الدراسية، ففي العام الدراسي الأول (2024-2025) خسر 50 طالبًا منحهم الجامعية بسبب تعذر السفر، ومع انتظام العام الدراسي في أغلب جامعات العالم في أكتوبر/ تشرين الأول، قد يخسر 80% من طلبة القطاع منحهم الدراسية ما لم يتم إجلاؤهم قبل نهاية العام الحالي، كما حذرت إسراء كراجة. 

مبادرات خجولة للخروج من الأزمة

على مدى عام كامل ومنذ اندلاع الحرب في غزة، لم تكن قضية الطلبة العالقين ضمن أجندة الإعلام أو الاهتمام المحلي، حتى أثارتها مبادرة أسسها هؤلاء الطلبة فيما بينهم، أطلقوا عليها اسم "شبكة أمل طلاب غزة"، هدفها إظهار الجانب المنسي من الحرب، وكيف تسبب إغلاق المعابر في القضاء على أحلام جيل كامل من الطلبة المتفوقين وطموحاتهم.

أما على المستوى المجتمعي، تمكنت مبادرة "التيار الإصلاحي الديمقراطي" من إجلاء عدد من الطلبة العالقين الذين وصل عددهم إلى 80 طالبا وطالبة، إلا أن هذه الجهود ظلت قاصرة بالنظر إلى العدد الكبير من هؤلاء الطلبة.

الحرب ومعيقات التواصل والتنسيق

طيلة شهور الحرب القاسية، لم يسمح جيش الاحتلال بعمل معبر رفح إلا في كانون الثاني/ يناير 2024 وحتى 6 من مايو/ أيار من العام نفسه، ورغم أنها شكلت نافذة أمل للطلبة الذين يتوقون لاستكمال دراستهم، فإنها فترة لم تكن كافية للسماح لجميع الطلبة بالمغادرة.

اقرؤوا المزيد: أين اختفى طلبة جامعات الضفة؟ 

وفق ذلك، مثّل ارتفاع تكاليف السفر بسبب تضييق النظام المصري، عقبة أخرى أمام الطلبة، إذ لم يستطع سوى عدد قليل منهم تحمل التكاليف الباهظة لتنسيق السفر، وذلك بعد دفع 5 آلاف دولار للمخابرات المصرية، وتمكن آخرون من التنسيق مع السفارات الأجنبية مثل السفارة التركية التي أجلت عددا من الطلبة المسجلين في جامعاتها.

صورة جوية لجامعة الأقصى التي دمرها قصف الاحتلال في مدينة غزة، في 15 شباط/ فبراير 2024. (تصوير: وكالة فرانس برس)

وفقًا لشهادات الطلبة التي رصدها هذا التقرير الصحفي، فإن عددًا كبيرًا منهم ما زال محاصرًا في مدينة غزة وشمالها، وتنقّله إلى جنوب القطاع والوصول إلى معبر رفح أصبح عملية محفوفة بالمخاطر، فقد يتعرض للاعتقال أو الإعدام على حواجز جيش الاحتلال. 

حال الطلبة في القطاع كحال جميع أهله، منهم من استُشهد أو أُصيب، ومنهم من ظل على قيد الحياة وما زال يعاني الحصار والمجاعة، وقد فقد معظمهم من أسرهم وعائلاتهم الكثير. رغم ذلك كله، ما زالوا متمسكين بحلم استكمال الدراسة، والعودة من جديد لبناء غزة. فهل ستقف الجامعات الدولية على مسؤولياتها وتمنح طلبة غزة فرصتهم للاحتفاظ بمقاعدهم ومنحهم الدراسية؟



22 أبريل 2020
حجرٌ منزليٌّ في المخيّم؟

"كيف الحجر المنزليّ معك؟" تحوّل هذا السؤال إلى لازمة تطمينيّة، يتشاركه الجميع عادة مع أصدقائهم وعائلاتهم، أثناء تدفّق أخبار فيروس "كورونا".…