ماذا أقرأ؟ ترشيحات كتّاب "متراس" للقراءة

هذا كتابٌ مضمونه المتعة والفائدة، فهو تاريخ حافل لحركة الطباعة والنشر والتحقيق لكتب التراث في العصر الحديث. والكتاب مليء بقصص البحث عن الكتب المفقودة، وجدالات المحقّقين، وتطوّر صناعة النشر وأعرافها. ولكنّه قبل ذلك وبعده، يُمكن أن يُغيّر تصوّرنا عمّا اعتدنا وصفه بـ "عصر النهضة العربي"، فبدلاً من النظر إلى القرنين التاسع عشر والعشرين بوصفهما قرني دخول الحداثة الفكرية وما أثارته من نقاشات وصراعات، يُقدّم الكتاب تاريخاً موازياً لهذين القرنين، اللذين شهدا استخراج أُمّهات الكتب التراثية من خزائن المخطوطات ورفوف المكتبات القديمة وطباعتها وتداولها على نطاقٍ واسع. وبطريقة عجيبة نصبح أمام خلاصتين نحتار في الجمع بينهما: نحن اليوم أقرب إلى كتب التراث وأقدر إلى الوصول إليها من أيّ وقت مضى، ولكننا كذلك أبعد عن نظامها المعرفي وأسلوبها الذهني من أي وقت مضى!

أقرأ هذا الكتاب بالتزامن مع دوران المعارك حول محطّة "زابوريجيا" النووية في أوكرانيا. وعلى الرغم من أنّ مؤلف هذا الكتاب – وزير الدفاع الأميركي الأسبق – منافح كبير عن الأمن النووي، إلا أنّ صفحات الكتاب تذكّرك طوال الوقت بأنّ الكارثة النووية لا تحتاج إلا إلى كبسة زرّ شيطانية في عالم تحوّل العلم فيه إلى خادم لآلة التفوّق المميتة، بأي ثمن!

شهادة كتبها المؤرخ الفرنسي مارك بلوخ عام 1940، متأثراً بتجربته في معارك الحرب العالمية الأولى التي هزمت فيها دولته، قبل أن ينتقل للمشاركة في القتال في صفوف المقاومة ضدّ المحتل النازي. والشهادة لمؤرخ مُجرّب، كان للحرب العالمية الأولى أثرها الكبير في تحوله المنهجي، وفي "الهزيمة الغريبة" ملامح تحولات جديدة كان يمكن أن يشتغل عليها بلوخ، في الكتابة التاريخية، لو طال به العمر. وفي الشهادة أيضاً تقاطعات كثيرة مع تجارب معاشة، لعلّ أبرزها تجربتنا في حرب حزيران/ يونيو 1967.

يوميات لم تنشر سابقاً، نشرها القائد والمثقف الثوري الكبير أكرم زعيتر، الذي خاض غمار ثورات فلسطين المختلفة، وتجاوزت تجربته خلال سني اليوميات فلسطين، لتشمل عدداً من الدول العربية. وانعكست هذه التجربة غنىً إضافيّاً على ما خطه زعيتر، في ظرف استثنائي ارتبط بـ "كارثة فلسطين" بتعبيره، وبآثار هذه الكارثة التي شملت عدداً من الدول العربية كمصر وسورية. وفي ثنايا النص إشارات استثنائية لتجربة من النشاط السرّي العربي، سعياً للوحدة ولتجاوز الكارثة، وهو جزءٌ من مسار ابتدأه كثير من أهل البلاد بعد الكارثة بقيت جل صفحاته طي النسيان.

الولاءات المتضاربة: القومية والسياسة الجماهيرية في سورية مع أفول شمس الإمبراطورية (2021). جيمس ل. غيلفين، ترجمة: عمرو الملّاح. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

يضيء الكتاب على تجربة مبكرة في تاريخنا المعاصر، تاريخ العرب عموماً والشاميين خصوصاً، إذ يقرأ تجربة الحكم الفيصلي في سوريا، الذي تفاعل واشتبك معه أهل فلسطين، بعد أن اعتبروا أنفسهم في مؤتمرهم الأول أبناء سوريا الجنوبية. يحاول الكتاب قراءة دور المجموعات غير النخبوية في السياسة القومية، خلال بواكير قرن التحولات، أي القرن العشرين، ويوثق ظهور اللجان الشعبية التي انتشرت في مدن سوريا الكبرى في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وهي قراءة غنية يمكن أن تسهم منهجياً في قراءة تجارب تالية عاشتها فلسطين، كتجربتها مع اللجان القومية خلال ثورتها وحربها الكبريين (1936- 1939؛ 1947- 1949).

