نظّم الإسرائيليون خطابَهم للغرب ولبقيةِ شعوب العالم من خلال برامج مدروسة من الدعاية السياسيّة (الهسبراه). في المقابل، لم يكن لدى الفلسطينيّين إلا مجموعة متنوعة من التجارب التي لم تتراكم ضمن خطابٍ مدروسٍ ومُوَجّه.
في الستينيّات والسبعينيّات، استفاد الفلسطينيون من الخطاب اليساريّ الأُمميّ في تعبئة الرأي العام، بل وتجنيد المتطوّعين من الحركات اليساريّة العالميّة المختلفة. لاحقاً برز خطابُ إدوارد سعيد، الذي قام على مبدأ إحراج الغرب، وإثبات ازدواجية معاييره وخطابه عن حقوق الإنسان فيما يتعلّق بحقوق الفلسطينيّين.
وفي السنوات الماضية، ظهرت حركاتٌ متنوعة أعادت تقديم القضية الفلسطينيّة للجمهور الغربيّ، منها حركاتُ المقاطعة، ومجموعات حقوقيّة مختلفة، والتي ركّزت على فضح انتهاكاتٍ حقوق الإنسان التي تمارسها دولة الاحتلال، وتعارضها مع القانون الدولي. كانت هذه الخطابات- رغم حذرها- تواجه باستمرار ضغطاً صهونيّاً عنيفاً يتّهمها بمعاداة السامية، وهو ما أدّى إلى حظر بعضها في البلدان الأوروبيّة، وتخويف الرأي العام منها.
في المقابل، يبدو أنَّ الأحداث الأخيرة قد أبرزت خطاباً إعلاميّاً بسقف أعلى، وأكثر جرأة في تسمية الأشياء بمسمّياتها، خطاباً يُركّز على الوضوح أكثر من الحذر. حمل جانباً من هذا الخطاب الشّاب الفلسطينيّ محمد نبيل الكرد، ابن حي الشيخ جرّاح والمُهدّد بالتهجير من منزله لصالح جمعيات استيطانيّة.
في مقابلاته مع وسائل الإعلام الغربيّة، وعلى عكس السائد لدى كثير من المتحدثين الفلسطينيين، يُسمّي الكرد الوجودَ الإسرائيلي في مناطق الـ48 بالاحتلال، ويقول بصراحةٍ بأنّ هذا النظام إرهابي ولا يمكن التعايش معه، وأنّه يمارس -إضافة إلى سياسة "الفصل العنصري"، التي تحوّلت إلى نغمةٍ أثيرة لدى المدافعين عن القضية الفلسطينيّة- سياسةَ تهجيرٍ قسريّ وتطهيرٍ عرقيّ وإحلال كولونياليّ استيطانيّ.
يستثمرُ هذا الخطاب البداهات السياسيّة التي يعرفها كلّ فلسطيني، ويُتقن استراتيجية المواجهة الإعلاميّة، فينتقلُ من موقع الدفاع إلى الهجوم، ويتفادى بذلك المتاهات الخطابيّة التي تُحوّل القضايا العادلة الكبرى إلى مجموعة مشتّتة من القضايا التفصيليّة والقانونيّة الجزئيّة.
لم يكن الكرد بطبيعة الحال أوّل من قدّم مثل هذا الخطاب، فهو خطابٌ سكن ذاكرةَ الفلسطينيين مع غسان كنفاني، وغيره من كتّاب حركة التحرّر الوطني. وبينما اعتقدت العديد من مؤسسات الدفاع عن الفلسطينيين أنّ تقديم خطابٍ دبلوماسيّ، يتفادى الخطوط الحمراء، ويلتزم بالتعريفات القانونيّة المتفق عليها، أقدرُ على مخاطبة الغرب والتأثير في سياساته، يرى البعض أنّ هذا الخطاب – بسقفِه الأعلى ووضوحه – هو الأكثر فعالية في مخاطبة الجمهور الغربيّ والعالميّ.
في هذا الحوار، نتحدث مع الكرد عن استراتيجيات هذا الخطاب المتصاعد، ومكمن فعاليّته، وآليات تطويره.