29 مايو 2023

حكومة اشتية.. المزيد من موازنات الطوارئ!

<strong>حكومة اشتية.. المزيد من موازنات الطوارئ!</strong>

في الثالث من نيسان/ أبريل 2023، وفي جلسةٍ عاديةٍ أسبوعيّة لمجلس الوزراء، أعلن رئيس الحكومة الفلسطينيّة في الضفّة محمد اشتية عودة العمل بموازنة الطوارئ للعام المالي 2023.

مرّ القرار بهدوءٍ كأي قرارٍ وزاريّ، رغم ما يُمثّله مشروع الموازنة من أهميّة في تقييم الأداء الحكوميّ. كما رُفِع لرئيس السلطة للمصادقة عليه، دون أي يُكلّف اشتية نفسه أو وزير ماليته شكري بشارة، بوضع الناس أمام حقيقة الوضع الماليّ للحكومة، ومسوغات الحكومة لعودة العمل بموازنةٍ تقشفيّةٍ ستقتصر مهامها على توفير جزءٍ من رواتب الموظفين وفق الإيرادات المتاحة.

كما أنّ الموازنة أُقِرَّت بعد تجاوز الحدّ الزمنيّ القانونيّ لإقرارها، فقانون الموازنة العامّ رقم (7) للعام 1998 يُلزِم مجلس الوزراء بألّا تتجاوز فترة إقرار الموازنة 3 أشهر منذ بداية العام الماليّ، أي كحدٍّ أقصى 31 من آذار/ مارس.

ليس ذلك فحسب، بل إنّ اشتية الذي يدخل عامه الخامس في رئاسة الحكومة، تكون حكومته قد أقرّت موازنة الطوارئ في أربع مناسبات، وتحديداً في الأعوام 2019-2020-2021-2023، ليكون العام 2022 هو الاستثناء الوحيد لحكومته حينما أُقرّت موازنة أساسيّة.

كما أنّ حكومته لم تلتزم في أي مناسبةٍ بنشر الحساب الختاميّ للميزانيات التي أقرّتها، وهو إجراءٌ لطالما أوصت به الجهات الرقابيّة، كخيارٍ بديلٍ لعدم وجود مجلسٍ تشريعيّ بعد أحداث ما يُعرف بـ"الانقسام" منذ العام 2007.

وفي العادة يُمكن من خلال الحساب الختاميّ مقارنة الأداء الفعليّ للصرف من قبل الجهات التنفيذيّة والوزارات والهيئات الحكوميّة المختلفة بقانون الموازنة، لتحديد مستوى الانحراف في الالتزام بما جاء في ذلك القانون، ولتحديد مدى واقعية السيناريوهات المختلفة التي حدّدتها الحكومة حين إقرار الميزانية العامّة.

وكان مُبرِّر اشتية للعمل بموازنة الطوارئ، مضاعفة الاحتلال من خصوماتِه الشهريّة من أموال المقاصة، مع الإشارة إلى أنَّ هذه الاقتطاعات مستمرة منذ سنوات، وتحديداً منذ العام 2018، حينما أقرّ الكنيست قانون اقتطاع رواتب الأسرى، والتي وصلت قيمتها لـ800 مليون دولار منذ ذلك التاريخ.

هذا وتُعرّف الموازنة العامة وفقاً للقانون الفلسطيني بأنها برنامج مفصّل لنفقات السلطة الوطنية وإيراداتها لسنةٍ ماليّة معينة ويشمل التقديرات السنويّة للإيرادات والنفقات المتوقعة، إلا أنّ قانون الموازنة رقم 7 لسنة 1998، لم يذكر في أي من أبوابه ما يُشير بشكلٍ صريحٍ إلى موازنة الطوارئ.

ولكن الحكومات المتعاقبة للسلطة استغلت بعض الثغرات في قانون الموازنة لإقرار موازنة الطوارئ، كالمادة (37) التي تنصّ أنه في حال واجهت الحكومة أزمةً طارئةً وغير متوقعة في التمويل، فلمجلس الوزراء الصلاحيات الكاملة لاتخاذ قرار بشأن الاستمرار بالموازنة بما يراه مناسباً. كما ألمح مدير عام الموازنة فريد غنام، أنّ موازنة الطوارئ هي موازنة عادية، لكنها مبنية على أساس الطوارئ، وفق ادعائه، وذلك في ظلّ افتقارها للإمكانات المالية التي تمكّنها من أداء مهامها بشكلٍ اعتيادي.

موازنة بدون أرقام!

على المستوى التفصيلي، اقتصر بيان الموازنة للعام الجاري على الإشارة إلى أنَّ العجز المتوقع في الإيرادات العامة سيتجاوز عتبة الـ 600 مليون دولار، دون الإشارة لبنود النفقات والإيرادات العامة، أو حتى الإشارة للخطط الماليّة والتشغيليّة الموضوعة على أجندة الحكومة والوزارات المختلفة للعام الجاري.

