6 أكتوبر 2022

 انتخابات جامعات غزّة: من أخفى صندوق الاقتراع؟

 انتخابات جامعات غزّة: من أخفى صندوق الاقتراع؟

مع كلّ انتخابات طلابيّة في جامعات الضفّة الغربيّة يتجدّد السؤال عن أسباب غياب هذا المشهد في جامعات قطاع غزّة. فمنذ العام 2007 والجامعيّون في غزّة محرومون من حقّهم في انتخاب مجالس واتحادات الطلبة، بعد أن تحوّلت جامعاتهم إلى ساحات اقتتالٍ داخليّ ما بين حركتي "حماس" و"فتح" خلال 2006 - 2007، ما دفع عدداً من الجامعات لتعليق الحياة الطلابيّة.1في قطاع غزة 26 مؤسسة أكاديمية، منها: 8 جامعات: 2 أهلية، 2 مفتوحة، واحدة حكومية، 3 خاصة، و10 كليات جامعية، و8 كليات متوسطة، ينتظم في هذه المؤسسات ما يقرب من 80 ألف طالب وطالبة. 

وبالرغم من أنّ جميع الأطر الطلابيّة في القطاع توافق على إجراء الانتخابات، إلا أن انعقادها تقفُ أمامه ثلاثُ عقبات إجرائيّة: الأولى، اشتراط إدارات الجامعات في غزّة موافقة جميع الأطر لعقد الانتخابات أو الانتقال إلى نظام التمثيل النسبي. والثانية، رفض الشبيبة الفتحاوية المشاركة في الانتخابات الطلابية دون الحصول على ضمانات أمنية. والثالثة، اشتراط الكتلة الإسلامية وجود جدول زمني واضح قبل الموافقة على إجراء الانتخابات في أيٍّ من جامعات القطاع.

حالُ جامعات القطاع

من أجل عقد انتخابات مجالس واتحادات الطلبة أو الانتقال إلى نظام التمثيل النسبي، تشترط الجامعات في قطاع غزّة موافقةَ جميع الأطر الطلابية على واحد من بين هذين الإجراءين. وفي ظل إدراك إدارة الجامعات صعوبة تحقق ذلك الإجماع نتيجة التباينات ما بين الأطر الطلابية، فإنها تعفي نفسها من مسؤولية تعطيل الحياة الطلابية، وتحول دون وجود جسم طلابي نقابي فاعل.

منذ العام 2007، لم تُعقد الانتخابات الطلابية إلا في مناسبات قليلة، ووفقاً لنظام الانتخاب الفردي القائم على الأغلبية العددية. مع ذلك، تحتفظ غالبية الأطر الطلابية بنشاط طلابي داخل أسوار الجامعة، فيما تقاطع بعض الأطر العمل في الجامعة بحجّة رفضها الاعتراف بشرعية مجلس الطلبة؛ الجهة المخوّلة بالإشراف على جميع أشكال النشاط الطلابي في الجامعة. 

تتباين حرية العمل الطلابي من جامعة لأخرى، فالجامعة الإسلامية والكلية الجامعية للعلوم التطبيقية تعقدان بشكل منتظم انتخابات مجالس الطلبة وفقاً لنظام الانتخاب الفردي، وهو ما ترفضه الأطر الطلابية وترى فيه مصادرة لإرادة الطلبة، وفي ظل مقاطعة الأطر لهذا النوع من الانتخابات، تفوز الكتلة الإسلامية عادة بالتزكية. أما جامعة الأزهر، فقد أعلنت حظر جميع الأنشطة الطلابية داخل أسوارها إبان مواجهات عام 2007 بين الشبيبة الفتحاوية والكتلة الإسلامية، بيد أنّ الشبيبة الفتحاوية (أبو مازن ودحلان) لا تزال تتمتّع بحضور ونشاط قوي في الجامعة. وعلى المنوال ذاته، لم يجر تنظيم الانتخابات الطلابية في جامعة القدس المفتوحة بفروعها الخمسة في محافظات القطاع، إلا أنها على خلاف الأزهر تحتفظ بهامش حرية أفضل للعمل الطلابي، وهي صفة تشترك فيها مع جامعة الأقصى.

