29 يناير 2023

اعتقالات بالجملة وتعذيبٌ شرس: من تَحرُسُ السلطةُ؟

اعتقالات بالجملة وتعذيبٌ شرس: من تَحرُسُ السلطةُ؟

جسدٍ متورّم، تلقّى من التعذيب ما تلقّى، عاد معاذ الزيتاوي (30 عاماً) مساء 13 كانون الأول/ ديسمبر 2022 إلى عائلته في قرية جمّاعين، جنوب غرب نابلس، بعد غيابٍ لعدةِ ساعاتٍ في مقر جهاز المخابرات العامّة، حيث استُدعي لـ"فنجان قهوة". كانت تلك أقصر فترة يُعتقل فيها عند الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة، لكن ثلاث ساعاتٍ من التعذيب كانت كفيلةً بجعلِها التجربة الأقسى عليه.

جاء استدعاء معاذ وتعذيبه ضمن حملةٍ واسعةٍ من الاعتقالات والاستدعاءات صعّدت منها أجهزةُ السلطة الفلسطينية في كانون الأول/ ديسمبر الماضي لمنع أي فعاليات لإحياء ذكرى انطلاقة حركة "حماس". وُصِفت تلك الحملة بأنّها الأكبر والأعنف منذ الأعوام التي تلت أحداث 2007، أو ما يُعرف بـ"سنوات الانقسام" الأولى. كما تضمّنت الحملة في قائمة أهدافها أيضاً محاصرةُ حالة المقاومة المتصاعدة في الضفّة الغربيّة، فطالت عدداً من الشباب ممن لهم صلة بالكتائب المُقاوِمة المُتَشكِّلة في مدن الضفّة، وبالذات "عرين الأسود"، و"كتيبة جنين". 

تُشير شهادات من أُفرج عنهم بعد هذه الحملة إلى تفاقمٍ كبير في سياسة التعذيب. ويبدأ استخدام هذه الأساليب منذ لحظة الاعتقال الأولى، سواء كان ذلك خلال الاعتقال من المنزل وأمام عائلة المعتقل، أو من الشارع على كمائن نصبتها الأجهزة. 

وفيما لا تزال آثار التعذيب ظاهرةً على جسد معاذ، وبينما يواصل معتقلون سياسيون خلع ملابسهم أمام القضاة كاشفين آثار التعذيب، نفى وزير الداخلية زياد هب الريح مجدداً خلال مؤتمر عُقد بحضور مؤسسات حقوقية محلية ودولية في 17 كانون الثاني/ يناير 2023، وجود أي ممارسةٍ للتعذيب في سجون أجهزة السلطة، وقال إنَّ السجون مفتوحةٌ أمام كل الهيئات الحقوقية للتأكد والتوثيق. 

يتعارض ادعاء هبّ الرياح بشكلٍ صارخٍ مع شهادات الأهالي والمحامين الذين يُمنعون من الزيارات لفترات طويلة، ربما بهدف عدم نقل الشهادات عن ظروف الاعتقال والتعذيب. في مقابل ذلك الادعاء، هنا قصص بعض من تعرّضوا للاعتقال في الشهرين الأخيرين.

الشبح، وقوفاً أو قعوداً، من وسائل التعذيب المستخدمة في سجون السلطة الفلسطينية. رسومات: إسراء صمادي.

المهم أن لا ينتشر الفيديو..

فور وصول معاذ الزيتاوي إلى غرفة التحقيق في مقر المخابرات، طُرحت عليه أسئلة حول نيّته إحياء ذكرى انطلاقة حركة "حماس" في قريته، وعن امتلاكه راياتٍ للحركة في المنزل، وهو ما نفاه. يقول معاذ: "أخذني المحقق إلى إحدى الزنازين حيث كان يتم تعذيب أحد الشبان.. وهدّدني بتعذيبي مثله إذا لم أعترف". 

وعندما استمر معاذ بنفي التهم نُقِل إلى زنزانة التعذيب. يقول: "طلب مني المحقق خلع ملابسي، وصبَّ علي دلواً من الماء البارد، وأرغمني على الوقوف بوضعية الشبح على قدم واحدة ورفع يديي، ثمّ جاء عنصر آخر وبدأ بضربي بيديه ثم بحزام به قطعة حديد". 

