19 سبتمبر 2022

الإكراه على دين الليبراليّة

الإكراه على دين الليبراليّة

في أحد كتبه الشيّقة؛ "نقد الحقوق"، يُشير الفيلسوف الألماني كريستوفر مينكه إلى تناقض الليبرالية الجوهريّ، فهي إذ تستمدّ قيمتها الأساسية من التنوّع والاختلاف، إلا أنّها في الوقت ذاته تضع منظومتها القيميّة للحقوق والحريّات فوق هذا التنوع كحقوق وحريات كونية.1Christoph Menke, Critique of Rights (MA : Polity, 2020), 129. ليس أدلّ اليوم على هذا الأمر من مسألة الحقوق والحريات الجنسية، وما تشمله من تصنيفات "مثلية" و"غيرية" و"شذوذية/كويرية" و"ترانس-جندرية"، يجري تعميمها على العالم أجمع، وعلى العرب والمسلمين بشكل خاص. 

حينما سادت الأخلاق الفيكتورية2هي مجموعة القيم الأخلاقية والآداب التي سادت في المجتمع البريطاني تحت حكم الملكة فيكتوريا في منتصف القرن التاسع عشر، واتسمت بالمحافظة والحث على الحشمة وأخلاقيات العمل المستمدة من البروتستانتية. أوروبا، كان يُنظر إلى العالم الإسلامي في الأدبيات الأوروبية على أنه مركز الانحلال والإباحية، فيما أصبح يُنظر إليه اليوم بعدما سادت الإباحية أوروبا وأميركا، على أنه مركز للكبت الجنسي. هكذا، فإنّ العالم الأورو-أميركي يقرأ ذاته دوماً من خلال الآخر، وفي كلتا الحالتين لم يُقرأ الإسلام إلا باعتباره النقيض للغرب التنويري والمُتحرّر؛ أي أنّ الإسلام استُخدم براجماتياً لتعريف أوروبا وأميركا لذاتها. وفي كلتا الحالتين استُخدم هذا الأمر ذريعة لإنقاذ العرب والمسلمين من غياهب الظلمات، وتنويرهم وتحريرهم عبر ممارسة إكراه معرفي لإخضاع العرب والمسلمين لمنظومة القيم الليبرالية الكونية. 

أسعى في هذا المقال لكشف عمليّات الإكراه المعرفي لإخضاع العرب والمسلمين لمنظومة الحريات والحقوق الجنسية الليبرالية، التي يُدافع عنها بترسانة اقتصادية وسياسية وقانونية وإعلامية وأكاديمية ومنظمات حقوقية. 

الانحراف الهويّاتي

في مقدمة المجلد الثاني من تاريخ الجنسانية، يشير الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو إلى أنّ مفهوم الجنسانية الذي نعرفه اليوم، هو مفهوم حديث أُنتج في أوروبا القرن التاسع عشر، حيث أصبحت الممارسة الجنسية في حد ذاتها أنطولوجيا وإبستمولوجيا؛ أي أن الإنسان بات يُعرّف ذاته وهويته من خلال الممارسة الجنسية، ويفهم العالم من حوله أيضاً من خلال هذه الممارسة.3Michel Foucault, The History of Sexuality, vol. 2, The Uses of Pleasure (New York: Vintage, 1984), 3–4. وبناءً على هذا التغير الهوياتي للمفهوم، أصبح من الممكن الحديث عن شخص "مثلي" أو "غيري" لديه ميول جنسية مُحدّدة تُعبّر عن حقيقته الباطنية. وإذا ما كان مشروع فوكو كلّه قائم على نفي أي جوهر ثابت لا-تاريخي للإنسان، وهو الذي ستبني عليه جوديث بتلر نظريتها الأدائية للجندر، إلا أنّنا نلاحظ اليوم انقلاباً على هذا المشروع في خطاب نشطاء ومنظمات حقوقية وإعلامية تدافع عن أيديولوجيا الشذوذ الجنسي. فالإنسان في هذا الخطاب، سواء ممارس للجنس المثلي أو الغيري، يولد بميول ورغبات جنسية، وعليه تصبح هذه الميول والرغبات "طبيعية" من وجهة نظرهم أو ضد الطبيعة من وجهة نظر المتدينين.