أمّا بالنسبة للجامعات الخاصّة، التي ظهرت كاستثمارات لعدد من رجال الأعمال، فيبدو المشهد فيها أكثر قتامة. ترفض إدارات هذه الجامعات العمل الطلابي للأطر الفصائلية، وتحصره في نطاق الأندية الطلابية والأنشطة اللامنهجية. تُبرّر هذه الجامعات هذا التوجه باعتبارها مشاريع ربحية، تقوم العلاقة فيها ما بين الطالب والجامعة على أساس تجاري، وهو ما ترفضه مختلف الأطر الطلابية. 

لماذا يغيب "التمثيل النسبي"؟ 

تحتلّ قضية عقد انتخابات مجالس الطلبة بنظام "التمثيل النسبيّ"؛ القائم على إعطاء عدد من المقاعد لكل كتلة وفقاً لعدد الأصوات التي تنالها، حيزاً واسعاً من الحراك الطلابي. إذ تُطبّق معظم جامعات القطاع نظام "الانتخاب الفردي"؛ القائم على ترشّح مجموعة من الأفراد لشغل منصب معين في المجلس، والحاصل على أغلبية الأصوات يفوز بهذا المنصب. تكمن إشكالية هذا النظام في عدم عكسه للإرادة الطلابية بصورة حقيقية، فلو افترضنا أن أحد المرشحين فاز بأحد المناصب بنسبة 51% فإن 49% من الأصوات الخاسرة لن تكون مُمثّلَة في الجسم الطلابي. ويلائم هذا النظام الكتلَ الطلابية الأكبر كالشبيبة الفتحاوية والكتلة الإسلامية، فيما يشكل عائقاً أمام حضور الكتل الطلابية الأصغر التي لطالما دعت إلى تطبيق نظام التمثيل النسبي. 

عام 2010، قدّم النائب في المجلس التشريعي عن الجبهة الشعبية جميل المجدلاوي، ورئيس مجلس أمناء الجامعة الإسلامية النائب جمال الخضري مبادرة عُدّت الأهم في السنوات السابقة. وافقت جميع الأطر الطلابية على المبادرة التي تضمّنت عقد الانتخابات بنظام التمثيل النسبي، بالطريقة المتبعة في مجلس جامعة النجاح، على أن تعقد في الشهر الثاني من الفصل الدراسي الثاني. رغم ذلك لم تجرِ الانتخابات وفقاً للإطار الزمني للمبادرة، فعلى مدار الـ12 سنة التي تلت المبادرة جرت جولات من الحوار ما بين الأطر الطلابية والجامعات، اتفقت خلالها الأطر الطلابية على 90% من القضايا المرتبطة بالانتخابات، إلا أنها لم تنجح حتّى هذه اللحظة في عكس هذا التوافق على صناديق اتحادات ومجالس الطلبة. 

 طالبة فلسطينية تُدلي بصوتها في انتخابات مجلس الطلبة في جامعة الأقصى في غزة، 18 كانون الأول/ديسمبر 2005. (عدسة: عابد كاتب/Getty Images).

هل "الشبيبة الفتحاوية" معنيّة؟

تتمسك الشبيبة الفتحاوية للموافقة على المشاركة في انتخابات مجالس الطلبة في جامعات القطاع، بالحصول على ضمانات أمنية بعدم ملاحقة عناصرها وكوادرها داخل الجامعات وخارجها، وتأمين مقرّاتها، ومنحها الحرية الكافية لتنفيذ دعايتها الانتخابية. وللمفارقة، لا تشترط حركة "فتح" مثلَ ذلك للمشاركة في استحقاقات انتخابية أخرى، كان آخرها انتخابات نقابة المحامين في أيّار/ مايو 2022 التي حققت فيها فوزاً ساحقاً. كما تغيب هذه الشروط عن النشاط التنظيمي للحركة، إذ سبق وأن نظّمت ثمانية أقاليم في غزّة انتخاباتها الداخلية في أكثر من مناسبة. 

