9 مارس 2023

الضّمُ الصامت: كلُّ الطرق تؤدي إلى تل أبيب!

الضّمُ الصامت: كلُّ الطرق تؤدي إلى تل أبيب!

من الشمال إلى الجنوب، يعلو غبار الجرافات في كثيرٍ من الشوارع الخارجيّة للضفّة الغربيّة. مبانٍ تُهدم، وأشجار تُقطّع، وحقولٌ تختفي من المشهد، ليحلّ محلّها أسفلت وجسورٌ وأنفاقٌ! إنّها طرق التفافية وأنفاق سريعة جديدة تشقّها "إسرائيل"، وظيفتها أن تُسهّل وتُسرّع من تنقّل المستوطنين بين مستوطنات الضفّة وبينها وبين المراكز الحضرية الإسرائيلية في قلب الأراضي المحتلة عام 1948، على حساب إمكانيات التمدد العمراني للفلسطينيّيين وأراضيهم الزراعيّة.

تعتبر هذه المشاريع الحجر الأساس الذي يدفع باتجاهه قادة المستوطنين منذ سنوات، ضاربين "عصفورين بحجر": من ناحية؛ بناء هذه الشوارع يعني تطبيق مشروع ضمّ الضفة فعلياً على الأرض، فهذه الشوارع تُعزّز من ربط المناطق الاستيطانية على جانبي الجدار، فتصبح وكأنها "كيانٌ واحد". 

من ناحية أخرى؛ تحقيق "رؤية المليون"، الهدف الذي نصّبه هؤلاء لأنفسهم عام 2018، وهو الوصول إلى مليون مستوطن في الضفة بحلول عام 2033، فمن المعروف أن تطوير البنى التحتية، وعلى رأسها الشوارع، يعني تلقائياً زيادة عوامل جذب (السكّان). وهو ما عبّر عنه بوضوح رئيس مجلس مستوطنات "غوش عتصيون"، في تقرير لجريدة "هآرتس" (كانون الأول/ ديسمبر 2020)، بالقول: "بالقرب من أي شارعٍ دائماً هناك بيت. الشوارع هي بكل تأكيد محرّك يؤدي بنا إلى الضم"

إذن، لا يحتاج ضمّ "إسرائيل" للضفة إلى إعلاناتٍ سياسية أو تعديلات قانونية إسرائيلية، بل كل ما يحتاجه الأمر هو المباشرة بالفعل: فرض الوقائع على الأرض، بينما يرطن بعض السياسيين بما يسمّى "حلّ الدولتين"، وهو ما يجري فعلياً منذ سنوات.

بلد "المليون مستوطن"

بدأ العمل على تطوير الشوارع لخدمة مستوطنات الضفة الغربيّة في تسعينيات القرن الماضي، وتوسّع أكثر بعد توقيع اتفاقية "أوسلو"، في محاولة لتوفير بدائل للمستوطنين عن الشوارع التي تمرّ في قلب التجمّعات الفلسطينيّة، إلا أن الاهتمام بتطوير بنية الاستيطان التحتية في الضفة وصل ذروته في السنوات الأخيرة. 

منذ العام 2015 تقريباً، تصاعدت الضغوطات من قبل قادة مجالس المستوطنات في الضفة للدفع قدماً نحو شق المزيد من الشوارع أو تطوير الشوارع القائمة. شملت تلك الضغوطات لقاءات متكررة مع أصحاب القرار في الجهات المعنية، وكذلك اعتصاماً أمام مكتب رئيس الحكومة في العام 2017، شمل إضراباً عن الطعام.1شارك في الإضراب أهالي القتلى الإسرائيليين في عمليات فدائية نفذت على شوارع الضفة، بالذات شارع 60. ولم ينتهِ الإضراب إلا بعد وعود بصرف ميزانيات هائلة لتطوير الشوارع وإنارتها، وكان من بين تلك الشوارع شارع التفافي حوارة. كما شملت الضغوطات دعاية مكثفة حول غياب الأمان لدى المستوطنين المسافرين عبر الشوارع المارة بالقرب من المناطق الفلسطينية، وحول أزمات المرور التي تعيق الوصول إلى القدس أو تل أبيب، حيث مراكز العمل.