إلا أنّ الإنسان - كما نرى - لا يولد بميول جنسية مُحدّدة سلفاً، سواء أكانت مثلية أو غيرية، بل يولد الإنسان ولديه الاستعداد لاختبار كافة المُتع الجنسية المختلفة. وكذلك، فإن الميول الجنسية ليست ثابتة، بل مُتجدّدة ومُتغيّرة باستمرار مثلَ أن يجد المرء لذّة في الاستمتاع الذاتي في وقتٍ ما ثم لاحقاً يجدها مع شريك وهكذا. وحتى إذا ما اكتشفنا في يومٍ من الأيام جيناً مسئولاً عن ميولنا الجنسية، فإننا قد نقع في فخ الحتمية البيولوجية إذا ما رَدَدنا ميولنا وتفضيلاتنا ومن ثمّ ممارساتنا، إلى طبيعتنا البيولوجية، وبالتالي ننزع أي معنى للإرادة الإنسانية، وبالتالي المسئولية. ذلك لأن رغباتنا تُنتَج وتُشكَّل داخل التاريخ نتيجة عوامل عديدة، منها: التنشئة والدين والخطاب السائد وتجاربنا العاطفية والتابوهات الاجتماعية.

اقرؤوا المزيد: "عزاءات الفلسفة".. وهم جديد بقالب التنمية البشريّة.

لذلك، لا نعرف تحديداً ماذا يقصد المدافعون عن أيديولوجيا الشذوذ بوصفهم "المثلية الجنسية"، أو غيرها من الممارسات في القائمة الجنسية الطويلة (LBGTQ+)، بأنها "ميل طبيعي". فإذا كان الطبيعي هنا هو وصف لما هو موجود في الطبيعة (Nature) فإنه وصفٌ لما هو كائن وليس لما ينبغي أن يكون، لأن الطبيعة بحد ذاتها ليست معياراً ولا مصدراً للقيم، ولا ينبغي لها أن تكون. بالإضافة إلى أن الطبيعة ذاتها تحتوي على العديد من الأشياء التي نرفضها ولا نتسامح معها. وقد تكون للنزعات "السيكوباتية" و"السوسيوباتية" مثلاً، أصول طبيعية بهذا المعنى، إلا أننا لا نتسامح معها بناء على مفهومنا لما ينبغي أن يكون. بالتأكيد لا أقيس هنا أو أساوي بين هذه النزعات النفسية والممارسات الجنسية، سواء مثلية أو غيرية، ولكن أشير إلى أنّ كون الشيء له أصول طبيعية لا يعني بالضرورة أنّه قيّم في ذاته وينبغي القبول به، وإنّما يخضع لمنظومة القيم الحاكمة على أفعالنا وممارساتنا.4في هذا السياق، عادة ما يُستشهد بوجود سلوكيات مثلية في عالم الحيوان، وهو على ندرته - أي شذوذه - لا يمكن الاستشهاد به كدليل على أخلاقية أو لا أخلاقية هذا السلوك. فالافتراض هنا أنه ما دام وجد هذا السلوك في عالم الطبيعة، فإنه إذن جائز أخلاقياً، بينما تتجاهل هذه الحجة أن عالم الحيوان على سبيل المثال مليء بالسلوكيات الهمجية التي يرفضها البشر، في سلوكياتنا تخضع لمنظومة القيم لا العكس.