تماشياً مع شروط حركة "فتح"، وفي مناسبات مختلفة، حاولت شخصيات عامة وفصائلية حلّ هذه الإشكالية عبر الحوار مع الجهات الحكومية في القطاع. رحّبت الجهات الحكوميّة بذلك، وطالبت بتواجد جهات فتحاوية للتوقيع على اتفاق يضمن لها ما اشترطته، وهو ما تهرّبت منه القيادات الفتحاوية لاحقاً تحت مبرر عدم اعترافها بـ "سلطة الأمر الواقع في غزة". 

قد يبدو غريباً ألا تكون الشبيبة الفتحاوية الجهة الأكثر إصراراً على عقد الانتخابات الطلابية، فالعمل الطلابي يشكّل لها فرصةً لكسب مساحاتٍ جديدة للعمل التنظيمي والسياسي، ويتيح لتنظيم "فتح" في غزّة استعادة جزءٍ من عافيته ووزنه التنظيمي. هذا والشبيبة تمتلك في عدد من المواقع الأكاديميّة مثلَ جامعة الأزهر، زخماً وثقلاً تاريخيّاً يضمن لها فوزاً مُحقّقاً. كما تُعطي انتخابات الجامعات فرصةً لـ"فتح" لإثبات فرضيتها بتراجع شعبية حركة "حماس" وإحراجها في عقر دارها. 

يُفسّر التوتر الداخلي في حركة "فتح" في غزّة جزءاً كبيراً من مماطلتها وعدم ضغطها باتجاه إجراء انتخابات الجامعات، تحديداً وأنّ تيّار دحلان يتصاعد نفوذه. فعلى مدار السنوات الماضية نافس تيار دحلان بقوة في المواقع التقليدية للحركة، كنقابة العاملين في جامعة الأزهر التي فاز بها عام 2019 بعد انقطاع الانتخابات لسنوات، ونقابة الصيادلة التي حصدت فيها قائمته المستقبل على 6 مقاعد من أصل 13 مقعداً في انتخابات هذا العام، فيما نافس دحلان بقوّة في انتخابات نقابة المحامين.

 طلاب في جامعة الأزهر في غزّة يرفعون رايات الشبيبة الفتحاوية خلال فعالية لإحياء الذكرى العاشرة لوفاة ياسر عرفات، 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014. (محمد أسعد/وكالة الأناضول).

وعلى خلاف واقع الشبيبة في جامعات الضفّة الغربيّة، تُظهر "شبيبة تيار دحلان" نشاطاً ملحوظاً في معاقل "فتح" التقليدية كجامعة الأزهر في غزّة، التي تشهد بين الحين والآخر مصادمات طلابية ما بين "شبيبة دحلان" و"شبيبة الشرعية" (الخط الرسمي لحركة فتح). وفي حال انعقاد الانتخابات الطلابية، فسوف يتعيّن على شبيبة "الشرعية" مواجهة شبيبة "التيار" بدايةً ومن ثمّ الأطر الطلابية الأخرى، كما ستوفّر هذه الانتخابات فرصةً لتيار دحلان لكسب مساحاتٍ جديدة في تنظيم غزّة، خاصّةً لدى فئة الطلبة الأقل ارتباطاً واستفادة من التنظيم "الشرعي". 

الكتلة الإسلاميّة: التمثيل النسبي، لكن بشرط!

أمّا الكتلة الإسلاميّة، فتشترط على الأطر الطلابيّة (تحديداً الشبيبة الفتحاوية) للانتقال إلى نظام التمثيل النسبي في الجامعة الإسلامية والكلية الجامعية، الموافقة على القيام بنفس الخطوة في الجامعات الأخرى في إطارٍ زمنيّ يُتفق عليه مُسبقاً، دون أن يعني ذلك تزامن إجراء الانتخابات في كافّة جامعات القطاع كما كانت تشترط الكتلة سابقاً.