تلاقى هذا التحرّك من قادة المستوطنات مع من يسنده، وذلك عندما عُيّن بتسلئيل سموتريتش (عن حزب الصهيونية الدينية) وزيراً للمواصلات في حكومة الاحتلال الـ34، ما بين عامي 2019-2020. في الحكومة التي تلتها (35)، ما بين 2020-2021، عُيّنت ميري ريجيف (عن حزب الليكود) كوزيرة للمواصلات. يُعرف كلا الوزيرين بتوجهاتهما الاستيطانية، ولطالما تفاخرا في خطاباتهما بالجهد الذي بذله كلّ واحد منهما في سبيل شق الشوارع الجديدة في الضفّة. 

ينسب سموتريتش لنفسه العمل على الدفع نحو المصادقة على ميزانية شارع التفافي حوارة، جنوب نابلس، وقد وقف على رأس بداية الأعمال في 27 شباط/ فبراير 2020، وقال: "هذا الشارع سيُعزز مشروع الاستيطان في الضفة"، وأسهب بوضوحٍ أكثر: "إنّ من يريد أن يجلب مليون مستوطن هنا يجب عليه أن يمدّ شبكة شوارع ومواصلات". أما ريجيف فتنسب لنفسها الفضل في الدفع نحو شارع التفافي العروب، شمال الخليل. 

لكن الأمر ليس مجرّد شارع هنا وشارع هناك. في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، أعلنت ريجيف عن خطة حكومية شاملة للشوارع والمواصلات في الضفّة الغربيّة فيها عدد كبير من مقترحات ومخططات الشوارع، على أن تنفّذ حتى العام 2045. هذه هي المرة الأولى التي تعرض فيها الحكومة الإسرائيلية خطّة رسمية متكاملة تمتد لفترة زمنية طويلة تختص بتخطيط شوارع الضفة، وهذا بحد ذاته كافٍ للدلالة على الجدية التي يسير فيها مشروع الضم.

من ناحية ثانية، فإنّ محتوى الخطّة يحوي المزيد من المؤشرات. بحسب ما نشر عن الخطّة في جريدة "هآرتس"، فإنّها تتلاءم مع خطة المواصلات الخاصّة بالأراضي المحتلة عام 1948، وتربط شوارع الضفة بالشوارع غربي "الخط الأخضر". أي أن تخطيط الشوارع فيها لم ينظر إلى الضفة باعتبارها "كيان منفصل"، بل باعتبارها جزءاً طبيعياً من "أرض إسرائيل" من النهر إلى البحر، وبالتالي ربطت شوارع كل منطقة بالثانية. 

وهذا يعني أيضاً أن الشارع الجديد الذي يُشق في الضفة لن يخدم فقط المستوطن المتوجّه من مستوطنته في الضفة نحو تل أبيب وبالعكس، بل سيخدم أيضاً من يسكن في تل أبيب. يضرب أحد قادة المستوطنين مثالاً على ذلك بالقول: "لو أراد أحدهم السفر من تل أبيب نحو الجولان فيمكنه السفر نحو الشرق عبر الضفة حتى يصل إلى شارع 90 ومن ثم يسافر شمالاً إلى هناك" (بدلاً من أن يضطر أن يسافر شمالاً ومن ثم شرقاً، وهي طريق أطول بطبيعة الحال). يعكس هذا المثال كيف أن رؤية الشوارع الجديدة تضع الضفة في قلب "إسرائيل"، وتتعامل مع المنطقتين كمنطقة واحدة، وهذا أحد تجليات مشروع الضم. 

من حوّارة إلى العروب

لا يمكن الحديث عن شوارع الضفّة الاستيطانيّة دون الإشارة إلى شارع رقم (60)، خاصّةً أنّه يشهد هذه الفترة الكثير من أعمال التوسعة والتطوير. يعتبر هذا الشارع شارعاً محورياً في وسط فلسطين، ويمرّ في قسمٍ منه في قلب التجمعات الفلسطينيّة، كالمقطع الذي يمرّ في قلب قرية حوّارة، وتتوّزع عن يمينه وعن يساره بيوتها ودكاكينها، والمقطع الذي يمرّ ملاصقاً لمخيّم العروب من جهته الغربيّة.2كانت دوريات جيش الاحتلال ترافق سيارات المستوطنين في شارع حوّارة لفترة طويلة خلال الانتفاضة الثانية، وما زالت تتواجد بكثافة عبر نقاط عسكريّة على أطرافه حتى اليوم، خاصّة في أوقات المواجهات. 