إنّ هذا التغيّر الهوياتي بمفهوم الجنسانية، يُشبه إلى حدٍ كبير نشأة الهويات للقوميات الحديثة. فعلى مدار التاريخ، كان هناك ارتباطٌ شعوريّ للأشخاص بأوطانهم وأماكن ولادتهم ومحل نشأتهم، والألوف من العلماء في كتب التراجم مُعرّفين بالبغدادي والدمشقي والمصري والكوفي والبصري. إلا أنّ هذا الانتماء الجغرافي، لم يُعبّر عن هوية قومية مرتبطة بدولة ذات حدود وسيادة، تعرّف وجوده وتضعه ضمن سلسلة تاريخية لمن عاشوا على هذا الحيز الجغرافي، وتخلق لهم ماضياً مشتركاً ومصيراً جامعاً ضمن سردية وطنية. بهذا، يُصبح الأمر عبثياً حينما يتسوّل الليبراليون نماذج من التاريخ الإسلامي لممارسين للمثلية الجنسية، ليس فقط لأنها لم تكن سوى ممارسة ولم تكن هوية، ولكن لأنّها كانت نوعاً من أنواع الترف واختبار مُتعٍ ولذّات جديدة وشاذة، وكان لهم العديد من الجواري من كلّ لون. بالإضافة إلى أنّ بعض هذه الأشعار كانت في التشبيب والملاطفة أو المديح والاستئناس، ولم تكن بالضرورة تُعبّر عن رغبة جنسية، كما بيّن ذلك خالد الرويهب في دراسته ما قبل المثلية الجنسية.5Khaled El-Rouayheb, “The Love of Boys in Arabic Poetry of the Early Ottoman Period, 1500–1800,” Middle Eastern Literatures 8, no.1 (2005): 3-4.

ليست هنالك خيارات أخرى!

تقوم المنظومة الجنسية الليبرالية؛ وهي منظومة يتبنّاها اليساريون والليبراليون على حدّ سواء، على مفهومي الحق والموافقة فقط؛ حقّ الإنسان في ممارسة الجنس بأي شكل وموافقة الطرف الآخر. وتقتضي هذه الموافقة وعياً وقدرة على اتخاذ القرار، لذلك تخرج "البيدوفيليا" من أشكال الممارسات الجنسية المقبولة في الغرب، وإن كانت هناك محاولات حثيثة لخفض الحد الأدنى المسموح به لممارسة الجنس. ووفق هذه المنظومة، وإذا ما نحّينا الدين ومنظومته الأخلاقية جانباً، فإنّنا لا نجد سبباً أخلاقيّاً لتجريم العلاقات الجنسية بين المحارم، بل لا يمكننا حتّى أن نصفها بعلاقة شاذة وفق المعيار الليبرالي. فإذا كان "الإله قد مات، وسيبقى ميتاً، ونحن من قتلناه"، فقد بات من المستحيل الحديث عن أيّ مصدرٍ متعالٍ للقيم، خاصّة وأنّ المشروع الإنسانوي، الذي رأى في الإنسان مصدراً للقيم، قد استنفد إمكانياته بعد الحرب العالمية الثانية. إذن، فليس من الغريب على هذا المشروع خفضه المستمرّ للسنّ المسموحة لممارسة الجنس مع مرور الوقت، أو حتى المطالبة بإلغائه كما حدث عام 1977 حين وقّع ثمانون مُثقفاً فرنسياً، من بينهم جان بول سارتر وميشيل فوكو ورولان بارت وسيمون دي بوفوار وجاك دريدا وآخرون، على عريضة تطالب بإلغاء تجريم ممارسة الجنس بين البالغين والأطفال دون سن الخمسة عشر عاماً، شريطة أن تخلو من أيّ عنفٍ أو إكراه. 

لكنّ الملاحظُ هنا، وهو ما أشار إليه مينكه بذكاء، أنّ الخطاب الليبرالي لا يُقدّم منظومته الجنسيّة كمنظومة من بين منظومات أخرى، وإنما يُقدّمها كمنظومة حقوق وحريّات كونيّة سابقة على أيّ منظومة قيم أو دين، سواء أكان ديناً سماويّاً أو ديناً وضعيّاً مثلَ الليبرالية. وبدلاً من أن تخضع الحقوق والحريّات لمنظومة القيم التي يتبنّاها الفرد، أصبح الوضع معكوساً، فالحديث يجري عن حقوق "المثليين" بشكلٍ مثاليٍّ مُجرّد، إلّا أنّ الحقوق والحريّات لا يُمكن تعريفها وتحديدها إلا من خلال منظومة قيم/دين. على سبيل المثال، ليسَ من حقّ المسلم أن يمتنع عن الزكاة أو أن يزني أو أن يشرب الخمر، وإنما تتحدد حقوقه وحرياته بناء على منظومة القيم التي يتبناها، وعلى طبيعة الفضاء الاجتماعي العام الذي ينتمي إليه سواء كان مُعلمناً أو مُتديناً. لذلك، ينبغي أولاً تحديد هوية ذلك الذي يريد ممارسة الجنس المثلي وطبيعة الفضاء الاجتماعي ومنظومة القيم المهيمنة، قبل الحديث عن حقوقٍ وحريات أفراد.