ولكن في الـ 3 من أيار/ مايو الجاري كشف بشارة على هامش مشاركته في اجتماع لجنة تنسيق المساعدات للشعب الفلسطينيّ في العاصمة بروكسل، أن موازنة الطوارئ لهذا العام ستكون في حدود إيرادات تُقدّر بـ 5.3 مليار دولار، بزيادة 6% عن العام السابق، وبنفقات تقترب من 6.1 مليار دولار بزيادة تُقدّر بـ12% عن موازنة 2022، برّرها الوزير الفلسطيني بالزيادة التي طرأت على فاتورة النفقات التشغيلية وتحديداً تلك المتعلقة برواتب الموظفين.

حمل كلام بشارة تلميحاً مباشراً بأنّ الأزمة الماليّة الراهنة للحكومة سببها تضخم فاتورة الرواتب للموظفين، وهذا الادعاء حقٌّ يُرَاد به باطل، فالموظفون في عهد حكومة اشتية تقاضوا راتباً كاملاً لأول مرّة منذ عام ونصف، وتحديداً في راتب آذار/مارس 2023، حتى أنّهم لم يعيشوا استقراراً ماليّاً أو وظيفيّاً منذ أن تولى اشتية رئاسة الحكومة. مثلاً، في أزمة المقاصة الأولى التي حدثت عام 2019 تقاضى الموظفون 50% من رواتبهم لثمانية أشهر متتالية، وتكرر الأمر ذاته في العام التالي خلال جائحة كورونا، وعانوا خلال عام 2021 من التقليصات ذاتها، واستمر الحال على ما هو عليه حتى يومنا هذا.

اشتية والفشل في إدارة المال العام

إلا أنّ الحقيقة التي يحاول اشتية وبشارة تجاوزها، هي أنَّ السبب الحقيقي لما تمرّ به الحكومة ليس مرتبطاً برواتب القطاع الحكوميّ، بل إنّ الأمر في بعض جوانبه يكمن في سوء الإدارة والتخطيط، فبتحليل الأداء الماليّ لحكومة اشتية خلال السنوات الأربعة الأخيرة نجد نمواً مضطرداً في فاتورة الدين العام والمتأخرات الماليّة.

وفقاً لمنصة المنقبون، فقد نما الاقتراض بشقّيه المحليّ والخارجيّ في عهد حكومة اشتية لأضعاف ما سُجِّل في عهد حكومتي رامي الحمد لله وسلام فياض، ففي عهد فياض (2007-2013) وصلت قيمة الاقتراض لـ 487 مليون دولار، ووصلت في عهد الحمد لله (2013-2019) لـ1324 مليون دولار، إلا أنها سجّلت في عهد حكومة اشتية ما يقارب 3.5 مليار دولار.

أكثر من ذلك، وعند تحليل أرقام الدين العام نجد أن الاقتراض من البنوك المحلية سجل 2.3 مليار دولار من أصل 3.5 مليار دولار، أي أن الحكومة استحوذت على ما نسبته 23% من حجم التسهيلات المصرفية للبنوك العاملة في فلسطين البالغة في مجموعها 10 مليار دولار.

ولتجاوز هذه الإشكاليات المتعلقة بسقف الدين العام ووصول الاقتراض من البنوك المحلية للحد الأقصى المسموح به، ابتدعت حكومة اشتية استراتيجية الدفع الآجل، أو ما يعرف اصطلاحاً بالمتأخرات الماليّة، فخلقت مزيداً من الديون، ولكن بلا فوائد لتجاوز معضلة سقف الدين العام، وذلك كإجراءٍ احتيالي في ظل فشلها في خفض عجز الموازنة أو إدارة الشأن الاقتصادي والمالي.

وعند احتساب قيمة الدين العام مضافاً لها قيمة المتأخرات الماليّة، فإنّ رصيد الالتزامات على الحكومة يتجاوز 9.3 مليار دولار، وهي تتجاوز ما نسبته 62% من الناتج المحلي، وأكثر من ضعف ونصف الإيرادات العامة.

في الختام، لم تكن موازنات الطوارئ الاستثناء الوحيد الذي تميّزت به حكومة اشتية، بل إنّ الرجل الذي لطالما روّج لمشاريع الاستقلال والانفكاك الاقتصادي، قبل أن يشغل منصب رئيس الحكومة، فشل في إدارة الشأن الاقتصادي، وسجلت حكومته، بحسب بعض المراقبين الاقتصاديين، أسوأ أداء اقتصاديّ وماليّ في تاريخ حكومات السلطة الـ18. وكان رهان الكثيرين أن تكون إدارة حكومته للشأن الاقتصادي والمالي مختلفة في جوهرها عن أسلافه ولكن ما جرى أن هذه الفجوة اتسعت.