في هذا الكتاب يفحص المؤرخ والمنظر السياسي إيمانويل والرشتاين عملية تفكّك نظامنا العالمي الحديث، ويتنبأ بالتغيرات التي قد تحدث خلال العقود القليلة القادمة. كما يستكشف الخيارات التاريخية المعروضة علينا، ويقترح مسارات جديدة لإعادة بناء نظامنا العالمي على أسس أكثر عقلانية وأكثر عدالة.

يعد هذا الكتاب تطبيقاً عملياً لأفكار جينو النقدية للحضارة الغربية في كتابه الأول "الشرق والغرب". ففي هذا الكتاب  تناول ظواهر سياسية واجتماعية عدّة، كتطبيق عملي لما أفضت إليه العقلانية الغربية وهيمنة الكم على الكيف.

يتناول لكروا في هذا الكتاب ظاهرة نفسية-اجتماعية آخذة في الازدياد، ألا وهي غلبة المشاعر والعاطفة في حياة الإنسان المعاصر مقابل تراجع العقلانية. يفرق الكاتب بين مشاعر الصدمة الهائجة المنفعلة سريعة الزوال والمشاعر التأملية الهادئة التي تترك أثراً عميقاً في النفس، ثمّ يستكشف هذا الأمر في جميع مجالات الحياة.

يبحث أمارة في كتابه قضية الاستيطان اليهودي في قلب مدينة القدس، خاصة في أحياء البلدة القديمة وسلوان والشيخ جرّاح. هذا النمط الاستيطاني يختلف عن النمط السائد في الضفة الغربية، فهو يلاحق المنازل والمباني الفلسطينية في قلب هذه الأحياء وليس على أطرافها الفارغة نسبياً. كما أنه يختلف عن الصيغة الكلاسيكية للاستيطان من حيث روّادها وأدواتها ومبرراتها، فهذا النمط الجديد يقوم على توليفة يتداخل فيها الإرث التوراتي مع التحولات السياسية والاجتماعية في المجتمع الصهيوني، ومع النظام القضائي الإسرائيلي، ومع التحولات الإقليمية والدولية، ولكنّه يتمحور حول ذات الهدف النابع من كون المشروع الصهيوني مشروع استعمار استيطاني بنيوي قائم على محو الوجود الفلسطيني.

في كتابه، يغوص أسعد في أعماق تجربة منسية من التجارب النضالية التي ابتدعها الشعب الفلسطيني خلال الانتفاضة الأولى عام 1987. إذ يعالج في مؤلفه الضخم  -الواقع في 528 صفحة بما فيها الفهارس والملاحق- تجربة العصيان المدني التي خاضها أهالي بيت ساحور ضد سلطات الحكم العسكري الإسرائيلي، مبيّناً الأسس التي قامت عليها وعوامل نجاحها وتفاصيلها اليومية. اعتمد في ذلك على مادة نظرية زخمة ومواد أرشيفية أولية ومقابلات شفوية، استطاع من خلالها لا أن يؤرّخ لتلك التجربة فحسب، وإنما أيضاً أن يضع تصوّراً عاماً، أقرب إلى النظرية، لتجربة العصيان المدني في السياق الاستعماري ومدى إمكانية تعميم هذه التجربة وإعادة إنتاجها في سياق النضال الفلسطيني.

يساهم غرانوفيتر في النقاش حول علاقة الاقتصاد بالمجتمع؛ انطلاقاً من مقولة أساسية وهي أن الاقتصاد ليس مجرّد حسابات وأرقام وإنما هو "حياتي، وحياتك، ولقمة عيشي، ولقمة عيشك". ومع أن النقاش في هذا الموضوع قديم، إلا أن العودة له في هذه المرحلة التاريخية التي تعصف بها الأزمات الاقتصادية، هي مسألة بالغة الأهمية؛ حتى يدرك الواحد منّا موطئ قدمه في النظام الاقتصادي وكيف تُوزّع الثروة وتدار الأمور الاقتصادية بعيداً عن لغة الأرقام. وهو في المحصلة مسعى لفهم قضايا أشمل وأعم، فالسياسة ليست سوى تكثيف للاقتصاد حسب ما يقول غرانوفيتر.

لا يؤرخ هيوز في كتابه للثورة العربية في فلسطين في حينه، بقدر ما أنه يؤصّل لتأسيس منظومة القمع والعزل الاستعماريين في فلسطين، في خضم تلك الثورة وعلى أثرها، إلى أن صارت تلك المنظومة تراثاً استعمارياً استندت إليه الصهيونية لاحقاً في سياستها الكولونيالية ضد الفلسطينيين.

يسعى هذا الكتاب على مدار فصوله إلى دحض الرواية الصهيونية المُتشكلة تاريخياً عن النقب تجاه المكان والسكّان معاً. إضافةً إلى تتبع الممارسات والأدوات الاستعمارية التي اتبعتها "إسرائيل" في إنتاج صورة ما يُعرف بـ "النقب الميت". وهذا الكتاب هو محاولة في تفكيك الرواية والصورة الصهيونيتين في آن.