الظاهر والباطن

على الجانب الآخر، يُقارب الإسلام المثلية الجنسية على أنّها مُمارسة محرّمة وليست هوية أو ذات منبوذة. والإسلام هنا خطابٌ مُلزمٌ للمسلمين؛ أي لهؤلاء الذين يؤمنون بإلهٍ له مطلقُ الحكمة والعلم وله مطلق الحق في تحديد المباح والمحرّم وآمنوا أنّ القرآن كلام الله الملزم لهم. فالإسلام يمنعُ المسلمين من ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، ويمنع بعض أشكال المتع الجنسية داخل الزواج نفسه مثلَ الجنس الشرجي، ويمنع الممارسة المثلية الجنسية. بالتأكيد يمكن لمسلم أن يفعل كلّ ذلك، ولكنّه يبقى مُسلماً طالما يرتكبها كمعاصي يتوب عنها ولا يجاهر بها ولا يُحلّل حراماً قطعيّاً.

مُشكلة تحويل المثلية الجنسية إلى هوية تعكس حقيقة الفرد، هي أنّها تضعُ الفرد الممارس للمثلية الجنسية كذات مرفوضة من قبل الإسلام ولا يمكن لها أن تدخل فيه، لأنهم ساووا بين الفعل وحقيقة الفرد، ولم يروه كفرد لديه شهوات ينبغي تقويمها وفق أوامر ونواهي الإسلام. يسعى الإسلام لتهذيب الشهوات حتّى خارج الممارسات الجنسيّة، فشرب الخمر مثلاً شهوة، ومن الصحابة من ابتُليَ بها، لكن لم يأتِ أحد ليقول إنّ شرب الخمر يُعبّر عن حقيقة الفرد وهويته وعلينا أن نحفظ حقّه في ذلك. المشكلة هنا، أنّ الليبراليين يريدون تحويل الأمر لشيء غير مُستهجن، حتّى من قِبَلِ الإسلام نفسه.

وإذا ما انتقلنا إلى المثلية الجنسية كممارسة، فإنّ الإسلام يطرحُ ثنائية الظاهر والباطن بدلاً من ثنائية العام والخاص الليبرالية. فالظاهر هو ما يظهر للناس من أقوالٍ وأفعالٍ يعلنها الإنسان حتى ولو كانت أقوالاً وأفعالاً شخصية، والباطن هو ما احتَجَب به الإنسان عن أعين الناس من أقوالٍ وأفعال. وعلى مستوى الباطن، يُقدّم الإسلام مفهوم الستر وحفظ العورات والخصوصيّة الشخصية على مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فما دام لم يخرجِ الإنسان بأقواله وأفعاله على الناس، فحفظ خصوصيته أولى من أي شيء آخر. تتغافل النظرية الليبرالية في طرحها لمفهوميّ العام والخاص، القائم على تقسيمة الجماعي والفردي، عن أنّ ما هو خاص لا يعود كذلك إذا خرج للعلن، لأنّه بمجرد الاستعلان يصبح الفردي الخاص موضوعاً تداوليّاً، ومن ثمّ موضوعاً عامّاً.

الإعلان بلسانٍ أعجميّ

لجأ الليبراليون، منذ منتصف القرن العشرين، إلى استراتيجية الإعلان ساعين للحصول على اعتراف المجتمع بهم وبممارساتهم. كان الافتراض آنذاك، إنّه إذا خرج المثليون إلى المجتمع وأعلنوا عن تفضيلاتهم وميولهم فسوف ينتهي الاضطهاد ويُفرض واقع جديد على المجتمع. وفي سياق إنتاج سردية تاريخية خاصة بالمثلية، أُنتجت أسطورة "المثلي الأبدي"؛ أولئك الذين وُجدوا منذ فجر التاريخ وفي كل مكان لكن اضطهادهم هو ما منع ظهورهم. الملفت للانتباه هنا، هو ذلك التناقض بين مقاربتهم للأسرة والغيرية الجنسية والنوع الاجتماعي (رجل وامرأة) على أنها منتج اجتماعي ظهر وفق مُحدّدات تاريخيّة، وبين مقاربتهم لأسطورة المثلي الأبدي التي ترى في الممارس للمثلية الجنسية جوهراً فوق تاريخي.