بعد الإفراج عنه، انتشر مقطع مصوّر يوثّق آثار التعذيب الشديد والقاسي على جسد معاذ، ويبدو أنَّ السلطة تخوّفت من هذا التوثيق فحاولت احتواءه، إذ بادر مدير جهاز المخابرات في نابلس بالاعتذار لمعاذ واعتبار ما حدث "تجاوزاً فرديّاً" لأحد العناصر وليس نهجاً للجهاز، كما يدّعي التبرير المعتاد. كما استُدعي معاذ من قبل رئيس النيابة الذي طلب منه المساهمة في الحدّ من انتشار المقطع المُصوّر على مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم كل هذا، يقول معاذ إنّ المؤسسات الحقوقية لم تُهاتفه ولم تُوثِّق شهادته، ولم تصدر أي  بيانٍ أو تعليق حول المقطع المنشور. 

50 يوماً من العزل!

وممن اعتقلوا على خلفية صلتهم بحالة المقاومة المتصاعدة في الضفة، الشاب مصعب السخل (28 عاماً). مصعب هو نجل سعدي السخل، الذي توفي في سجون السلطة الفلسطينية عام 2013، وقد اعتقل في حينه برفقة مصعب على خلفيةٍ سياسية. كما أنّ مصعب أسير سابق في سجون الاحتلال قضى فيها 4 أعوام، كما أن أشقاءه أسرى سابقون. تقول العائلة، أنّه رغم كل هذه التجربة المليئة بالاعتقال، فإنّ اعتقال مصعب الحالي هو الأصعب لقساوة ظروف احتجازه وما تعرض له.

الشاب المعتقل مصعب السخل.

اعتقل مصعب في أيلول/سبتمبر 2022 على خلفية صداقته مع المعتقل أيضاً، مصعب اشتية (30 عاماً)، ورغم صدور 3 قرارات بالإفراج عنه إلا أنّها لم تُنفّذ، وحُوّل للاعتقال على "ذمة المحافظ، مع تعنتٍ ورفض مستمر للإفراج عنه. وقد وُضِع مصعب في العزل الانفرادي لمدة طويلة وصلت 50 يوماً متواصلاً، لم يُسمح له خلالها بزيارة الأهل أو مقابلة المحامين. وقد فقد الكثير من وزنه، بحسب عائلته، ويعاني من ظروف نفسية صعبة، كما يعاني مؤخراً من أوجاعٍ في مفاصله وتورمٍ في رأسه. 

وأمام هذه الظروف، لجأ مصعب السخل، وعددٌ آخر من المعتقلين للإضراب عن الطعام، لفترات متفاوتة مطالبين بالإفراج عنهم، أو بتحسين ظروف اعتقالهم. وهو أيضاً الذي خاضه مصعب اشتية المعتقل منذ 20 أيلول/ سبتمبر 2022، على خلفية نشاطه في "عرين الأسود"، وقد أضرب عن الطعام أكثر من مرة مطالباً بتحسين ظروف اعتقاله. ونقل إثر الإضرابات التي خاضها إلى المشافي عدة مرات جراء تراجع وضعه الصحي، خاصّة أنه يعاني من مشكلة بالقلب. وكان إضرابه الأخير ضمن عقوبات جديدة فُرِضت عليه بعد تسريبه رسالة إعلامية بُثت على قناة الجزيرة، وهي عقوبات طالت أيضاً السخل. 

 
 
 
 
View this post on Instagram
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by متراس - Metras (@metraswebsite)

رغم تراجع أوضاعهم الصحية، إلا أنّ الإضراب عن الطعام ساهم في تحريك ملفات المعتقلين السياسيين وساهم في لفت الأنظار إعلامياً وحقوقياً إلى أوضاعهم، رغم أن ذلك لا يخلو من تهديد مستمر للعائلات وتحذيرهم من الحديث مع الإعلام. تقول عائشة سالم والدة المعتقل السياسي السابق أنس حمدي (32 عاماً) من مخيم العين في نابلس، إنّ النظر بالإفراج عن نجلها لم يصبح جاداً إلا عندما خاض الإضراب عن الطعام للمرة الثانية معلناً أن لا عودة عنه إلا بنيل حريته. 