عام 2014، وقّعت الأطر الطلابية ميثاق شرفٍ طلابي، تلته مبادرة من الكتلة الإسلامية للانتقال إلى نظام التمثيل النسبي في الجامعة الإسلامية والكلية الجامعية، على أن تقوم الأطر الطلابية فيما بعد بإقناع الشبيبة الفتحاوية بتعديل موقفها من الانتخابات الطلابية وإجرائها.

لاحقاً ومن أجل منحها الفرصة الكافية لتأهيل كوادرها، طالبت عدد من الأطر الطلابية تأجيل الانتخابات الطلابية لمدة عام من الموعد المقرر لها، لتجري في الأسبوع الثاني من الشهر الثاني في الفصل الدراسي الثاني. كذلك فإنّ الكتلة الإسلامية، وبعد أشهر من تقديمها مبادرتها المذكورة، تراجعت عنها، وبرّرت ذلك برفض الشبيبة تحديد جدول زمني لعقد الانتخابات في جامعة الأزهر، لتعود الأمور مجدداً إلى نقطة الصفر. 

من غير المفهوم الأسباب التي تدعو الكتلة الاسلامية للتراجع عن الإنتقال إلى نظام التمثيل النسبي في الجامعة الإسلامية والكلية الجامعية، وربطها بموافقة الشبيبة الفتحاوية. فالكتلة الإسلامية قادرة من خلال تنظيمها للانتخابات في الجامعة الإسلامية والكلية الجامعية (وتعد كلاهما من المعاقل التقليدية لها) تحقيق الفوز في الانتخابات من جانب، ومن جانب آخر تقديم "نموذج ديمقراطي" في جامعات غزة يردّ عنها تهمة تعطيل مجالس الطلبة في غزة.

وقفة احتجاجية نظمها طلاب جامعيون من مختلف الأطر الطلابية في غزّة أمام مقر منظمة الصليب الأحمر، 19 نيسان/ أبريل 2015، للمطالبة بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. (عدسة: مؤمن فايز/ نور فوتو).

صندوق اقتراع للمقاومة

بعد انتخابات جامعة بيرزيت الأخيرة، اجتمعت سكرتارية الأطر الطلابية لمناقشة فرص تنظيم الانتخابات الطلابية في جامعات قطاع غزّة. تغيّبت الشبيبة الفتحاوية عن الاجتماع الذي أجمعت فيه الأطر الطلابيّة على ضرورة البدء بخطوات عملية لإجراء الانتخابات الطلابية. فيما سبق واتفقت ستة فصائل فلسطينية (حماس، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية، والقيادة العامة، والمبادرة الفلسطينية، ومنظمة الصاعقة) في نيسان/ أبريل الماضي، على البدء بخطوات عملية لعقد انتخابات نيابية ومحلية وطلابية في جامعات القطاع.  

لا تقف حاجة الحركة الطلابية في غزّة للانتخابات لموازنة "الصورة الديمقراطية" لانتخابات جامعة بيرزيت في الضفة الغربية، بقدر ما تُشكّل حاجة وضرورة لمشروع المقاومة في غزّة. فالجامعات والطلبة هم الفئة الأهم، والواجب العمل على تسييسها والحفاظ على اتصالها مع البيئة الفصائلية الفلسطينية. ولطالما شكّل العمل الطلابي القناة الأهم في عملية التواصل هذه، وتشكّل انتخابات اتحادات الطلبة المدخل الأساس والخطوة الأولى في طريق إعادة تفعيل الحركة الطلابية، بعد سنوات من تراجع دورها النضالي والنقابي. وخلال الفترة الماضية، شهد قطاع غزة عددً من الانتخابات النقابية المدعومة بإرادة فصائليّة وسياسيّة عبّرت عنها الفصائل الست السابقة. فالعوائق التي تحول دون عودة صناديق الاقتراع إلى قاعات جامعات غزّة ليست بالكبيرة، ومن غير المنطقي رهن مصيرها بموقف إطار طلابي هنا وموقف إدارة جامعة هناك.