وسيراً على درب نظرائهم في الغرب، لجأ الناشطون الليبراليون في العالم العربي إلى نفس المفاهيم الغربية للجنسانية ونفس استراتيجيات الإعلان، عبر مؤسسات حقوقية ممولة غربيّاً تسعى لإنقاذ المثليين في العالم العربي. تاريخيّاً، كان أوروبيون وأميركيّون بيض هم من يسعون لمحاولة "إنقاذ" العرب والمسلمين المضطهدين، إلا أنّه منذ تسعينيات القرن الماضي بزغ نجم المنظومات الحقوقية، خاصّة في ظل مؤتمرات نيروبي والقاهرة وبيكين، وارتقت طبقة جديدة من المحلّيين لرئاسة تلك المنظّمات التي تتبنّى الأجندة الغربية للحقوق الشخصية والمدنية، مثلَ: "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" في مصر، ومنظّمة "حلم" في لبنان، ومؤسسة "القوس" في الأراضي المحتلة، والتي تسعى إلى عولمة أجندة الحقوق الشخصيّة واعتبار كل ما عداها محليّاً ينبغي تعديله وفق هذه الأجندة الكونية.

اقرؤوا المزيد: في زمن الترويج للمثليّة: كلامٌ يجب قوله.

بهذا، زعموا أنّه ما دام محليّون هم من يترأسون تلك المنظمات، فيمكن أن ينأوا بأنفسهم عن أيّ اتهامات بالعنصرية والثقافوية والاستشراق. ولكن كما تجادل غاياتري سبيفاك في هذا الصدد، فكون القائمين على هذه المنظمات محليين، لا ينفي تلك الاتهامات السابقة؛ لأن تعليمهم وثقافتهم المدينية الطبقية ما زالت تبعد عن ثقافة الغالبية العظمى من الشعب، لاسيما الريفيون منهم، نفسَ مسافة البعد التي كان يبعدها الأوروبيون والأميركيّون الذين ترأسوا مثلَ تلك المنظمات سابقاً. وتعتبر سبيفاك أنّ هذه محاولة عنصرية أخرى من القائمين على السلطة لتمرير أيديولوجيتهم حول حقوق الإنسان. إلا أنّ العنصرية هنا ذات طابع طبقي محلي، بينما في السابق كانت ذات طابع عرقي أوروبي.6: Gayatri Spivak, "Righting Wrongs," The South Atlantic Quarterly, Volume 103, Number 2/3, Spring/Summer, 2004, pp.527.  

ما ينبغي أن نختم به هو أنّنا لا نرفض الفهم الليبرالي الغربي للجنسانية لأنه غربي بحدّ ذاته، كما يُسيء الليبراليون فهم كلامنا عمداً، فالفصل بين الغرب والشرق هو فصل متوهّم ويصعب تحديده جغرافيّاً وفكريّاً. إذ ليس للأفكار مُستقرّ ومقام، إنّما هي في حالة ترحال دائم. ولكن، لأنّ هذا الفهم للجنسانية بجعلها هوية تعكس حقيقة الفرد الباطنية، يتم تعميمه وفرضه على الناس من خلال مؤسسات إمبريالية تابعة للأمم المتحدة وصندوق النقد وشبكات إعلامية وترفيهية. كما أنّه عمليّاً لا يؤدي "لتحرير" الممارسين للجنس المثلي، إنّما يزيح عن طريقه طُرقَ عيش أفضل تاريخيّاً، ويوّلد قلقاً لم يكن موجوداً من قَبل، خاصّةً بين المسلمين.



7 سبتمبر 2020
"شعب الله" في حيفا

على بُعد خطوات من بوابة حيفا الغربيَّة على الساحل، افتتح التمبلريون الألمان عام 1870 مستعمرتهم الأولى والأكبر في فلسطين، ونقشوا…