اقرؤوا المزيد: "قاهراً عداك".. معركة العلم في حوارة

عدا عن ادعاء الشعور "بالأمن" عند مرورهم وسط التجمعات الفلسطينية، يشكو المستوطنون من الأزمات المرورية في هذين المقطعين بالذات. وهنا جاء الحل الإسرائيليّ بشق شارعين التفافيين، الذين ذكرناهما سابقاً. 



منذ عام 2020 تجري أعمال الحفر والبناء في "التفافي حوارة". يمر الشارع الاستيطاني الجديد شرق شارع 60، من حاجز زعترة جنوباً، إلى ما يُعرف بدوّار سلمان الفارسي، متجاوزاً قلب بلدة حوّارة، ومخترقاً أراضي بيتا. يلتهم الشارع أكثر من 1000 دونم من القرى المجاورة: بيتا، أودلا، والنسبة الأكبر من الأراضي المسروقة هي لحوّارة. 

سيختصر الشارع زمن السفر بالنسبة للمستوطنين وسيُجنّبهم السفر في شارع يمرّ وسط قرية فلسطينية. من جهة أخرى، فإن الشارع يخلق نظاماً من الطرق الفرعية أسفل الجسور لحركة الفلسطينيين. بالمحصلة: تصبح الشوارع الرئيسية السريعة والمتطوّرة أعلى الأرض هي شوارع المستوطنات، وتصبح المستوطنات أكثر ارتباطاً ببعضها البعض، لا جزراً متفرقاً، وأسفلها تحت الجسور طرق فرعية يسافر الفلسطينيون عبرها إلى قراهم، كأنهم على هامش الوجود، وهم من يتجذر وضعهم أكثر فأكثر كجزرٍ متفرقة.

إلى الجنوب، بدأ العمل في العام 2019 أيضاً بشارع "التفافي العروب". يمتدّ الشارع بطول حوالي 7.6 كيلومتراً من مفترق "كفار عصيون" شمالاً، أولى مستوطنات الخليل، ومن ثمّ يتصل بجسر عند مدخل مخيم العروب، ويمتد الشارع من هناك وصولاً إلى مدخل مستوطنة "كرمي تسور" جنوباً (بالقرب من مدخل حلحول)، وبهذا يتجاوز المرور المباشر من أمام مخيّم العروب وقريةَ بيت أُمّر، ويسرق أراضيهما وأراضي حلحول كذلك (أكثر من 100 دونم).

في كلا الشارعين، اختُرِقَت المساحات الزراعية القليلة المتبقية لأهالي القرى. في الخليل مثلاً يمكن رؤية مسار الشارع يلتهم كروم العنب المزروعة على مدرجات التلال، كما أنّه قتل آلاف الأشجار في منطقة العروب بعد أن كانت تحظى بكساء أخضر على شكل غابة تمتد إلى الجنوب من المخيم.

بدون إشارات ضوئيّة!

من ضمن مشاريع البنى التحتية التي تجري اليوم لربط مستوطني الضفة بالقدس وبمنطقة "غوش دان"، ثلاثة مشاريع لأنفاق ضخمة تمتد شمال وجنوب ووسط القدس، يربط كل واحد منها تكتلاً استيطانياً مركزياً في الضفة بمركز القدس. 

المشروع الأول، هو الأنفاق التي يجري العمل عليها منذ عام 2020 أسفل مفرق "التلة الفرنسية" أو مفرق "كركشيان"، والتي يعني بناؤها فعليّاً ربط التكتل الاستيطاني شرق القدس، وأبرز مستوطناته "معاليه أدوميم"، وبعضاً من مستوطنات الأغوار، بمركز المدينة، ومنها إلى تل أبيب. يقع هذا المفرق وسط القدس تقريباً، ويُعتبر حلقة وصل أساسية في الطريق من شمال وشرق المدينة إلى وسطها وغربها وجنوبها، ويُصنّف لدى وزارة المواصلات الإسرائيلية كواحد من الشوارع التي تشهد أكثر الأزمات المروريّة تعقيداً في "إسرائيل".