اقرؤوا المزيد: السلطة في مواجهة الناس: موجز سيرة القمع

اعتُقل أنس حمدي الأب لثلاثة أطفال، والأسير السابق في سجون الاحتلال لثماني سنوات، في 13 تشرين الأول 2022، ضمن حملة اعتقالات طالت عدداً من شبان نابلس لمشاركتهم في تظاهرات طالبت بالإفراج عن مصعب اشتية. ورغم صدور قرار بالإفراج عنه بعد عشرة أيام من اعتقاله في سجن أريحا، إلا أنه حُوِّل إلى الاعتقال على ذمة المحافظ، ونُقل إلى سجن الجنيد، حيث بقي لمدة ثلاثة شهور. 

الشاب أنس حمدي.

حسب عائلته، فقد أنس أكثر من 20 كيلوغراماً من وزنه خلال فترة اعتقاله، وقد واجه ضغوطاً في التحقيق أدّت إلى تراجع حالته النفسية. تُعلق والدته: "حسيته راح يفقد عقله.. كان في حالة نفسية سيئة بسبب عزله ومنعه من الخروج لساحة السجن.. فيما بعد، سمحوا لنا بزيارته مرة واحدة أسبوعياً ولنصف ساعة، ولكنهم كانوا يجلسون معنا ويمنعوه من الحديث عما يتعرض له". 

"إحنا القانون.."

بهاء فليان من قرية برهام شمال رام الله، كان شاهداً على تعذيب شقيقه المعتقل السياسي باسل فليان، بعد أن اعتقلا سوياً في 12 كانون الأول/ ديسمبر من قبل جهاز المخابرات. يقول بهاء: "فور وصولنا مقر الجهاز، بدأ ضربُ باسل وتعذيبه. ثمّ وضعوا كل واحد في زنزانة، كنتُ أسمع ضربَه بالبربيش وصراخه. كانوا يحاولون إجباره على فتح هاتفه، وهو ما كان يرفضه باسل حتى اليوم الثالث، إذ استجاب لطلبهم ليُنهي تعذيبه". 

الشاب باسل فليان.

أُفرج عن بهاء بعد يومين، وبقي باسل في الاعتقال يعاني الشبح والضرب، وهو ما كشف عنه للقاضية في أول جلسة للمحكمة عُقدت له فقط بعد 10 أيام على اعتقاله، وذلك إثر حملة ضغط إعلامية قامت بها العائلة مطالبة الإفراج عن نجلها. يقول بهاء: "كشف باسل في تلك الجلسة عن آثار التعذيب على جسده، لم تُعِر القاضية أي اهتمام لذلك، ووافقت على تمديد اعتقاله 15 يوماً". وفي كل مرة ينتهي التمديد دون تقديم إثباتٍ لأي تهمة فعليّة بحقّه، فيُمدد اعتقاله مجدداً ويُشار إلى تهمةٍ جديدة بحقّه، وهو ما يتكرر بالعادة مع المعتقلين السياسيين. 

خِلافاً "للتُهم" الموجَهّة علناً لباسل في المحكمة، وهي "حيازة السلاح"، و"تلقي الأموال من جمعيات غير مشروعة"، فإنّ التحقيق يدور معه فعليّاً حول نشاطهِ الطلابيّ السابق في جامعة بيرزيت، والذي سبق أن سُجن على إثره في السنوات الثلاث الأخيرة في سجون الاحتلال، وفي سجون أجهزة السلطة أيضاً. يقول بهاء: "ذهبت إلى الجهاز في 17 كانون الثاني بعد صدور قرار الإفراج الثالث عن أخي، وقلت لهم باختصار: أنا بدي أخوي المعتقل لديكم دون أي سند قانوني.. ولكن الرد كان: نحن القانون ولا سلطة لأحد علينا". 

 
 
 
 
 
View this post on Instagram
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by متراس - Metras (@metraswebsite)

تعذيب بالضرب أحياناً.. وبالإسكات أحياناً أخرى..

