5 ديسمبر 2022

الشهيد عمار مفلح.. الحياة التي سبقت لحظة حوارة

الشهيد عمار مفلح.. الحياة التي سبقت لحظة حوارة

بين قطع الملابس المعلقة على حبل الغسيل تنقل عمار بعد بحثه في خزانته، كان يتحدث لنفسه ووالدته جنان تسمعه: "اليوم بدي ألبس أحلى أشي عندي". الآن تلوم جنان نفسها، لماذا لم تساعده باختيار ملابسه في يومه الأخير. ولكنها هكذا اعتادته، أنيقاً، ومرتباً، ورائحة عطره تملأ المكان.

بقيت جنان تنتظر عودة نجلها عمار عديلي (22 عاماً) على الغداء الذي تقرر أن يكون متأخراً في هذا اليوم حتى عودته. ولكنه لم يعد، والغداء لم يتناوله أحد. لقد وصل الخبر، عمار مصاب. هو خبر اعتادته العائلة، ولكن لم يتأخر الخبر التالي: عمار استشهد.

منذ سن 14 عاماً تواجد عمار في المنزل لم يعد طبيعياً، وغيابه في سجون الاحتلال في المشفى للعلاج من إصاباته هو العادي له وللعائلة. فقد اعتقل مرتين، وأصيب ثلاث مرات. ويقول رفاقه إن إصاباته بالمواجهات لا تعد، فلم يكن يرضى إلا أن يتقدم صف المواجهة في زعترة وحوارة وبلدة بيتا المجاورة.

وهكذا كان عمار في يومه الأخير (2/12) في حوارة متصدياً لاعتداء مستوطن ثم لهجوم جندي اسرائيلي. لم يقبل أن يهان، وقاوم بذراعيه حتى أفرغ الجندي مسدسه في جسد عمار، ليرحل كما تمنى، وكما سعى، ملتحقاً بصديقه جمال دويكات. يقول صديقه سامح العديلي: "عمار شجاع، ما يقبل الذلية والمهانة".

والدته لا تذكره يكبر إلا بعيداً عنها خلف زجاج الزيارة وبين السجانين في المحكمة، تقول: "كان يتنطط بالزيارة بين الأسرى، يلعب ويمزح..كان أصغر أسير في حينه، وكل الأسرى يحبونه".

تضيف جنان: "كان شجاعاً وعنيداً، لم تكن الإصابة والاعتقال كل ما تعرض له، فقد تعرض أيضاً لحادثي سير كاد يموت بهما… ورغم كل هذه الظروف كان يكرر: ما حدا يشفق علي".

في قرية أوصرين الصغيرة قضاء نابلس التي تحتضن 2500 نسمة، وضعت ملصقات تحمل صور عمار على كل جدار. هو أحد أبنائها الذي عُرف بكونه شاباً اجتماعياً منخرطاً دائماً بمناسبات القرية، يبادر دائماً بإلقاء السلام، كما مبادرته للمساعدة، فكان دوماً الملبياً للنداء.

لا يخفي والده حمدي دموعاً تكاد تخفي ذات العيون التي ورثها عمار. ينظر حمدي إلى منزله حيث عُلقت يافطة كبيرة تحمل صورة نجله الشهيد، "كان بدي عمار يبني فوق بيتنا ويتزوج ويكبر". وعلى ذات الجدار كانت العائلة تستعد لتعلق يافطة لاستقبال سامر شقيق عمار بعد سجن 3 سنوات، لكن عمار سبق سامر.

كان عمار ابناً مقرباً من أبيه، حنوناً عليه لا يتركه. يقول حمدي إنه كان مريضاً في ذلك اليوم، وقد أصر عمار أن يبقى بجانبه حتى تحسنت صحته، وقد أحضر له الطبيب قبل مغادرته واشترى له الأدوية.

باستشهاد عمار تستعيد أوصرين قصة من الثلاثينيات لأحد أبنائها المقاومين الذي ارتقى شهيداً بعد أن أعدمته حكومة الانتداب البريطانية في حيفا، هو الشهيد الصيفي مسعود. يقول أهالي أوصرين إن القصة هي ذاتها، وإن تغيرت أسماء الشهداء فقط.