رسم تصويري للشكل النهائي لأنفاق التلة الفرنسية، كما ستبدو عند الانتهاء منها.

وفي طريقها لحلّ هذه الأزمة المرورية، تحفر بلدية الاحتلال في القدس أسفل المفرق 4 أنفاق على النحو التالي: نفقين يربطان بين طريق مستوطنة "معاليه أدوميم" شرقاً وبين طريق رقم 1 الواصل إلى تل أبيب، وكذلك بين طريق بيجن (شارع 50)، ونفقين يربطان بين وسط القدس والشارع المؤدي إلى مستوطنتي "بسغات زئيف" و"النفيه يعكوف" شمالها. وستكون هذه الأنفاق أطول أنفاق القدس المحتلة، وهي بمسارين في كل اتجاه، ومن المتوقع أن ينتهي العمل عليها عام 2024

في الدعاية لهذه الأنفاق قيل: "ستُتيح السفر من معاليه أدوميم إلى القدس وتل أبيب دون الوقوف على أي إشارة ضوئيّة ولو واحدة!". 

أعمال الحفر والبناء في الأنفاق أسفل مفرق التلة الفرنسية كما تبدو من الجو (المصدر: مواقع إعلامية إسرائيلية).

وكعادة بقية مشاريع البنى التحتية فإنّها ترتبط ببعضها البعض، فعلى مقربة من الأنفاق، يُبنى في هذه الأثناء موقف ضخم لركن 1000 سيارة بحيث يمكن لأصحابها ترك سياراتهم هناك واستخدام شبكة القطار (الترام). في تلك المنطقة بالذات يمرّ "الخطّ الأحمر" من قطار القدس الخفيف، الذي افتتح في العام 2011، وفي السنوات القادمة سيجري افتتاح خطوط أخرى تمرّ عبر المنطقة، تصل إلى منطقة الجامعة العبرية (جبل المشارف)، وأخرى تنطلق نحو جنوب القدس (مستوطنة "تلبيوت"). 

اقرؤوا المزيد: "قطار القدس الخفيف.. ما تخفيه المرحلة الثانية".

أما إلى الشمال من القدس، فيجري العمل منذ صيف عام 2021 على ما يُعرف بـ"نفق قلنديا". يسير هذا النفق ممتداً من الشرق إلى الغرب أسفل حاجز قلنديا، متجاوزاً جدار الفصل الإسرائيلي، وسيكون مخصصاً فقط لمرور الإسرائيليين. بذلك يربط بين 3 شوارع رئيسية: شارع رقم 60 في قلب الضفة من جهة الشرق، وشارع رقم 443 المؤدي إلى تل أبيب (الواقع غرب حاجز قلنديا)، وكذلك شارع رقم 50 (طريق بيغن) الذي يوصل إلى مركز غرب القدس.

حتى تتعزز فعالية هذا النفق، فإنّ هناك شارعاً آخر ما زال قيد التخطيط يحمل رقم 45، سيمرّ من المحاجر الموجودة شرق مخيم قلنديا، يربط مستوطنة "كوخاف يعكوف" شرق رام الله، بالنفق الجديد أسفل قلنديا.3يمرّ "نفق قلنديا" وشارع 45 في مناطق مُصنّفة كمناطق "ج" في الضفة، وكذلك بمناطق تقع تحت نفوذ بلدية الاحتلال في القدس، ويربط بينهما، بشكلٍ سلس ومباشر. ولغرض هذين المشروعين ستصادر "إسرائيل" أكثر من 930 دونماً من أراضي العديد من القرى، كقلنديا والرام وجبع وبرقة، وغيرها. علماً أن المستوطنين المتنقلين من هذه المستوطنات إلى القدس وتل أبيب دائمو الشكوى من الأزمة المرورية التي يواجهونها في الطريق القائمة حالياً، وهي طريق رقم (437)، المعروفة بطريق حزما.