كان اعتقال باسل وتعذيبه جزءاً من حملة واسعة استهدفت طلبة الكتلة الإسلامية في عدد من جامعات الضفّة الغربية، كان النصيب الأكبر فيها لطلبة جامعة بيرزيت، إذ طالت نحو 70 طالباً منهم، بينهم 20 طالباً اعتقلوا لأيام عديدة قبل الإفراج عنهم. دفعت تلك الحملة مجموعةً أخرى من الطلبة المُهدّدين بالاعتقال، وممن سبق لهم الاعتقال، للاعتصام داخل حرم الجامعة لـ 24 يوماً، وقد حصلوا في نهايتها على تعهداتٍ بعدم ملاحقتهم مقابل إنهاء اعتصامهم

ولكن، حسب مصادر مطلعة على الاتفاق، فإنّه تَضمنَ مساومةً تقضي بمنع الطلبة المُفرَج عنهم من الحديث عن التعذيب الذي عايشوه داخل سجون السلطة، ووقفِ حديثهم مع وسائل الإعلام عن الاعتقال السياسي. يشير ذلك إلى مستوى إضافي من القمع، ويشير أيضاً إلى المستوى الخطير الذي وصل إليه التعذيب.

في شهادة لأحد الطلبة، ممن فضل عدم الكشف عن اسمه، ممن تعرضوا للتعذيب، يقول: "التعذيب بدأ من لحظة دخول المقر، إذ تجمهر حولي عدد من العناصر وبدأوا بضربي على كل مكان في جسدي، إضافةً للصراخ والشتم". لم ير الطالب وجوه المحققين الذين حرصوا أن يغطوا عينيه طيلة فترة التحقيق، وخاصّةً خلال الضرب. يذكر الطالب أنّ الضرب كان متواصلاً بين السؤال والآخر، وكان التركيز في الضرب على الرأس، والرقبة من الخلف، وعلى الأكتاف، وعلى العضو التناسلي، والضغط على المفاصل بطريقة عكسية، ونتف اللحية. 

يضيف: "عندما لم يحصلوا على مرادهم من التحقيق، أخذوني إلى غرفة الشبح، علقوني من يديي، كنت أقف على رؤوس أصابعي، ورأسي مدلى للأسفل.. وخلال شبحي ضُربت بشكلٍ متواصل بالبرابيش". وبعد انتهاء الشبح، نُقل الطالب إلى "الخزانة" وهي زنزانة ضيّقة يُحتجز فيها المعتقل واقفاً على قدميه أو جالساً القرفصاء في ساعات الليل، بهدف حرمانه من النوم. وقد تواصل التعذيب، كما يروي، على هذا الحال ثلاثة أيام. وهي ظروف شبيهة يرويها آخرون من الطلبة ممن اعتقلوا وأفرج عنهم لاحقاً.

الاهتمام الشعبي قد يحمي المعتقل..

لا يقتصر التعذيب على الضرب بمختلف مستوياته، بل يمتد إلى التعذيب النفسي من خلال: التحقير والإهانة، والحرمان من النوم، والعزل، ومنع زيارات الأهل والمحامين لفترات طويلة، ومنع الخروج إلى ساحة السجن، وحرمان المعتقلين المرضى من أدويتهم. إضافة لفرض العقوبات على من يخالف قواعد السجن بـ: سحب التلفاز، ومنع دخول المطبخ، وحرمان الشراء من الكافتيريا. 

الشاب مزيد سقف الحيط.

مِزيد سقف الحيط، والذي اعتقل على خلفية منشور على فيسبوك، ما بين 7 إلى 12 كانون الثاني، يُبين أنَّ العناصر تتعمد تحقير المعتقل وإهانة شخصه. يقول: "خلال عملية الاعتقال، كان العناصر يشتمونني، ويتعمدون تحقيري بوصفي "بالحشرة" و"التافه" و"النكرة" وغيرها من الأوصاف". تعرّض مزيد لضربٍ مبرح خلال عملية اعتقاله، وقد سمع الضابط يعطي قراره للعناصر: "كَسْروه". 