فعلياً، يربط هذا المشروع بين المستوطنات الواقعة شمال شرق القدس وشرق رام الله (مثل مستوطنات "كوخاف يعكوف"، "بسجوت"، "عوفرا"، وغيرها التي تندرج ضمن المجلس الإقليمي المسمى "بنيامين")، بقلب شبكة الطرق في القدس وتل أبيب. هكذا، يسافر المستوطنون من شارع 60 إلى شارع 45 المخطط له، ومن ثمّ يمرّون بكل أريحية في هذا النفق الجديد، دون الاضطرار للسفر في شوارع مكتظة مع الفلسطينيين، ودون الوقوف على حواجز شديدة التدقيق، والأهم: دون أن يشعروا أنّهم "خارج إسرائيل".4يُذكر أن الأعمال تجري بالذات غرب حاجز قلنديا، وشماله، أما في المنطقة الواقعة خلف الجدار، بمحاذاة الرام، فلم يبدأ العمل فيها حتى اللحظة، وقد قدّم أهالي بعض القرى هناك التماساً لدى المحاكم الإسرائيليّة ضد الشارع، لم يُرد عليه حتى الآن. لكن سلطات الاحتلال نفّذت عمليتي هدم للمحلات التجارية في المنطقة (ما يُعرف بدوار أبو الشهيد) بحجة عدم الترخيص، الأولى في تشرين الأول 2021، والثانية في تشرين الثاني 2021. عدا عن الهدم المتكرر، فإنّ حوالي 40% من مساحة الأراضي الكلية المصادرة لغرض المشروع (430 من أصل 930 دونماً) هي من الأراضي المحيطة بالشارع، أو ما يُعرف بمنطقة الحرام (الأمان) القريبة من الشارع، ويُمنع فيها البناء الفلسطينيّ تماماً. 

لم تكتفِ قيادة المستوطنات بهذا الحل، بل دفعت نحو استغلال وتطبيق كل الإمكانات لضمان تنقل سلس لمستوطنيها. إذ دفعت نحو توسيع الشارع (437)، من مفترق جبع المقدسية حتى حاجز حزما، ليصبح بثلاثة مسارات بدل مسارٍ واحد: مسارين للسيارات الشخصيّة، ومسار لحافلات المواصلات العامّة.

أما التكتل الاستيطاني الكبير الثالث الذي تجري خدمته هذه الأيام، فهو تكتل "غوش عتصيون" ومستوطنات جبل الخليل. إلى الجنوب من القدس، وبمحاذاة بيت لحم من الجهة الغربيّة، تعمل "شركة موريا"، المملوكة لبلدية الاحتلال في القدس، منذ عام 2020 على حفر نفقين ضخمين اثنين في الشارع المعروف بـ"شارع الأنفاق" (جزء من شارع 60). يسير النفقان مخترقين جبال بيت جالا بموازاة نفقين قديمين آخرين حفرا في العام 1996. 5كان ذلك بعد توقيع اتفاقية أوسلو، ولتجنيب المستوطنين الدخول في قلب التجمعات الفلسطينية أثناء تنقلاتهم. 

بعد أكثر من 25 عاماً، لم يعد الطريق القديم الذي يسير بمسارٍ واحدٍ فقط في كل اتجاه يكفي أعداد المستوطنين المتزايدة جداً في المنطقة. ببناء النفقين الجديدين يصبح لكل اتجاه من وإلى القدس طريقٌ بثلاث مسارات، اثنين للسيارات الشخصية، وواحد للحافلات العامة. 

أعمال البناء الإسرائيلي في حفر نفقٍ جديد في الشارع الاستيطاني المعروف بـ"شارع الأنفاق" جنوب القدس، كما تبدو من بلدة بيت جالا، أيلول 2020. (وكالة الصحافة الفرنسية).
أعمال البناء الإسرائيلي في حفر نفقٍ جديد في الشارع الاستيطاني المعروف بـ"شارع الأنفاق" جنوب القدس، كما تبدو من بلدة بيت جالا، أيلول 2020. (وكالة الصحافة الفرنسية).

يُسَهِّل هذا المشروع تنقّل مئات المستوطنين يوميّاً من قلب مستوطنات الخليل وبيت لحم إلى قلب مراكز العمل في القدس، ويُخفِّف من حجم أزمات السير الضخمة التي اعتادها الشارع في ساعات الصباح وما بعد الظهر. ولأن كل لبنة تُبنى في هذا المشروع الاستيطاني ترتبط بأختها، فإذا نظرنا إلى الشمال من شارع الأنفاق، نجد شارع بيجن الاستيطاني6سبقت الإشارة إليه، وهو شارع رئيس سريع في قلب غرب القدس، يمتدّ من شمال القدس عند أطراف قلنديا، وصولاً إلى أطراف بيت صفافا جنوباً، ويعد أكبر شارع سريع في قلب المدينة، ويمكن السفر فيه من الشمال إلى الجنوب بدون الوقوف على أي إشارة ضوئية. الذي يتصل في جهته الجنوبيّة بشارع الأنفاق، وقد جرى تجديد هذا الاتصال وتطويره في العام 2020، وافتتح بشكل رسميّ، ليصبح المرور من قلب القدس إلى قلب مستوطنات الخليل لا يتطلب سوى السفر في شارعين متصلين، بيجن، ثمّ شارع 60 عبر الأنفاق، وهو طريقٌ سريع يستغرق أقل من ساعة سفر بين المدينتين.

دولة داخل "الدولة"

إنّ النتيجة المباشرة لهذه الشوارع والبنى التحتيّة هي مضاعفة أعداد الوحدات الاستيطانيّة، وأعداد المستوطنين في الضفّة. وبالنظر إلى الماضي، نرى مثلاً أن شارع رقم (398)، الذي افتتح عام 2008 ليربط جنوب القدس بالمستوطنات شرق بيت لحم، اختَصر مدة السفر بين المكانين من 40 دقيقة إلى 10 دقائق فقط. بعد 7 سنوات من افتتاحه، تضاعف عدد المستوطنين القاطنين في مستوطنات شرق بيت لحم بحوالي 90% (ارتفعوا من 3100 إلى 5900 مستوطن). وهو ما ينطبق أيضاً على الشوارع المذكورة أعلاه، فأنفاق "التلة الفرنسية" مثلاً ستجعل مستوطنة "معاليه أدوميم" والمستوطنات الصغيرة المحيطة بها أكثر جذباً للمستوطنين، إذ لا أفضل من بيتٍ بعيدٍ عن وسط المدينة الصاخب، لكنه في نفس الوقت متصلٌ بها بشبكة سريعة وسهلة من الطرق والمواصلات.

وبالنظر إلى المشاريع المذكورة، وبالأخصّ: شارع الأنفاق غرب بيت لحم، والتفافي العروب، وأنفاق قلنديا،  وأنفاق التلة الفرنسيّة، فإنّها تخدم بشكل واضح مشروع الضم الإسرائيليّ، إذ ينتج عنها وصلاً مباشراً غير مقطوع بين مستوطنات الضفة الغربيّة، وبين الأراضي المحتلة عام 1948 وبين مركز القدس. وهذه المشاريع تربط أهم ثلاث كتل استيطانية حول القدس بالقدس، وهي الكتل الاستيطانية التي لطالما طرحت أحزاب اليمين الإسرائيلي فكرة ضمّها إلى مشروع "القدس الكبرى"، وذلك قبل أن يُطرح ضم الضفّة ككل.

بعد 30 عاماً على اتفاقية أوسلو، لم تبنِ السلطة الفلسطينية "دولة" كثمرة للمشروع الذي بشّرت به الشعب الفلسطيني، بل غدت مجرّد حاكم محليّ لمجموعة من الجزر التي تقع في قلب دولة المستوطنين في الضفة. هذا الجهد الضخم في بناء الشوارع والبنى التحتية والتي تسحق تحتها كل معالم الوجود الفلسطيني معلم آخر من معالم الدولة التي حلّت محلّ "الدولة".



11 أبريل 2021
"السايبر".. عنوان الحرب القادمة؟

أعلنت إيران اليوم الأحد عن خلل في الشبكة الكهربائية في منشأة نظنز النووية الإيرانيّة، فيما رجحت تقارير صحافيّة إسرائيليّة أن…