اقرؤوا المزيد: القصة الكاملة لمعتقلي منجرة بيتونيا

ويعتبر مزيد أنّ تفاعل محيطه على مواقع التواصل الاجتماعي رفضاً لاعتقاله، شكّل حصانةً له من التعذيب، وعجّل من الإفراج عنه. وهو ما لا يحصل مع كثير من المعتقلين، مثل حمادة مفلح، من قرية أوصرين، جنوب شرق نابلس، والذي اعتقل على خلفية هتافاته في تشييع ابن عمه الشهيد عمّار مفلح، والتي انتقد فيها السلطة محمّلاً إياها مسؤولية اغتيال ابن عمه. يقول مزيد: "هو شاب صغير لا يتجاوز 21 عاماً، عانى تعذيباً جسدياً ونفسياً قاسياً، وكانوا يتعمدون تحقيره وإهانته طوال الوقت". 

هل من مؤسسات حقوقية تسمع بما يجري؟

رغم أن تعذيب المعتقلين السياسيين لم يتوقف يوماً في سجون أجهزة السلطة، إلا أنه دخل مرحلةً جديدةً من التصعيد بعد اغتيال الناشط السياسي نزار بنات عام 2021، كما يقول المحامي مهند كراجة مدير مركز "محامون من أجل العدالة". يضيف كراجة أنّ الأجهزة الأمنية تستعيد وسائل التعذيب القديمة وتمارسها على المعتقلين، وهو ما وثّقه من شهادات المعتقلين. وتشمل تلك الوسائل: التعذيب لـ3-5 أيام متتالية، والشبح لساعاتٍ طويلة، والضرب المبرح على كافة أنحاء جسد المعتقل، والضرب بالفَـلْـكَـة، والضربُ بالحزام والكرباج، والحجز في زنازين ضيّقة جداً والتي تختلف مسمياتها بين الثلاجة والخزانة والقبر، ولكن يُجمع كل من جربها أنها أقسى ما يمر به المعتقل السياسي في سجون أجهزة السلطة. 

من أساليب التعذيب. رسومات: إسراء صمادي.

وفي كثير من الأحيان يكون التعذيب ليس بهدف انتزاع اعترافاتٍ بعينها من المعتقلين، وإنما بالأساس من أجل محاولة كسر إرادة الشبان المعتقلين، وردعهم عن الاهتمام بالشأن العام، أو المساهمة في حالة النضال المتصاعدة والمتوسعة في الضفّة، أو حتى التفكير في أن يكونوا جزءاً منها.

اقرؤوا المزيد: "في كل مرة يكون الشبح أشدّ وجعاً".. عن الاعتقالات لدى السلطة

وإمعاناً في محاصرتهم، سُجّل مستوى آخر من القمع، يتعلق بمحاولة حرمان المعتقل من الحقّ في الحصول على محامٍ يثق به ليُمثّله. وقد أشار بعض المحامين إلى أنّ الأجهزة الأمنيّة تحرّض أهالي المعتقلين على بعض المحامين، وتدفعهم نحو عزلهم عن تولي القضية، أحياناً مقابل أن تسمح لهم بالحديث مباشرةً مع القضاة والنيابة. وهي وسيلة تستخدمها الأجهزة بهدف الاستفراد بالمعتقل وفصله عن أي إجراءاتٍ قانونية يقوم بها محاميه للإفراج عنه. وبحسب المحامي كراجة الذي واجه ذلك مرات عدة، فإنّ هذا الإجراء ينعكس على الثقة بين المحامي وموكله، كما له انعكاسات مستقبلية خطيرة تعيق العمل الحقوقي والقانوني في ملفات الاعتقال السياسي، وتعرقل توثيق شهادات التعذيب. 

في الختام، تُشير تقديرات متعددة إلى أن عدد من تعرّضوا للاعتقال السياسي خلال العام 2022 يتراوح ما بين 500 إلى 1000 حالة اعتقال. ومن اللافت أنّه رغم هذا التصاعد، لم تصدر أية تقارير مُفصَّلة من المؤسسات الحقوقيّة الفلسطينيّة لتُضيء على هذا القمع، وتُوثِّق شهادات ما انطوي عليه من تعذيب وانتهاكٍ للحقوق. وهو الأمر الذي قد لا يندرج فقط في إطار التقصير، وإنما قد يصل أيضاً إلى درجة من التستر على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وهو ما قد يُنذر بأيام أكثر قتامةً قد يواجهها المعتقلون في سجون السلطة.